تابع لما سبق ...
فصل[11]
قد تخرج الهمزة عن الاستفهام إلى معانٍ ثمانية تفهم من السياق ؛
الأول : التسوية ، وهي الداخلة على جملة يصح حلول المصدر محلها ، مثل: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}[12] ، ما أبالي أقمت أم قعدت .
الثاني : الإنكار الإبطالي ، وهي التي تقتضي أن مابعدها غير واقع ، كقوله تعالى : {أشهدوا خلقهم}[13] ، ولذلك إذا دخلت هذه الهمزة على منفي لزم ثبوته، لأن إبطال النفي إثبات،كقوله تعالى:{ألم نشرح لك}[14].
الثالث : الإنكار التوبيخي ، وهي التي تقتضي أن مابعدها واقع وفاعله مَلُوم ، مثل : {أغيرَ الله أبغي رباً}[15].
الرابع : التقرير ، ومعناه حمل المخاطب على الإقرار بأمر قد تقرر عنده ثبوته أو نفيه ، ويجب أن يليها الشيء المقرر به كما يجب في الاستفهامية أن يليها الشيء المستفهم عنه ، تقول في الاستفهام عن الفعل أو تقريره : أضربت زيداً ؟ وعن الفاعل : أأنت ضربته ؟ وفي المفعول : أطعاماً أكلت ؟
الخامس : التهكم ، كقوله تعالى : {أصلاتك تأمرك}[16].
السادس : الأمر ، كقوله تعالى : {أأسلمتم}[17].
السابع : التعجب ، كقوله تعالى : {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل}[18].
الثامن : الاستبطاء ،كقوله تعالى : {ألم يأن للذين آمنوا}[19].
( أجل )[20] : حرف جواب كـ(نعم) ، فتكون تصديقاً للمخبر ، وإعلاماً للمستخبر ، ووعداً للطالب .
( إذن )[21] : حرف عند الجمهور[22]، وهي للجواب والجزاء ، وقد تتمحض للجواب ، والأكثر أن تقع في جواب (إنْ) أو (لو) ظاهرتين أو مقدرتين ، مثال المقدر قوله تعالى : {إذاً لذهب كل إلهٍ بما خلق}[23] ، ويوقف عليها بالألف كما تكتب به ، وقيل بالنون ، وقيل إن عملت فبالألف وإلا فبالنون للفرق بينها وبين (إذا) .
وتنصب المضارع بشرط تصديرها واستقباله واتصالهما ، أو انفصالهما بالقسم أو بلا النافية ، وقيل أو بالظرف أو بالنداء أو الدعاء أو بمعمول الفعل .
( إنْ )[24] : على أربعة أوجه :
[الأول]: شرطية ، مثل : {إن ينتهوا يغفر لهم}[25] .
الثاني : نافية ، وتدخل على الجملتين ، نحو قوله تعالى: {إنْ أمهاتهم إلاَّ اللائي ولدنهم}[26] ، {إنْ يقولون إلا كذبا}[27]. ولا يشترط أن تقع بعدها (إلا) كقوله تعالى : {إن عندكم من سلطان بهذا}[28] والأكثر إهمالها وقيل بل تعمل عمل (ليس) .
الثالث : مخففة من الثقيلة ، وتدخل على الجملتين ، فإن دخلت على الاسمية جاز إعمالها خلافاً للكوفيين [29] ، وإن دخلت على الفعل أهملت وجوباً ، والأكثر أن يليها ماضٍ ناسخ ،ثم مضارع ناسخ ، ثم ماضٍ غير ناسخ ثم مضارع غير ناسخ ، ولايقاس على الأخيرين .
الرابع : زائدة ، وأكثر ماتقع بعد (ما) النافية ، كقوله :
3-[بني غدانةَ] مَا إنْ أنتمُ ذَهَبٌ [ولاصَرِيفٌ ولكن أنتم الخَزَفُ][30]
( أنْ )[31] : تأتي اسماً ضميراً ، نحو : أنــت ، والتاء حرف خطاب عند الجمهور ، وتأتي حرفاً على أربعة أوجه :
[ الأول ]: أن تكون حرف مصدر ناصباً للمضارع فتقع مبتدأً نحو : {وأن تصوموا خير لكم}[32].وفاعلاً في نحو : يعجبني أن تقوم . ومفعولاً نحو : أحب أن تقوم ، ومجروراً نحو : {من قبل أن تأتينا}[33]، وقد تهمل حملاً على (ما) المصدرية ، كقوله تعالى : {لمن أراد أن يتمُّ الرضاعة}[34] على قراءة الرفع[35].
الثاني : أن تكون مخففة من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين أو مانزل منزلته ، كقوله تعالى : {أفلا يرون أنْ لايرجع إليهم قولاً }[36] ، وإذا دخلت على الجملة الاسمية نصبت الاسم ورفعت الخبر ، وشرط اسمها أن يكون ضميراً محذوفاً وخبره جملة ، إلا أن يذكر اسمها فيجوز الأمران كقوله :
4-بأنْك ربيعٌ وغيثٌ مَرِيعٌ ** وأنْك هُنَاكَ تكونُ الثِّمالا [37]
الثالث : أن تكون مفسرةً بمعنى(أي) كقوله تعالى : { فأوحينا إليه أنِ اصنع الفلك}[38].
وأنكرها الكوفيون ، قال المؤلف وهو عندي متجه[39]، ويشترط أن لا يدخل عليها جارٌّ ، وأن تقع بين جملتين السابقة فيها معنى القول دون حروفه إلا أن يكون القول مؤولاً بغيره كما في قوله تعالى : {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم }[40] أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني به إلخ..
الرابع : أن تكون زائدة ، مثل قوله تعالى : {فلما أن جاء البشير}[41]،وتفيد التوكيد كسائر الزوائد .
وزيد على هذه الأوجه أوجهٌ أخرى ، منها :
[الأول] : أن تكون شرطية ، قاله الكوفيون ورجحه المؤلف[42].
الثاني : النفي .
الثالث : معنى(إذ) ذكره بعضهم في قوله تعالى:{بل عجبوا أن جاءهم منذرمنهم}[43].
( إنَّ )[44] : على وجهين :
[الأول] : أن تكون حرف توكيد فتنصب الاسم وترفع الخبر ، وقد تنصبهما في لغة كقوله :
5-إذَا اسْوَدَّ جُنْحُ الليلِ فَلْتَأتِ وَلْتَكُنْ ** خُطَاكَ خِفَافَاً إنَّ حُرَّاسَنا أُسْداً[45]
وقد يرتفع بعدها المبتدأ فيكون اسمها ضمير الشأن محذوفاً .
الثاني : أن تكون حرف جواب بمعنى ( نعم ) كقول ابن الزبير رضي الله عنه : ‘‘إنَّ وراكبها’’ . لمن قال له : ‘‘لعن الله ناقةً حملتني إليك’’ .
_____________________________________
الهامش :
[11] - انظر : المغني ص24.
[12] - سورة البقرة ، الآية : 6 .
[13]- سورة الزخرف . الآية : 19 .
[14] - سورة الشرح ، الآية : 1 .
[15] - سورة الأنعام ، الآية : 164 .
[16] - سورة هود . الآية : 87.
[17] - سورة آل عمران . الآية : 20.
[18] - سورة الفرقان . الآية :45.
[19] - سورة الحديد .الآية:16.
[20] - انظر : المغني ص29.
[21] - انظر : المغني ص30.
[22] - وهو الصحيح كما قال المرادي ، وقد ذهب بعض الكوفيين والدنوشري إلى أنها اسم . (حاشية يس على التصريح 2/234).
[23] -سورة المؤمنون . الآية : 91.
[24] - انظر : المغني ص33.
[25] -سورة الأنفال . الآية : 38.
[26] - سورة المجادلة .الآية : 2.
[27] - سورة الكهف . الآية : 5.
[28] -سورة يونس .الآية : 68.
[29] - انظر : الإنصاف في مسائل الخلاف . 1 / 195.
[30] - هذا بيت من البسيط ، لم أجد قائله ، انظر شرح التسهيل 1/370 والتصريح 1/196 والهمع 2/112 والدرر 2/101 . وقد ورد هذا البيت بنصب (ذهب) وبرفعها ، فالرفع على أن (إن) زائدة وقد أبطلت عمل (ما) النافية فلا تعمل عمل ليس . أما بالنصب فعلى أن (إن) نافية مؤكدة لـ(ما) . انظر : عدة السالك 1/275 .
[31] -انظر : المغني ص41.
[32] - سورة البقرة . الآية : 148.
[33] - سورة الأعراف . الآية : 129 .
[34] - سورة البقرة .الآية : 233.
[35] - وهي قراءة مجاهد وتروى عن ابن عباس ، انظر : الدر المصون 2/463 .
[36] - سورة طه .الآية : 89.
[37] - هذا بيت من المتقارب ، لجنوب (أو عمرة) بنت العجلان الهذلية .انظر : الإنصاف 1/207 وشرح المفصل 8/75 والتصريح 1/232 . الشاهد فيه : (بأنْك ربيع) فقد ذكر اسم (أنْ) وهو كاف الخطاب وجاء خبرها مفرد وهو (ربيع) وفي الشطر الثاني جاء الخبر جملة فجاز الأمران .
[38] - سورة المؤمنون .الآية:27.
[39] - وذلك لأنك لو أتيت بـ(أي) مكان (إن) في قولك : كتبت إليه أن قم ، لم تجده مقبولاً . (المغني -تحقيق عبد الحميد- 1/39 ).
[40] - سورة المائدة .الآية :117.
[41] - سورة يوسف .الآية : 96.
[42] - فتكون كـ(إن) المكسورة ، وذلك لأدلة منها تواردهما في الموضع الواحد ، كقوله تعالى :{أن تضل إحداهما}. انظر : المغني -عبد الحميد- 1/44 ، وشرح المفصل 2/99.
[43] -سورة ق . الآية : 2 .
[44] - انظر : المغني ص55.
[45] - هذا بيت من الطويل لعمر بن أبي ربيعة ، انظر : شرح التسهيل 2/9 والهمع 1/134والأشموني 1 /230 ولم أجده في الديوان ، الشاهد فيه : نصب (أسداً) وهي خبر إنَّ ، وخرج على أن الجزء الثاني حال والخبر محذوف ، فيكون التقدير : إنَّ حراسنا تلقاهم أسداً .(حاشية الصبان 1/269).
[46] - انظر : المغني ص55