قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله تعالى: أقام زيد عمراً نائباً عن بكر، يسميه في العمرة والحج له عن عمرة الإسلام وحجة الإسلام، فيحرم من الميقات بنية العمرة والحج قائلاً عند دخوله في الإحرام: لبيك، عمرة عن فلان، ويسميه، ويلبي حتى يطوف بالبيت طواف العمرة سبعة أشواط، يرمل في الثلاثة الأول، ثم يصلي ركعتين خلف المقام. ثم يخرج إلى الصفا من بابه، ويرقى على الصفا، ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط; ثم يحل من عمرته بالحلق أو التقصير.
ثم إذا أراد الخروج إلى منى في اليوم الثامن، طاف بالبيت، وصلى ركعتين، وأحرم بالحج، وقال: لبيك، حجاً عن فلان، ويسميه، ويخرج إلى عرفات، ولا يدفع منها إلا بعد غروب الشمس. ثم يفعل ما فعل الحاج، فإذا أتى منى يوم العيد، رمى جمرة العقبة خاصة; ثم يذبح الهدي هدي التمتع، وأدناه جذع من الضأن له ستة أشهر. ثم يفيض إلى مكة ويطوف طواف الزيارة، وهو ركن، ويسعى بين الصفا والمروة، وهو ركن أيضاً. ثم يرجع إلى منى ويبيت بها ليالي منى، ويرمي الجمار الثلاث كل يوم إذا زالت الشمس، كل جمرة سبع حصيات صغار أكبر من الحمص. ثم إذا أراد أن يخرج طاف طواف الوداع، فإذا فعل ذلك تم حجه وعمرته عمن استنيب عنه.
وسئل: عمن حمل الرافضة إلى مكة؟
فأجاب: من حمل الرافضة إلى مكة، فقد عصى الله تعالى، وأصر على كبيرة من الكبائر، فمن كان كذلك صار فاسقاً.
[ الحج على حيوان مغصوب ]
سئل الشيخ حسن بن حسين: عمن أنشأ الحج على حيوان مغصوب؟
فأجاب: أما التحريم فمطلقاً، وأما عدم الصحة فظاهر كلامهم ما صرح به في الغاية، حيث قال: أو حج بغصب عالماً به ذاكراً له وقت عبادة لم تصح، وإلا صحت، ويتجه لو تاب في حج قبل دفع من عرفة أو بعده، إن عاد فوقف مع تجديد إحرام الصحة، لتلبسه بالمباح حال فعل الأركان. انتهى.
[ عقد الرداء عند الإحرام لحاجة ]
سئل الشيخ عبد الله العنقري: عن عقد الرداء عند الإحرام لحاجة؟
فأجاب: الظاهر - والله أعلم - أن ذلك لا يجوز على ظاهر المذهب، واختار الشيخ الجواز لحاجة. وقال أيضاً في النسك: يجوز عقد ردائه عند الإحرام لحاجة. وأما الاستظلال بالشمسية ونحوها، فظاهر المذهب المنع من ذلك، وفي رواية للإمام أحمد ما يفهم جوازه. والذي يظهر: أنه إن كان لحاجة فلا بأس، وإن كان لغير حاجة، فلا، لقول ابن عمر: " اضح لمن أحرمت له ". انتهى
وسألت شيخنا: الشيخ سعد بن حمد بن عتيق؟ فقال: الراجح الجواز للحاجة في المسألتين.
[ كشف رأس الأقرع ]
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف: عن كشف رأس الأقرع؟
فأجاب: إن كان إذا كشف رأسه يخشى عليه ضرر مرض أو غيره فيجوز أن يغطيه بشمسية أو غيرها، ويلزمه فدية صيام ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يذبح شاة، هو بالخيار. وإن ترك الكشف حياء من الناس من غير مضرة، فليس له رخصة، وإن غطاه فهو عاص آثم.
[ هل الْحِجْر من البيت ]
سئل أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وحمد بن ناصر: عن الحِجْر، هل هو من البيت؟
فأجابوا: الحِجْر من البيت، لما روت عائشة، رضي الله عنها، قالت: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحِجر، أمن البيت هو؟ قال: نعم. قلت: فَلِمَ لَمْ يدخلوه البيت؟ قال: إن قومك قصرت بهم النفقة، قلت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: فعلوا ذلك ليدخلوا من يشاؤوا، ويمنعوا من يشاؤوا، ولولا أن قومك حديثو عهدهم في الجاهلية أن تنكر قلوبهم، لنظرت أن أدخل الحجر بالبيت، وأن ألزق بابه بالأرض " 1،
وعنها قالت: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قومك استقصروا من بنيان البيت، ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه؛ فإن بدا لقومك من بعدي، فهلمي لأريك ما تركوا
منها؛ فأراها قريباً من سبعة أذرع " 1، رواهما مسلم. وعنها قالت: " قلت: يا رسول الله، إني نذرت أن أصلي في البيت، قال: صلي في الحجر، فإن الحجر من البيت "، رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. فمن ترك الطواف بالحجر لم يطف بالبيت جميعه، ولم يصح طوافه، كما لو ترك الطواف ببعض البناء؛ وبهذا قال عطاء ومالك والشافعي، وأبو ثور وابن المنذر، وهو مذهب الإمام أحمد.
[ استلام الأركان وتقبيلها ]
وسئلوا: عن استلام الأركان، وتقبيلها؟
فأجابوا: الحجر الأسود يقبل ويستلم، والركن اليماني يستلم ولا يقبل، وفيه قول عند الحنابلة أنه يقبل أيضاً؛ والصحيح الأول، لأن تقبيله لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والعراقي والشامي لا يقبلان، ولا يستلمان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبلهما ولم يستلمهما، بل قال ابن عمر: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني "، وقال: " ما أراه - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر، إلا أن البيت لم يقم على قواعد إبراهيم، ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك "، ولهذا أنكر ابن عباس على معاوية استلامهما، فقال: " لِمَ تستلم هذين الركنين، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يستلمهما؟ فقال معاوية: ليس شيء من هذا البيت مهجوراً، فقال ابن عباس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }، فقال معاوية: صدقت ".
وأجاب الشيخ عبد الله بن محمد أيضاً: إذا طاف بالبيت وهو مُحْدِث، فإن كان طواف الزيارة فإنه يعيد، وإن كان قد خرج إلى بلده جبره بدم. وإن كان غير طواف الزيارة ففيه قولان: أحدهما: أن الطهارة شرط لصحته، والثاني: ليست بشرط، ويجبره بدم.
سئل الشيخ سعيد بن حجي: إذا طاف بالبيت، ثم التفت بوجهه إلى شيء من الأركان والميزاب؟
فأجاب: أخرج أبو داود والنسائي عن ابن عمر قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الحجر الأسود، والركن اليماني في كل طوفة "؛ فعلى هذا، لا يمكن الاستلام إلا بالالتفات، ولم نجد في كلام الفقهاء أن الالتفات في الطواف يضر، أو يلزمه فيه شيء، مع أن الخشوع في الطواف مطلوب، وهو أتم وأحسن، لأن الطواف شبه بالصلاة في غالب الأحوال.
[ سعي الحائض قبل الطواف ]
سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن: عن الحائض إذا قدمت مكة، هل تسعى قبل الطواف؟
فأجاب: لا يصح السعي إلا بعد طواف نسك من الأنساك، أما الْمُفْرِد والقارن، فسعيهما بعد طواف القدوم مجزئ لحجتهما، كما يجزئ القارن لعمرته.
وأما المتمتع، فيسعى بعد طواف العمرة، ولا يجزيه للحج إلا أن يسعى بعد الإفاضة بعد طواف؛ قال بعضهم: يطوف للقدوم ويسعى بعده، والمختار: أنه لا يطوف للقدوم،
وليس عليه إلا طواف الزيارة، وعليه أن يسعى بعده للحج، فإن سعى قبله لم يجزئه؛ قالوا: ويجب أن يكون بعد طواف واجب أو مستحب، هذا كلام الحنابلة لا خلاف بينهم في ذلك.
وقال الشافعية: لو سعى ثم تيقن أنه ترك شيئاً من الطواف لم يصح سعيه، فيلزمه أن يأتي ببقية الطواف، فإذا أتى ببقيته أعاد السعي؛ نص عليه الشافعي، وبنحوه قال مالك وأبو حنيفة. ومما يستدل به لذلك: حديث عائشة، رضي الله عنها، وفيه: " فلما كنا في بعض الطريق حضت، فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ قلت: وددت أني لم أكن خرجت العام، فقال: ارفضي عمرتك وانقضي رأسك، وامتشطي وأهلّي بالحج " 1، ومعنى ارفضي العمرة: ارفضي أعمالها؛ فلو صح سعي قبل الطواف لما منع منه حيضها، كما لا يمنع من سائر المناسك.
وأجاب الشيخ عبد الله العنقري: والتي حاضت بعد الإحرام، فهذه تفعل كما فعلت عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم: تدخل الحج على العمرة، وترفض أعمال العمرة، ولا تطوف بالبيت حتى تقضي حجها، فتكون قارنة؛ وأما اعتمارها بعد انقضاء الحج، فاختار الشيخ وابن القيم أنه لا يشرع.
والجواب عن فعل عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها تطييباً لنفسها، لما قالت: يرجع الناس بنسكين، وأرجع بنسك،
ولهذا لم يفعله أحد من الصحابة غيرها فيما نعلم. انتهى.
[ إحرام المكي ]
وسئل الشيخ عبد الله بن محمد، رحمهما الله: هل على المكي الإحرام من الحل... إلخ؟
فأجاب: المسألة فيها خلاف بين العلماء، والذي عليه الأكثر جواز ذلك واستحبابه، واختار الشيخ تقي الدين وتلميذه ابن القيم: أنه لا يسن ولا يستحب، لأنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه سوى عائشة، فإنه أذن لها في ذلك تطييباً لقلبها، ولو كان ذلك سنة لفعله الصحابة وبادروا إليه، وهم الأسوة والقدوة في الدين.
[ مباهاة الله بأهل عرفة ]
سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن حديث " إن الله يباهي بأهل عرفة " 1؟
فأجاب: هذا الحديث مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث مشهور.
[ شهود عدول برؤية هلال ذي الحجة ]
سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن: إذا شهد عدول برؤية هلال ذي الحجة، ولم ير ليلة إحدى وثلاثين... إلخ؟
فأجاب: الذي نص عليه العلماء، رحمهم الله، أن الناس إذا وقفوا الثامن أو العاشر خطأ أجزأهم، نص عليه أحمد؛ ودليله: حديث أبي هريرة مرفوعاً: " فطركم يوم تفطرون، وإضحاكم يوم تضحون " 2، رواه أبو داود والدارقطني، وروى أيضاً من حديث عائشة مثله، قال الخطابي في معالم السنن:
معنى الحديث: أن الخطأ موضوع عن الناس فيما سبيله الاجتهاد؛ فلو أن قوماً اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت أن الشهر تسع وعشرون، فإن صومهم وفطرهم ماض؛ وكذلك هذا في الحج إذا أخطؤوا يوم عرفة، فإنه ليس عليهم إعادة، وتجزيهم ضحاياهم.
[ هل يكفي المتمتع سعي واحد ]
سئل الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن: عن المتمتع هل يكفيه سعي واحد؟ أم يجب عليه سعيان؟
فأجاب: المتمتع يكفيه سعي واحد، وعليه جمع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإن كان كثير من العلماء اختار أن عليه سعيين، لكن من زعم أن تركه ذلك مخل بالحج، فقد أبعد عن الصواب؛ فلعله ظن أن جعل الأصحاب السعي للعمرة من أركانها يقتضي فساد الحج، وهذا خطأ لأن مرادهم العمرة المطلقة. أما المتمتع فلم يقصدوه، وإنما قالوا: ويسعى المتمتع سعيين. والخلاف في هذه المسألة مشهور، حتى ذكر الشيخ تقي الدين في منسكه الأخير، أنه أصح قولي العلماء، وأصح الروايتين عن أحمد، رحمه الله.
وذكر أن الصحابة الذين تمتعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة، وساق ما رواه أحمد بسنده إلى ابن عباس، أن المفرد والقارن والمتمتع، يجزئه طواف
بالبيت وسعي بين الصفا والمروة، وذكر ما ثبت في صحيح مسلم عن جابر، قال: " لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً: طوافه الأول " 1، وردّ ما روي عن عائشة أنهم طافوا طوافين، وذكر أنه زيادة في آخر الحديث من قول بعض الرواة؛ وكلامه في هذه المسألة وكلام تلميذه وغيرهما من المحققين معروف، والدليل معهم ظاهر بحمد الله.
فالمنكر في الحقيقة إنما أنكر على السلف، ومن ألف العادة من غير بصيرة ولا ورع استنكر الحق، ولو قال: هذا خلاف ما عليه العمل، أو أن الفتوى على خلافه لكان أسهل، فالحق الذي لا مرية فيه أن مثل هذا إذا صدر من طلبة العلم، فالإنكار عليه والتشديد في أمره، إنكار في الحقيقة على من عمل به من الصحابة فمن بعدهم.
[ رمي الجمار ]
سئل الشيخ عبد الله العنقري: عن رمي الجمار دفعة واحدة... إلخ؟
فأجاب: الذي رمى الجمرة دفعة واحدة ولم يستأنف أيام منى، فعليه دم شاة تذبح في مكة. وإذا رماها مع الجهل فقد خالف السنة، وليس عليه شيء.
[ استدخلت ذكر زوجها وهما محرمان ]
سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عمن استدخلت ذكر زوجها وهما محرمان... إلخ؟
فأجاب: والمرأة التي استدخلت ذكر زوجها وهما
محرمان، مرادكم: وهو نائم، هل يجب عليه كفارة أو لا؟ وهل تحملها عنه الزوجة كالنفقة أو لا؟ فالظاهر وجوب الفدية عليه، لأن هذا نوع إكراه والمكره عليه الفدية على الصحيح من المذهب؛ قال في الإنصاف، في باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة، عند قول المصنف: وإذا جامع في نهار رمضان... إلخ: فشمل كلام المصنف المكره؛ وهو الصحيح من المذهب نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب. وسواء أكره على فعله أو فعل به من نائم وغيره - إلى أن قال - وحيث فسد الصوم بالإكراه، فهو في الكفارة كالناسي على الصحيح من المذهب. وقيل: يرجع بالكفارة على من أكرهه، قلت: وهو الصواب. انتهى.
فتبين بذلك: أن المذهب وجوب الكفارة على من استدخلت زوجته ذكره وهو نائم، وأنها لا تتحملها عنه على الصحيح من المذهب، كما تتحمل عنه نفقة القضاء، والقول بوجوب الكفارة من المفردات.
[ مَن لم يطف يوم العيد وأراد أن يطوف بعده ]
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ، رحمهما الله: عن رجل أفتى أن من لم يطف يوم العيد، وأراد أن يطوف بعده، فعليه أن يحرم بعد رميه جمرة العقبة والذبح والحلق؟
فأجاب: الذي أفتى، عفا الله عنه، لحديث بلغه، ونحن ما جسرنا على الفتيا به، لأجل أنه خلاف أقوال العلماء من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، وهو ما روت أم سلمة، قالت:
" كانت ليلتي التي يصير إليّ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مساء يوم النحر، فصار إليّ، فدخل علي وهب بن زمعة، ومعه رجال متقمصين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوهب بن زمعة: هل أفضت أبا عبد الله؟ قال: لا والله يا رسول الله، قال: انزع عنك القميص، فنَزعه من رأسه، ونزع صاحبه قميصه من رأسه، ثم قال: ولِم يا رسول الله؟ قال: إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة، أن تحلوا من كل ما حرمتم منه إلا النساء، فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا صرتم حرماً، كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به "؛ قال بذا جماعة، رواه أبو داود بإسناد صحيح; قال البيهقي: لا أعلم أحداً من القدماء قال به، قال النووي: فيكون الحديث منسوخاً دل الإجماع على نسخه.
[ الْجُبْرَان في الحج ]
سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن الجبران... إلخ؟
فأجاب: جبران الصلاة وهو سجود السهو، أدخل في الجبر من جبران الحج، وهو الدم، لأن جبران الصلاة يتعدى إلى صلاة المأموم من صلاة الإمام، فيلزم المأموم إذا سها إمامه سجود السهو، وإن لم يسهُ هو، بل يلزمه أن يسجد إذا لم يسجد إمامه، بعد إياسه من سجوده على الصحيح من المذهب؛ ومن هنا علم: أن جبران الصلاة أدخل في الجبر من جبران الحج.
[ أركان الحج ]
سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن: عن قولهم: أركان الحج: الوقوف، وطواف الزيارة... إلخ؟
فأجابه: قولهم أركان الحج: الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة بلا نزاع فيهما؛ فإن ترك طواف الزيارة رجع معتمراً، لأنه على بقية إحرامه، فهذا في حق من تركه; قال في الإنصاف: وأما المحصر عن طواف الإفاضة بعد رمي الجمرة، فليس له أن يتحلل، ومتى زال الحصر أتى بطوافه وتم حجه، وذبح هدياً في موضع حصره، وهذا المذهب; واختار ابن القيم في الهدي: أنه لا يلزم المحصر هدي; وأما من أحصر بمرض أو ذهاب نفقة، لم يكن له التحلل حتى يقدر على البيت، فإن فاته الحج تحلل بعمرة، ويحتمل أنه يجوز له التحلل، كمن حصره عدو؛ وهو رواية عن أحمد، اختارها الزركشي، ولعلها أظهر، واختارها الشيخ تقي الدين.
قال ومثله: حائض تعذر مقامها وحرم طوافها، ورجعت ولم تطف لجهلها بطواف الزيارة، أو لعجزها عنه، ولو لذهاب الرفقة. وقال في الفروع: وكذا من ضل الطريق، ذكره في المستوعب. هذا حاصل ما ذكره في الإنصاف، في حكم من فاته طواف الزيارة لهذه الأسباب، وأما إذا أحصر عن فعل واجب، فإنه لا يتحلل على الصحيح من المذهب، وعليه دم له، وحجه صحيح.
وقال القاضي: يتوجه فيمن حصر بعد تحلله الثاني يتحلل; قلت: ولعل مراده أنه لم يبق عليه من المناسك
شيء، إلا أن يكون طواف الوداع، أو رمي الجمار والمبيت بمنى؛ وهذه الأمور يأتي بها الحاج بعد التحلل كله. وأما إذا بقي عليه شيء من المناسك، التي محلها قبل التحلل الثاني، فإنه يبقى محرماً ليأتي بها، كما يأتي بها من لم يحصر عن واجب، كالمبيت بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة، فلا يجوز أن يأتي بذلك إلا وهو محرم؛ فتدبر.
وسئل أيضاً: من نفر من الحج ولم يطف طواف الزيارة والسعي، ثم أراد السفر لقضاء ما تركه، فهل يحرم بعمرة مفردة، ثم يأتي بما بقي عليه؟ وهل يجوز إن كان الوقت لم يتسع أن يحرم بالحج، فإذا فرغ أتى ببقية أعمال حجه الأول؟
فأجاب: قال في شرح المنتهى: فلو تركه، أي طواف الزيارة، وأتى بغيره من فرائض الحج، وبعد عن مكة مسافة القصر، رجع إلى مكة معتمراً، فأتى بأفعال العمرة، ثم يطوف للزيارة. انتهى. وهذه مسألة السائل، أحد أجزائها، فيحرم بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج، فإذا فرغ من أعمالها أتى بما تركه من طواف وسعي. أما إذا ضاق الوقت بأن لم يمكنه قدوم مكة قبل الوقوف، فيحرم قارناً أو مفرداً، فإذا رمى جمرة العقبة وأفاض إلى مكة وطاف طواف الزيارة وسعى بعده، رجع إلى البيت فأتى بما تركه عام أول من طواف وسعي. فإن قدم الطواف والسعي الذي تركه على طواف حجه الذي هو في
أعماله جاز ذلك، لأن وقت طواف الزيارة والسعي موسع، فمتى فعله وقع أداء. هذا ما تقتضيه قواعد مذهبنا، وأصوله.
وأجاب الشيخ أبا بطين: وأما من خرج من مكة ولم يطف للوداع، فإن كان قد بعد عن مكة وجب عليه دم يرسله لمكة إن أمكن، فإن لم يمكنه ذبحه في مكانه.
سئل الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف: إذا لم يطف للوداع... إلخ؟
فأجاب: إذا كان حجه فريصة، فالظاهر أنه لا يستنيب في طواف الوداع، بل إذا عجز طيف به راكباً أو محمولاً؛ فإن لم يفعل فعليه دم.
[ شرب ماء زمزم والتبرك به ]
سئل أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحمد بن ناصر، رحمهم الله: عن شرب ماء زمزم والتبرك به... إلخ؟
فأجابوا: شرب ماء زمزم، والتبرك به، مستحب، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه أتى بني عبد المطلب وهم يسقون، فناولوه دلواً فشرب منه ". ومن شرب لغرض من هذه الأغراض المذكورة في السؤال لم ينكر عليه، للحديث الذي رواه ابن ماجة وغيره: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ماء زمزم لما شرب له " 1.
فصل
وسئل أبناء الشيخ، وحمد بن ناصر: عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم... إلخ؟
فأجابوا: إن كان زيارة هذا الزائر لقبر النبي صلى الله عليه وسلم أو الصالح، فيها شد رحل، فهي زيارة بدعية، ووسيلة من وسائل الشرك؛ وقد اختلف العلماء في جواز قصر الصلاة في هذا السفر: فمنهم من يجوز القصر، ومنهم لا يجوزه، ويقول: هذا سفر معصية لا يجوز فيه قصر الصلاة، لما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى " 1. وإن كانت الزيارة بغير شد رحل فهي مستحبة، كزيارته صلى الله عليه وسلم القبور، وأمره بها; وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه سن للزائر أن يقول: " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين. نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم " 2. هذه هي الزيارة الشرعية التي فعلها صلى الله عليه وسلم وأمر بها، وهي دعاء الله للميت المسلم لا دعاء الميت نفسه، ولا يتحرى الدعاء عند قبره؛ فإن دعاء الزائر صاحب القبر شرك أكبر يخرج من ملة الإسلام، وهو شرك عابدي الأصنام قبل بعث
الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحري دعاء الله عند القبر ذريعة إلى ذلك، ولكن لا يكون شركاً. والنبي صلى الله عليه وسلم سد الذرائع إلى ذلك، حذراً من فعل هؤلاء القبوريين المفتونين بعبادة أهل القبور قديماً وحديثاً، إما أن يدعوهم، وإما أن يوهمهم الشيطان أن دعاء الله عندهم مستجاب، حتى يوقعهم في الشرك بهم، وفي عكس المراد من الزيارة للقبور، وهي: الاتعاظ، ودعاء الله لأهلها، وهذا هو دعاء أهل القبور لا دعاء لهم.
وقول السائل: إن قصده التبرك، ومعناه أنه يقع له فضل من الله ببركة زيارته، فهذا اللفظ موهم، والعدول عنه إلى ما هو أصرح وأبعد عن الإيهام هو الأحسن؛ فإن حقه أن يقال: قصده اجتلاب الأجر في الدعاء لأخيه، أو يقال: قصده امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك مما لا يكون فيه إيهام; وأما لفظ "التبرك"، فهؤلاء الجهال في هذا الزمان، لا يفهمون منه إلا الشرك، فإذا أنكر عليهم، قالوا: هذا التبرك بالصالحين، أو هذا ببركة هذا الرجل الصالح؛ كما أن شياطينهم المتسمين بأنهم علماء، قلبوا اسم الشرك، وقالوا هذا التوسل بالصالحين، قلبوا اسم الإله وسموه بالسيد، ولو سموها ما سموها، فالحقيقة بحالها لم تتغير.
وسئلوا: عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
فأجابوا: الذي اتفق عليه السلف والخلف، وجاءت به الأحاديث الصحيحة: هو السفر إلى مسجده، والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وطلب الوسيلة، وغير ذلك مما أمر الله به
ورسوله، فهذا السفر مشروع باتفاق المسلمين، وهذا هو مراد العلماء الذين قالوا: إنه يستحب السفر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن مرادهم بالسفر إلى زيارته، هو السفر إلى مسجده; وذكروا في مناسك الحج أنه يستحب زيارة قبره، وهذا هو مرادهم، ولفظ زيارة قبره ليس المراد بها نظير المراد بزيارة قبر غيره، فإن قبر غيره يوصل إليه، ويتمكن الزائر مما يفعله الزائرون للقبور من سنة أو بدعة، وأما هو صلى الله عليه وسلم فلا سبيل لأحد أن يصل إلى قبره.
ولم يكن السلف يطلقون على هذا زيارة لقبره، ولا يعرف عن أحد من الصحابة لفظ زيارة قبره، ولم يتكلموا بذلك، وكذلك التابعون، ولا يعرف هذا من كلامهم؛ وما ورد من الأحاديث في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم فكلها ضعيفة باتفاق أهل العلم، ولم يرو أحد من أهل السنة المعتد بقولهم شيئاً منها، ولم يحتج به أحد من الأئمة، بل مالك إمام أهل السنة، الذي هو أعلم الناس بحكم هذه المسألة، كره أن يقول الرجل: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولو كان هذا اللفظ مشروعاً عندهم، أو معروفاً، أو مأثوراً عنه صلى الله عليه وسلم لم يكرهه عالم المدينة، ولو كان السلف ينطقون بهذا لم يكرهه مالك. والذي تضافرت به النصوص عن السلف، وأجمعت عليه الأمة قولاً وعملاً هو: السفر إلى مسجده المجاور لقبره، والقيام بما أمر الله به من حقوقه في مسجده، كما يقام بذلك في غيره. انتهى ملخصاً من كلام بعض شيوخ الإسلام.
وقال الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود: وما سوى
هذه المساجد الثلاثة، لا يشرع السفر إليه باتفاق أهل العلم. وإذا كان السفر إلى مسجد غير الثلاثة ممتنعاً شرعاً، وقد جاء في قصد المساجد من الفضل ما لا يحصى، فالسفر إلى مجرد القبور أولى بالمنع؛ ولا يغتر بكثرة العادات الفاسدة، التي أحدثها الملوك وأشباههم. والأحاديث التي رواها الدارقطني في زيارة قبره عليه السلام، كلها مكذوبة موضوعة، باتفاق غالب أهل المعرفة، منهم ابن الصلاح، وابن الجوزي، وابن عبد البر، وأبو القاسم السهيلي، وشيخه ابن العربي المالكي، والشيخ تقي الدين وغيرهم، ولم يجعلها في درجة الضعيف إلا القليل، وكذا تفرد بها الدارقطني عن بقية أهل السنن، والأئمة كلهم يروون بخلافه. وإنما رخص صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور مطلقاً بعد أن نهى عنها، كما ثبت في الصحيح، لكن بلا شد رحل وسفر إليها، للأحاديث الواردة في النهي عن ذلك.
وإذا كان السفر المشروع لقصد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه، دخلت زيارة القبر تبعاً، لأنها غير مقصودة استقلالاً; وحينئذ، فالزيارة مشروعة مجمع على استحبابها، بشرط عدم فعل محذور عند القبر، قال ابن حجر: ينوي الزائر المتقرب السفر إلى مسجده صلى الله عليه وسلم وشد الرحل، لتكون زيارة القبر تابعة. انتهى. واتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، هو الْمُوقِع لكثير من الأمم إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك.
فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين، كوَدّ
وسواع ويغوث ويعوق، وتماثيل طلاسم الكواكب ونحو ذلك، يزعمون أنها تخاطبهم وتشفع لهم؛ والشرك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم أو الرجل المعتقد صلاحه، أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو بحجر، ولهذا تجد أهل الشرك كثيراً ما يتضرعون ويخشعون عندها، ما لا يخشعون لله في الصلاة، ويعبدون أصحابها بدعائهم ورجائهم والاستغاثة بهم، وسؤال النصر على الأعداء، وتكثير الرزق، وإيجاده، والعافية وقضاء الديون، ويبذلون لهم النذور لجلب ما أملوه، أو دفع ما خافوه، مع اتخاذها أعياداً، والطواف بقبورهم، وتقبيلها واستلامها، وتعفير الخدود على تربتها، وغير ذلك من أنواع العبادات والطلبات التي كان عليها عباد الأوثان، يسألون أوثانهم ليشفعوا لهم عند مليكهم.
فهؤلاء يسأل كل منهم حاجته وتفريج كربته، ويهتفون عند الشدائد باسمه، كما يهتف المضطر بالفرد الصمد، ويعتقدون أن زيارته موجبة للغفران، والنجاة من النيران، وأنها تجُبُّ ما قبلها من الآثام؛ بل قد وجد هذا الاعتقاد في الأشجار والغيران، يهتفون باسمها، واسم من تنسب إليه من المعتقدين بما لا يقدر عليه إلا رب العالمين، وأكثر ما يكون ذلك عند الشدائد.
وأجاب الشيخ عبد الرحمن بن حسن: بعض العلماء قد قال بجواز السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين، وهذا القول لصاحب المغني، وبعض المتأخرين من الحنابلة والشافعية، وهؤلاء يحتجون بقوله: " فزوروها ". وأما ما يحتج به بعض من لا يعرف الحديث، من قوله: " من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي "، فهذا الحديث لا تقوم به حجة عند من له معرفة بعلل الحديث. وأما ما يقوله بعض الناس: إنه حديث: " من حج ولم يزرني فقد جفاني "، فهذا لم يروه أحد من العلماء؛ ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، ومثله حديث: " من زارني ضمنت له على الله الجنة "، قال الشيخ: وهذا أيضاً باطل باتفاق العلماء.
قال: والصحيح: ما ذهب إليه المتقدمون، كأبي عبد الله ابن بطة، وأبي الوفاء ابن عقيل، وطوائف من المتقدمين، من أن هذا السفر منهي عنه، لا تقصر فيه الصلاة، وهو قول مالك والشافعي وأحمد؛ وحجتهم: ما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا " 1، وهذا الحديث اتفق الأئمة على صحته، والعمل به في الجملة؛ فلو نذر رجل أن يصلي في مسجد أو مشهد، أو يعتكف فيه أو يسافر إليه، غير هذه الثلاثة، لم يجب عليه ذلك باتفاق العلماء. ولو نذر أن يأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو المسجد الأقصى، لصلاة أو اعتكاف، وجب
عليه الوفاء بهذا النذر، عند مالك والشافعي وأحمد، كما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية.
إذا عرفت أقوال العلماء في هذه المسألة، فاعلم أن الزائر إذا نوى الزيارة التي فيها شد الرحل لسفر زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، صار ذلك به سفر طاعة بإجماع العلماء، ويحصل له به زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم تبعاً إذا وصل المسجد، وفعل ما هو المشروع من البداءة بتحية المسجد، ثم السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلام على صاحبيه، رضي الله عنهم؛ وذلك لا محذور فيه بوجه، بل هو مصلحة محضة. فأي محذور في تحصيل المصلحة المطلوبة على وجه صحيح بالإجماع؟
قال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: ومن البدع: الاجتماع في وقت مخصوص، على من يقرأ سيرة المولد الشريف، اعتقاداً أنه قربة مخصوصة مطلوبة دون علم السير، فإن ذلك لم يرد. ومنها: الاجتماع على رواتب المشايخ برفع الصوت، وقراءة الفواتح، والتوسل بهم في المهمات، كراتب السمان، وراتب الحداد ونحوهما؛ بل قد يشتمل على شرك أكبر، فيقاتَلون على ذلك، فإن سلموا من الشرك، أرشدوا إلى أنه على هذه الصورة المألوفة غير سنة، فإن أبوا عزرهم الحاكم بما يراه ردعاً.
قال الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما ما يحكى من حال سبب وضع الشباك على الحجرة، فله سبب ولا أستحضر صورته الآن، ونقل عن السيد السمهودي، في خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى، عن الكمال الإسنوي الشافعي، في الباب التاسع عشر من الخلاصة المذكورة، من الحوادث الغريبة، والوقعات العجيبة في المدينة المنورة، والحجرة الشريفة. وكذلك المطري ذكر ذلك، فقال: وصل السلطان نور الدين محمود بن زنكي بن قسنقر التركي، في سنة 557 إلى المدينة، بسبب رؤيا رآها: رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ليلة، ثلاث مرات، وهو يشير إلى رجلين أشقرين، ويقول: أنجدني! أنقذني من هذين!
فأرسل إلى وزيره، وتجهزا في بقية ليلتهما على رواحل خفيفة في عشرين نفراً، واستصحب مالاً كثيراً، فقدم المدينة في ستة عشر يوماً، فزار، ثم أمر بإحضار أهل المدينة بعد كتابتهم، وصار يتصدق عليهم، ويتأمل تلك الصفة، إلى أن انقضت الناس، فقال: هل بقي أحد؟ فقالوا: لم يبق سوى رجلين صالحين عفيفين مغربيين يكثران الصدقة، فطلبهما، فرآهما الرجلين اللذين أشار إليهما النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عن منْزلهما، فأخبر أنهما برباط بقرب الحجرة، فأمسكهما ومضى إلى منْزلهما، وذكر القصة - إلى أن قال - وأمر بضرب رقابهما، فقتلا تحت الشباك الذي يلي الحجرة، ثم أمر
بإحضار رصاص عظيم، وحفر خندقاً عظيماً إلى الماء حول الحجرة كلها، وأذيب ذلك الرصاص وملئ به الخندق، فصار حول الحجرة سور رصاص.
سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: عما ذكر الشيخ من أمر الصخرة؟
فأجاب: ما أشكل من أمر الصخرة، فما ذكر الشيخ لا إشكال فيه، ولا يدل على أنها على الأرض ولا بعضها - كما توهمه صاحب الهامش - لأن ارتفاع الصخرة زمن سليمان عليه السلام اثنا عشر ذراعاً بذراع الإنسان، ذراع وشبر وقبضة، لكن دفنها بختنصر، فإنه أمر عسكره أن يملأ كل إنسان منهم ترسه تراباً ويقذفه ببيت المقدس، وبعده الروم استولوا على بيت المقدس، وطرحوا الزبل والتراب الكثير على الصخرة، مغايظة لبني إسرائيل. فلما فتحها عمر رضي الله عنه بسط رضي الله عنه رداءه، وجعل يكنس التراب والزبل فيه، فأخذ المسلمون يكنسون معه، ويفعلون ما فعل. فإن قصد صاحب الهامش أنها كانت على الأرض قبل أن تكشف فصحيح، وإلا فوهم، والله أعلم.
منقول من كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية
مجموعة رسائل ومسائل علماء نجد الأعلام
جمع وترتيب : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله (1312-1392 هـ)