قال أبو العتاهية رحمه الله :
كأنّني بالدّيارِ قَد خَرِبَتْ *** وبالدّموعِ الغِزارِ قَد سُكبَتْ
فضَحتِ لا بل جرَحتِ، واجتحتِ يا *** دُنْيَا رِجَالاً عَلَيْكِ قَدْ كَلِبَتْ
الموتُ حَقٌ والدَّارُ فانِية ٌ *** وكُلُّ نفسٍ تجزَى بِمَا كَسَبُتْ
يَا لكِ منْ جيفَة ٍ معفَّنَة ٍ *** أيّ امتِناعٍ لهَا إذا طُلِبَتْ
ظَلَّتْ عَلَيْها الغُوَاة ُ عاكِفَة ً *** ومَا تُبَالِي الغُوَاة ُ مَا ركِبَتْ
هيَ التي لم تَزَلْ مُنَغِّصَة ً*** لا درَّ دَرُّ الدُّنْيَا إذَا احتلِبَتْ
ما كُلُّ ذِي حاجة ٍ بمدركِهَا *** كمْ منْ يَدٍ لاَ تَنَالُ مَا طلبَتْ
في النّاسِ مَنْ تَسهُلُ المَطالبُ أحْـ *** ـياناً عَلَيهِ، ورُبّما صَعُبَتْ
وشرَّة ُ النَّاسِ رُبَّمَا جمحتْ *** وشهوَة ُ النّفسِ رُبّما غَلَبَتْ
مَنْ لم يَسَعُهُ الكَفافُ مُقْتَنِعاً *** ضاقتْ عَلَيْهِ الدّنيَا بِمَا رحُبَتْ
وبَينَما المَرْءُ تَستَقيمُ لَهُ الـ *** الدُّنيا علَى مَا اشتَهَى إذا انقلبَتْ
مَا كذبتنِي عينٌ رأَيتُ بِهَا *** الأمواتَ والعينُ رُبَّما كذبَتْ
وأيّ عَيشٍ، والعَيشُ مُنقَطِعٌ *** وأيّ طَعْمٍ لِلَذّة ٍ ذَهَبَتْ
ويحَ عقولِ المستعصمينَ بدارِ **** الذلِّ فِي أيِّ منشبٍ نشبَتْ
منْ يبرِمُ الانتقاضَ مِنْهَا ومنْ *** يُخمِدُ نيرانَها، إذا التَهَبَتْ
ومَنْ يُعَزّيهِ مِنْ مَصائِبِها *** ومَنْ يُقيلُ الدّنْيا إذا نَكَبَتْ
يا رُبّ عَينٍ للشّرّ جالِبَة ٍ *** فتلْكَ عينٌ تُجزى بِمَا كسبَتْ
والنَّاسُ في غفلة ٍ وقد خَلَتِ *** الآجالُ من وقتِها واقتربتْ