قال أبو العتاهية رحمه الله :
هوَ المَوْتُ، فاصْنَعْ كلَّ ما أنتَ صانعُ *** وأنْتَ لِكأْسِ المَوْتِ لاَ بُدَّ جارِعُ
ألا أيّها المَرْءُ المُخادِعُ نَفسَهُ! *** رُويداً أتَدْرِي مَنْ أرَاكَ تخَادِعُ
ويا جامِعَ الدُّنيا لِغَيرِ بَلاَغِهِ *** سَتَتْرُكُهَا فانظُرْ لِمَنْ أنْتَ جَامِعُ
وَكم قد رَأينا الجامِعينَ قدَ اصْبَحَتْ *** لهم، بينَ أطباقِ التّرابِ مَضاجعُ
لَوْ أنَّ ذَوِي الأبْصَارِ يَرَعُوْنَ كُلَّمَا *** يَرَونَ، لمَا جَفّتْ لعَينٍ مَدامِعُ
فَما يَعرِفُ العَطشانَ مَنْ طالَ رِيُّهُ *** ومَا يَعْرِفُ الشَّبْعانُ مَنْ هُوَ جائِعُ
وَصارَتْ بُطونُ المُرْملاتِ خَميصَة ً *** وأيتَامُهُمْ منهمْ طريدٌ وجائعُ
وإنَّ بُطُونَ المكثراتِ كأنَّما *** تنقنقُ فِي أجوافِهِنَّ الضَّفَادِعُ
وتصْرِيفُ هذَا الخَلْقِ للهِ وَحْدَهُ *** وَكُلٌّ إلَيْهِ، لا مَحَالَة َ، راجِعُ
وللهِ فِي الدُّنيَا أعَاجيبُ جَمَّة ٌ *** تَدُلّ على تَدْبيرِهِ، وبَدَائِعُ
وللهِ في أسرارُ الأمُورِ وإنْ جَرَتْ *** بها ظاهِراً، بَينَ العِبادِ، المَنافِعُ
وللهِ أحْكَامُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ *** ألاَ فهوَ معْطٍ مَا يَشَاءُ ومَانِعُ
إذا ضَنّ مَنْ تَرْجو عَلَيكَ بنَفْعِهِ *** فذَرْهُ، فإنّ الرّزْقَ، في الأرْضِ، واسعُ
وَمَنْ كانَتِ الدّنْيا هَواهُ وهَمَّهُ *** سبَتْهُ المُنَى واستعبدَتْهُ المَطَامِعُ
وَمَنْ عَقَلَ استَحيا، وَأكرَمَ نَفسَه *** ومَنْ قَنِعَ استغْنَى فَهَلْ أنْتَ قَانِعُ
لِكلِّ امرِىء ٍ رأْيَانِ رَأْيٌ يَكُفّهُ *** عنِ الشّيءِ، أحياناً، وَرَأيٌ يُنازِعُ