ألا ليت شعري هل أبيتن ليلــــة *****بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا

فليت الغضا لم يقطع الركب عرضه***وليت الغضا ماشى الركاب ليالـيـا

لقدكان في أهل الغضا لودنا الغضا *** مزار ولـكـن الغضا ليس دانـيــا

ألم ترني بعت الضلالة با اــهـــدى *** وأصبحت في جيش ابن عفان غازيـا

و أصبحت في أرض الأعادي بعدما ** أراني عن أرض الأعادي قاصيا

دعاني الهوى من أهل ودّي وصحبنتي *** بذي الطبسين ، فالتفت ورائـيــا

أجبت الهوى لما دعاني بزفـــرة *** تقنعت ، منها أن ألام ، ردائـيــا

أقول وقد حالت قرى الكرد بينـنا *** جزى الله عمرا خير ما كان جازيـا

إنْ الله يرجعني من الغزو لا أرى *** وإن قلّ مـالي طالبا ما ورائــيــــا

تقول ابنتي لما رأت طول رحلتي *** سفارك هذا تاركي لا أبا ليا

لعمري لئن غالت خراسان هامتي *** لقد كنت عن بابي خراسان نائـيـا

فإن أنج من بابي خراسان لا أعد *** إليها و إن منيتموني الأمانيا

فلله دري يوم أتـرك طائـعـا *** بنـيَّ بأعلـى الرقمتين ، ومـالـيـا

ودر الظباء السانحات عشـيــة *** يخبّرن أنــي هالك من أمــامـيـا

ودر كبـيريَّ اللذين كلاهـمــا *** عليَّ شفيق ناصح لـو نـهانـيـا

و در الرجال الشاهدين تفتكي *** بأمري ألا يقصروا من و ثاقيا

ودر الهـوى من حيث يدعو صحابه *** ودر لجاجاتي ودر اتنـهائـيـا

تذكرت من يبكي علي فلم أجـــد *** سوى السيف الرمح الرديني باكيا

واشقر محبوك يجر عنانه *** الى الماء لم يترك له الدهر ساقيا

ولما تراءت عند مروٌ منيّتي *** وخلّ بها جسمي وحانت وفاتيا

أقولُ لأصحابي ارفعوني فإنني *** يقرُّ بعيني إن سهيل بداليا

فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا *** برابيه إني مقيم لياليا

أقيما علي اليوم او بعض ليلةٍ *** ولا تعُجلاني قد تبيّن مابيا

وقوما إذا ما استُل روحي فهيّئا *** لي السدر و الأكفان ثم ابكيا ليا

وخطا بأطراف الأسنة مضجعي *** وردّا على عيني فضل ردائيا

ولا تحسُداني بارك الله فيكُما*** من الأرض ذات العرض ان توسعا ليا

خُذاني فجُرّاني ببردي إليكما *** فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا

وقد كنت عطّافاً اذا الخيل أحجمت *** سريعاً لدي الهيجا إلى من دعا نيا

وقد كنت صبارا على القرن في الوغى *** سريعا إلى الهيجا إلى من دعانيا

فطورا تراني في ظلال و نعمة *** و يوما تراني و العتاق ركابيا

ويوما تراني في رحى مستديرة *** تخرق أطراف الرماح ثيابيا

وقوما على بئر الشبيكي فأسمعا *** بها الوحش والبيض الحسان الروانيا

بأنكما خلفتماني بقـفـرة *** تهيب عليّ الريح فيها السوافيا

ولا تنسيا عهدي خليلاي إنني ***تقطع أوصالي وتبلى عظاميا

فلن يعدم الولدان بثا يصيبهم *** ولن يعدم الميراث مني المواليا

يقولون لا تبعد و هم يدفنوني *** و أين مكان البعد إلا مكانيا

غداة غدٍ يا لهف نفسي على غد *** إذا أدلجوا عني و خلفت ثاويا

و أصبح مالي من طريف و تالد *** لغيري و كان المال بالأمس ماليا

فياليت شعري هل تغيرت الرحى **** رحى الحرب أو أضحت بفلج كما هيا

وياليت شعري هل بكت أم مالك *** كما كنت لو عالوا نعياك باكيا

إذا مت فاعتادي القبور وسلمي *** على الرمس أسقيتي السحاب الغواديا

تري جدثا قد جرت الريح فوقه *** غبارا كلون القسطلان هابيا

رهينة أحجار وترب تضمنت *** قرارتها مني العظام البواليا

فياراكبا إما عرضت فبلغن *** بني مالك و الريب ألا تلاقيا

وسلم على شيخيّ مني كليهما ***وبلغ كثيرا وابن عمي وخاليا

و عطل قلوصي في الركاب فإنها *** ستفلق أكبادا و تبكي بواكيا

بعيد غريب الدار ثاو بقفرة *** يد الدهر معروفا بأن لا تدانيا

أقلب طرفي حول رحلي فلا أرى *** به من عيون المؤنسات مراعيا

وبالرّمل مني نسوةًّ لو شهد نني *** بكين وفدّين الطبيب المداويا

فمنهن أمّي وابنتاها وخالتي *** وباكية أخرى تهيج البوا كيا

وما كان عهد الرّمل مني وأهلهِ *** ذميماً ولا بالرّملِ و دّعت ُ قاليا


قراءة نقدية


عندما نقف أمام بكائية مالك بن الريب التميمي
نجد أنفسنا أمام سيل من الحزن اللامتناهي.. نستشف عاطفة شاعر متشبث بالحياة حتى آخر رمق ..تتلون

اللحظات الاخيرة في عين مالك بن الريب يصورها شعرا خلجات نفس تودع الدنيا بنزيف الشعر.. مالك

بن الريب روي أنه كان صعلوكا قاطع طريق فمر عليه سعيد بن عثمان بن عفان في جيش لفتح مرو اقليم من أقاليم خراسان.اقتنع مالك بانضمامه إلىالجيش وترك الصعلكة وقطع الطريق وأصبح غازيا في سبيل الله

واختلفت الروايات في موته فبعض الروايات تشير إلى أنه مات مسموما لدغته أفعى كانت في رحله.
والبعض يقول أنه أصيب بسهم فجرحه واندمل الجرح على غل وانفجر عند عودته ولست هنا أريد الطريقة التي مات بها شاعرنا فقد قالأحد الشعراء قد يكون المتنبي:
تعددت الاسباب والموت واحد

لكنني أريد الوقوف أمام هذه البكائية الحزينة التي تعتبر من أجمل المراثي في الأدب العربي إن لم تكن أجملها على الإطلاق لماذا؟.

لأن الشاعر يرثي نفسه وليس إنساناآخر ورثاء النفس دونه كل رثاء وشاعرنا رحمه الله يبدأ بناء قصيدته

على نداء التمنى وأكثر من هذا النداء في أبيات متفرقة من القصيدة لعله يجد من يجيب التساؤلات لتعزية

نفسه المودعة يتشبث بكل شيء حوله يتساءل فيجيب أحيانا وأحيانا وأحيانا يترك القاريء يجد اْجابة.. هو الموت يجب الروح فلايجد مالك معزيا إلامالك.. مالك يسأل مالك في قفر من الأرض وبيداء من الحزن تسيطر عليه لحظات اليأس فيفر إلى الشعر يستجدي به الحياة ليضخ فيه أمل الشعر فيجد مخرجا من ضنك اللحظة ..بالرغم من أنه صعلوك وحياة الصعاليك تحفها المخاطر لسطوتهم وغاراتهم إلا أحب الحياة فالبيت الأول والثاني

كما ذكرت يبدأه بنداء التمني ولكن هل ينفع التمني أو يقي من سطوة الموت
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة.........................بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا
فليت الغضا لم يقطع الركب عرضه..................وليت الغضا ماشى الركاب لياليا

وفي البيت التاسع والثلاثين

فياليت شعري هل تغيرت الرحى **** رحى الحرب أو أضحت بفلج كما هيا

أيضا نداء تمني واختلفت الروايات في هذا البيت فالبعض يقول رحى الحرب
والبعض يقول رحى الثفل هنا وهناك فالثفل ماتخلفه الرحى بعد طحن الحب وقد يكون تشبيها من الشاعر
لما خلفته الحرب من القتلى.

ثم نجده في البيت الأربعين
وياليت شعري هل بكت أم مالك *** كما كنت لو عالوا نعياك باكيا

يتمنى لمعرفة ماإذا كانت أم مالك ستبكيه بعد موته كما لوكانت هي ماتت فانه سيبكيها وهنا رقة الشاعر تتضح ومكانة الأنثى في نفسه وكفى به أن يذكرها لحظة الموت
والنداءات المتكررة تحمل بعدا انسانيا وبنائية فنية جميلة للقصيدة نداء يتبعه تمني وكل ذلك استشفاف هل سيحس من ذكرهم في قصيدته بفقده كما يحس هو بفقدهم وهو على أعتاب الفراق .

أعتمد شاعرنا على المساءلة في اسلوب فني جميل بارع في مساءلته
هل أبيتن ليلة بوادي الغضا

والجواب هنا مرتبط بحالة الشاعر النفسية فلطالما أنه متشبث بالحياة
سيجد لنفسه جميلا يعزيه مما هو فيه من كرب. نعم ستبيت يامالك وستزجي القلاص والقلاص هي الأبل
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى والجواب أيضا بنعم بعت الضلالة بالهدى فكنت قاطع طريق وأصبحت غازيا في سبيل الله

هنا حالة نفسية تسيطر على الشاعر يخرج منها بالأسئلة لتعزيه الغجابة عما هو فيه
هل تغيرت الرحى والجواب نعم تغيرت الرحى وانتصر المسلمون
هل بكت أم مالك نعم بكت يامالك بعد موتك لانها كانت تحبك فانت من شغف فؤادها

لكن في البيت الحادي عشر وجدت بيت شاذا وهو

فلله دري يوم أترك طائعا ........................بني بأعلى الرقمتين وماليا

مالك هنا يتحسر؟ وتلك فرية على الشاعر مالك صعلوك والصعاليك عادة من أشجع الفرسان أفيتحسر على الموت ويندم؟ لا أظن. البعض يذكر قول الشنفرى عندما قتل في وادي بيدة قال قاتله ءأطرفك فرماه بسهم في عينه فكان رد الشنفرى كاك كنا نفعل أي(هكذا كنا نفعل) وهنا فن ممارسة الموت وفن تلقيه أيضا.
لله دري هنا كلمة استحسان تفيد التحسر ولو وازنا بين هذا البيت والبيت الرابع والعشرين والسادس والعشرين لوجدنا هناك تناقضا واضحا وبونا شاسعا فمالك يقول
وقد كنت عطافا اذا الخيل ادبرت............................سريع لدى الهيجا الى من دعانيا
وقد كنت صبارا على القرن في الوغى...................ثقيلا على الأعداء عضب لسانيا

دققوا معي عطاف وقت الادبار أي شجاع عند ادبار الفرسان الاخرين
وصبار على مجالدة الاقران في الوغى أفيعقل أن يتحسر على الموت خاصة وأن موته كان مشرفا مات غازيا وهنا احتمال أن يكون البيت الذي يتحسر فيه مالك مولد

اعتمد شاعرنا على الحوار في قصيدته استشعارا منه الى من يشاركه همه الذي هو فيه لانه حزين بمفرده وحيدا والحوار هنا قولي

أقول لأصحابي
أقول وقد حالت
يقولون لاتبعد وهم يدفنونني


إنه يبحث عمن يشاركه النجوى وبداخله رغبة جامحة للخروج من وحدته وعزلته التي هوفيها وهويستخدم ذاكرته ويفجرها عاطفة شعرية ليشكل لنا نموذجا استرجاعيا لما مضى هذا النموذج يتكتل ويفرغه كشحنات نفسية من خلال التمني يستطرد في التذكر يحاور ويستطرد ويحاورإلى أن يصلإلى البيت
فياصاحبي رحلي دنا الموت فانزلا *** برابيه إني مقيم لياليا
والبيت
فياراكبا إما عرضت فبلغن *** بني مالك و الريب ألا تلاقيا

فنجده يوقن بانه هالك لامحالة فيعطي وصيته في الابيات التي تلي ذلك نعم ياملك سيبكيك كثير
بكاك بعد أربعة عشر قرنا قارئك في هذه الصفحة لانك سطرت شفافية شاعر
ورسمت فارس في قصيدة وخلدت قصيدة قلما جاد الشعراء بمثلها

هنا الموقع وأعتذر لأني ما أعرف كيف أنزل القصيدة في المنتدى