رداً على العلويط والقاضي

ما الضير إن تحجبت النساء سداً للذريعة.. والنصيحة في الدين ليست تشدداً





بقلم الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

عضو هيئة كبار العلماء



قرأت ما كتبه عبد الله محمد العلويط في صحيفة الوطن 1/8/1427هـ حول حجاب المرأة المسلمة كما جاء في الكتاب والسنة، حيث قال ما حاصله:

وجوب تغطية الوجه ينقصه الدليل الشرعي الصريح



وأقول: الحمد لله، حيث اعترفت أن له دليلاً - لكنك تزعم أنه غير صريح، وهذا تجهيل لكثير من علماء الأمة الذين يرون وجوب الحجاب وأرجو منك:

1- أن تبين لنا ما الدليل الصريح عندك، أتريد أن يقول للمرأة غطي وجهك؟.

2- هل يشترط في الدليل أن يكون صريحاً وحينئذٍ ما مصير كثير من الأدلة التي ليست صريحة؟ سيتعطل كثير من الأحكام الشرعية المبنية على المجمل والمبين والعام والخاص والناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد - وهذه طريقة للذين "يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله" وهي غير طريقة الراسخين في العلم، الذين "يقولون آمنا به كل من عند ربنا" فيردون المتشابه إلى المحكم ويعملون بالأدلة كلها.

3- هل معك أدلة صريحة على عدم وجوب الحجاب؟

*قلت: الآيات محتملة والسنة لا يوجد فيها دليل - بزعمك - صريح على وجوب الغطاء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم - ونقول لك:

1- أما الآيات فقد رددت تفسيرها وصادرته كله، لأنه يخالف رأيك وصادرت الواقع العملي من الصحابيات بعد نزول الآيات وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهن على ما عملنه من تغطية رؤوسهن ووجوههن بارتداء الجلابيب عليها وضرب الخمر على الجيوب والنهي عن إبداء الزينة.

2- بإمكاننا أن نقول في التفاسير التي اعتمدت عليها، مثلما قلت في التفاسير التي اعتمدنا عليها لكننا لا نفعل ذلك احتراماً للعلماء واجتهاداتهم، ونرجع إلى ما يعضده الدليل من الكتاب والسنة منها، ولا نلتفت إلى التشكيكات التي أبديتها.

*قلت عن حديث الخثعمية وحديث سفعاء الخدين إنهما مرفوعان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويصلحان تفسيراً للآيتين: آية الأحزاب وآية النور. ونقول لك:

1- كيف يكونان مرفوعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهما من فعل امرأتين وليسا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؟

2- إن قلت إن النبي صلى الله عليه وسلم، أقرهما على فعلهما: قلنا لك ليس في حديث الخثعمية أنها كانت كاشفة لوجهها وأنت لا تقبل إلا ما هو صريح، وحديث سفعاء الخدين يحتمل احتمالات منها: أن الهواء أطار الغطاء عن وجهها، ولم تتعمد كشفه وغير ذلك من الاحتمالات التي ذكرها العلماء، فالحديثان غير صريحين، وأنت تشترط في الدليل أن يكون صريحاً.

فهل تنازلت عن شرطك أو هو شرط في دليل خصمك فقط ؟.

*قولك إن الحجاب المذكور في قوله تعالى: "فاسألوهن من وراء حجاب" خاص باتخاذ الحاجز الذي يمنع الدخول. نقول لك:

1- ما دليلك على هذا التفسير وقد فسره العلماء بما هو أعم من ذلك، وهو ظاهر إطلاق الآية لما يمنع الدخول ويمنع النظر؟

2- هل الآية صريحة فيما قلت؟ الجواب: لا ليست كذلك.

فأنت خالفت قاعدتك الذهبية: (لا بد أن يكون الدليل صريحاً).

وختاماً أقول ماذا يضيرك إذا تحجبت النساء سداً لذريعة الفتنة، ولو كانت الأدلة غير صريحة كما قلت - مع أنها ولله الحمد كافية في الدلالة.

-------

كما اطلعت على مقال آخر بعنوان: "تعقيباً على الشيخين الفوزان والعباسي للمهندس: سليمان القاضي، وذلك في عدد يوم الخميس 30/7/1427هـ وقد جاء في هذا التعقيب قول كاتبه:

لماذا لا نقبل الرأي الآخر ونرد بتشنج - وأقول: هذه العبارة كثر ترديدها على ألسنة وأقلام كثير من الناس وهي تعني المجاملة والمداهنة في أمور الدين وكتمان العلم والتنازل عن الحق إرضاءً للناس ومراعاة لخواطرهم. والله تعالى يقول: "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه". وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة. قلنا لمن يا رسول الله. قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".

فلا بد من البيان والرد على المخطئ في أمور الدين. وليس هذا من التشنج، وإنما هو من النصيحة. وقد مثل الكاتب للتشنج بقولي للشيخ العباسي إنك تقول بقول شيخك الألباني بجواز كشف الوجه للمرأة - وهذا ليس تشنجاً كما تصوره الكاتب، وإنما قلته لأن الشيخ العباسي تتلمذ على الشيخ الألباني، وأنا لست أقلل من علم الشيخ الألباني كما زعم الكاتب، حيث قال: وكأنه بهذا القول يقلل من علم هذا الشيخ الفاضل، وأنه شيخ للبعض فقط. وأقول ليس من لازم كثرة علم الشيخ أنه لا يخطئ. وأما أنه شيخ للبعض فقط فنعم، هو شيخ لمن تتلمذ عليه فقط، وليس شيخاً لغيره.

ثم حصر الكاتب المشكلة التي يواجهها مجتمعنا في تشدد البعض في الأحكام وسد الذرائع درءاً للفتن - وأقول له:

1- بيان الأحكام الشرعية واجب وليس هو تشدداً كما سميته. قال الله تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها)، وقال تعالى: (تلك حدود الله فلا تقربوها). فقوله تعالى: (فلا تقربوها) فيه قاعدة سد الذرائع التي أنكرتها جهلاً منك وهي قاعدة معروفة مجمعٌ عليها.

وقد مثل لها ابن القيم رحمه الله في كتابيه: إعلام الموقعين، وإغاثة اللهفان تثبيتاً لها بتسعة وتسعين مثالاً من الكتاب والسنة، فهي قاعدة لا يستهان بها، وليس فيها تشدد.

ثم قال الكاتب: وإذا كان غطاء الوجه ملزماً للمرأة، فلماذا يتم السماح للنساء المعتمرات بكشف الوجه واليدين؟

وأقول:

1- قولك: لماذا يتم السماح للنساء المعتمرات بكشف الوجه واليدين - نقول لك من الذي سمح لهن بذلك؟ إنما فعلنه هن دون أن يسألن عن ذلك جهلاً منهن بالحكم الشرعي.

2- واجب العالم أن يبين الحكم الشرعي وأما الإلزام به فهو واجب من يملك ذلك ويقدر عليه. وقد بين العلماء قديماً وحديثاً أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها أو شيئاً من جسمها عند الرجال غير المحارم، في العمرة وغيرها، فتكون المسؤولية بعد ذلك عليهن وعلى أوليائهن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".

ثم إن الكاتب جعل من التشدد منع المرأة من العمل في الأسواق، وقال: ما الفرق بين عمل المرأة في البنوك والمستشفيات وعملها في تلك المحلات - ونقول له:

1- لم يمنع أحد العمل المحتشم للمرأة الذي تتجنب فيه الاختلاط بالرجال وتلتزم بالحجاب الشرعي، وإنما منع العمل المخالف لذلك.

2- من هو الذي أجاز لها العمل في البنوك والمستشفيات دون التزام بالآداب الشرعية حتى تحتج به.

هذا ما أردت بيانه مما جاء في مقال المهندس سليمان القاضي وليته اقتصر على مجال تخصصه ولم يدخل فيما ليس هو من تخصصه.

-------

المصدر: (صحيفة الوطن) الاثنين 4 شعبان 1427هـ الموافق 28 أغسطس 2006م العدد (2159) السنة السادسة