الأزمنة
القرار.. الصدمة..!
عبد الله بن عبدالعزيز بن إدريس






لا أدري لو أن وزارة التربية والتعليم - وفقها الله - عملت استفتاءً للشعب السعودي.. قبل أن يصدر منها القرار (الصدمة)..! الذي يجيز للمدارس الأهلية تدريس المواد الدراسية فيها.. باللغة الإنجليزية، أو أي لغة أجنبية باستثناء مادتي (الدين واللغة العربية) - هل ستجد في هذا الاستفتاء (المفترض) نسبة قبولٍ تركن إليها في إجازة هذه النقلة (التقويضية) المفجعة وذات الخطر الشديد على أبرز وأهم مقومات الأمة وأساس كيانها الوجودي والحضاري.. وما تختص به بين الأمم، وهي لغتها القومية (العربية).

إن ربط أذهان صغار السن الذين لم يكملوا العقد الأول من أعمارهم.. بلغة غير لغتهم (الأم) سوف يجرهم شيئاً فشيئاً إلى ضعف لغتهم القومية حتماً.. وسوف يكون الانحدار التدرجي به في اللغة العربية.. فاصلاً زمنياً.. لن تستبين نهايته التدميرية إلا بعد أن تتحول (اللغة الأجنبية) إلى (ضرة مشاكسة ومعادية (لأم، الأمة) ومزاحمة لها على كسب (الولاء) في المجتمع بين لغة (مقدسة).. لا أكثر من قداستها أن يكون الله جل جلاله قد اختارها من بين لغات الأمم كلها.. لتكون لغة القرآن الكريم.. لغة الرسالة الإسلامية التي ختم بها رسالاته السماوية إلى الإنس والجن وبين لغة أجنبية يتلقاها أطفال صغار لم ترسخ لغتهم القومية في أذهانهم رسوخ الثبات.

ولا يمكن أن نتصوره مجرد تصور، وهو تصور آثم.. أن الله الذي اختار اللغة العربية وهي الوعاء الأنظف والأشرف والأكمل. لتحمل القرآن العظيم إلى الناس كافة.. ستكون عاجزة عن تدريس العلوم والمعارف الإنسانية.

لا يمكن للغة القرآن والسنة أن تكون أقل اقتداراً من اللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات الأجنبية، على تحقيق التطور النهضوي.. كل بلغته القومية. والذين يجيدون اللغات الأجنبية من العرب كثيرون.. ولكن ماذا أفادتهم هذه اللغات..؟

إذن الأمر يتعلق، كما قلت قبلاً، بالعقول التي لم تنفض عنها غبار الجهل والكسل.. أو لم تتح لهم حكوماتهم وسائل التقدم المنشود.. مما اضطر كثيراً منهم مرغمين على الهجرة إلى أمريكا وأوروبا.. كالعلماء الدكاترة.. فاروق الباز، وأحمد زويل، ومجدي يعقوب - كمثال -.

واللغة، أي لغة كانت، ليست هي التي تخلق التقدم العلمي بحد ذاتها وليست هي الوسيلة المثلى في هذا المجال.. إنما الوسيلة والغاية معاً هي العقل البشري الواعي والمتسلح (بالعلم) اللّدُنّي والمكتسب.. فمتى تضافر وتوافر هذان الأساسيان؛ وأياً كانت اللغة - وَجَدَا السبيل الذي وجده رواد العلوم العصرية المذهلة. والتي غيرت مجرى الحياة الإنسانية.. بما لم يدر حتى في خيال الشعراء..!

ولو أن اللغة الإنجليزية، أو الفرنسية، أو الألمانية، أو الإيطالية.. هي الكفيلة بتطوير الأمم والشعوب - لرأينا القارة الإفريقية، وهي تجيد هذه اللغات الأربع. التي استعمرتها ردحاً من الزمن.. تجاري أهل هذه اللغات.. في كل ما وصلت إليه من تقدم علمي وصناعي.. ولكن هيهات!! بل إن وبال تعلق إفريقيا بلغات مستعمريها سابقاً، إن لم يكن قد أسهم في تأخرها.. ! فهو، يقيناً، لم يقدمها شبراً واحداً. بل إن كثيراً من دول هذه القاراة السوداء تسير نحو الهاوية.. دون كابح عقلاني يحول بينها وبين تدمير نفسها بدوافع (بدائية) في منتهى الحمق وفقدان الحصافة العقلية والفكرية.. وانظروا ماذا يدور بين الصوماليين أنفسهم.. وبينهم وبين الحبشة وبين السودان وتشاد..! بل بين المغرب والجزائر... إلخ..

إن عقول هذه الشعوب لم تنضجها (اللغات الأجنبية) التي فرضها الاستعمار على بلادهم.. وإذاً فليس التقدم أو التخلف في ميادين الحياة المعاصرة، مرتبطاً باللغة الأجنبية أو القومية. وإنما مرد ذلك (العقل) الذي يتغذى بالعلم والتجارب البحثية الجادة وبأي لغة كانت أو بما هو عكس ذلك.

وفي هذا المجال يرد على الذهن موقف (اليهود) من لغتهم (العبرية) التي تعتبر من اللغات الميتة عبر التاريخ.. إلى أن أحياها زعيم الحركة الصهيونية (وايزمن) في نهاية القرن التاسع عشر بدعوته جميع اليهود في أنحاء العالم أن يتجهوا إلى تعلم لغتهم العبرية والانصهار فيها والاعتزاز بها... وكانت تلك أهم خطوة في قيام (دولة إسرائيل) على (أرض فلسطين العربية)! بدعم من أمريكا وأوروبا المعادية والمحاربة للإسلام.

وأصبحت (العبرية) اللغة القومية لإسرائيل، في كل ميدان من ميادين حياتها الدنيوية والدينية.. ووصلت بلغتها التي لا يتكلمها أكثر من (10) ملايين في العالم.. إلى منافسة أمريكا وأوروبا في جميع الصناعات العسكرية والمدنية.. بما فيها الأسلحة الذرية والجرثومية..!

أما (اللغة العربية) التي تسمو وتعتز بأنها لغة القرآن الكريم وأن الناطقين والكاتبين بها.. وهم يتجاوزون (نصف مليار) من عرب ومسلمين.. وغيرهم - فهي؛ ويا للخجل؛ عند بعضهم أقل من اللغة العبرية.. والله المستعان.

***
http://www.al-jazirah.com/104632/ar9d.htm