مرثية في شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية من نظم الشيخ شهاب الدين أحمد بن فضل الله
مرثية في شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية من نظم الشيخ شهاب الدين أحمد بن فضل الله رحمهما الله تعالى ورضي عنهما أهكذا في الدياجي يحجب القمر *** ويحبس النور حتى يذهب المطر
أهكذا تمنع الشمس المنيرة عن *** منافع الأرض أحيانا فتستتر
أهكذا الدهر ليلا كله ابدا *** فليس يعرف في أوقاته سحر
أهكذا السيف لا تمضي مضاربه *** والسيف في الفتك ما في عزمه خور
أهكذا القوس ترمى بالعراء وما *** تصمي الرمايا وما في باعها قصر
أهكذا يترك البحر الخضم ولا*** يلوى عليه وفي أصدافه الدرر
أهكذا بتقي الدين قد عبثت *** أيدي العدى وتعدى نحوه الضرر
إلى ابن تيمية ترمى سهام أذى *** من الأنام ويدمى الناب والظفر
بد السوابق ممتد العبادة لا *** يناله ملل فيها ولا ضجر
ولم يكن مثله بعد الصحابة في *** علم عظيم وزهد ما له خطر
طريقه كان يمشي قبل مشيته *** بها أبو بكر الصديق أو عمر
فرد المذاهب في أقوال أربعة *** جاءوا على أثر السباق وابتدروا
لما بنوا قبله عليا مذاهبهم *** بنى وعمر منها مثل ما عمروا
مثل الأئمة قد أحيا زمانهم *** كأنه كان فيهم وهو منتظر
إن يرفعوهم جميعا رفع مبتدأ *** فحقه الرفع أيضا إنه خبر
أمثله بينكم يلقى بمضيعة *** حتى يطيح له عمدا دم هدر
يكون وهو أماني لغيركم *** تنوبه منكمو الأحداث والغير
والله لو أنه في غير أرضكم *** لكان منكم على ابوابه زمر
مثل ابن تيمية ينسى بمجلسه *** حتى يموت ولم يكحل به بصر
مثل ابن تيمية ترضى حواسده *** بحبسه أو لكم في حبسه عذر
مثل ابن تيمية في السجن معتقل *** والسجن كالغمد وهو الصارم الذكر
مثل ابن تيمية يرمى بكل أذى *** وليس يجلى قذى منه ولا نظر
مثل ابن تيمية تذوى خمائله *** وليس يلقط من أفنانه الزهر
مثل ابن تيمية شمس تغيب سدى *** وما تروق بها الآصال والبكر
مثل ابن تيمية يمضي وما عبقت *** بمسكه العطر الأردان والطرر
مثل ابن تيمية يمضي وما نهلت *** له سيوف ولا خطية سمر
ولا تجاري له خيل مسومة *** وجوه فرسانها الأوضاح والغرر
ولا تحف به الأبطال دائرة *** كأنهم أنجم في وسطها قمر
ولا تعبس حرب في مواقفه *** يوما ويضحك في أرجائها الظفر
حتى يقوم هذا الدين من ميل *** ويستقيم على منهاجه البشر
بل هكذا السلف الأبرار ما برحوا *** يبلى اصطبارهم جهدا وهم صبروا
تأس بالأنبياء الطهر كم بلغت *** فيهم مضرة أقوام وكم هجروا
في يوسف في دخول السجن منقبة *** لمن يكابد ما يلقى ويصطبر
ما أهملوا أبدا بل أمهلوا لمدى *** والله يعقب تأييدا وينتصر
أيذهب المنهل الصافي وما نقعت *** به الظماة وتبقى الحمأة الكدر
مضى حميدا ولم يعلق به وضر *** وكلهم وضر في الناس أو وذر
طود من الحلم لا يرقى له فنن *** كأنما الطود من أحجاره حجر
بحر من العلم قد فاضت بقيته *** فغاضت الأبحر العظمى وما شعروا
يا ليت شعري هل في الحاسدين له *** نظيره في جميع القوم إن ذكروا
هل فيهم لحديث المصطفى أحد *** يميز النقد أو يروي له خبر
هل فيهم من يضم البحث في نظر *** أو مثله من يضم البحث والنظر
هلا جمعتم له من قومكم ملأ *** كفعل فرعون مع موسى ليعتذروا
قولوا لهم فال هذا فابحثوا معه *** قدامنا وانظروا الجهال إن قدروا
يلقى الأباطيل أسحار لها دهش *** فليقف الحق ما قالوا وما سحروا
فليتهم مثل ذاك الرهط من ملأ *** حتى يكون لكم في شأنهم عبر
وليتهم أذعنوا للحق مثلهم *** فآمنوا كلهم من بعد ما كفروا
يا طالما نفروا عنه مجانبة *** وليتهم نفعوا في الضيم أو نفروا
هل فيهمو صادع للحق مقوله *** أو خائض للوغي والحرب تستعر
رمى الى نحر غازان مواجهة *** سهامه من دعاء عونه القدر
بتل راهط والأعداء قد غلبوا *** على الشآم وطار الشر والشرر
وشق في المرج والأسياف مصلته *** طوائف كلها أو بعضها التتر
هذا وأعداؤه في الدور أشجعهم *** مثل النساء بظل الباب مستتر
وبعدها كسروان والجبال وقد *** أقام أطوادها والطود منفطر
واستحصد القوم بالأسياف جهدهم *** فطالما بطلوا طغوا وما بطروا
قالوا قبرناه قلنا إن ذا عجب *** حقا وللكوكب الدري قد قبروا
وليس يذهب معنى منه متقد *** وإنما تذهب الأجسام والصور
لم يبكه ندما من لا يصب دما *** يجري به وبما يهمي وتنهمر
لهفي عليك أبا العباس كم كرم *** لما قضيت قضى من عمره العمر
سقى ثراك من الوسمى صيبه *** وزار معناك قطر كله قطر
ولا يزال له برق يغازله ***حلو المراشف في أجفانه حور
لفقد مثلك يا من ماله مثل *** تأسى المحاريب والآيات والسور
يا وارثا من علوم الأنبياء نهى *** أورثت قلبي نارا وقدها الفكر
يا واحدا لست أستثني به أحدا *** من الأنام ولا أبقى ولا أذر
يا عالما بنقول الفقه أجمعها *** أعنك تحفظ زلات كما ذكروا
يا قامع البدع اللاتي تحببها *** أهل الزمان وأهل البدو والحضر
ومرشد الفرقة الضلال نهجهم *** إلى الطريق فما حاروا ولا سهروا
ألم تكن للنصارى واليهود معا *** مجادلا وهم في البحث قد حضروا
وكم فتى جاهل غر أبنت له *** رشد المقال فزال الجهل والضرر
ما أنكروا منك إلا أنهم جهلوا *** عظيم قدرك لكن ساعد القدر
قالوا بأنك قد أخطأت مسألة *** وقد يكون فهلا منك تغتفر
غلطت في الدهر أو أخطأت واحدة *** أما أجدت إصابات فتعتذر
ومن يكون على التحقيق مجتهدا *** له الثواب على الحالين لا الوزر
ألم تكن أحاديث النبي إذا *** سئلت تعرف ما تأتي وما تذر
حاشاك ما شبه فيها وما شبه *** كلاهما منك لا يبقى له أثر
عليك في البحث أن تبدي غوامضه *** وما عليك إذا لم تفهم البقر
قدمت لله ما قدمت من عمل *** وما عليك بهم ذموك أو شكروا
هل كان مثلك من يخفى عليه هدى*** ومن سمائك تبدو الأنجم الزهر
وكيف تحذر من شئ تزل به *** أنت التقي فماذا الخوف والحذر
تمت والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
مأخوذة من العقود الدرية