حرف الباء


الباء المفردة[116] : حرف جر ، ولها معانٍ :

أحدها : الإلصاق حقيقة كأمسكت بزيدٍ ، أو مجازاً كمررت به أي ألصقت مروري بمكانٍ يقرب منه .

الثاني : التعدية ، وهي التي تُصير الفاعل مفعولاً كـ {ذهب الله بنورهم}[117] أي أذهبه .

الثالث : الاستعانة ، وهي الداخلة على آلة الفعل ، كقطعت بالسكين .

الرابع : المقابلة ، وهي الداخلة على الأعواض ، كاشتريت بدرهم .

الخامس : التوكيد ، وهي الزائدة ، وتزاد في مواضع : 1_ الفاعل ؛ وجوباً أو غالباً أو ضرورة . فالأول في فعل التعجب ؛ كأحسن بزيدٍ ،أصله : حَسُنَ زيدٌ ، ثم غير الخبر إلى الطلب فأدخلت الباء إصلاحاً للفظ. والثاني : في كفى ، مثل :{ كفى بالله شهيداً}[118] ، وقال الـزجاج : ضمن معنى (كفى) (اكتفِ)[119]، وهو من الحسن بمكان ، ولا تزاد في فاعل كفى بمعنى أغنى أو وقى . والثالث : كقوله :

17- أَلَمْ يَأْتيكَ وَالأَنْبَاءُ تَنْمي بِمَا لاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادِ [120]

2_ المفعول ، مثل : { فليمدد بسببٍ إلى السماء }[121] . 3_ المبتدأ ، مثل : بحسبِك درهمٌ . خرجت فإذا بزيد . كيف بك إذا انفردت بعملك . 4_ الخبر قياساً في غير الموجب مثل : مازيدٌ بقائمٍ ، وسماعاً في الموجب ومنه عند ابن مالك : بحسبك زيدٌ لأن زيداً معرفة فيكون هو المبتدأ مؤخراً[122]. 5_ الحال المنفي عاملها ، كقوله :

18-[كَائنْ دُعِيتَ إلى بَأسَاءَ دَاهِمَةٍ] فَمَا انبَعَثْتَ بِمَرْؤدٍ وَلا وَكِلِ[123]

6_ توكيد بالنفس والعين ، مثل : جاء ني زيد بنفسه أو بعينه .

( تنبيه )[124]: مذهب البصريين أن أحرف الجر لاينوب بعضها عن بعض ، وما أو هم ذلك فمؤول تأويلاً يقبله اللفظ أو يضمن متعلقه معنى مناسباً له أو يحمل على الشذوذ وبعض المتأخرين وأكثر الكوفيين يجيزون ذلك من غير تأويل ولا تضمين ولا شذوذ ، ومذهبهم أقل تعسفاً[125].

( بل )[126] : حرف إضراب ، فإن تلاها جملة كان معنى الإضراب إما الإبطال ، كقوله تعالى : {بل عبادٌ مكرمون}[127]، أو الانتقال من غرض إلى آخر ، كقوله تعالى : {بل تؤثرون الحياة الدنيا}[128]، وإن تلاها مفرد فهي عاطفة .

ثم إن تقدمها أمر أو إيجاب كان ما قبلها كالمسكوت عنه ، وإن تقدمها نفي أو نهي فهي لتقرير ماقبلها وإثبات ضده لما بعدها ، مثل : ماقام زيد بل عمرو ، ولا تكرمِ السفيهَ بل العاقلَ .

وقد تزاد قبلها (لا) لتوكيد الإضراب بعد الإيجاب ،كقوله :

19- وَجْهُكَ البَدْرُ لا بَلِ الشَّمْسُ [لَوْلَمْ

يُقْضَ للشَّمْسِ كَسْفَةٌ أَوْ أُفُولُ][129]

( بَلَى )[130] : حرف جواب وتختص بالنفي فتبطله سواء كان مجرداً كقوله تعالى : {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثنَّ}[131]، أم مقروناً باستفهام حقيقي مثل : أليس زيد بقائم ، فتقول : بلى ، أو توبيخي كقوله تعالى : { أم يحسبون أنَّا لانسمع سرهم ونجواهم بلى}[132] أو تقريري كقوله تعالى : { ألست بربكم قالوا بلى}· [133]، وقد يجاب بها الاستفهام المجرد كقوله في الحديث : ‘‘ أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟’’ قالوا :‘‘ بلى ’’[134] وهو قليل .


______________________________________



[116] - انظر : المغني ص137.

[117] - سورة البقرة . الآية : 17.

[118] - سورة النساء .الآية: 166 سورة الفتح. الآية:28.

[119] - انظر : إعراب القرآن المنسوب له 2/669 ، و سر صناعة الإعراب 1/142.

[120] - هذا بيت من الوافر لقيس بن زهير العبسي . انظر : الكتاب 3/315 والتي بعدها ، والإنصاف 1/30 ، والأشموني 1/66. الشاهد فيه : ( بما لاقت ) حيث جاءت الباء زائدةً مع الفاعل فما فاعل (تأتِ) وذلك للضرورة .

[121] - سورة الحج . الآية: 15.

[122] - انظر : شرح الكافية الشافية 1/337.

[123] - هذا بيت من البسيط . انظر : شرح التسهيل 1/385 و شرح شواهد المغني 1/340 ومعجم شواهد العربية 1/313 . الشاهد فيه : (بمرؤد ) حيث جاءت الباء زائدةً مع الحال المنفي ، فإن مزءود حال من التاء منفي بما . وإن سألت عن معنى المزءود فهو الفزِع .

[124] - انظر : المغني ص150.

[125] - انظر : سر صناعة الإعراب 1/135.

[126] - انظر : المغني ص151 .

[127] - سورة الأنبياء . الآية : 26.

[128] - سورة الأعلى . الآية : 16.

[129] - هذا بيت من الخفيف ، انظر : شرح التسهيل 3/370 والهمع 2/ 136والتصريح 2/148 والدرر 6/135 ومعجم شواهد العربية 1/298 . الشاهد فيه : ( وجهك البدر لا بل الشمس ) فإن لا فيه لتوكيد الإضراب بعد الإيجاب .

[130] - انظر : المغني ص153.

[131] - سورة التغابن . الآية :7.

[132] - سورة الزخرف . الآية : 80 .

· وإذا كان الاستفهام للتقرير فيجاب بـ(بلى) على الأكثر كما هنا مراعاة للفظ ، وقد يجاب بـ(نعم) عند أمن اللبس مراعاة للمعنى ، كقول جحدر [ بن ربيعة العكْلي ، الشاعر الأموي صاحب الحكاية المشهورة مع الحجاج ] :

نعم وترى الهلال [ كما أراه * ويعلوها النهار كما علاني ]

بعد قوله:

أليس الليل يجمع أم عمرٍو * [ وإيانا فذاك لنا تدان ]

[133] - سورة الأعراف . الآية : 172.

[134] - رواه مسلم في الإيمان باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة . رقم : (773) عن ابن عباس رضي الله عنهما .