النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: صفه علو الله للعلامه محمد العثيمين

  1. #1

    صفه علو الله للعلامه محمد العثيمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوب إليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان و سلم تسليما ...

    ،،، و بعد ،،،

    فقد ذكر شيخنا العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله في كتابه ( القواعد المثلى في صفات الله و أسمائه الحسنى ) ، أثناء شرحه لصفه علو الله تعالى ما يلي :-

    أن حقيقة معنى المعية لا يناقض العلو فالاجتماع بينهما ممكن في حق المخلوق فإنه يقال : ما زلنا نسيرُ و القمر معنا و لا يعد ذلك تناقضاً و لا يفهم منه أحد أن القمر نزل في الأرض فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى و ذلك لأن حقيقة المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان .

    و إلى هذا الوجه أشار شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتوى الحموية ( ص 103 ) المجلد الخامس من مجموع الفتاوى لابن قاسم حيث قال : " و ذلك أن كلمه ( مع ) في اللغة إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المُطلقة من غير وجوب مماسه أو محاذاة عن يمين أو شمال فإذا قُيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى فإنه يقال : ما زلنا نسير و القمر معنا أو النجم معنا و يقال : هذا المتاع معي لمجامعته لك و إن كان فوق رأسك فالله مع خلقه حقيقة و هو فوق عرشه " أهــ . و صدق رحمه الله تعالى فإن من كان عالماً بك مطلعاً عليك مهيمناً عليك يسمع ما تقول و يرى ما تفعل و يُدبر جميع أمورك فهو معك حقيقة و إن كان فوق عرشه حقيقة لأن المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان .

    و لو فرضنا امتناع اجتماع المعية و العلو في حق المخلوق لم يلزم أن يكون ذلك مُمتنعاً في حق الخالق الذي جمع لنفسه بينهما لأن الله تعالى لا يُماثله شيء من مخلوقاته كما قال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) (11 سوره الشورى ) . و إلى هذا الوجه أشار شيخ الإسلام ابن تيميه في العقيدة الوسطية ( ص 143 الجزء 3 ) من مجموع الفتاوى حيث قال : " و ما ذُكر في الكتاب و السنة من قربه و معيته لا يُنافى ما ذُكر من عُلوه و فوقيته فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته و هو عليٌ في دُنُوه قَريب في عُلُوه " أهــ .

    ( تتمه ) انقسم الناس في معية الله تعالى لخلقه ثلاثة أقسام :

    القسم الأول يقولون : " إن معية الله تعالى لخلقه مُقتضاها العلم و الإحاطة في المعية العامة و مع النصر و التأييد في المعية الخاصة مع ثبوت عُلُوه بذاته و استوائه على عرشه " و هؤلاء هم السلف و مذهبهم هو الحق .

    القسم الثاني يقولون : " إن معية الله لخلقه مُقتضاها أن يكون معهم في الأرض مع نفي علوه و استوائه على عرشه " . و هؤلاء هم الحُلولية من قدماء الجهمية و غيرهم و مذهبهم باطل مُنكَرٌ أجمع السلف على بطلانه و إنكاره .


    القسم الثالث يقولون : " إن معية الله لخلقه مُقتضاها أن يكون معهم في الأرض مع ثبوت علوه و فوق عرشه " ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيميه ( ص 229 ) ( الجزء 5 ) من مجموع الفتاوى . و قد زعم هؤلاء أنهم أخذوا بظاهر النصوص في المعية و العلو و كذبوا في ذلك فضلوا ، فإن نُصوص المعية لا تقتضي ما ادعوه من الحلول لأنه باطل و لا يمكن أن يكون ظاهر كلام الله و رسوله باطلاً .

    ( تنبيه ) اعلم أن تفسير لمعية الله تعالى لخلقه بأنه معهم بعلمه لا يقتضي الاقتصار على العلم بل المعية تقتضي أيضاً إحاطته بهم سمعاً و بصراً و قدرة و تدبيراً و نحو ذلك من معاني ربوبيته .

    ( تنبيه آخر ) أشرت فيما سبق إلى أن علو تعالى ثابت بالكتاب و السنة و العقل و الفطرة و الإجماع .

    أما الكتاب : فقد تنوعت دلالته على ذلك . فتارةً بلفظ العلو و الفوقية و الاستواء على العرش و كونه في السماء كقوله تعالى : ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) ( 255 سوره البقرة ) ، و قوله تعالى : ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ) ( 18 سوره الأنعام ) ، و قوله تعالى أيضاً : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ( 5 سوره طـه ) ، و قوله : ( أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ ) ( 16 سوره الملك ) . و تارةً بلفظ صُعود الأشياء و عُروجها و رفعها إليه كقوله : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) ( 10 سوره فاطر ) ، و قوله : (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ) ( 4 سوره المعارج ) ، و قوله سبحانه : (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) ( 55 آل عمران ) ، و تارةً بلفظ نزول الأشياء منه و نحو ذلك كقوله تعالى : ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ ) ( 102 سوره النحل ) ، و قوله عز وجل : ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضٍ ) ( 5 سوره السجدة ) .


    و أما السنة :- فقد دلت عليه بأنواعها القولية و الفعلية و الإقرارية في أحاديث كثيرة تبلغ حد التواتر و على وجوه متنوعة كقوله صلى الله عليه و سلم في سجوده : " سبحان ربي الأعلى " ، و قوله : " إن الله لما قضى الحلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي ". و قوله عليه الصلاة و السلام : " ألا تأمنوني و أنا أمين من في السماء " . و ثبت عنه أنه رفع يديه و هو على المنبر يوم الجمعة يقول : " اللهم أغثنـــا " . و أنه رفع يده إلى السماء و هو يخطب الناس يوم عرفه حين قالوا نشهد أنك قد بلغت و أديت و نصحت فقال : " اللهم اشهد " . و أنه قال للجارية : " أين الله ؟ " ، قالت : في السماء فأقرها و قال لسيدها : " اعتقها فإنها مؤمنه ".

    و أما العقل : فقد دل على وجوب صفه الكمال لله تعالى و تنزيهه عن النقص . و العلو صفه كمال و السفل نقص فوجب لله تعالى صفة العلو و تنزيهه عن ضده .

    و أما الفطرة : فقد دلت على علو الله تعالى دلالة ضرورية فطرية فما من داعٍ أو خائف فزع إلى ربه تعالى إلا وجد في قلبه ضررة الاتجاه نحو العلو لا يلتفت عن ذلك يمنه و لا يسرة . و اسأل المصلين يقول الواحد منهم في سجوده : " سبحـــان ربي الأعلى " ، أين تتجه قلوبهم حينذاك .

    و أما الإجماع : فقد أجمع الصَّحابة و التَّابعون و الأئمة على أن الله تعالى فوق سمواته مُستو على عرشه و كلامهم مشهور في ذلك نصاً و ظاهراً ، قال الأوزاعي : " كنا و التابعون مُتوافرون نقول إن الله تعالى ذِكْرُه فوق عرشه و نؤمن بما جاءت به السنة من الصفات " و قد نقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم و مُحال أن يقع في مثل ذلك خلاف و قد تطابقت عليه هذه الألة العظيـــمة التي لا يُخالفها إلا مُكابر طمس على قلبه و اجتالته الشياطين عن فطرته نسأل الله تعالى السلامة و العافية . فعلو الله تعالى بذاته و صفاته من أبين الأشياء و أظهرها دليلاً و أحق الأشياء و أثبتها واقعاً .

    ( تنبيه ثالث ) اعلم أيها القارئ الكريم أنه صدر مني كتابة لبعض الطلبة تتضمن ما قلته في بعض المجالس في معية الله تعالى لخلقه ذكرت فيها : أنَّ عقيدتنا أن الله تعالى معية حقيقية ذاتية تليق به و تقتضي إحاطته بكل شيء علماً و قدرة و سمعاً و بصراً هو العلي بذاته و صفاته و علوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها و أنه مُستوٍ على عرشه كما يليق بجلاله و أن ذلك لا يُنافى معيته لأنه تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) ( 11 سوره الشورى). و أردت بقولي ( ذاتية ) توكيد حقيقة معيته تبارك و تعالى . و ما أردت إنَّه مع خلقه سبحانه مُنزه أن يكون مُختلطاً بالخلق أو حالاً في أمكنتهم و أنه العلي بذاته و صفاته و أنَّ علوه من صفاته الذاتية التي لا ينفكُّ عنها و قلت فيها أيضاً ما نصُّه بالحرف الواحد :

    " و نرى أنَّ من زعم أنَّ الله بذاته في كل مكان فهو كـــــافر أو ضـــال إن اعتقده و كاذب إن نسبه إلى غيره من سلف الأمة أو أئمتها " أ هــ . و لا يمكن لعاقل عرف الله و قدَّره حق قدره أن يقول إنَّ الله مع خلقه في الأرض و ما زلت و لا أزال أنكر هذا القول في كل مجلس من مجالسي جرى فيه ذكره ؛ و أسأل الله تعالى أن يثبتني و إخواني المسلمين بالقول الثابت في الحياة الدُّنيا و في الآخرة . و هذا و قد كتبت بعد ذلك مقالاً نُشر في ( مجلة الدعوة ) التي تصدر في الرياض نشر يوم الإثنين الرابع من شهر محرم 1404 هــ أربع و أربعمائة و ألف برقم ( 911 ) قرَّرت فيه ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من أن : معية الله تعالى لخلقه حقٌ على حقيقتها و أنَّ ذلك لا يقتضي الحلول و الاختلاط بالخلق فضلاً عن أن يستلزمه و رأيت من الواجب استبعاد كلمه ( ذاتية ) و بينت أوجه الجمع بين علو الله تعالى و حقيقته المعية .

    و اعلم أن كل كلمه تستلزم كون الله تعالى في الأرض أو اختلاطه بمخلوقاته أو نفي علوه أو نفي استوائه على عرشه أو غير ذلك مما لا يليق به تعالى فإنها كلمه باطلة يجب إنكارها على قائلها كائناً من كان و بأي لفظ كانت . و كل كلام يُوهم [ و لو عند بعض الناس ] ما لا يليق بالله تعالى فإن الواجب تجنبُّه لئلا يُظن بالله تعالى ظن السُّوء لكن ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم ، فالواجب إثباته و بيان بطلان وَهْم من توهم فيه ما لا يليق بالله عز وجل .

    هذا و أسأل الله تعالى أن نكون قد وفقنا بهذه الخلاصة ، و أن نكون ممن يسمع الكلام فيتبع أحسنه ، و يجتنب أسوأه ، و صلِّ اللهم و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم .

    كتــــــــاب : القواعد المثلى في صفات الله و أسمائه الحسنى ...
    للشيخ : محمد بن صالح العثيميــــــن غفر الله له و لوالديه ...
    قال الإمام الأوزاعي رحمه الله:
    "إصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، و قل بما قالوا، وكف عما كفوا، و اسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم."

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    المشاركات
    338
    جزاك الله خيرا نقل موفق

  3. #3
    و إيـــــــــــــــــاك
    قال الإمام الأوزاعي رحمه الله:
    "إصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، و قل بما قالوا، وكف عما كفوا، و اسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم."

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 06-22-2011, 11:03 PM
  2. مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 09-15-2007, 12:39 PM
  3. كتاب أصـول الإيمان لشيخ الإسلام محمد بن عبدا لوهاب التميمي رحمه الله
    بواسطة عسلاوي مصطفى في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-14-2006, 06:43 PM
  4. مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-06-2005, 10:29 PM
  5. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-22-2004, 10:16 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •