قال العلامة الإمام صالح الفوزان فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذّر من الشرك وهو في هذه الحالة، فهذا دليل على أن التحذير من الشرك أمر متعيّن، وأنه يجب على الدعاة أن يهتموا بهذا الأمر اهتماماً بالغاً قبل غيره، قبل أن يحثوا النّاس على الصلاة والصيام، وترك الربا، وترك الزنا، وترك شرب الخمر، قبل ذلك ينهوهم عن الشرك، لاسيّما إذا كان واقعاً في الأمة، فالسكوت عنه من الغش للأمة، فلابد أن يُبدأ به، وأن يُعمل على إزالته قبل كل شيء، لأنه إذا صلحت العقيدة صلحت بقية الأعمال.
أما إذا فسدت العقيدة فلا فائدة في الأعمال كلها، ولو ترك الربا، وتصدق بماله، وصلى الليل والنهار، وصام الدهر، وحج، واعتمر، وعنده شيء من الشرك الأكبر، فإن أعماله تكون هباءً منثوراً، لا فائدة منها، أما إذا كان موحّداً خالياً من الشرك، فلو وقع في الكبائر، ولو وقع في الزنا، ووقع في الربا، ووقع في المحرمات التي دون الشرك، فإنه يُرجى له المغفرة، وإن عذب بذنوبه فإنه لا يخلد في النار وهو مؤمن موحد، حكمه حكم المؤمنين، ولابد له من دخول الجنة بتوحيده وإيمانه، وإن كان ضعيفاً، أما إذا كان عنده شرك أكبر، فهذا لا فائدة في أعماله، لو ترك المحرمات كلها، وأدى الواجبات كلها ولم يتجنب الشرك، فإنه لا فائدة في أعماله كلها.
فكيف إذاً نهتم بجوانب فرعية، أو جوانب جزئية، ونترك هذا الأمر الخطير يعجّ في جسم الأمة الإسلامية، ولا نحذّر منه، ولا ندعوا إلى تركه، ولا نسعى في إزالته عن الأمة؟؟ بحجة أننا نريد أن نجمع الأمة كما يقولون.
هذا هو صميم الدعوة، هذا هو الذي جاءت الرسل من أولهم إلى آخرهم للتحذير منه، كل رسول يقول لقومه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}، لان العبادة لا تنفع مع وجود الشرك، فهذا أمر عظيم.
وقال حفظه الله ولا تعجبوا من كون الشَّيخ كرّر هذه الأبواب واحداً بعد واحد، لأن هذه المسألة عظيمة، فالشرك إنما حصل في هذه الأمة بسبب الفتنة في القبور والغلو فيها، وبسبب الغلو في الصالحين، والغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم، فالشرك إنما حصل في هذه الأمة بسبب هذه ا لأمور، منذ أن بُنيت المساجد على القبور، ومنذ أن ظهر التصّوف في هذه الأمة، والشرك يكثر ويتعاظم في هذه الأمة، من رحم الله عزّ وجلّ، فالأمر خطير جدًّا، ولذلك كرّر الشَّيخ رحمه الله في هذا الموضوع، وأبدى وأعاد، لأنه هو المرض الذي أصاب الأمة في أجل أن ينبه العلماء، وينبه المسلمين على هذا الخطر الشديد ليقوموا بعلاجه، والدعوة إلى التّوحيد، ونفي الشرك من هذه الأمة، وإلاَّ إن سكت العلماء عن هذا الأمر فإنه يتعاظم، وبالتالي في النّهاية يكثر الجهل، وتعتبر هذه الأمور من الدين، ويعتبر من نهى عنها من الخارجين عن الدين كما حصل الآن؛ أن من ينكر هذه الأمور، وينبه النّاس إلى خطرها، ويدعو إلى التّوحيد يرمونه بأنه متشدد، وأنه خارج عن الأمة، لأن ا لأمة عندهم هم عباد القبور، ومن أنكر عبادة القبور صار خارجاً عن الأمة، وهذا من قلب الحقائق -والعياذ بالله-، فالدين الذي جاءت به الرسل هو إخلاص العبادة لله عزّ وجلّ، هذا هو الدين.
أما عبادة القبور فهي دين أبي جهل وأبي لهب ودين المشركين، ليست في دين الرسل- عليهم الصلاة والسلام-، ولكن إذا ظهر الجهل، وظهر إتباع الهوى حصل في الأمة ما حصل من جعل هذه الأمور الشركية من الدين، وجعل التّوحيد هو الخروج عن الدين، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله.
وقال حفظه الله وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، فهل يليق بمن هذه صفاته أن يترك الأمة تقع في الشرك الذي يُبعدها عن الله، ويُسبب لها دخول النار؟، هل يليق بمن هذه صفاته أن يتساهل بأمر الشرك؟، أو أن يتركه ولا يهتم بالتحذير منه، ى لأن هذا هو أعظم الخطر على الأمة؟ وهذا هو الذي يشق على الأمة، لأنه يفسد عليها حياتها، ولا يجعل لها مستقبلاً عند الله عزّ وجلّ، لأن المشرك مستقبله النار، ليس له مستقبل إلاَّ العذاب، فهل يليق بهذا الرسول الذي هذه صفاته أن يتساهل في أمر الشرك؟، لا، بل اللاّئق به أن يبالغ أشد المبالغة في حماية الأمة من الشرك، وقد فعل صلى الله عليه وسلم، فقد سد كل الطرق الموصلة إلى الشرك بالأحاديث التي مرت في الأبواب السابقة.
هناك ناس الآن يقولون: لا تذكروا الشرك، ولا تذكروا العقائد، يكفي التسمّي بالإسلام، لأن هذا ينفّر النّاس ويفرق الناس، اتركوا كلاًّ على عقيدته، دعونا نجتمع ولا تفرقونا.
يا سبحان الله، نترك الشرك ولا نتكلم في أمر التّوحيد من أجل أن نجمع الناس؟!!.
وهذا الكلام باطل من وجوه:
أولاً: لا يمكن اجتماع النّاس إلاَّ على العقيدة الصحيحة.
وثانياً: ما الفائدة من الاجتماع على غير عقيدة، هذا ماذا يؤدي إليه؟، لا يؤدي إلى نتيجة أبداً.
فلا بد من الاهتمام بالعقيدة، ولابد من تخليصها من الشرك، ع ولا بد من بيان التّوحيد، حتى يحصل الاجتماع الصحيح على الدين، لا يجتمع النّاس إلاَّ على التّوحيد، لا يوحد النّاس إلاَّ كلمة: لا إله إلاَّ الله؛ قولاً وعملاً واعتقاداً.
هذا هو الذي جمع العرب على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وجعلهم أمة واحدة هو الذي يجمعهم في آخر الزمان، أما بدون ذلك فلا يمكن الاجتماع مهما حاولتم، فلا تتعبوا أنفسكم أبداً، وهذا من الجهل أو من المغالطة.
فالتّوحيد ليس هو الذي يفرق الناس، بل العكس؛ الذي يفرق النّاس هو الشرك، والعقائد الفاسدة، والبدع والمنهجيات هذه هي التي تفرق الناس، أما التّوحيد والإتباع للرسول صلى الله عليه وسلم فهذا هو الذي يوحد الناس، كما وحّدهم في أول الأمر، ولا يُصلح آخر هذه الأمة إلاَّ ما أصلح أولها.
وقال حفظه الله كما هو واقع الآن عند الأضرحة مما لا يخفاكم، وتسمعون عنه في البلاد الأخرى التي بُليت بهذه الفتنة -والعياذ بالله-، ولم تجد من دعاة التّوحيد من يقوم بنصيحة المسلمين عنها والأمر بإزالتها.
نرجو الله أن يهيء للمسلمين من يقوم بإصلاح عقيدتهم، وإزاحة هذه الفتنة العظيمة عنهم، كما منّ على هذه البلاد- ولله الحمد- بهذه الدعوة المباركة التي أزاحت عنها هذه الأوثان الجاهلية.
نسأل الله أن يثبتنا وإياكم وإخواننا المسلمين على هذا الدين، وأن يتم علينا هذه النعمة، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وإلاَّ فنحن معرضون للفتنة، ولا نزكي أنفسنا، ولا نأمن أن نصاب بمثل ما أصيب به أولئك، إذا تساهلنا وغفلنا وتركنا الدعوة إلى الله وتركنا بيان التّوحيد والتحذير من الشرك فإنه يدب إلينا ما وقع في البلاد المجاورة لنا.
باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح،فكيف إذا عبده؟
بابُ ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التّوحيد وسدّه إلى طريق يوصل إلى الشرك