قال الإمام الآجري رحمه الله في أخلاق حملة القرآن :( بَابُ أَدَبِ الْقُرَّاءِ عِنْدَ تِلَاوَتِهِمُ الْقُرْآنَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي لَهُمْ جَهْلُهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : وَأُحِبُّ لِمَنْ أَرَادَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ , مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ أَنْ يَتَطَهَّرَ , وَأَنْ يَسْتَاكَ وَذَلِكَ تَعْظِيمٌ لِلْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّهُ يَتْلُو كَلَامَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَدْنُوا مِنْهُ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ , وَيَدْنُو مِنْهُ الْمَلَكُ , فَإِنْ كَانَ مُتَسَوِّكًا وَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ , فَكُلَّمَا قَرَأَ آيَةً أَخَذَهَا الْمَلَكُ بِفِيهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَسَوَّكَ تَبَاعَدَ مِنْهُ فَلَا يَنْبَغِي لَكُمْ يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَنْ تُبَاعِدُوا مِنْكُمُ الْمَلَكَ , اسْتَعْمِلُوا الْأَدَبَ , فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ يَكْرَهُ إِذَا لَمْ يَتَسَوَّكْ أَنْ يُجَالِسَ إِخْوَانَهُ وَأُحِبُّ أَنْ يُكْثِرَ الْقِرَاءَةَ فِي الْمُصْحَفِ لِفَضْلِ مَنْ قَرَأَ فِي الْمُصْحَفِ , وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْمِلَ الْمُصْحَفَ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْمُصْحَفِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَلَا بَأْسَ , وَلَكِنْ لَا يَمَسَّهُ , وَلَكِنْ يُصَفِّحُ الْمُصْحَفَ بِشَيْءٍ , وَلَا يَمَسَّهُ إِلَّا طَاهِرًا , وَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ إِذَا كَانَ يَقْرَأُ فَخَرَجَتْ مِنْهُ رِيحٌ أَمْسَكَ عَنِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى تَنْقَضِي الرِّيحُ , ثُمَّ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَقْرَأَ طَاهِرًا فَهُوَ أَفْضَلُ ، وَإِنْ قَرَأَ غَيْرَ طَاهِرٍ فَلَا بَأْسَ مِنْهُ , وَإِذَا تَثَاءَبَ وَهُوَ يَقْرَأُ , أَمْسَكَ عَنِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَنْقَضِيَ التَّثَاؤُبُ , وَلَا يَقْرَأِ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ الْقُرْآنَ , وَلَا آيَةً , وَلَا حَرْفًا وَاحِدًا , , وَإِنْ سَبَّحَ أَوْ حَمِدَ أَوْ كَبَّرَ وَأَذَّنَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَأُحِبُّ لِلْقَارِئِ أَنْ يَأْخُذَ نَفْسَهُ بِسُجُودِ الْقُرْآنِ كُلَّمَا مَرَّ بِسَجْدَةٍ سَجَدَ فِيهَا , وَفِي الْقُرْآنِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً , وَقَدْ قِيلَ : أَرْبَعَ عَشْرَةَ , وَقَدْ قِيلَ : إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً ، وَالَّذِي أَخْتَارُ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ كُلَّمَا مَرَّتْ بِهِ سَجْدَةٌ ؛ فَإِنَّهُ يُرْضِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَغِيظُ عَدُوَّهُ الشَّيْطَانَ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ , اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي , يَقُولُ : يَا وَيْلَهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ , وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَعَصَيْتُ فَلِيَ النَّارُ " وَأُحِبُّ لِمَنْ كَانَ يَدْرُسُ وَهُوَ مَاشٍ فِي طَرِيقٍ , فَمَرَّتْ بِهِ سَجْدَةٌ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَيَوْمِي بِرَأْسِهِ بِالسُّجُودِ , وَهَكَذَا إِنْ كَانَ رَاكِبًا , فَدَرَسَ فَمَرَّتْ بِهِ سَجْدَةٌ , سَجَدَ يَوْمِي نَحْوَ الْقِبْلَةِ إِذَا أَمْكَنَهُ وَأُحِبُّ لِمَنْ كَانَ جَالِسًا يَقْرَأُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِوَجْهِهِ الْقِبْلَةَ , إِذَا أَمْكَنَ ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ " وَأُحِبُّ لِمَنْ تَلَا الْقُرْآنَ أَنْ يَقْرَأَهُ بِحُزْنٍ , وَيَبْكِي إِنْ قَدَرَ , فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ تَبَاكَى , وَأُحِبُّ لَهُ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي تِلَاوَتِهِ , وَيَتَدَبَّرَ مَا يَتْلُوهُ , وَيَسْتَعْمِلَ غَضَّ الطَّرْفِ عَمَّا يُلْهِي الْقُلُوبَ , وَلَوْ تَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى يَنْقَضِيَ دَرْسُهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ ؛ لِيَحْضُرَ فَهْمُهُ , فَلَا يَشْتَغِلَ بِغَيْرِ كَلَامِ مَوْلَاهُ , وَأُحِبُّ إِذَا دَرَسَ فَمَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ سَأَلَ مَوْلَاهُ الْكَرِيمَ , وَإِذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ عَذَابٍ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ النَّارِ , وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ تَنْزِيهٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّا قَالَ أَهْلُ الْكَنْزِ سَبَّحَ اللَّهَ وَعَظَّمَهُ , وَإِذَا كَانَ يَقْرَأُ فَأَدْرَكَهُ النُّعَاسُ , فَحُكْمُهُ أَنْ يَقْطَعَ الْقُرْآنَ حَتَّى يَرْقُدَ , حَتَّى يَقْرَأَهُ وَهُوَ يَعْقِلُ مَا يَتْلُو قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : جَمِيعُ مَا أَمَرْتُ بِهِ التَّالِيَ لِلْقُرْآنِ مُوَافِقٌ لِلسُّنَّةِ وَأَقَاوِيلِ الْعُلَمَاءِ , وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْهُ مَا حَضَرَنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ000
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : جَمِيعُ مَا ذَكَرْتُهُ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَتَأَدَّبُوا بِهِ وَلَا يَغْفُلُوا عَنْهُ , فَإِذَا انْصَرَفُوا عَنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ اعْتَبَرُوا نُفُوسَهُمْ بِالْمُحَاسَبَةِ لَهَا , فَإِنْ تَبَيَّنُوا مِنْهُ قَبُولَ مَا نَدَبَهُمْ إِلَيْهِ مَوْلَاهُمُ الْكَرِيمُ مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ , وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ , فَحَمِدُوهُ فِي ذَلِكَ وَشَكَرُوا اللَّهَ عَلَى مَا وَفَّقَهُمْ لَهُ , وَإِنْ عَلِمُوا أَنَّ النُّفُوسَ مُعْرِضَةٌ عَمَّا نَدَبَهُمْ إِلَيْهِ مَوْلَاهُمُ الْكَرِيمُ , قَلِيلَةُ الِاكْتِرَاثِ بِهِ , اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ مِنْ تَقْصِيرِهِمْ , وَسَأَلُوهُ النَّقْلَةَ مِنْ هَذَا الْحَالِ الَّذِي لَا يَحْسُنُ بِأَهْلِ الْقُرْآنِ , وَلَا يَرْضَاهَا لَهُمْ مَوْلَاهُمْ إِلَى حَالَةٍ يَرْضَاهَا , فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ , وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ وَجَدَ مَنْفَعَةَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ , وَعَادَ عَلَيْهِ مِنْ بَرَكَةِ الْقُرْآنِ كُلُّ مَا يُحِبُّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّه0)