(( خواطري مع الشيخ ابن عثيمين ))1-2
(( خواطري مع الشيخ ابن عثيمين ))1-2
دعاني سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين لزيارته بعنيزة , فلبيت دعوته , وبعد طعام الغداء جلسنا سويًا نتجاذب أطراف الحديث عن مسائل العلم والدعوة والعقيدة , وقد أهديت إلى سماحته مجموعة كبيرة من تحقيقاتي ومؤلفاتي , وكان حفظه الله عالمًا متواضعًا جليلاً فقد طلب مني أن يظل التواصل بيننا , وهذا ما حدث بفضل الله تعالى ؛ فقد اتصل بي هاتفيًا ـــ بعد عودتي للمدينة ـــ وقال بأن النووي ـــ رحمه الله ـــ ذكر في ((المجموع)) حديث : (( اللهم بارك لأمتي في بكورها )) وسألني عن صحته , وقال بأن له أكثر من خمسة وعشرين إسناداً كلها غير جيدة ؟!.
فأجبته هو حديث صحيح ــ يا سماحة الشيخ ــ بل عده بعضهم في الأحاديث المتواترة , ولعله الصواب , ثم أخبرته بأني خرجته في تحقيقي لكتاب (( الابتهاج بأذكار المسافر الحاج ))(1) للحافظ السخاوي وبينت هناك أن الحديث رواه أبو داود في (( السنن))(2) والترمذي(3) والنسائي في ((الكبرى ))(4) وابن ماجه(5) وغيرهم من حديث صخر بن وداعة الغامدي بإسناد فيه مجهول ,لكن له شواهد كثيرة جدًا جمعها المنذري في جزء وبسط الكلام عليها كما في ((الترغيب والترهيب )) (6), وكذا نقل السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر في (( المقاصد الحسنة )) ( 7 ) وقال في
(( الابتهاج )) (8): ((وفي الباب عن نحو عشرين من الصحابة )) ولهذا أورده الحافظ السيوطي في (( الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة )) و الكتاني في ((نظم المتناثر من الحديث المتواتر )) (3)ونقل عن الرهاوي في (( أربعينه)) أنه روي من حديث علي والعبادلة الأربعة , وابن مسعود وجابر , وعمران بن حصين , وأبي هريرة , وعبد الله بن سلام , وسهل بن سعد وأبي رافع وعمارة بن وسمة , وأبي بكرة , وبريدة بن الحصيب ــ وحديثه صححه ابن السكن ــ وزاد ا بن مندة في (( مستخرجه )) : واثلة بن الأسقع , ونبيط بن شريط , وزاد ابن الجوزي في (( العلل المتناهية )): عن أبي ذر , وكعب بن مالك , وأنس , والعرس بن عميرة , وعائشة , كما روي عن أوس بن عبد الله , وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم جميعًا .
ثم قلت لسماحة الشيخ ابن عثيمين : إن زيادة(( واجعله يوم الخميس )) أو (( يوم خميسها )) أو , (( يوم الخميس )) كلها زيادات لا تصح كما جزم السخاوي في (( الابتهاج ))(9) , وكما بينته بالتفصيل في تخريج تلك الزيادات هناك .
قال علي رضا : قد ضعف الحديث ابن الجوزي في (( العلل المتناهية )) (10) وابن القطان في (( بيان الوهم والإيهام )) (11) وكذا أبو حاتم الرازي في (( علل الحديث ))(12) ولفظه: لا أعلم في : اللهم بارك لأمتي في بكورها حديثًا صحيحًا .
فمن ضعفه فلعله إنما نظر إلى أن أسانيده جميعًا لا تخلو من مقال , لكن العلماء بينوا أن الحديث المتواتر لا يشترط فيه النظر إلى رجال الإسناد كما
هو في ((فتح المغيث))(13) ولفظه: وليس من مباحث هذا الفن ؛ فإنه لا يبحث عن رجاله لكونه لا دخل لصفات المخبرين فيه.
وقال منكرًا على من زعم عدم وجود المتواتر أو عزة وجوده – نقلاً عن شيخه الحافظ ابن حجر – بأن ذلك من قائله نشأ عن قلة اطلاع على كثرة الطرق وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطئوا على الكذب أو يحصل منهم اتفاقاً قال – أي ابن حجر -: ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجوداً... فذكر ما مفاده أن أهل المصنفات الحديثة إذا اجتمعوا على إخراج حديث وتعددت طرقه تعدداً تحيل العادة تواطؤهم معه على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم اليقيني بصحته إلى قائله(14) .
ومن ثم بين الحافظ في (( نخبة الفكر)) – كما في شرحه لعلي القاري – أن التواتر لا يبحث عن رجاله (11) .
فلخلاصة هي أن الحديث صحيح ؛ بل من عده متواتراً فلم يبعد ، ومن ضعفه فلم يصب في ذلك ؛ كيف وله أسانيد حسنة كما قال المنذري ، وقال ابن حجر : ومنها ما يصح ومنها مالا يصح ، وفيها الحسن والضعيف !!
وكأنه لهذا جزم النووي في الاستدلال به . انظر (( المجموع)) 4 / 387 .
