الحج توبة وإنابة





الحمد الله الذي وفق ما شاء من عبادة إلى حج بيته الحرام واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتطفا أثره واستن بسنته إلى يوم الدين أما بعد


الحمد الله الذي وفق ما شاء من عبادة إلى حج بيته الحرام واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتطفا أثره واستن بسنته إلى يوم الدين أما بعد: فيقول الله جل وعلا: (( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركآ وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )),,,,,

روى ابن خزيمة في صحيحه عن ابن شماسه قال: ( حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياق الموت فبكى طويلآ وقال: لما جعل الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ابسط يمينك لأبايعك, فبسط يده فقبضة يدي, فقال: مالك يا عمرو, قال: أردت أن اشترط, قالـ تشترط ماذا؟, قال: أن يغفر لي, فقال صلى الله عليه وسلم: أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله )) الله أكبر,,,, (( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالآ وعلى كل ضامر يأتينا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم )),,,,, قال ابن اسحاق: ( لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا حج هذا البيت ) وقال غيره ( ما من نبي إلا حج ),,,,, رفع إبراهيم القواعد من البيت فلما فرغ أمره الله أن ينادي بالناس إن لله بيت فحجوا فسار ركب المؤمنين إلى تلك العرصات وعلت بهم هممهم ففارقوا الأهل والأوطان إلى بيت الله الحرام مجيبين داعي الله يملأون الآفاق تهليلآ وتكبيرا وتوحيدا نداؤهم لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك,,,,, وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة, فمررنا بوادي, فقال: أي وادي هذا؟ فقلنا: هذا وادي الأزرق, فقال صلى الله عليه وسلم: كأني انظر إلى موسى صلى الله عليه وسلم واضعآ إصبعه في أذنيه له جؤار إلى الله بالتلبيه مارآ بهذا الوادي , قال ثم سرنا حتى أتينا على ثنية فقال: كأني انظر إلى يونس على ناقة حمراء عليه جبت من صوف, خطام ناقته ليف, مارآ بهذا الوادي ملبيا ),,,,, وقال صلى الله عليه وسلم: (( لقد مر بالروحاء"وهو موضعآ بين مكة والمدينة" لقد مر بالروحاء سبعون نبيآ فيهم نبي الله موسى حفاة عليهم العباءة يأمون بيت الله العتيق ))رواه أبويعلي والطبراني وحسنه العلامة الألباني,,,,,

ثم حج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فاظهر فيها تمام الحب والذل والإفتقار إلى ربه جل وعلا يقول أنس رضي الله عنه حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث قطيفة خلقه تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي ثم قال صلى الله عليه وسلم: (( اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة ))رواه الترمذي في الشمائل وابن ماجة وهو في صحيح الترغيب ثم اقتدا سادة الأمة,,,,, فها هو الحسن بن علي رضي الله عنه يحج خمسة وعشرين حجة ماشيا,, وأبو عثمان النهدي رحمه الله وغفر له حج لله ستين مره يقطعون الفيافي والغفار رغبة في رحمة العزيز الغفار واستجابة لربهم القائل: (( وأذن في الناس يأتوك )),,, ساق الشوق تلك القلوب إلى حرمه رجاء جوده وكرمه وه القائل جل وعلا في محكم التنزيل عن إبراهيم عليه السلام لما دعا ربه فستجاب له: (( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم )),, أولئك قوما أختصهم الله بالقرب منه وأسعدهم بطاعته والتذلل له فقوى عزائمهم وثبت قلوبهم ففارقوا الأهل والأحباب والأصحاب (( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم )),,,,, ندائهم لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك بهذا النداء الحبيب إلى النفوس المؤمنة وبهذه الكلمات المشرقة التي هي رمز التوحيد والإيمان وعنوان الخضوع والإذعان واعتراف بالجميل والإنعام, يرفع حجاج بيت الله الحرام أصواتهم مسلمين لله وجوههم يحدوهم الرجاء بعفوه ومغفرته ويحثهم الشوق إلى زيارة تلك البقاع المقدسة التي فيها الكعبة المشرفة أول بيت وضع للناس وزمزم العين الثرة المباركة ومقام إبراهيم عليه السلام الذي يشهد له بالإخلاص والإمتثال فيها منى ومزدلفة وعرفات حيث تقال العثرات وتغفر الزلات,,,,, لقد شاء الحكيم جل جلاله أن تكون التلبية بالحج والعمرة بهذه الكلمات المباركات ليكون إذانآ من قاصد بيت الحرام بنبذ الشرك وعبادة كل ما سوى الله جل جلاله من حجر أو شجر أو قبر ولي أو نبي وأن العبادة كلها للواحد القهار (( قل أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له )) أمة الإسلام أمة القرآن حجاج بيت الله الحرام كان من هدي سلفنا الصالح تشويق العباد إلى حج البيت الله الحرام وبيان ما في الحج والعمرة من الفضل والإنعام نصحآ لأهل الإيمان فإليكم هذه الأحاديث والمواعظ والمواقف والفضائل ما جمعت والله إلا إنها تذكرة لمن صدق عزمه على حج البيت الحرام بما له عند الله وه المليك العلام وبشارة له في خير الدنيا والآخرة والظن بالله جل وعلا وأنه ما ساق تلك القلوب إلى أداء فريضة الحج إلا تشريفآ لأهلها ورحمة وإيفام ذلك فضل من الله وكفى بالله عليما, هنيئآ للمستجيبين الذين لم تحجزهم عن القيام بهذا الفضل نفقاته ولم تثني عزائمه متاعب الطريق ومشقاته ولم تزعزع نواياهم وساوس الشيطان الرجيم ونزعاته بل غلبهم الشوق فطارت قلوبهم قبل أجسادهم إلى تلك المشاعر العظام, هنيئآ لهم حيث رفعوا أصواتهم بالتلبية والثناء على ربه جل وعلا فأحسنوا الظن به فأنالهم عفوه وأفاض عليهم من جوده وكرمه وإنها أيضآ تذكرة للقادرين القاعدين عن حج بيت الله الحرام فما العذر أيها القادر على الحج إذا أوقفك ربك يوم القيامة موقف الذل والصغار وعدد عليك ما خولك إياه في الدنيا من الأموال والعقار وذكرك بما حباك به من قوة واقتدار ثم سئلت فما بلغ النداء أما قادر على تحمل المشقة والعناء فما تستجيب أيها المسكين في هذا الموقف العظيم,,,,, قال عمر رضي الله عنه: ( لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظر إلى كل من كان عنده جزة ولم يحج فيضرب عليه الجزية ما هم بمسلمين مل هم بمسلمين ),,,,, الحج ركن من أركان الإسلام لا يجوز للمستطيع تأخيره إلى السنة المقبلة فإن فعل أثم, فعسى الله أن ينفع بهذه المواعظ والزواجر فيكون ممن أسعده الله في طاعته فستعد لما أمامه وغفر له زلة وإجرامه إن الله ولي ذلك والقادر عليه الله أكبر إذا أذن مؤذن الحج رأيت صدى دعوته تتجلجل في جنبات العالم الإسلامي ويهز المشاعر هزآ إلى أرض الحجاز وإلى الكعبة قبلة المسلمين يقول ابن القيم رحمه الله في شأن بيت الله الحرام وشوقهم إلى تلك الأماكن العظام:

أما والذي حج المحجون بيته ,,,##,, ولبّوا له عند المُهَّل ِ وأَحرمُ
وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعآ ,,##,,, بعزة من تعلوا الوجوه وتسلموا
يهلون بالبيداء لبيك ربنا ,,##,,, لك الملك والحمد الذي أنت تعلموا
دعاهم فلبوه رضاء ومحبة ً ,,##,,, فلما دعوه فكان أقرب منهموا
تراهم على الأنظار شعثا ً رؤوسهم ,,,##,, غبرآ وهم فيها أسروا وأنعموا
وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبة ً ,,,##,, ولم يثنهم لذاتهم والتنعم ُ
يسيرون من أقطارها وفجاجها ,,,##,, رجالآ وركب ولله اسلموا
ولما رأت أبصارهم البيت الذي ,,,##,, قلوب الورى شوقآ إليه تضرموا
كأنهم لم يصبوا قط قبلوه ,,,##,, لأن شقاهم قد ترحل عنهموا
فالله كم من عبرة مهراقة ,,##,,, وأخرى على آثارها لا تقدموا
إذا عاينته العين زالت ظلامها ,,##,,, وزال عن القلب الكئيب التألم ُ


الله أكبر إنها رحلة مباركة إلى بيت الله الحرام, رحلة إلى بيت الله الحرام خضوعآ وتذللآ لرب العالمين وطاعة له إذ قال:
(( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )) فيا راحلين بيت الله الحرام فهنيئآ لكم وابشروا بفضل الله وكرمه فإن الله جل وعلا أختصكم من بين خلقه لعمارة بيته الحرام والتلذذ بمناجاته في تلك المواقف العظام, هنيئآ لكم فقصدتم بلاد فضلها الله وشرفها وجعل عرصاتها مناسك لعباده تحفوا إليها قلوب المحبين وتحن إليها أفئدة المخبتين يحن إلى أرض الحجاز فؤادي ,,,,, وتحذوا اشتياقي نحو مكة هادي ولي أمل ما زال يسموا بهمتي ,,,,, إلى البلدة الغراء خير بلادي فيها الكعبة التي طاف حولها ,,,,, عباد لله خير عبادي ليقضي فرض الله في حج بيته ,,,,, بأصدق إيمان وأطيب زادي أطوف كما طاف النبيون حوله ,,,,, طواف قياد لا طواف عنادي مكة خير أرض الله وأحب البلاد إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم ولقد حرمها الله يوم خلق السموات والأرض,,,,, يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لم تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار لا ينفر صيدها ولا يعضد شوكها ولا يختني خناها ولا تحل سقطتها إلا لمنشر ولا تحل لقتطها إلا لمنشد فمن هم بسيئة فويل له إذ الله جل وعلا يقول: (( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم )),,,,, فالله كم انفق من حبها من أموال ورضي المحبون بمفارقة فلذات الأكباد والأهل والأوطان لا يرجع الطرف عنها حين ينظرها حتى يعود إليه الطرف مشتاقا سبحان من جعل بيته الحرام مثابة للناس وأمنا يردون إليه ويرجعون عنه ولا يرون أنهم قضوا منه وطرا, ولما أضاف الجبار ذلك البيت إلى نفسه يقول جل وعلا لخليله إبراهيم: (( وطهر بيتي )) تعلقت قلوب المؤمنين به وكاما ذكر لهم بيت الله الحرام تحنوا وكلما تذكروا بعدهم عنه تأوهوا وأنُّوا, جعل البيت مثابة لهموا ليس منه الدهر يقضون الوطر,,,,, يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له ))خرجه أبو داود في سننه,,,,, وقال موسى نبي الله صلوات الله وسلامه عليه (( وعجلت إليك ربي لترضى )),,,,, ويقول الله مادحآ بعض عباده المؤمنين (( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبآ ورهبآ )),,,,, وفي الحديث عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( بادروا بالأعمال فتن كقطع الليل المظلم )),,,,, وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ( إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك )),,,,,

ومن أجل ذلك قال أهل العلم يجب الحج على الفور فليس للمؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤخره,,,,,

يقول عمر رضي الله عنه: ( ليمت يهوديآ أو نصرانيآ رجل مات ولم يحج وجد لذلك سعة وخليت سبيله ) ,,,,,
وقال علي رضي الله عنه: ( استكثر من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه ),,,,,
يقول الله جل جلاله: (( جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامآ للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذلك لتعلموا إن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وإن الله بكل شئ عليم )),,,,,
روى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري: ( أنه تلى هذه الآية فقال: لا يزال الناس على دين ما حجوا البيت واستقبلوا القبلة ) معاشر المؤمنين كثرة النصوص المرغبة في الحج بيت الله الحرام وهذا من رحمته ورأفته بأمته صلوات ربي وسلامه عليه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (( من حج لله ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )),,,,,
من أدى هذا وأحسن فيه فليبشر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )),,,,,,

الحج والعمرة من أسباب مغفرة الذنوب وسعة الأرزاق لقول الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه: (( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي كير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة )),,,,, نعوذ بالله أن نكون من قوم حرموا طاعة الله والتقرب إليه,,,,, ففي صحيح ابن حبان من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( أن الله عز وجل يقول: أن عبدآ صححت له جسمه وأوسعة عليه في المعيشة يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد لي إلا محروم )),,,,,
وكيف لا يكون محروم لن يكن مع قوم يباهي الله بهم ملائكته وينصرفون من تلك المواقف العظيمة وقد غفر الله لهم ما سلف من الذنوب والعصيان (( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات واكبر تفضيلا )) معاشر المؤمنين إن حجاج بيت الله الحرام قريبون من ربهم جل وعلا إن سألوه فهم أهل أن يستجيب دعائهم, في سند ابن ماجة وصحيح ابن حبان من حديث عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( الغازي في سبيل الله عز وجل والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم )),,,,, وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ما ترفع أبل الحاج رجلآ ولا تضع يدآ إلا كتب الله بها حسنة أو محا عنه سيئة أو رفع بها درجة )) رواه ابن حبان,,,,,

ومن البشائر ما رواه أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ما أهل مهل قط إلا بشر "أهل: أي رفع صوته بالتلبية" ولا كبر مكبرآ قط إلا بشر, قيل يا رسول الله: بالجنة, قال: نعم )) رواه الطبراني في الأوسط وهو في صحيح الجامع,,,,,
وفيه أيضآ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في استلام الحجر والركن اليماني: (( فإن استلامهما يحط الخطايا حطا )),,,,,, وقال في الطائف بالبيت العتيق: (( ما رفع قدما ولا وضعها إلا كتب الله له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات )) اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اللهم نسألك الهدى والعفاف والغنى, اللهم يسر لنا الخير حيث ما كنا, اللهم تقبل من حجاج بيتك الحرام, اللهم احفظهم يا أرحم الراحمين, اللهم أعنهم على العمل بسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية:


الحمد الله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آل وصحبه معاشر المؤمنين الحج استجابة لأمر الله تعالى وتقديم لمحبته على محبة الأهل والوطن والمال,,,,, يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أتاني جبريل فقال لي: أن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج )) رواه أحمد وصححه ابن حبان,,,,, فالحج إظهار الرضا والتسليم والانقياد لله سبحانه وتعالى, ومن أجل ذلك بادر الصحابة رضي الله عنهم واستجابوا لأمر الله جل وعلا,,,,, فقد روى بن أبي شيبة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح أصواتهم )),,,,, ومن كرم الله وجوده ما حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (( ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا )) رواه الترمذي ومن الأحاديث الجامعة في فضائل الحج ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( أنك إذا خرجت من بيتك تهم البيت الحرام لا تضع ناقتك خف ولا ترفعه إلا كتب الله لك بها حسنة ومحا عنك خطيئة وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بني اسماعيل وأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رقبة وأما وقوفك عشية عرفة أن الله جل وعلا ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول: عبادي جاءوني شعثآ من كل فج عميق يرجون رحمتي فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل أو كقطر المطر أو كزبد البحر لغفرتها أفيظوا عبادي مغفور لكم ولمن شفعتم له وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات وأما نحرك فمذخور عند ربك وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة وتمحى عنك بها خطيئة وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفك فيقول: اعمل ما تستقبل فقد غفر الله لك ما مضى ))رواه الطبراني في الكبير والبزار وهو في صحيح الترغيب اعلم بارك الله فيك إن الحج الذي تغفر فيه السيئات وتقال فيه العثرات وينال صاحبها الجنة ونعيمها هو الحج المبرور فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )) قالوا: وما بر الحج يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إطعام الطعام وطيب الكلام )),,,,, وقال بعض السلف: ( لا يعبأ بمن يؤم البيت إذا لم يأتي بثلاثة: ورع يحجزه عن معاصي الله وحلم يضبط به غضبه وحسن الصحبة لرفقائه ),,,,, فعليك بارك الله لك بإعمال الخير والبر في حجك, فكانوا السلف يواضبون على نوافل الصلاة, وكان المغيرة الصنعاني يحج من اليمن ماشيا وكان له ورد بالليل يقرأ فيه كل ليلة ثلث القرآن. ومما يتم بر الحج اجتناب ما حرم الله جل وعلا لقوله سبحانه: (( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج )),,,,, قال بعض السلف لأخ له أراد الحج: ( أوصيك بما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم معاذ رضي الله عنه أتقي الله حيث ما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحوها وخالق الناس بخلق حسن ) ومن أعظم ما يتقى أكل الحرام والحج بمال من كسب خبيث (( فإن كل لحم نبت من سحت النار أولى به )) أما يوم عرفة فهو يوم قد عظم الله أمره ورفع قدره,,,, ومن فضائله أن الله عزوجل أنزل فيه قوله: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )),,,,, عن طالب بن شهاب أن اليهود قالت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنكم تقرأون آية لو أنزلت فينا لتخذناها عيدا, فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت وأين نزلت وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت, يوم عرفة وإنا والله بعرفة يوم جمعة ),,,,, الوقوف بعرفة الركن الأعظم للحج لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الحج عرفة )),,,,, ومن فضائله أن الله عز وجل يغفر لأهل ذلك الموقف ويباهي بهم الملائكة فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ما من يوم أكثر أن يعتق به عبدا من النار من يوم عرفة وأنه ليدني فيباهي بهم الملائكة فيقول: ماذا أراد هؤلاء ))خرجه مسلم,,,,, ما أعظم ذلك الموقف وما أجمله, ذل وتضرع وتوبة وإنابة إلى الله جل وعلا, أنه موسم الغفران والعتق من النيران ذلك أن ربنا جواد كريم رءوف رحيم, ألا تراهم وقد جاءوا من كل فج عميق بذلوا أموالهم واتعبوا أبدانهم وإغبرة ثيابهم وخلفوا الدنيا ولذاتها ورائهم يحذوهم الشوق إلى عرفات وطاعة رب العالمين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( وأفضل الدعاء دعاء يوم عرفة )) الله أكبر ابشروا عباد الله بروح وريحان ورب غير غضبان قد وسعت رحمته كل شئ, ابشروا بغفران الذنوب والعفو من الزلات فعن أنس رضي الله عنه قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس أن تؤوب فقال يا بلال: أنصت الناس, فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: (( معاشر الناس أتاني جبريل آنفآ فأقرأني من ربي السلام وقال: أن الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات, فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا رسول الله: هذا لنا خاصة؟, فقال صلى الله عليه وسلم: هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة, فقال عمر: كثر خير الله وطاب ))رواه ابن المبارك وصححه العلامة الألباني,,,,, يقول بلال رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له غداة جمع " أي مزدلفة ": يا بلال اسكت الناس ثم قال صلى الله عليه وسلم: (( أن الله تتطول عليكم في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم وأعطا محسنكم ما سأل أدفعوا بسم الله )) رواه ابن ماجه,,,,, كان الحكيم بن حزام رحمه الله ورضي عنه كريم منفق ماله في سبيل الله كان يأتي يوم عرفة ومعه مئة رقبة من رقيقه ثم يعتقهم تقربآ لربه جل وعلا في ذلك الموقف, فعند ذلك يضج الناس بالبكاء والدعاء يقولون: ربنا هذا عبدك قد اعتق عبيده ونحن عبيدك فأعتق رقابنا من النار وأنته أكرم الأكرمين,,,,, وقال ابن المبارك جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثي على ركبتيه وعيناه تهملان, فقلت: من أسوء بهذا الجمع حالآ؟ فقال: الذي يظن أن الله لا يغفر لهم,,,,, هنيئآ لمن رزقه الله بالوقوف يوم عرفة مع قوم يجأرون إلى الله جل وعلا بقلوب وجلة وأعين دامعة فكم فيهم من خائف أزعجهم الخوف وأقلقه ومحب ألهفه الشوق وأحرقه وراجي أحسن الظن بوعد الله وأصدقه وتائب لربه فقر به, كم هناك مستوجبا للنار أنقذه الله وأعتقه, ومن أسير للأوزار فكه وأطلقه, وقفوا هناك كما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتفين لبيك اللهم لبيك قد حسروا الرؤوس واطرحوا زينة الدنيا ولجأوا لربهم جل وعلا فلا ترى إلا خاشعآ يتبتل, وباكيآ يتوسل ومذنب يتوب ونفس تذوب, اللهم تقبل منهم يا أرحم الراحمين ها هم حجاج بيت الله الحرام وقد دفعوا من مزدلفة إلى منى في يوم عيدهم في يوم الحج الأكبر وهم في فرح وسرور ونعمة لا يعاد لها ملك الدنيا بأسرها, ذكر لله وتكبير وتهليل ورمي ونحر وحلق وطواف لربهم جل وعلا كما قال بن القيم رحمه الله واصف حالهم: ( وراحوا إلى الجمع فباتوا بمشعل الحرام,,,,,وصلوا الفجر ثم تقدموا إلى الجمرة يريدون رميها في وقت صلاة العيد ثم تيمموا,,,, منازلهم للنحر يبغون فضله وإحياء من نسك أبيهم يعظم,,,, فلو كان يرضى الله نحر نفوسهم لدانوا به طوعآ وللأمر سلموا,,,, كما بذلوا عند الجهاد نحورهم بأعدائه حتى جرى منهم الدم ),,,,, يروى أن سليمان بن عبد الملك خليفة المسلمين حج, فبين هو يطوف رأى في الطواف العالم العابد سالم بن عبد الله بن عمر ومعه حذاء مقطع وعليه ثياب لا تساوي ثلاثة دراهم, فقترب الخليفة منه وقال: يا سالم ألك إلي حاجة فنظر إليه سالم نظرة تعجب ثم قال بغضب يا سليمان: أنا في بيت الله وتريد مني أن أرفع حاجتي لغير الله جل وعلا ),,,,, قال محمد بن عبد الله الثقفي شهدت خطبة ابن الزبير في الحج خرج علينا فحمد الله واثنا عليه ثم قال: أما بعد فإنكم جئتم من آفاق شتى وفودا إلى الله جل وعلا فحق على الله أن يكرم وفده فمن كان منكم يطلب ما عند الله فإن طالب ما عند الله لا يخيب فصدقوا قولكم بالعمل والنية النية والقلوب القلوب الله الله في أيامك هذه فإنها أيام تغفر فيها الذنوب, جئتم من آفاق شتى في غير تجارة ولا طلب مال ولا دنيا ترجونها ها هنا ثم لبى ولبى الناس, فما رأيت باكيآ أكثر من يومئذ,,,,, قال سفيان بن عيينه: حج علي بن الحسن رضي الله عنه فلما أحرم واستوت به ناقته اصفر وجهه وانتفض, فقيل له: ألا تلبي؟ فقال: أخشى أن يقال لي لا لبيك ولا سعديك,,,,, الله أكبر أنه الخوف من الله جل وعلا وإن كان محسنا (( والذين يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون )) وأختم بتذكير الدعاة إلى الله جل وعلا بواجبهم, فالحج موسم عظيم للدعوة لتوحيد رب العالمين ونشر مذهب السلف والتحذير من الشرك والبدع والتحزبات الجاهلية والتجمعات المخالفة لما عليه سلف هذه الأمة الصالح وأن هذا والله لمن أعظم منافع الحج اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام, اللهم أجعلنا من الأوابين المخبتين, اللهم يسر لنا الخير حيث ما كنا, اللهم احفظ حجاج بيتك الحرام وألف بين قلوبهم ووفقهم بالعمل بسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم, اللهم من سعى في خدمة حجاج بيتك الحرام ورعايتهم وتسهيل أمورهم اللهم اجعل ذلك رفعت في درجاته ومغفرة لسيئاته واجزه عنا خير الجزاء, اللهم اعنهم وتقبل منهم يا أرحم الراحمين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, , ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اللهم إنا نسألك الهدى والعفاف والغنا, ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلآ للذين آمنوا, اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.