الاختيارات الفقهية لسماحة الإمام ابن باز في الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
الاختيارات الفقهية لسماحة الإمام ابن باز في الصلاة من فتاوى ورسائل الشيخ رحمه الله تعالى
كتاب الصلاة
باب شروط الصلاة والأذان :
1 - قد اختلف العلماء في هذه المسألة - كفر تارك الصلاة -:
فقال بعضهم: إن الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة يراد بها الزجر والتحذير، وكفر دون كفر، وإلى هذا ذهب الأكثرون من الفقهاء .
وذهب جمع من أهل العلم إلى أن تركها كفر أكبر، على ظاهر الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))
والكفر متى عرف بأداة التعريف وهي (أل)، وهكذا الشرك، فالمراد بهما: الكفر الأكبر والشرك الأكبر، قال صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))
فدل ذلك على أن المراد: الكفر الأكبر؛ لأنه أطلقه صلى الله عليه وسلم على أمر واضح وهو أمر الصلاة، وهي عمود الإسلام، فكون تركها كفر أكبر لا يستغرب؛ ولهذا ذكر عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل، عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أنهم كانوا لا يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة)، فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر بإجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن هناك أشياء يعرفون عنها أنها كفر، لكنه كفر دون كفر، مثل البراءة من النسب، ومثل القتال بين المؤمنين . لقوله صلى الله عليه وسلم: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) فهذا كفر دون كفر إذا لم يستحله، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إن كفرا بكم التبرؤ من آبائكم)) وقوله عليه الصلاة والسلام: ((اثنتان في الناس هما بهم كفر النياحة والطعن في النسب)) فهذا كله كفر دون كفر عند أهل العلم؛ لأنه جاء منكرا غير معرف بـ (أل) .
ودلت الأدلة على أن المراد به غير الكفر الأكبر، بخلاف الصلاة فإن أمرها عظيم، وهي أعظم شيء بعد الشهادتين وعمود الإسلام، وقد بين الرب عز وجل حكمها لما شرع قتال الكفار، فقال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} وقال عليه الصلاة والسلام: ((نهيت عن قتل المصلين)) فدل على أن من لم يصل يقتل، ولا يخلى سبيله إذا لم يتب .
والخلاصة: أن القول الصواب الذي تقتضيه الأدلة: هو أن ترك الصلاة كفر أكبر ولو لم يجحد وجوبها، ولو قال الجمهور بخلافه، فإن المناط هو الأدلة، وليس المناط كثرة القائلين، فالحكم معلق بالأدلة، والترجيح يكون بالأدلة، وقد قامت الأدلة على كفر تارك الصلاة كفرا أكبر، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها))، فيفسره قوله في الحديث الآخر: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام)) متفق على صحته، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما (10 / 240 - 242 - 254 - 292)
2- المسلم الذي يصلي وليس به ما يوجب كفره إذا تزوج امرأة لا تصلي فإن النكاح باطل، وهكذا العكس؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن ينكح الكافرة من غير أهل الكتابين، كما لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر (10 / 242)
3- إذا علمت أن أحد الزوجين لا يصلي فلا تعقد له على الآخر؛ لأن ترك الصلاة كفر (10 / 243)
4 - من مات من المكلفين وهو لا يصلي فهو كافر، لا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرثه أقاربه، بل ماله لبيت مال المسلمين في أصح أقوال العلماء (10 / 250)
5 - ذهب بعض أهل العلم إلى كفر من ترك الزكاة أو ترك صيام رمضان من غير عذر شرعي، كالمرض، والسفر، ولكن الصحيح: عدم كفرهما الكفر الأكبر إذا لم يجحدوا وجوب الزكاة والصيام .أما من جحد وجوبهما أو أحدهما أو جحد وجوب الحج مع الاستطاعة فهو كافر بالإجماع؛ لأنه مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بهذا الجحد (10 / 258)
6 - لا تجوز مصاحبته - المتهاون بالصلاة - ولا غيره من الكفرة (10 / 260 - 270)
7 - لا يجوز أكل ذبيحة تارك الصلاة في أصح قولي العلماء إذا كان مقرا بوجوبها، ولكنه يتساهل في تركها (10 / 272 - 274)
8 - يشرع لك أن تهجرهم – الذين لا يصلون -، وتقاطعهم ما داموا لم يتقبلوا النصيحة وهم على هذه الحال التي ذكرت من تركهم الصلاة وبعدهم عن الخير، فينبغي لك أن تهجرهم، وأن تقاطعهم حتى يهديهم الله، هذا هو المشروع لك، بل هذا هو السنة المؤكدة . وبعض أهل العلم يرى وجوب ذلك؛ لضلالهم، وبعدهم عن الخير، لكن إذا اتصلت بهم بعض الأحيان؛ رجاء أن يهديهم الله بالدعوة والتوجيه والإرشاد فلا بأس، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الصحابة لما تركوا الغزو معه بغير عذر فالحاصل: أن هؤلاء يشرع أن يهجروا، وعلى الأقل يكون هجرهم سنة مؤكدة، حتى يهديهم الله ويردهم إلى الصواب (10 / 295)