-
قال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد :
اختلفت فيه الآثار عن النبي صلى الله عليه و سلم واختلف فيه العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين على ثلاثة أقوال نذكرها ونبين وجوهها بعون الله إن شاء الله منهم قائلون لا يقرأ لا فيما أسر ولا فيما جهر وقال آخرون يقرأ معه فيما أسر فيه ولا يقرأ فيما جهر فيه إلا بأم القرآن خاصة دون غيرها وسنبين أقوالهم واعتلالهم في هذا الباب إن شاء الله ونبين الحجة لكلا الفريقين وعليهم بما يحضرنا ذكره بعون الله وقال آخرون يقرأ مع الإمام فيما أسر فيه ولا يقرأ فيما جهر فيه وهو قول سعيد بن المسيب وعبيدالله بن عبدالله وسالم بن عبدالله بن عمر وابن شهاب وقتادة قال مالك وأصحابه وعبدالله بن المبارك وأحمد وإسحاق وداود بن علي والطبري إلا أن أحمد بن حنبل قال إن سمع لم يقرأ وإن لم يسمع قرأ ومن أصحاب داود من قال لا يقرأ فيما قرأ إمامه وجهر ومنهم من قال يقرأ وأوجبوا كلهم القراءة فيما إذا أسر الإمام وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب وابن مسعود على اختلاف عنهم القراءة في ما أسر الإمام دون ما جهر وعن عثمان بن عفان وأبي بن كعب وعبدالله بن عمر مثل ذلك وهو أحد قولي الشافعي كان يقوله بالعراق وهذا هو القول المختار عندنا وبالله توفيقنا فمن الحجة لمن ذهب هذا المذهب قول الله عز و جل وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون وهذا عند أهل العلم عند سماع القرآن في الصلاة فأوجب تبارك وتعالى الإستماع والإنصات على كل مصل جهر أمامه بالقراءة ليسمع القراءة ومعلوم أن هذا في صلاة الجهر دون صلاة السر لأنه مستحيل أن يريد بالإنصات والإستماع من لا يجهر أمامه وكذلك مستحيل أن تكون منازعة القرآن في صلاة السر لأن المسر إنما يسمع نفسه دون غيره فقول رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لي أنازع القراءة يضاهي ويطابق قول الله عز و جل وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا 000قال أبو عمر في قول الله عز و جل وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا مع إجماع أهل العلم أن مراد الله من ذلك في الصلوات المكتوبة أوضح الدلائل على أن المأموم إذا جهر أمامه في الصلاة أنه لا يقرأ معه بشيء وأن يستمع له وينصت وفي ذلك دليل على أن قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب مخصوص في هذا الموضوع وحده إذا جهر الإمام بالقراءة لقول الله عز و جل وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا وما عدا هذا الموضوع وحده فعلى عموم الحديث وتقديره لا صلاة يعني لا ركعة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب إلا لمن صلى خلف إمام يجهر بالقراءة فإنه يستمع وينصت 000فإن قال قائل إن قوله وإذا قرأ فأنصتوا لم يقله أحد في حديث أبي هريرة غير ابن عجلان ولا قاله أحد في حديث أبي موسى غير جرير عن التيمي قيل له لم يخالفهما من هو أحفظ منهما فوجب قبول زيادتهما وقد صحح هذين الحديثين أحمد بن حنبل وحسبك به إمامة وعلما بهذا الشأن حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا عبدالحميد بن أحمد قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا ابو بكر الأثرم قال قلت لأحمد بن حنبل من يقول عن النبي صلى الله عليه و سلم من وجه صحيح إذا قرأ الإمام فأنصتوا فقال حديث ابن عجلان الذي يرويه أبو خالد والحديث الذي رواه جرير عن التيمي وقد زعموا أن المعتمر رواه قلت نعم قد رواه المعتمر قال فأي شيء تريد فقد صحح أحمد الحديثين جميعا عن النبي صلى الله عليه و سلم حديث أبي هريرة وحديث أبي موسى قوله عليه السلام إذا قرأ الإمام فأنصتوا فأين المذهب عن سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وظاهر كتاب الله عز و جل وعمل أهل المدينة ألا ترى إلى قول ابن شهاب فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم بالقراءة حين سمعوا منه ما لي أنازع القرآن وقال مالك الأمر عندنا أنه لا يقرأ مع الإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة فهذا يدلك على أن هذا عمل موروث بالمدينة )0
-
وفي موسوعة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب النجدي رحمه الله :
( ولا تجب القراءة على مأموم لقوله تعالى : { وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } قال أحمد : أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة . وتسن قراءته فيما لا يجهر فيه الإمام أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين يرون القراءة خلف الإمام فيما أسر فيه خروجا من خلاف من أوجبه لكن تركناه إذا جهر الإمام للأدلة
-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج22 ص 341 و 342 :
والأمر بإستماع قراءة الإمام والإنصات له مذكور فى القرآن وفى السنة الصحيحة وهو إجماع الأمة فيما زاد على الفاتحة وهو قول جماهير السلف من الصحابة وغيرهم فى الفاتحة وغيرها وهو أحد قولى الشافعى وإختاره طائفة من حذاق أصحابه كالرازى وأبى محمد بن عبدالسلام فإن القراءة مع جهر الإمام منكر مخالف للكتاب والسنة وما كان عليه عامة الصحابة ولكن طائفة من أصحاب أحمد إستحبوا للمأموم القراءة فى سكتات الإمام ومنهم من إستحب أن يقرأ بالفاتحة وإن جهر وهو إختيار جدى كما إستحب ذلك طائفة منهم الأوزاعى وغيره وإستحب بعضهم للإمام أن يسكت عقب الفاتحة ليقرأ من خلفه وأحمد لم يستحب هذا السكوت فإنه لا يستحب القراءة إذا جهر الإمام وبسط هذا له موضع آخر
-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج 23 في مسألة القراءة خلف الإمام :
(والذين أوجبوا القراءة في الجهر احتجوا بالحديث الذي في السنن عن عبادة أن النبي قال إذا كنتم ورائي فلا تقرؤوا إلا بفاتحة الكتاب فانه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وهذا الحديث معلل عند أئمة الحديث بأمور كثيرة ضعفه أحمد وغيره من الأئمة وقد بسط الكلام على ضعفه في غير هذا الموضع وبين أن الحديث الصحيح قول النبي لا صلاة إلا بأم القرآن فهذا هو الذي أخرجاه في الصحيحين ورواه الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة وأما هذا الحديث فغلط فيه بعض الشاميين وأصله أن عبادة كان يؤم ببيت المقدس فقال هذا فاشتبه عليهم المرفوع بالموقوف على عبادة وأيضا فقد تكلم العلماء قديما وحديثا في هذه المسألة وبسطوا القول فيها وفى غيرها من المسائل وتارة أفردوا القول فيها في مصنفات مفردة وانتصر طائفة للإثبات في مصنفات مفردة كالبخاري وغيره وطائفة للنفي كأبي مطيع البلخي وكرام وغيرهما ومن تأمل مصنفات الطوائف تبين له القول الوسط فان عامة المصنفات المفردة تتضمن صور كل من القولين المتباينين قول من ينهى عن القراءة خلف الإمام حتى في صلاة السر وقول من يأمر بالقراءة خلفه مع سماع جهر الإمام والبخاري ممن بالغ في الانتصار للإثبات بالقراءة حتى مع جهر الإمام بل يوجب ذلك كما يقوله الشافعي في الجديد وابن حزم ومع هذا فحججه ومصنفه إنما تتضمن تضعيف قول أبى حنيفة في هذه المسألة وتوابعها )0
-
وقال شيخ الإسلام أيضا رحمه الله في مسألة القراءة خلف الإمام ج23
:( والنبي قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وهذا أخرجه أصحاب الصحيح كالبخاري ومسلم في صحيحيهما وعليه اعتمد البخاري في مصنفه فقال باب وجوب القراءة في كل ركعة وروى هذا الحديث من طرق مثل رواية ابن عيينة وصالح بن كيسان ويوسف بن زيد قال البخاري وقال معمر عن الزهري لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا وعامة الثقاة لم يتابع معمرا في قوله فصاعدا مع أنه قد أثبت فاتحة الكتاب وقوله فصاعدا غير معروف ما أراد به حرفان أو أكثر من ذلك إلا أن يكون كقوله لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا فقد تقطع اليد في ربع دينار وفى أكثر من دينار قال البخاري ويقال إن عبد الرحمن بن إسحاق تابع معمرا وأن عبد الرحمن ربما روى عن الزهري ثم أدخل بينه وبين الزهري غيره ولا يعلم أن هذا من صحيح حديثه أم لا قلت معنى هذا حديث صحيح كما رواه أهل السنن وقد رواه البخاري في هذا المصنف حدثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد ثنا أبو عثمان النهدي عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره فنادى أن لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وما زاد وقال أيضا حدثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن أبى هريرة قال تجزيء بفاتحة الكتاب فان زاد فهو خير وذكر الحديث الآخر عن أبى سعيد في السنن قال البخاري حدثنا أبو الوليد حدثنا همام عن قتادة عن أبى نضرة قال أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر قلت وهذا يدل على أنه ليس المراد به قراءة المأموم حال سماعه لجهر الإمام فان أحدا لا يقول ان زيادته على الفاتحة وترك انصاته لقراءة الإمام في هذه الحال خير ولا أن المأموم مأمور حال الجهر بقراءة زائدة على الفاتحة وكذلك عللها البخاري في حديث عبادة فإنها تدل على أن المأموم المستمع لم يدخل في الحديث ولكن هب أنها ليست في حديث عبادة فهي في حديث أبى هريرة وأيضا فالكتاب والسنة يأمر بإنصات المأموم لقراءة الإمام ومن العلماء من أبطل صلاته إذا لم ينصت بل قرأ معه وحينئذ يقال تعارض عموم قوله لا صلاة إلا بأم القرآن وعموم الأمر بالإنصات فهؤلاء يقولون ينصت إلا في حال قراءة الفاتحة وأولئك يقولون قوله لا صلاة إلا بأم القرآن يستثنى منه المأمور بالإنصات ان سلموا شمول اللفظ له فإنهم يقولون ليس في الحديث دلالة على وجوب القراءة على المأموم فانه انما قال لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن وقد ثبت بالكتاب والسنة وبالإجماع أن إنصات المأموم لقراءة إمامه يتضمن معنى القراءة معه وزيادة فان استماعه فيما زاد على الفاتحة أولى به بالقراءة باتفاقهم فلو لم يكن المأموم المستمع لقراءة إمامه أفضل من القارىء لكان قراءته أفضل له ولأنه قد ثبت الأمر بالإنصات لقراءة القرآن ولا يمكنه الجمع بين الإنصات والقراءة ولولا أن الإنصات يحصل به مقصود القراءة وزيادة لم يأمر الله بترك الأفضل لأجل المفضول وأيضا فهذا عموم قد خص منه المسبوق بحديث أبى بكرة وغيره وخص منه الصلاة بإمامين فان النبي لما صلى بالناس وقد سبقه أبو بكر ببعض الصلاة قرأ من حيث انتهى أبو بكر ولم يستأنف قراءة الفاتحة لأنه بنى على صلاة أبى بكر فإذا سقطت عنه الفاتحة في هذا الموضع فعن المأموم أولى وخص منه حال العذر وحال استماع الإمام حال عذر فهو مخصوص وأمر المأموم بالإنصات لقراءة الإمام لم يخص معه شيء لا بنص خاص ولا إجماع وإذا تعارض عمومان أحدهما محفوظ والآخر مخصوص وجب تقديم المحفوظ
وأيضا فان الأمر بالإنصات داخل في معنى إتباع المأموم وهو دليل على أن المنصت يحصل له بإنصاته واستماعه ما هو أولى به من قراءته وهذا متفق عليه بين المسلمين في الخطبة وفى القراءة في الصلاة في غير محل النزاع فالمعنى الموجب للإنصات يتناول الإنصات عن الفاتحة وغيرها وأما وجوب قراءتها في كل صلاة فإذا أنصت إلى الإمام الذي يقرأها كان خيرا مما يقرأ لنفسه)0
-
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى ج22 ص341 و342:( والأمر بإستماع قراءة الإمام والإنصات له مذكور فى القرآن وفى السنة الصحيحة وهو إجماع الأمة فيما زاد على الفاتحة وهو قول جماهير السلف من الصحابة وغيرهم فى الفاتحة وغيرها وهو أحد قولى الشافعى وإختاره طائفة من حذاق أصحابه كالرازى وأبى محمد بن عبدالسلام فإن القراءة مع جهر الإمام منكر مخالف للكتاب والسنة وما كان عليه عامة الصحابة ولكن طائفة من أصحاب أحمد إستحبوا للمأموم القراءة فى سكتات الإمام ومنهم من إستحب أن يقرأ بالفاتحة وإن جهر وهو إختيار جدى كما إستحب ذلك طائفة منهم الأوزاعى وغيره وإستحب بعضهم للإمام أن يسكت عقب الفاتحة ليقرأ من خلفه وأحمد لم يستحب هذا السكوت فإنه لا يستحب القراءة إذا جهر الإمام وبسط هذا له موضع آخر )
-
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:" فصل
وأما العبوديات الخمس على الجوارح فعلى خمس وعشرين مرتبة أيضا
إذ الحواس خمسة وعلى كل حاسة خمس عبوديات
فعلى السمع وجوب الإنصات والإستماع لما أوجبه الله ورسوله عليه من استماع الإسلام والإيمان وفروضهما وكذلك استماع القراءة في الصلاة إذا جهر بها الإمام واستماع الخطبة للجمعة في أصح قولي العلماء ويحرم عليه استماع الكفر والبدع إلا حيث يكون في استماعه مصلحة راجحة من رده أو الشهادة على قائله أو زيادة قوة الإيمان والسنة بمعرفة ضدهما من الكفر والبدعة ونحو ذلك وكإستماع أسرار من يهرب عنك بسره ولا يحب أن يطلعك عليه ما لم يكن متضمنا لحق لله يجب القيام به أو لأذى مسلم يتعين نصحه وتحذيره منه 000"
-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج23:(فلو كانت القراءة لما يقرأه الامام أفضل من الاستماع لقراءته لكان قراءة المأموم أفضل من قراءته لما زاد على الفاتحة وهذا لم يقل به احد وإنما نازع من نازع فى الفاتحة لظنه أنها واجبة على المأموم مع الجهر أو مستحبة له حينئذ
وجوابه أن المصلحة الحاصلة له بالقراءة يحصل بالاستماع ما هو أفضل منها بدليل استماعه لما زاد على الفاتحة فلولا أنه يحصل له بالاستماع ما هو أفضل من القراءة لكان الأولى أن يفعل أفضل الأمرين وهو القراءة فلما دل الكتاب والسنة والاجماع على ان الاستماع أفضل له من القراءة علم أن المستمع يحصل له أفضل مما يحصل للقارىء وهذا المعنى موجود في الفاتحة وغيرها فالمستمع لقراءة الامام يحصل له أفضل مما يحصل بالقراءة وحينئذ فلا يجوز أن يؤمر بالأدنى وينهى عن الأعلى
وثبت أنه في هذه الحال قراءة الامام له قراءة كما قال ذلك جماهير السلف والخلف من الصحابة والتابعين لهم باحسان وفى ذلك الحديث المعروف عن النبى أنه قال من كان له إمام فقراءة الامام له قراءة
وهذا الحديث روي مرسلا ومسندا لكن اكثر الأئمة الثقاة رووه مرسلا عن عبد الله بن شداد عن النبى وأسنده بعضهم ورواه ابن ماجه مسندا وهذا المرسل قد عضده ظاهر القرآن والسنة وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين ومرسله من اكابر التابعين ومثل هذا المرسل يحتج به باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم وقد نص الشافعي على جواز الاحتجاج بمثل هذا المرسل
فتبين أن الاستماع إلى قراءة الامام أمر دل عليه القرآن دلالة قاطعة لأن هذا من الأمور الظاهرة التى يحتاج اليها جميع الأمة فكان بيانها فى القرآن مما يحصل به مقصود البيان وجاءت السنة موافقة للقرآن ففى صحيح مسلم عن أبى موسى الأشعرى قال ان رسول الله خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال أقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فاذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا وهذا من حديث أبى موسى الطويل المشهور لكن بعض الرواة زاد فيه على بعض فمنهم من لم يذكر قوله وإذا قرأ فانصتوا ومنهم من ذكرها وهي زيادة من الثقة لا تخالف المزيد بل توافق معناه ولهذا رواها مسلم فى صحيحه
فإن الانصات الى قراءة القارىء من تمام الائتمام به فان من قرأ على قوم لا يستمعون لقراءته لم يكونوا مؤتمين به وهذا مما يبين حكمة سقوط القراءة على المأموم فان متابعته لامامه مقدمة على غيرها حتى فى الأفعال فاذا أدركه ساجدا سجد معه وإذا أدركه فى وتر من صلاته تشهد عقب الوتر وهذا لو فعله منفردا لم يجز وإنما فعله لأجل الائتمام فيدل على أن الائتمام يجب به ما لا يجب على المنفرد ويسقط به ما يجب على المنفرد
وعن أبى هريرة قال قال رسول الله إنما جعل الامام ليؤتم به فاذا كبر فكبروا وإذا قرأ فانصتوا رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه قيل لمسلم بن الحجاج حديث أبى هريرة صحيح يعنى وإذا قرأ انصتوا قال هو عندي صحيح فقيل له لما لا تضعه ههنا يعنى فى كتابه فقال ليس كل شئ عندى صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه
وروى الزهري عن ابن اكيمة الليثى عن ابى هريرة أن رسول الله صلى عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها فقال هل قرأ معي أحد منكم آنفا فقال رجل نعم يارسول الله قال إني أقول مالي أنازع القرآن قال فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله فيما جهر فيه النبى بالقراءة فى الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائى والترمذي وقال حديث حسن قال أبو داود سمعت محمد بن يحيى بن فارس يقول قوله فانتهى الناس من كلام الزهري
وروى عن البخارى نحو ذلك فقال فى الكنى من التاريخ وقال أبو صالح حدثنى الليث حدثنى يونس عن ابن شهاب سمعت ابن اكيمة الليثى يحدث ان سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة يقول صلى لنا النبى صلاة جهر فيها بالقراءة ثم قال هل قرأ منكم أحد معي قلنا نعم قال إنى اقول مالي أنازع القرآن قال فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر الامام قال الليث حدثني ابن شهاب ولم يقل فانتهى الناس وقال بعضهم هو قول الزهرى وقال بعضهم هو قول ابن اكمية والصحيح أنه قول الزهرى
وهذا إذا كان من كلام الزهرى فهو من أدل الدلائل على أن الصحابة لم يكونوا يقرأون فى الجهر مع النبى فان الزهرى من أعلم أهل زمانه او أعلم أهل زمانه بالسنة وقراءة الصحابة خلف النبى إذا كانت مشروعة واجبة أو مستحبة تكون من الاحكام العامة التى يعرفها عامة الصحابة والتابعين لهم باحسان فيكون الزهرى من أعلم الناس بها فلو لم يبينها لاستدل بذلك على انتفائها فكيف إذا قطع الزهري بان الصحابة لم يكونوا يقرأون خلف النبى فى الجهر )0
-
تنبيه : ابن أكيمة حدث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة 0
فلعل ما وقع خطأ من بعض النساخ والله أعلم 0
وهذا لفظ البخاري في الكنى: (وقال أبو صالح حدثني الليث حدثني يونس عن بن شهاب قال سمعت بن أكيمة الليثي حدث سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة يقول صلى لنا النبي صلى الله عليه و سلم صلاة جهر فيها بالقراءة ثم قال هل قرا منكم أحد معي قلنا نعم قال أني أقول ما لي أنازع القرآن قال فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر الإمام)
وقال الحميدي رحمه الله في مسنده:(حدثنا سفيان قال حدثنا الزهرى قال سمعت ابن أكيمة الليثى يحدث سعيد بن المسيب قال سمعت أبا هريرة يقول : صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح ، فلما قضى النبى -صلى الله عليه وسلم- الصلاة قال :« هل قرأ معى منكم أحد؟ ». فقال رجل : نعم أنا. فقال النبى -صلى الله عليه وسلم- :« إنى أقول ما بالى أنازع القرآن ؟ ». قال سفيان : ثم قال الزهرى شيئا لم أفهمه ، فقال لى معمر بعد إنه قال : فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال أبو بكر : وكان سفيان يقول فى هذا الحديث : صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة أظنها صلاة الصبح زمانا من دهره ، ثم قال لنا سفيان : نظرت فى كتابى فإذا فيه عندى : صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح.)0
-
قال أبو عمر بن عبدالبر رحمه الله في التمهيد عن ابن اكيمة:(قال أبو عمر الدليل على جلالته أنه كان يحدث في مجلس سعيد بن المسيب وسعيد يصغي إلى حديثه عن أبي هريرة وسعيد أجل أصحاب أبي هريرة وذلك موجود في حديثه هذا من رواية ابن عيينة وغيره وإلى حديثه ذهب سعيد بن المسيب في القراءة خلف الإمام فيما يجهر فيه وبه قال ابن شهاب وذلك كله دليل واضح على جلالته عندهم وثقته وبالله التوفيق)0
-
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله كما شرح آداب المشي إلى الصلاة :(قوله : ولا قراءة على مأموم الخ .
يحتمل الإمام عنه القراءة في قول جماهير أهل العلم : مذهب مالك وأبي حنيفة واختيار الشيخ وله في ذلك رسالة أو أكثر.
قوله لحديث :" من كان له إمام فقرأته له قراءة " رواه أحمد .
هذا الحديث مشهور ضعفه لكنه مجبور بأشياء عديدة دلت على هذا الشيء : منها قوله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } ومنها قول الإمام أحمد : أجمعوا على أنها في الصلاة ولقصة أبي بكرة صحت منه الركعة وهو لم يقرأ الفاتحة ولا سمع قراءتها .
إن قيل : هذا للعذر . قيل : العذر لا يسقط الأركان ، لكن إنما سقطت عنه لأجل أنه ارتبط بالإمام فصحت صلاة الإمام لأجل قراءة الفاتحة ، والمأموم اكتفى بقراءة إمامه فهي مقروءة في حقه لكن لا من نفسه بل من إمامه .
ثم أيضا قوله عز وجل : { قد أجيبت دعوتكما } من المعلوم أن هارون ما دعى ، الداعي موسى ، فكذلك الإمام ، والمأموم سامع في الجهرية ، وغير الجهرية تتبع ذلك ، وكذلك ما علم من النهي عن القراءة"وإذا قرأ فأنصتوا" وقوله :" ما لي أنازع القرآن " ومن المعلوم أنه لم يرد سكتة تسع الفاتحة ، والمدعى ذلك مدع شيئا لابرهان عليه ، فأين محل الفرضية . وحينئذ فقول الجماهير أنه يقرأ في حال إسرار إمامه وخروجا من خلاف الشافعي والبخاري وغيرهما .
وأيضا قد تقرر أن القيام ركن مراد للقراءة ،والركن من القراءة هو الفاتحة . فيقرأ في الثالثة والرابعة ، فالراجح سقوطها عن المأموم لكن يتأكد خروجه من الخلاف إذا أمكنه في السكتات . وأما " المسألة الثانية " وهي حكم قراءة المأموم خلف إمامه فالذي نص عليه الفقهاء أنه يشرع للمأموم أن يقرأ في الصلاة السرية ، وأما الجهرية فيقرأ المأموم فيها حال سكوت الإمام وإذا لم يسمعه لبعد لا لطرش . وبعضهم قال بوجوب قراءة الفاتحة مطلقا ، لحديث :" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" والجمهور على سقوط فرضيتها عن المأموم مطلقا .
-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج22 :(وهذا هو المنصوص عن أحمد وأنه لا يستحب إلا سكتتان والثانية عند الفراغ من القراءة للإستراحة والفصل بينها وبين الركوع
وأما السكوت عقيب الفاتحة فلا يستحبه أحمد كما لا يستحبه مالك وأبوحنيفة والجمهور لا يستحبون أن يسكت الإمام ليقرأ المأموم وذلك أن قراءة المأموم عندهم إذا جهر الإمام ليست بواجبة ولا مستحبة بل هى منهي عنها وهل تبطل الصلاة إذا قرأ مع الإمام فيه وجهان فى مذهب أحمد فهو إذا كان يسمع قراءة الإمام فإستماعه أفضل من قراءته كإستماعه لما زاد على الفاتحة فيحصل له مقصود القراءة والإستماع يدل على قراءته فجمعه بين الإستماع والقراءة جمع يدل بين البدل والمبدل ولهذا لم يستحب أحمد وجمهور أصحابه قراءته فى سكتات الإمام إلا أن يسكت سكوتا بليغا يتسع للإستفتاح والقراءة 000 وعامة السلف الذين كرهوا القراءة خلف الإمام هو فيما إذا جهر ولم يكن أكثر الأئمة يسكت عقب الفاتحة سكوتا طويلا وكان الذى يقرأ حال الجهر قليلا وهذا منهى عنه بالكتاب والسنة وعلى النهى عنه جمهور السلف والخلف وفى بطلان الصلاة وبذلك نزاع
ومن العلماء من يقول يقرأ حال جهره بالفاتحة وإن لم يقرأ بها ففى بطلان صلاته أيضا نزاع فالنزاع من الطرفين لكن الذين ينهون عن القراءة مع الإمام هم جمهور السلف والخلف ومعهم الكتاب والسنة الصحيحة والذين أوجبوها على المأموم فى حال الجهر هكذا فحديثهم قد ضعفه الأئمة ورواه أبوداود وقوله فى حديث أبى موسى وذا قرأ فانصتوا صححه أحمد وإسحاق ومسلم بن الحجاج وغيرهم وعلله البخارى بأنه إختلف فيه وليس ذلك بقادح فى صحته بخلاف ذلك الحديث فإنه لم يخرج فى الصحيح وضعفه ثابت من وجوه وإنما هو قول عبادة بن الصامت )0
-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج23 :(ومعلوم أن النهى عن القراءة خلف الامام فى الجهر متواتر عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم كما أن القراءة خلف الامام فى السر متواترة عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم بل ونفى وجوب القراءة على المأموم مطلقا مما هو معروف عنهم )0
-
قال ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح :(وأسقط عن المأموم سجود السهو بصحة صلاة الإمام وخلوها من السهو وقراءة الفاتحة بتحمل الإمام لها فهو يتحمل عن المأموم سهوه وقراءته وسترته لقراءة الإمام وسترته قراءة لمن خلفه وسترة له)0
-
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره في سورة الأعراف :( الْوَجْه الثَّالِث " هَلْ تَجِب قِرَاءَة الْفَاتِحَة عَلَى الْمَأْمُوم ؟ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال لِلْعُلَمَاءِ " أَحَدهَا " أَنَّهُ تَجِب عَلَيْهِ قِرَاءَتهَا كَمَا تَجِب عَلَى إِمَامه لِعُمُومِ الْأَحَادِيث الْمُتَقَدِّمَة " وَالثَّانِي " لَا تَجِب عَلَى الْمَأْمُوم قِرَاءَة بِالْكُلِّيَّةِ لِلْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرهَا لَا فِي صَلَاة الْجَهْرِيَّة وَلَا فِي صَلَاة السِّرِّيَّة لِمَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل فِي مُسْنَده عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ كَانَ لَهُ إِمَام فَقِرَاءَة الْإِمَام لَهُ قِرَاءَة " وَلَكِنَّ فِي إِسْنَاده ضَعْفًا. وَرَوَاهُ مَالِك عَنْ وَهْب بْن كَيْسَان عَنْ جَابِر مِنْ كَلَامه وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيث مِنْ طُرُق وَلَا يَصِحّ شَيْء مِنْهَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّه أَعْلَم" وَالْقَوْل الثَّالِث " أَنَّهُ تَجِب الْقِرَاءَة عَلَى الْمَأْمُوم فِي السِّرِّيَّة لِمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَجِب ذَلِكَ فِي الْجَهْرِيَّة لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَام لِيُؤْتَمّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا " وَذَكَرَ بَقِيَّة الْحَدِيث وَهَكَذَا رَوَاهُ بَقِيَّة أَهْل السُّنَن أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا " وَقَدْ صَحَّحَهُ مُسْلِم بْن الْحَجَّاج أَيْضًا فَدَلَّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ عَلَى صِحَّة هَذَا الْقَوْل وَهُوَ قَوْل قَدِيم لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه وَاَللَّه أَعْلَم )0
-
قالالشيخ الألباني رحمه الله في الضعيفة :(591 - " من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل ، إلا وراء الإمام " .ضعيف 000 قلت : و الحديث صحيح بدون قوله : " إلا وراء
الإمام " يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب " رواه الشيخان عن عبادة بن الصامت ، و قوله صلى الله عليه وسلم لـ "
المسيء صلاته " بعد أن أمره بقراءة الفاتحة في الركعة الأولى : " ثم اصنع ذلك
في صلاتك كلها " رواه البخاري و غيره . لكن في معنى هذه الزيادة : " إلا وراء
الإمام " قوله صلى الله عليه وسلم : " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة "
. و هو حديث صحيح عندنا له طرق كثيرة جدا و قد ساقها الزيلعي ( 2 / 6 - 11 ) ثم
خرجتها في " الإرواء " رقم ( 493 ) ، و هي و إن كانت لا تخلو من ضعف ، و لكنه
ضعف منجبر ، و قد صح إسناده عن عبد الله بن شداد مرسلا ، و المرسل إذا جاء
متصلا فهو حجة عند الإمام الشافعي و غيره فاللائق بأتباعه أن يأخذوا بهذا
الحديث إذا أرادوا أن لا يخالفوه في أصوله ! و هو من المخصصات لحديث عبادة بن
الصامت ، و لكنه يخصصه بالجهرية فقط ، لا في السرية ، لأن قراءة الإمام فيها لا
تكون قراءة لمن خلفه ، إذ أنهم لا يسمعونها فلا ينتفعون بقراءته ، فلابد لهم من
القراءة السرية ، و بذلك نكون عاملين بالحديثين و لا نرد أحدهما بالآخر . و هو
مذهب مالك و أحمد و غيرهما أن القراءة فيها مشروعة دون الجهرية . و هو أعدل
الأقوال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " و من أراد التفصيل
فليرجع إليها ، و سبق شيء من هذا في الحديث ( 569 ) .
-
جزاك الله خيرا أخي الناصر
-
-
قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله في مجموع الفتاوى ج 23 وهو يناقش كلام للإمام البخاري في القراءة خلف الإمام:(وقال أيضا رحمه الله فى القراءة خلف الإمام بعد كلام والنبى قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وهذا أخرجه أصحاب الصحيح كالبخارى ومسلم فى صحيحيهما وعليه اعتمد البخارى فى مصنفه فقال باب وجوب القراءة فى كل ركعة وروى هذا الحديث من طرق مثل رواية ابن عيينة وصالح بن كيسان ويوسف بن زيد قال البخارى وقال معمر عن الزهرى لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا وعامة الثقاة لم يتابع معمرا فى قوله فصاعدا مع أنه قد أثبت فاتحة الكتاب وقوله فصاعدا غير معروف ما أراد به حرفان أو أكثر من ذلك الا أن يكون كقوله لا تقطع اليد إلا فى ربع دينار فصاعدا فقد تقطع اليد فى ربع دينار وفى أكثر من دينار قال البخارى ويقال إن عبدالرحمن بن اسحاق تابع معمرا وأن عبدالرحمن ربما روى عن الزهرى ثم أدخل بينه وبين الزهرى غيره ولا يعلم أن هذا من صحيح حديثه أم لا
قلت معنى هذا حديث صحيح كما رواه أهل السنن وقد رواه البخارى فى هذا المصنف حدثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد ثنا أبو عثمان النهدى عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه و سلم أمره فنادى ان لا صلاة الا بفاتحة الكتاب وما زاد وقال أيضا حدثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن أبى هريرة قال تجزىء بفاتحة الكتاب فان زاد فهو خير وذكر الحديث الآخر عن أبى سعيد فى السنن قال البخارى حدثنا ابو الوليد حدثنا همام عن قتادة عن أبى نضرة قال أمرنا نبينا صلى الله عليه و سلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر قلت وهذا يدل على أنه ليس المراد به قراءة المأموم حال سماعه لجهر الامام فان أحدا لا يقول ان زيادته على الفاتحة وترك انصاته لقراءة الامام فى هذه الحال خير ولا أن المأموم مأمور حال الجهر بقراءة زائدة على الفاتحة وكذلك عللها البخارى فى حديث عبادة فانها تدل على أن المأموم المستمع لم يدخل فى الحديث ولكن هب أنها ليست فى حديث عبادة فهى فى حديث أبى هريرة وأيضا فالكتاب والسنة يأمر بانصات المأموم لقراءة الامام ومن العلماء من أبطل صلاته اذا لم ينصت بل قرأ معه وحينئذ يقال تعارض عموم قوله لا صلاة الا بأم القرآن وعموم الأمر بالانصات فهؤلاء يقولون ينصت الا فى حال قراءة الفاتحة وأولئك يقولون قوله لا صلاة الا بأم القرآن يستثنى منه المأمور بالانصات ان سلموا شمول اللفظ له فانهم يقولون ليس فى الحديث دلالة على وجوب القراءة على المأموم فانه انما قال لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن وقد ثبت بالكتاب والسنة وبالاجماع أن انصات المأموم لقراءة امامه يتضمن معنى القراءة معه وزيادة فان استماعه فيما زاد على الفاتحة أولى به بالقراءة باتفاقهم فلو لم يكن المأموم المستمع لقراءة امامه أفضل من القارىء لكان قراءته أفضل له ولأنه قد ثبت الأمر بالانصات لقراءة القرآن ولا يمكنه الجمع بين الانصات والقراءة ولولا أن الانصات يحصل به مقصود القراءة وزيادة لم يأمر الله بترك الأفضل لأجل المفضول وأيضا فهذا عموم قد خص منه المسبوق بحديث أبى بكرة وغيره وخص منه الصلاة بامامين فان النبى لما صلى بالناس وقد سبقه أبو بكر ببعض الصلاة قرأ من حيث انتهى أبو بكر ولم يستأنف قراءة الفاتحة لأنه بنى على صلاة أبى بكر فاذا سقطت عنه الفاتحة فى هذا الموضع فعن المأموم أولى وخص منه حال العذر وحال استماع الامام حال عذر فهو مخصوص وأمر المأموم بالانصات لقراءة الامام لم يخص معه شىء لا بنص خاص ولا اجماع واذا تعارض عمومان أحدهما محفوظ والآخر مخصوص وجب تقديم المحفوظ وأيضا فان الأمر بالانصات داخل فى معنى اتباع المأموم وهو دليل على أن المنصت يحصل له بانصاته واستماعه ما هو أولى به من قراءته وهذا متفق عليه بين المسلمين فى الخطبة وفى القراءة فى الصلاة فى غير محل النزاع فالمعنى الموجب للانصات يتناول الانصات عن الفاتحة وغيرها وأما وجوب قراءتها فى كل صلاة فاذا أنصت الى الإمام الذى يقرأها كان خيرا مما يقرأ لنفسه )
-
قال الشيخ الألباني رحمه الله في الضعيفة ج2:(546 - " للإمام سكتتان ، فاغتنموا القراءة فيهما بفاتحة الكتاب " .
لا أصل له مرفوعا . و إنما رواه البخاري في " جزء القراءة " ( ص 33 ) عن
أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : فذكره موقوفا عليه . قلت : و إسناده حسن
. ثم رواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة موقوفا عليه ، و سنده حسن أيضا 000و هذا هو أعدل الأقوال في مسألة القراءة وراء الإمام، أن يقرأ إذا أسر الإمام ، و ينصت إذا جهر . و قد فصلت القول في هذه المسألة وجمعت الأحاديث الواردة فيها في تخريج أحاديث " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)0
-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج17 :(مثل قوله فى حديث أبى موسى إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فانصتوا فإن هذه الزيادة صححها مسلم وقبله أحمد بن حنبل وغيره وضعفها البخاري وهذه الزيادة مطابقة للقرآن فلو لم يرد بها حديث صحيح لوجب العمل بالقرآن فإن في قوله وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون أجمع الناس على أنها نزلت في الصلاة وأن القراءة في الصلاة مرادة من هذا النص ولهذا كان أعدل الأقوال فى القراءة خلف الإمام أن المأموم إذا سمع قراءة الإمام يستمع لها وينصت لا يقرأ بالفاتحة ولا غيرها وإذا لم يسمع قراءته بها يقرأ الفاتحة وما زاد وهذا قول جمهور السلف والخلف وهو مذهب مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وجمهور أصحابه وهو أحد قولى الشافعي واختاره طائفة من محققي أصحابه وهو قول محمد بن الحسن وغيره من أصحاب أبى حنيفة وأما قول طائفة من أهل العلم كأبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يقرأ خلف الإمام بالفاتحة ولا غيرها لا فى السر ولا فى الجهر فهذا يقابله قول من أوجب قراءة الفاتحة ولو كان يسمع قراءة الإمام كالقول الآخر للشافعي وهو الجديد وهو قول البخاري وإبن حزم وغيرهما وفيها قول ثالث أنه يستحب القراءة بالفاتحة إذا سمع قراءة الإمام وهذا مروي عن الليث والأوزاعى وهو إختيار جدى أبى البركات ولكن أظهر الأقوال قول الجمهور لأن الكتاب والسنة يدلان على وجوب الإنصات على المأموم إذا سمع قراءة الإمام وقد تنازعوا فيما إذا قرأ المأموم وهو يسمع قراءة الإمام هل تبطل صلاته على قولين وقد ذكرهما أبوعبدالله بن حامد على وجهين فى مذهب أحمد وقد أجمعوا على أنه فيما زاد على الفاتحة كونه مستمعا لقراءة إمامه خير من أن يقرأ معه فعلم أن المستمع يحصل له أفضل مما يحصل للقارىء مع الإمام وعلى هذا فإستماعه لقراءة إمامه بالفاتحة يحصل له به مقصود القراءة وزيادة تغنى عن القراءة معه التى نهى عنها وهذا خلاف إذا لم يسمع فإن كونه تاليا لكتاب الله يثاب بكل حرف عشر حسنات خيرا من كونه ساكتا بلا فائدة بل يكون عرضة للوسواس وحديث النفس الذى لا ثواب فيه فقراءة يثاب عليها خير من حديث نفس لا ثواب عليه وبسط هذا له موضع آخر
-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج23 :(والذين أوجبوا القراءة في الجهر احتجوا بالحديث الذي في السنن عن عبادة أن النبي قال إذا كنتم ورائي فلا تقرؤوا إلا بفاتحة الكتاب فانه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وهذا الحديث معلل عند أئمة الحديث بأمور كثيرة ضعفه أحمد وغيره من الأئمة وقد بسط الكلام على ضعفه في غير هذا الموضع وبين أن الحديث الصحيح قول النبي لا صلاة إلا بأم القرآن فهذا هو الذي أخرجاه في الصحيحين ورواه الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة وأما هذا الحديث فغلط فيه بعض الشاميين وأصله أن عبادة كان يؤم ببيت المقدس فقال هذا فاشتبه عليهم المرفوع بالموقوف على عبادة وأيضا فقد تكلم العلماء قديما وحديثا فى هذه المسألة وبسطوا القول فيها وفي غيرها من المسائل وتارة أفردوا القول فيها في مصنفات مفردة وانتصر طائفة للإثبات في مصنفات مفردة كالبخاري وغيره وطائفة للنفي كأبي مطيع البلخي وكرام وغيرهما ومن تأمل مصنفات الطوائف تبين له القول الوسط فإن عامة المصنفات المفردة تتضمن صور كل من القولين المتباينين قول من ينهى عن القراءة خلف الإمام حتى في صلاة السر وقول من يأمر بالقراءة خلفه مع سماع جهر الامام والبخاري ممن بالغ فى الإنتصار للإثبات بالقراءة حتى مع جهر الامام بل يوجب ذلك كما يقوله الشافعى فى الجديد وابن حزم ومع هذا فحججه ومصنفه انما تتضمن تضعيف قول أبى حنيفة فى هذه المسألة وتوابعها)0
-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج23:(ثم اذا فرض أن جميع المأمومين يقرأون خلفه فنفس جهره لا لمن يستمع فلا يكون فيه فائدة لقوله اذا أمن فأمنوا ويكونون قد أمنوا على قرآن لم يستمعوه ولا استمعه أحد منهم الا أن يقال ان السكوت يجب على الامام بقدر ما يقرأون وهم لا يوجبون السكوت الذى يسع قدر القرءاة وانما يستحبونه فعلم أن استحباب السكوت يناسب استحباب القراءة فيه ولو كانت القراءة على المأموم واجبة لوجب على الامام أن يسكت بقدرها سكوتا فيه ذكر أو سكوتا محضا ولا أعلم أحدا أوجب السكوت لأجل قراءة المأموم
يحقق ذلك أنه قد أوجب الانصات حال قراءة الامام كما فى صحيح مسلم عن أبى موسى قال أن رسول الله خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال أقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فاذا كبر فكبروا واذا قرأ فانصتوا ورواه من حديث أبى هريرة أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما جعل الامام ليؤتم به فاذا كبر فكبروا واذا قرأ فانصتوا رواه الامام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائى قيل لمسلم بن الحجاج حديث أبى هريرة هو صحيح يعنى اذا قرأ فانصتوا قال عندى صحيح قيل له لم لا تضعه ههنا يعنى فى كتابه قال ليس كل شىء عندى صحيح وضعته ههنا انما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه يعنى من طريق أبى هريرة لم يجمع عليها وأجمع عليها من رواية أبى موسى ورواها من طريق أبى موسى مسلم ولم يروها مسلم من طريق أبى هريرة
وعن ابن أكيمة الليثى عن أبى هريرة أن رسول الله انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال هل قرأ يعنى أحدا منا آنفا قال رجل نعم يا رسول الله قال انى أقول مالى أنازع القرآن فانتهى الناس عن القراءة معه فيما جهر فيه النبى صلى الله عليه و سلم بالقراءة من الصلاة حين سمعوا ذلك منه صلى الله عليه و سلم رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائى والترمذى وقال حديث حسن قال أبو داود سمعت محمد بن يحيى بن فارس قال قوله فانتهى الناس عن القراءة الى آخره من قول الزهرى وروى البخارى نحو ذلك فقد قال البيهقى ابن أكيمة رجل مجهول لم يحدث الا بهذا الحديث
وحده ولم يحدث عنه غير الزهرى وجواب ذلك من وجوه
أحدها أنه قد قال فيه أبو حاتم قال فيه أبو حاتم الرازى صحيح الحديث حديثه مقبول وتزكية أبى حاتم هو فى الغاية وحكى عن أبى حاتم البستى أنه قال روى عنه الزهرى وسعيد بن أبى هلال وابن ابنه عمرو بن مسلم بن عمارة بن أكيمة بن عمر
الثانى أن يقال ليس فى حديث ابن أكيمة الا ما فى حديث عبادة الذى اعتمده البيهقى ونحوه من أنهم قرأوا خلف النبى وأنه قال مالى أنازع القرآن
الثالث ان حديث ابن أكيمة رواه أهل السنن الأربعة فاذا كان هذا الحديث هو مسلم صحة متنه وأن الحديث الذى احتج به والذى احتج به منازعوه قد اتفقا على هذه الرواية كان ما اتفقا عليه معمولا به بالاتفاق وما فى حديثه من الزيادة قد انفرد بها من ذلك الطريق ولم يروها الا بعض أهل السنن وطعن فيها الأئمة وكانت الزيادة المختلف فيها أحق بالقدح فى الأصل المتفق على روايته
وأما قوله فانتهى الناس فهذا اذا كان من كلام الزهرى كان تابعا فان الزهرى أعلم التابعين فى زمنه بسنة رسول الله صلى اللهعليه وسلم وهذه المسألة مما تتوفر الدواعى والهمم على نقل ما كان يفعل فيها خلف النبى ليس ذلك مما ينفرد به الواحد والاثنان فجزم الزهرى بهذا من أحسن الأدلة على أنهم تركوا القراءة خلفه حال الجهر بعد ما كانوا يفعلونه وهذا يؤيد ما تقدم ذكره ويوافق قوله واذا قرأ فانصتوا ولم يستثن فاتحة ولا غيرها وتحقق ان تلك الزيادة اما ضعيفة الأصل أو لم يحفظ راويها لفظها وان معناها كان مما يوافق سائر الروايات والا فلا يمكن تغيير الأصول الكلية الثابتة فى الكتاب والسنة فى هذا الأمر المحتمل والله أعلم
-
قال أبو داود رحمه الله في السنن :
باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام.
حدثنا القعنبى عن مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثى عن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال « هل قرأ معى أحد منكم آنفا ». فقال رجل نعم يا رسول الله. قال « إنى أقول ما لى أنازع القرآن ». قال فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما جهر فيه النبى -صلى الله عليه وسلم- بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال أبو داود روى حديث ابن أكيمة هذا معمر ويونس وأسامة بن زيد عن الزهرى على معنى مالك.
حدثنا مسدد وأحمد بن محمد المروزى ومحمد بن أحمد بن أبى خلف وعبد الله بن محمد الزهرى وابن السرح قالوا حدثنا سفيان عن الزهرى سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب قال سمعت أبا هريرة يقول صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة نظن أنها الصبح بمعناه إلى قوله « ما لى أنازع القرآن ». قال أبو داود قال مسدد فى حديثه قال معمر فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال ابن السرح فى حديثه قال معمر عن الزهرى قال أبو هريرة فانتهى الناس. وقال عبد الله بن محمد الزهرى من بينهم قال سفيان وتكلم الزهرى بكلمة لم أسمعها فقال معمر إنه قال فانتهى الناس. قال أبو داود ورواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهرى وانتهى حديثه إلى قوله « ما لى أنازع القرآن ». ورواه الأوزاعى عن الزهرى قال فيه قال الزهرى فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرءون معه فيما يجهر به -صلى الله عليه وسلم-. قال أبو داود سمعت محمد بن يحيى بن فارس قال قوله فانتهى الناس. من كلام الزهرى.
-
فصل
في مناقشة من قال من العلماء بوجوب القراءة خلف الإمام مطلقا والكلام حول ما استدلوا به رحم الله الجميع 0
-
احتج من أوجب القراءة خلف الإمام مطلقا بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) 0 ثم اختلف الموجبون في عموم هذا الحديث فذهب الإمام البخاري رحمه الله " كما في القراءة خلف الإمام " وغيره من العلماء إلى أنه على عمومه وبنى على هذا أن من أدرك الإمام راكعا أنه يعيد الركعة لعموم هذا الحديث 0 وذهب غيرهم من أهل العلم ممن أوجب القراءة خلف الإمام مطلقا إلى أنه مخصوص في هذه الحالة بحديث أبي بكرة رضي الله عنه ويأتي ذلك بشيء من التفصيل إن شاء الله 0
والجواب عن هذه المقدمة من وجوه :
الوجه الأول : المتعلق بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج23 وهو يناقش كلام الإمام البخاري رحمه الله في القراءة خلف الإمام:( وهذا أخرجه أصحاب الصحيح كالبخاري ومسلم في صحيحيهما وعليه اعتمد البخار في مصنفه فقال باب وجوب القراءة في كل ركعة وروى هذا الحديث من طرق مثل رواية ابن عيينة وصالح بن كيسان ويوسف بن زيد قال البخاري وقال معمر عن الزهري لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا وعامة الثقاة لم يتابع معمرا فى قوله فصاعدا مع أنه قد أثبت فاتحة الكتاب وقوله فصاعدا غير معروف ما أراد به حرفان أو أكثر من ذلك الا أن يكون كقوله لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا فقد تقطع اليد في ربع دينار وفي أكثر من دينار قال البخاري ويقال إن عبدالرحمن بن اسحاق تابع معمرا وأن عبدالرحمن ربما روى عن الزهري ثم أدخل بينه وبين الزهري غيره ولا يعلم أن هذا من صحيح حديثه أم لا
قلت معنى هذا حديث صحيح كما رواه أهل السنن وقد رواه البخاري فى هذا المصنف حدثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد ثنا أبو عثمان النهدى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم أمره فنادى أن لا صلاة الا بفاتحة الكتاب وما زاد وقال أيضا حدثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة قال تجزىء بفاتحة الكتاب فان زاد فهو خير وذكر الحديث الآخر عن أبي سعيد في السنن قال البخاري حدثنا أبو الوليد حدثنا همام عن قتادة عن أبي نضرة قال أمرنا نبينا صلى الله عليه و سلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر
قلت وهذا يدل على أنه ليس المراد به قراءة المأموم حال سماعه لجهر الإمام فان أحدا لا يقول ان زيادته على الفاتحة وترك انصاته لقراءة الامام في هذه الحال خير ولا أن المأموم مأمور حال الجهر بقراءة زائدة على الفاتحة وكذلك عللها البخاري فى حديث عبادة فانها تدل على أن المأموم المستمع لم يدخل في الحديث ولكن هب أنها ليست في حديث عبادة فهي فى حديث أبي هريرة
وأيضا فالكتاب والسنة يأمر بانصات المأموم لقراءة الامام ومن العلماء من أبطل صلاته اذا لم ينصت بل قرأ معه وحينئذ يقال تعارض عموم قوله لا صلاة الا بأم القرآن وعموم الأمر بالانصات فهؤلاء يقولون ينصت إلا فى حال قراءة الفاتحة وأولئك يقولون قوله لا صلاةإالا بأم القرآن يستثنى منه المأمور بالانصات ان سلموا شمول اللفظ له فانهم يقولون ليس في الحديث دلالة على وجوب القراءة على المأموم فانه إنما قال لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن وقد ثبت بالكتاب والسنة وبالاجماع أن انصات المأموم لقراءة امامه يتضمن معنى القراءة معه وزيادة فان استماعه فيما زاد على الفاتحة أولى به بالقراءة باتفاقهم فلو لم يكن المأموم المستمع لقراءة امامه أفضل من القارىء لكان قراءته أفضل له ولأنه قد ثبت الأمر بالانصات لقراءة القرآن ولا يمكنه الجمع بين الانصات والقراءة ولولا أن الانصات يحصل به مقصود القراءة وزيادة لم يأمر الله بترك الأفضل لأجل المفضول وأيضا فهذا عموم قد خص منه المسبوق بحديث أبى بكرة وغيره وخص منه الصلاة بامامين فان النبي لما صلى بالناس وقد سبقه أبو بكر ببعض الصلاة قرأ من حيث انتهى أبو بكر ولم يستأنف قراءة الفاتحة لأنه بنى على صلاة أبى بكر فاذا سقطت عنه الفاتحة فى هذا الموضع فعن المأموم أولى وخص منه حال العذر وحال استماع الامام حال عذر فهو مخصوص وأمر المأموم بالانصات لقراءة الامام لم يخص معه شىء لا بنص خاص ولا اجماع واذا تعارض عمومان أحدهما محفوظ والآخر مخصوص وجب تقديم المحفوظ)0
-
الوجه الثاني :قال الشيخ الألباني رحمه الله في الضعيفة ح591 "من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل ، إلا وراء الإمام" وهو يشير إلا ضعف زيادة إلا وراء الإمام في الحديث المشار إليه0 :( لكن في معنى هذه الزيادة : " إلا وراء الإمام " قوله صلى الله عليه وسلم : " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ". و هو حديث صحيح عندنا له طرق كثيرة جدا و قد ساقها الزيلعي ( 2 / 6 - 11 ) ثم
خرجتها في " الإرواء " رقم ( 493 ) ، و هي و إن كانت لا تخلو من ضعف ، و لكنه
ضعف منجبر ، و قد صح إسناده عن عبد الله بن شداد مرسلا ، و المرسل إذا جاء
متصلا فهو حجة عند الإمام الشافعي و غيره فاللائق بأتباعه أن يأخذوا بهذا
الحديث إذا أرادوا أن لا يخالفوه في أصوله ! و هو من المخصصات لحديث عبادة بن
الصامت ، و لكنه يخصصه بالجهرية فقط ، لا في السرية ، لأن قراءة الإمام فيها لا
تكون قراءة لمن خلفه ، إذ أنهم لا يسمعونها فلا ينتفعون بقراءته ، فلابد لهم من
القراءة السرية ، و بذلك نكون عاملين بالحديثين و لا نرد أحدهما بالآخر . و هو
مذهب مالك و أحمد و غيرهما أن القراءة فيها مشروعة دون الجهرية . و هو أعدل
الأقوال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " و من أراد التفصيل
فليرجع إليها ، و سبق شيء من هذا في الحديث ( 569 ) .
-
وذكر ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة في ترجمة :(محمد بن محمد بن إدريس الشافعي الإمام أبو عثمان ):( وسئل أحمد عن القراءة خلف الإمام فقال: لا يقرأ فيما يجهر ويقرأ فيما أسر في الركعتين الأوليين بالحمد وسورة وفي الركعتين الأخريين بالحمد فقال: له رجل فإن كان للإمام سكتة فيما يجهر يقرأ فقال: إن كان يمكنه أن يقرأ يقرأ ولا أحب أن يقرأ والإمام يجهر وجعل يعجب ممن يذهب إلى هذا وقال أليس يدرك الإمام راكعا فيركع معه ولا يقرأ وهذا أبو بكرة قد جاء والإمام راكع فركع دون الصف فاحتسب بها فقال: له ابن الشافعي الذي يذهب إلى هذا يذهب إلى الحديث " لا صلاة لم يقرأ بفاتحة الكتاب " فقال: قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " .
-
وقد سبق كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا رحمه الله المتعلق بحديث من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة 0 وسبق نقل ابن قدامة في المغني عن الإمام أحمد أن هذا قاله النبي وأصحابه والتابعون0
-
قال الموجبون : وحديث عبادة عام والآية مخصوصة بغير الفاتحة 0
والجواب :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج23 :( فهذا عموم قد خص منه المسبوق بحديث أبى بكرة وغيره وخص منه الصلاة بإمامين فإن النبي لما صلى بالناس وقد سبقه أبو بكر ببعض الصلاة قرأ من حيث انتهى أبو بكر ولم يستأنف قراءة الفاتحة لأنه بنى على صلاة أبى بكر فاذا سقطت عنه الفاتحة فى هذا الموضع فعن المأموم أولى وخص منه حال العذر وحال استماع الامام حال عذر فهو مخصوص وأمر المأموم بالانصات لقراءة الامام لم يخص معه شىء لا بنص خاص ولا اجماع واذا تعارض عمومان أحدهما محفوظ والآخر مخصوص وجب تقديم المحفوظ)0
-
وفي مسائل الإمام أحمد لابنه عبد الله :( قال وإن قرأ بشيء من القرآن ولم يقرأ بفاتحه الكتاب فلا يجزيه حتى يقرأ بفاتحة الكتاب كل ركعه لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فلا صلاة له إلا وراء ا لإمام على حديث مالك عن وهب بن كيسان قال سمعت جابرا يقول هذا
قلت فإن صلى خلف إمام ولم يقرأ بشيء
قال يجزئه إلا أنه أعجب إلي أن يقرأ خلف الإمام فيما لا يجهر به الإمام فإن جهر أنصت له وذلك لو أنه أدرك الإمام وهو راكع فلم يعلم الناس اختلفوا أنه إذا ركع مع الإمام أن الركعة تجزئه وإن لم يقرأ )0
-
وفي مسائل أبي داود للإمام أحمد: (سمعت أحمد قيل له: إن فلاناً قال: قراءة فاتحة الكتاب –يعني: خلف الإمام- مخصوص من قوله: ( وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له) [الأعراف:204] فقال: عمن يقول هذا؟! أجمع الناس أن هذه الآية في الصلاة).
-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج18 :( مثل قوله في حديث أبي موسى إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فانصتوا فإن هذه الزيادة صححها مسلم وقبله أحمد بن حنبل وغيره وضعفها البخاري وهذه الزيادة مطابقة للقرآن فلو لم يرد بها حديث صحيح لوجب العمل بالقرآن فإن في قوله" وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" أجمع الناس على أنها نزلت في الصلاة وأن القراءة في الصلاة مرادة من هذا النص ولهذا كان أعدل الأقوال في القراءة خلف الإمام أن المأمور إذا سمع قراءة الإمام يستمع لها وينصت لا يقرأ بالفاتحة ولا غيرها وإذا لم يسمع قراءته بها يقرأ الفاتحة وما زاد وهذا قول جمهور السلف والخلف )0
-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج23:( وأما الذين كرهوا القراءة في حال استماع قراءة الامام مطلقا وهم الجمهور فحجتهم قوله تعالى "واذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " فأمر بالانصات مطلقا ومن قرأ وهو يستمع فلم ينصت
ومن أجاب عن هذا بأن الآية مخصوصة بغير حال قراءة الفاتحة فجوابه من وجوه
أحدها ما ذكره الامام أحمد من اجماع الناس على أنها نزلت في الصلاة وفي الخطبة وكذلك قوله "واذا قرأ فانصتوا "وأيضا فالمستمع للفاتحة هو كالقارىء ولهذا يؤمن على دعائها وقال"إذا أمن القارىء فأمنوا فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" وأما الانصات المأمور به حال قراءة الامام فهو من باب المتابعة للامام فهو فاعل للاتباع المأمور به أى بمقصود القراءة واذا قرأ الفاتحة ترك المتابعة المأمور بها بالانصات وترك الانصات المأمور به في القرآن ولم يعتض عن هذين الأمرين الا بقراءة الفاتحة التي حصل المقصود منها باستماعه قراءة الامام وتأمينه عليها وكان قد ترك الانصات المأمور به الى غير بدل ففاته هذا الواجب ولم يعتض عنه الا ما حصل مقصوده بدونه ومعلوم أنه اذا دار الأمر بين تفويت أحد أمرين على وجه يتضمن تحصيل أحدهما كان تحصيل ما يفوت الى غير بدل أولى من تحصيل ما يقوم بدله مقامه وأيضا فلو لم يكن المستمع كالقارىء لكان المستحب حال جهره بغير الفاتحة أن يقرأ المأموم فلما اتفق المسلمون على أن المشروع للمأموم حال سماع القراءة المستحبة أن يستمع ولا يقرأ علم أنه يحصل له مقصود القراءة بالاستماع والا كان المشروع في حقه التلاوة بل أوجبوا عليه الانصات حال القراءة المستحبة فالانصات حال القراءة الواجبة أولى)0
-
وتأمل في سياق هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :( إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا وإذا قال ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقولوا آمين وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين)0 رواه ابن ماجة وغيره وصححه الشيخ الألباني رحمه الله
-
وذكر بعض العلماء رحمهم الله ممن أوجب القراءة خلف الإمام مطلقا مسائل أذكر مسئلة منها متعلقة بالإنصات مع الجواب عنها ويأتي البقية إن شاء الله
فمن ذلك : ذكر الإمام البيهقي رحمه الله في القراءة خلف الإمام وهو يسرد أحديث الإنصات يوم الجمعة بعد أن ذكر حديث أبي هريرة ، وأبي سعيد قالا : سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من اغتسل يوم الجمعة واستن ومس من طيب إن كان عنده ولبس أحسن ثيابه ، ثم جاء إلى المسجد ولم يتخط رقاب الناس ، ثم ركع ما شاء الله أن يركع ، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي كانت قبلها » يقول : أبو هريرة : وثلاثة أيام زيادة إن الله قد جعل الحسنة بعشر أمثالها )0
وحديث أبي أيوب الأنصاري ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من اغتسل يوم الجمعة ومس من الطيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحدا ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى » وروي مثل ذلك في حديث سلمان الفارسي وغيره وفي بعض رواياتهم : « ثم ينصت حتى يقضي الإمام صلاته »
ثم قال البيهقي رحمه الله :( فالنبي صلى الله عليه وسلم ندب في هذه الأخبار إلى الإنصات عند خروج الإمام يوم الجمعة حتى يصلي الإمام ومعلوم أنه لم يرد به سكوت الإمام عن تكبيرة الافتتاح وتكبيرات الانتقالات والتسبيح في الركوع والسجود والذكر عند الرفع والتشهد والدعاء والتسليم وإنما أراد سكوته عن كلام الناس وإنصاته عن محادثة بعضهم بعضا حتى يفرغ الإمام من الصلاة وكذلك لم يرد سكوته عن قراءة الفاتحة وفيه دليل على أن الإنصات يطلق على ترك الجهر وترك كلام الناس وإن كان قارئا في السر ذاكرا في نفسه )0
والجواب عن كلام الإمام البيهقي رحمه الله من وجهين :
الوجه الأول أن الإنصات المذكور في الحديث إذا تكلم الإمام وقد جاء مبينا من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه وكذلك في الصلاة :(وإذا قرأ فأنصتوا)0 فالإنصات من المأموم
روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن سلمان الفارسى قال قال النبى - صلى الله عليه وسلم - « لا يغتسل رجل يوم الجمعة ، ويتطهر ما استطاع من طهر ، ويدهن من دهنه ، أو يمس من طيب بيته ثم يخرج ، فلا يفرق بين اثنين ، ثم يصلى ما كتب له ، ثم ينصت إذا تكلم الإمام ، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى »0
الوجه الثاني
هل من انشغل عن سماع الخطبة بقراءة القرآن وذكر الله بغير جهر يجوز له ذلك ويكون ممتثلا الأمر بالإستماع والإنصات؟
هذا واضح البطلان 0
وكذلك كلام الإمام البيهقي رحمه الله في القراءة أن الإنسان يكون مستمعا منصتا قارئا في نفس الوقت جوابه :( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه)0
-
قال الموجبون رحمهم الله : وقد روى الترمذي وحسنه وأبوداود وغيرهما من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قَالَ:
"صَلَّى رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبحَ، فَثَقُلتْ عَلَيهِ القِرَاءَةُ، فَلَّمَا انصَرَفَ قَالَ: إِنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَؤُونَ وَرَاءَ إِمَامِكمْ؟ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله إِيِّ وَالله، قَالَ: لاَ تَفْعَلوا إِلاَّ بِأُمِّ القُرْآنِ، فَإِنَّهُ لا صَلاَةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بِهَا".
وهذا حديث مفصل في المسألة 0
وقد صححه جمع من العلماء0
والجواب من وجوه :
الوجه الأول من ضعف هذا الحديث مع بيان سبب الضعف :
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج23 :(والذين أوجبوا القراءة في الجهر احتجوا بالحديث الذي في السنن عن عبادة أن النبي قال إذا كنتم ورائي فلا تقرؤوا إلا بفاتحة الكتاب فانه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وهذا الحديث معلل عند أئمة الحديث بأمور كثيرة ضعفه أحمد وغيره من الأئمة وقد بسط الكلام على ضعفه في غير هذا الموضع وبين أن الحديث الصحيح قول النبي لا صلاة إلا بأم القرآن فهذا هو الذي أخرجاه في الصحيحين ورواه الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة وأما هذا الحديث فغلط فيه بعض الشاميين وأصله أن عبادة كان يؤم ببيت المقدس فقال هذا فاشتبه عليهم المرفوع بالموقوف على عبادة)0
-
2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج23 :( وعن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة أن رسول الله انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال هل قرأ يعني أحدا منا آنفا قال رجل نعم يا رسول الله قال إني أقول مالي أنازع القرآن فانتهى الناس عن القراءة معه فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه و سلم بالقراءة من الصلاة حين سمعوا ذلك منه صلى الله عليه و سلم رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وقال حديث حسن قال أبو داود سمعت محمد بن يحيى بن فارس قال قوله فانتهى الناس عن القراءة الى آخره من قول الزهري وروى البخاري نحو ذلك فقد قال البيهقي ابن أكيمة رجل مجهول لم يحدث الا بهذا الحديث وحده ولم يحدث عنه غير الزهري وجواب ذلك من وجوه أحدها أنه قد قال فيه أبو حاتم الرازى صحيح الحديث حديثه مقبول وتزكية أبى حاتم هو في الغاية وحكى عن أبي حاتم البستى أنه قال روى عنه الزهري وسعيد بن أبي هلال وابن ابنه عمرو بن مسلم بن عمارة بن أكيمة بن عمر
الثاني أن يقال ليس في حديث ابن أكيمة الا ما في حديث عبادة الذى اعتمده البيهقي ونحوه من أنهم قرأوا خلف النبي وأنه قال مالي أنازع القرآن
الثالث ان حديث ابن أكيمة رواه أهل السنن الأربعة فاذا كان هذا الحديث هو مسلم صحة متنه وأن الحديث الذي احتج به والذي احتج به منازعوه قد اتفقا على هذه الرواية كان ما اتفقا عليه معمولا به بالاتفاق وما في حديثه من الزيادة قد انفرد بها من ذلك الطريق ولم يروها الا بعض أهل السنن وطعن فيها الأئمة وكانت الزيادة المختلف فيها أحق بالقدح في الأصل المتفق على روايته
وأما قوله فانتهى الناس فهذا اذا كان من كلام الزهري كان تابعا فان الزهري أعلم التابعين فى زمنه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه المسألة مما تتوفر الدواعى والهمم على نقل ما كان يفعل فيها خلف النبي ليس ذلك مما ينفرد به الواحد والاثنان فجزم الزهري بهذا من أحسن الأدلة على أنهم تركوا القراءة خلفه حال الجهر بعد ما كانوا يفعلونه وهذا يؤيد ما تقدم ذكره ويوافق قوله واذا قرأ فانصتوا ولم يستثن فاتحة ولا غيرها وتحقق ان تلك الزيادة اما ضعيفة الأصل أو لم يحفظ راويها لفظها وان معناها كان مما يوافق سائر الروايات والا فلا يمكن تغيير الأصول الكلية الثابتة في الكتاب والسنة في هذا الأمر المحتمل والله أعلم
-
3- قال الجصاص رحمه الله في أحكام القرآن :( واحتج موجبوا القراءة خلف الإمام بحديث محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر فتعامى عليه القراءة فلما سلم قال أتقرؤن خلفي قالوا نعم يا رسول الله قال لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وهذا حديث مضطرب السند مختلف في رفعه وذلك أنه رواه صدقة بن خالد عن زيد بن واقد عن مكحول عن نافع بن محمود بن ربيعة عن عبادة ونافع بن محمود هذا مجهول لا يعرف وقد روى هذا الحديث ابن عون عن رجاء بن حيوة عن محمود بن الربيع موقوفا على عبادة لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم000 وإنما أصل حديث عبادة ما رواه يونس عن ابن شهاب قال أخبرني محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن فلما اضطرب حديث عبادة هذا الاضطراب في السند والرفع والمعارضة لم يجز الاعتراض به على ظاهر القرآن والآثار الصحاح النافية للقراءة خلف الإمام وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بأم القرآن فليس فيه إيجاب قراءتها خلف الإمام لأن هذه صلاة بأم القرآن إذ كانت قراءة الإمام له قراءة 000 ومما يدل على أن أخبارنا أولى اتفاق الجميع على استعمالها في النهي عن القراءة خلف الإمام في حال جهر الإمام وخبرهم مختلف فيه فكان ما اتفقوا على استعماله في حال أولى مما اختلف فيه فإن قيل نستعمل الأخبار كلها فيكون أخبار النهي فيما عدا فاتحة الكتاب وأخبار الأمر بالقراءة في فاتحة الكتاب قيل له هذا يبطل بما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم- من قوله علمت أن بعضكم خالجنيها وقوله مالي أنازع القرآن والقرآن لا يختص بفاتحة الكتاب دون غيرها فعلمنا أنه أراد الجميع )0
-
وقال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد :( قال أبو عمر أما حديث محمد بن إسحاق فرواه الأوزاعي عن مكحول عن رجاء بن حيوة عن عبدالله بن عمرو قال صلينا مع النبي صلى الله عليه و سلم فلما انصرف قال لنا هل تقرأون القرآن إذا كنتم معي في الصلاة قلنا نعم قال فلا تفعلوا إلا بأم القرآن ورواه زيد بن خالد عن مكحول عن نافع بن محمود عن عبادة ونافع هذا مجهول ومثل هذا الاضطراب لا يثبت فيه عند أهل العلم بالحديث شيء وليس في هذا الباب مالا مطعن فيه من جهة الإسناد غير حديث الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة وهو محتمل للتأويل)0