المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عقيدة أهل السنة والجماعة في العذر بالجهل


كيف حالك ؟

ابوهاشم الهاشمي
04-11-2006, 05:46 AM
عقيدة أهل السنة والجماعة في العذر بالجهل

اتفق أهل السنة والجماعة والإئمة المشهورون المتبعون لهدي السلف الصالح رضي الله عنهم على أنه من ثبت له عقد الإسلام ابتداءا ، بالشهادتين ، أو بكونه ولد لأبوين أحدهما مسلما ، فإنه لا يزول عنه حكم الإسلام وإن خالف الشريعة في أي أمر كان ، إلا إذا كان أمرا مما حكم الشرع فيه بكفر صاحبه ، ويكون عالما بمخالفته للشرع في هذا الأمر ، أما إن خالف الشرع مع الجهل فلا يعاقب على تلك المخالفة ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وسواء في الفروع كانت المخالفة أم في الأصول ، بل يعذر بجهله ، وإن كان ملوما على تقصيره في طلب العلم الواجب عليه إن قصر .
أولا : الأدلة القرآنية :
1- قال تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) [ الإسراء : 15 ] .
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله : ( اخبار عن عدله تعالى وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسل إليه ) [ تفسير ابن كثير : 3/28 ] .

• قال الإمام الألوسي رحمه الله : ( أي وما صح وما استقام منا بل استحال في سنتنا المبنية على الحكم البالغة أو ما كان في حكمنا الماضي وقضائنا الصادق ، أن نعذب أحدا بنوع من العذاب ، دنيويا كان أو أخرويا ، على فعل شيء أو ترك شيء ، أصليا كان أو فرعيا ، حتى نبعث إليه رسولا يهدي إلى الحق ويردع عن الضلال ويقيم الحجج ويمهد الشرائع ) [ روح المعاني : 15/36 ] .

• قال العلامة القرآني محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : ( ظاهر هذه الآية الكريمة أن الله لا يعذب أحدا من خلقه حتى يبعث إليه رسولا ينذره ويحذره فيعصي ذلك الرسول ، ويستمر على الكفر والمعصية بعد الإنذار والإعذار . وادعى بعضهم بأن العذاب المنفي في الآية عذاب الدنيا ، وأجيب عنه من وجهين ، الوجه الأول : أنه خلاف ظاهر القرآن ، لأن ظاهر القرآن انتفاء العذاب مطلقا ، وهو أعم من كونه في الدنيا ، وصرف القرآن عن ظاهره ممنوع إلا بدليل يجب الرجوع إليه . الوجه الثاني : أن القرآن دل في آيات كثيرة على شمول التعذيب المنفي في الآية التعذيب في الآخرة ، كقوله : ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ . قَالُوا بَلَى ) [ الملك : 8-9 ] ، وهو دليل على أن جميع أفواج أهل النار ما عذبوا في الآخرة إلا بعد إنذار الرسل ، فالله عز وجل تمدح بكمال الإنصاف فهو عز وجل لا يعذب حتى يقطع حجة المعذَّب بإنذار الرسل في دار الدنيا ، ولو عذب إنسانا واحدا من غير إنذار لاختلت تلك الحكمة التي تمدح الله بها ، ولثبت لذلك الإنسان الحجة التي أرسل الله الرسل لقطعها ) [ أضواء البيان : 3/429-430 ] .

• قال الإمام القاسمي رحمه الله : ( أي وما صح وما ستقام منا ، بل استحال في سنتنا المبنية على الحكم البالغة أن نعذب قوما حتى نبعث إليهم رسولا يهديعم إلى الحق ويردعهم عن الضلال لإقامة الحجة قطعا للعذر ، والعذاب أعم من الدنيوي والأخروي ، لقوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ) [ طه : 134 ] ، وقال تعالى : ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ . قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ) [ الملك : 8-9 ] ، وكذا قوله : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) [ الزمر : 71 ] ، وقال تعالى : ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) [ فاطر : 37 ] ، إلىغير ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى لا يعذب قوما عذاب استئصال ، ولا يدخل أحدا النار إلا بعد إرسال الرسل ) [ محاسن التأويل : 10/3913 ] .

• قال الإمام الشوكاني رحمه الله : ( لما ذكر سبحانه اختصاص المهتدي بهدايته والضلال بضلاله ، وعدم مؤاخذة الإنسان بجناية غيره ، ذكر أنه لا يعذب عباده إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال رسله وإنزال كتبه ، فبين سبحانه أنه لم يتركهم سدى ولا يؤاخذهم قبل إقامة الحجة عليهم ، والظاهر أنه لا يعذبهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال الرسل ) [ فتح القدير : 3/214 ] .
2- قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [ التوبة : 115 ] .

• قال الإمام ابن كثير رحمه الله : ( يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة وحكمه العادل أنه لا يضل قوما بعد إبلاغ الرسالة إليهم حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة كما قال تعالى : ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ ) الآية [ فصلت : 17 ] ، وقال مجاهد في قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ ) الآية ، قال : بيان الله عز وجل للمؤمنين في ترك الاستغفار للمشركين خاصة وفي بيانه لهم في معصيته وطاعته عامة فافعلوا أو ذروا ، وقال ابن جرير : يقول الله تعالى : وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا ، فأما قبل أن يبين لكم كراهة ذلك بالنهي عنه ، فلم تضيعوا نهيه إلى ما نهاكم عنه ، فإنه لا يحكم عليكم بالضلال ، فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي ، وأما من لم يؤمر ولم ينه فغير كائن مطيعا أو عاصيا فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه ) [ تفسير ابن كثير : 2/395 ] .

• قال الإمام الشوكاني رحمه الله : ( لما نزلت الآية المتقدمة في النهي عن الاستغفار للمشركين ، خاف جماعة ممن كان يستغفر لهم العقوبة من الله بسبب ذلك الاستغفار ، فأنزل الله سبحانه ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا ) الآية ، أي أن الله سبحانه لا يوقع الضلال على قوم ، ولا يسميهم ضلالا بعد أن هداهم للإسلام والقيام بشرائعه ، ما لم يقدموا على شيء من المحرمات بعد أن يتبين لهم أنه محرم ، وأما قبل أن يتبين لهم ذلك فلا إثم عليهم ولا يؤاخذون به ، ومعنى ( حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) حتى يتبين لهم ما يجب عليهم اتقاؤه من محرمات الشرع ) [ فتح القدير : 2/412 ] .

• قال الإمام النسفي رحمه الله : ( أي ما أمر الله باتقائه واجتنابه كالاستغفار للمشركين وغيره مما نهى عنه وبين أنه محظور ، لا يؤاخذ به عباده الذين هداهم للإسلام ، ولا يخذلهم ، إلا إذا قدموا عليه بعد بيان حظره ، وعلمهم بأنه واجب الاجتناب ، وأما قبل العلم والبيان فلا ، وهذا بيان لعذر من خاف المؤاخذة بالاستغفار للمشركين ، والمراد بـ ( مَا يَتَّقُونَ ) ما يجب اتقاؤه للنهي ) [ تفسير النسفي : 2/148 ] .

• قال الإمام الألوسي رحمه الله : ( وكأنه تسلية للذين استغفروا للمشركين قبل البيان ، حيث أفاد أنه ليس من لطفه تعالى أن يذم المؤمنين ويؤاخذهم في الاستغفار قبل أن يبين أنه غير جائز لمن تحقق شركه ، لكنه سبحانه يذم ويؤاخذ من استغفر لهم بعد ذلك ... ) ، إلى أن قال : ( واستدل بها على أن الغافل ، وهو من لم يسمع النص والدليل السمعي ، غير مكلف ) [ روح المعاني : 11/39 ] .

3- قال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ) [ طه : 134 ] .
• قال الإمام القاسمي رحمه الله : ( ( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ ) أي من قبل إتيان البينة أو محمد عليه السلام ، ( لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ ) أي بالعذاب الدنيوي ، ( وَنَخْزَى ) أي بالعذاب الأخروي ، أي ولكنا لم نهلكهم قبل إتيانهم فانقطعت معذرتهم ، فعند ذلك قالوا : ( قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ) ) [ محاسن التأويل : 11/135 ] .

• قال الإمام الشوكاني رحمه الله : ( ( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ ) أي من قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو من قبل إتيان البينة لنزول القرآن ، ( لَقَالُوا ) يوم القيامة ، ( رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا ) أي هلا أرسلت إلينا رسولا في الدنيا ، ( فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ ) التي يأتي بها الرسول ، ( مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ ) بالعذاب في الدنيا ، ( وَنَخْزَى ) بدخول النار ، وقرئ : ( نُذَلَّ وَنُخْزَى ) على البناء للمفعول ، وقد قطع الله معذرة هؤلاء الكفرة بإرسال الرسول إليهم قبل إهلاكهم ، ولهذا حكى عنهم أنهم ( قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ) [ الملك : 9 ] ) [ فتح القدير : 3/395 ] .



يتبع ... ثانيا : أدلة السنة

ابوهاشم الهاشمي
04-11-2006, 02:47 PM
ثانيا : أدلة السنة :

1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَإِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ ، وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ وَأَمَرَ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : لِمَ فَعَلْتَ ؟ قَالَ : مِنْ خَشْيَتِكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ ، فَغَفَرَ لَهُ ) [ صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى يريدون أن يبدلوا كلام الله ] .

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فهذا الرجل ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق ، فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك ، وكل واحد من إنكار قدرة الله تعالى وإنكار معاد الأبدان وإن تفرقت كفر ، لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهلا بذلك ، ضالا في هذا الظن مخطئا ، فغفر الله له ذلك ) [ مجموع الفتاوى : 11/410 ] .

• قال الإمام ابن حزم رحمه الله : ( فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز وجل يقدر على جمع رماده وإحيائه ، وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله ) [ الفصل : 3/252 ] .

• قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( وأما جحد ذلك جهلا أو تأويلا يعذر فيه صاحبه فلا يكفر صاحبه به كحديث الذي جحد قدرة الله عليه ، وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح ، ومع هذا فقد غفر الله له ورحمه لجهله ، إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه ، ولم يجحد قدرة الله على إعادته عنادا أو تكذيبا ) [ مدارج السالكين : 1/338-339 ] .

2- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا عِنْدِي انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَاضْطَجَعَ ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنِّي قَدْ رَقَدْتُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا ، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا ، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا ، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي وَاخْتَمَرْتُ وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى أَثَرِهِ ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ فَسَبَقْتُهُ ، فَدَخَلْتُ فَلَيْسَ إِلَّا أَنْ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ ، فَقَالَ : ( مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشْيَاءَ رَائِبَةً ) ، قَالَتْ : قُلْتُ : لَا شَيْءَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( لَتُخْبِرِنَّنِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) ، قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، فَأَخْبَرَتْهُ ، قَالَ : ( فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي ) ، قُلْتُ : نَعَمْ ، فَلَهَزَنِي فِي ظَهْرِي لَهْزَةً فَأَوْجَعَتْنِي ، وَقَالَ : ( أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ عَلَيْكِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) ، قَالَتْ : مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ، قَالَ : ( نَعَمْ ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ ، فَنَادَانِي فَأَخْفَاهُ مِنْكِ ، فَأَجَبْتُهُ خُفْيَتَهُ مِنْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَدْخُلَ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ ، وَظَنَنْتُ أَنَّكِ قَدْ رَقَدْتِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي ، فَقَالَ : إِنَّ رَبَّكَ جَلَّ وَعَزَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ) ، قَالَتْ : فَكَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : ( قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ ) [ مسند أحمد : 6/221 ] .
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فهذه عائشة أم المؤمنين سألت النبي صلى الله عليه وسلم : هل يعلم الله ما يكتم الناس ؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( نعم ) ، وهذا يدل على أنها لم تكن تعلم ذلك ، ولم تكن قبل معرفتها بأن الله عالم بكل شيء يكتمه الناس كافرة ، وإن كان الإقرار بذلك بعد قيام الحجة من أصول الإيمان ، وإنكار علمه بكل شيء كإنكار قدرته على كل شيء ، هذا مع أنها كانت ممن يستحق اللوم على الذنب ، ولهذا لهزها النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ( أتخافين أن يحيف الله ورسوله ؟ ) ، وهذا الأصل مبسوط في غير هذا الموضع ، فقد تبين أن هذا القول كفر ، ولكن تكفير قائله لا يحكم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحجة التي يكفر تاركها ) [ مجموع الفتاوى : 11/411-313 ] .

3- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنَ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا ، فَلَاحَّهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ ، فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : الْقَوَدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : ( لَكُمْ كَذَا وَكَذَا ) ، فَلَمْ يَرْضَوْا بِهِ ، فَقَالَ : ( لَكُمْ كَذَا وَكَذَا ) ، فَرَضُوا بِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ ) ، قَالُوا : نَعَمْ ، فَخَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنَّ هَؤُلَاءِ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ الْقَوَدَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا ) ، قَالُوا : لَا ، فَهَمَّ الْمُهَاجِرُونَ بِهِمْ ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُفُّوا فَكَفُّوا ، ثُمَّ دَعَاهُمْ ، قَالَ : ( أَرَضِيتُمْ ) ، قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : ( فَإِنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ ) ، قَالُوا : نَعَمْ ، فَخَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ قَالَ : ( أَرَضِيتُمْ ) ، قَالُوا : نَعَمْ . [ النسائي : 8/35 ] .
• قال الإمام ابن حزم رحمه الله : ( وفي هذا الخبر عذر الجاهل ، وأنه لا يخرج من الإسلام بما لو فعله العالم الذي قامت عليه الحجة لكان كافرا ، لأن هؤلاء الليثيين كذَّبوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وتكذيبه كفر مجرد بلا خلاف ، لكنهم بجهلهم وأعرابيتهم عذروا بالجهالة فلم يكفروا ) [ المحلى : 10/410-411 ] .

4- لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنْ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( مَا هَذَا يَا مُعَاذُ ) ، قَالَ : أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ ، فَوَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلَا تَفْعَلُوا ، فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا ، وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ ) [ ابن ماجه : 1853 ] .• قال الإمام الشوكاني رحمه الله : ( وفي هذا الحديث دليل على أن من سجد جاهلا لغير الله لم يكفر ) [ نيل الأوطار : 6/363 ] .

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وأما فعل ذلك تدينا وتقربا فهذا من أعظم المنكرات ، ومن اعتقد في مثل هذا قربة وتدينا فهو ضال مفتر ، بل يبين له أن هذا ليس بدين ولا قربة ، فإن أصر على ذلك استتيب ، فإن تاب وإلا قتل ) [ مجموع الفتاوى : 1/372 ] .

5- عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سُبْحَانَ اللَّهِ ، هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ) [ الترمذي : 2180 ] .
• قال الشيخ سليمان بن عبد الوهاب رحمه الله : ( وفيها أن معنى الإله هو المعبود ، وأن من أراد أن يفعل الشرك جهلا فنُهِيَ عن ذلك لا يكفر ) [ تيسير العزيز الحميد : 185 ]

ابوهاشم الهاشمي
04-11-2006, 09:03 PM
ثالثا : الإجماع :

قال الإمام ابن حزم رحمه الله : ( وبرهان ضروري لا خلاف فيه ، وهو أن الأمة مجمعة كلها بلا خلاف من أحد منهم ، وهو أن كل من بدل آية من القرآن عامدا وهو يدري أنها في المصاحف بخلاف ذلك ، أو أسقط كلمة عمدا كذلك ، أو زاد فيها كلمة عامدا ، فإنه كافر بإجماع الأمة كلها ، ثم إن المرء يخطئ في التلاوة ، فيزيد كلمة وينقص أخرى ، ويبدل كلامه جاهلا مقدرا أنه مصيب ، ويكابر في ذلك ويناظر قبل أن يتبين له الحق ، ولا يكون بذلك عند أحد من الأمة كافرا ولا فاسقا ولا آثما ، فإذا وقف على المصاحف أو أخبره بذلك من القراء من تقوم الحجة بخبره فإن تمادى على خطئه فهو عند الأمة كلها كافر بذلك لا محالة ، وهذا هو الحكم الجاري في جميع الديانة ) [ الفصل : 3/253 ] .

رابعا : أقوال السلف :
1- قال الإمام الشافعي رحمه الله : ( لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها ، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر ، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل ، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر ، فنثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [ الشورى : 11 ] ) [ فتح الباري : 13/407 ] .

2- قال ابن العربي : ( الطاعات كما تسمى إيمانا كذلك المعاصي تسمى كفرا ، لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد عليه الكفر المخرج من الملة ، فالجاهل والمخطئ من هذه الأمة ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركا أو كافرا فإنه بعذر بالجهل والخطأ ، حتى يتبين له الحجة بالضرورة من دين الإسلام ، مما أجمعوا عليه إجماعا قطعيا يعرفه كل من المسلمين من غير نظر وتأمل ، كما يأتي إن شاء الله تعالى ، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع ) [ محاسن التأويل : 5/1307 ] .

3- قال الحافظ الذهبي رحمه الله : ( واعلم أن كثيرا من هذه الكبائر إلا الأقل يجهل خلق من الأمة تحريمه ، وما بلغه الزجر فيه ولا الوعيد ، فهذا الضرب فيه تفصيل ، فينبغي للعالم أن لا يستعجل على الجاهل ، بل يرفق به ، ويعلمه مما علمه الله ، ولا سيما إذا كان قريب العهد بجاهليته ، قد نشأ في بلاد الكفر البعيدة وأسر وجلب لأرض الإسلام ، وهو تركي أو كرجي مشرك لا يعرف بالعربي ، فاشتراه أمير تركي لا علم عنده ولا فهم ، فبالجهد أنه ينطق بالشهادتين ، فإن فهم العربي حتى فقه معنى الشهادتين بعد أيام وليالي فبها ونعمت ، ثم قد يصلي وقد لا يصلي ، وقد يتقن الفاتحة مع الطول إن كان أستاذه فيه دين ما ، فإن كان أستاذه نسخة منه فمن أين لهذا المسكين أن يعرف شرائع الإسلام ، والكبائر واجتنابها ، والواجبات وإتيانها ؟ فإن عرف هذا موبقات الكبائر وحذر منها ، وأركان الفرائض واعتقادها فهو سعيد ، وذلك نادر ، فينبغي للعبد أن يحمد الله على العافية ، فغن قيل : هو فرط لكونه ما سال عما يجب عليه ، قيل : ما دار في رأسه ولا شعر أن سؤال من يعلمه يجب عليه ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ، فلا يأثم احد غلا بعد العلم ، وبعد قيام الحجة عليه ، والله لطيف رؤوف بهم ، قال تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) [ الإسراء : 15 ] ، وقد كان سادة الصحابة بالحبشة وينزل الواجب والتحريم على النبي صلى الله عليه وسلم فلا يبلغهم إلا بعد أشهر ، فهم في تلك الأمور معذورون بالجهل حتى يبلغهم النص ، وكذا يعذر بالجهل من لم يعلم حتى يسمع النص ، والله أعلم ) [ كتاب الكبائر : هامش ص 16 ] .

4- قال الإمام القرطبي رحمه الله : ( فكما أن الكافر لا يكون مؤمنا إلا باختياره الإيمان على الكفر ، فكذلك لا يكون المؤمن كافرا من حيث لا يقصد الكفر ولا يختاره بالإجماع ) [ تفسير القرطبي : 7/6128 ] .

5- قال الإمام الشاطبي رحمه الله : ( فمن ذلك عدم المؤاخذة قبل الإنذار ، ودل على ذلك إخباره تعالى عن نفسه بقوله : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) [ الإسراء : 15 ] ، فجرت العادة في خلقه أنه لا يؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل ، فإذا قامت الحجة عليهم ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) [ الكهف : 29 ] ) [ الموافقات : 3/377 ] .


6- قال الإمام ابن حزم رحمه الله :

• ( وأما ما لم تقم الحجة على المخالف للحق في أي شيء كان ، فلا يكون كافراً إلا أن يأتي نص بتكفيره فيوقف عنده ، كمن بلغه وهو في أقاصي الزنج ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقط فيمسك عن البحث عن خبره فإنه كافر ) [ الفصل : 4/17 ] .

• ( وكذلك من قال أن ربه جسم ، فإنه إن كان جاهلاً أو متأولاً فهو معذور لا شيء عليه ، ويجب تعليمه ، فإذا قامت الحجة عليه من القرآن والسنن فخالف ما فيهما عناداً فهو كافر ، يحكم عليه بحكم المرتد ، وأما من قال أن الله عز وجل هو فلان لإنسان بعينه ، أو أن الله تعالى يحل في جسم من أجسام خلقه ، أو أن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبياً غير عيسى بن مريم ، فإنه لا يختلف اثنان في تكفيره لصحة قيام الحجة بكل هذا على كل أحد ، ولو أمكن أن يوجد أحد يدين بهذا لم يبلغه قط خلافه لما وجب تكفيره حتى تقوم الحجة عليه ) [ الفصل : 4/18 ] .

• ( وأما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ ، لأنه كذب على الخصم وتقويل له ما لم يقل به وإن لزمه ) [ الفصل : 4/18 ] .

• ( وقال قائلهم أيضاً : فإذا عذرتم للمجتهدين إذا أخطأوا فاعذروا اليهود والنصارى والمجوس وسائر الملل فإنهم أيضاً مجتهدون قاصدون الخير ، فجوابنا وبالله تعالى التوفيق : أننا لم نعذر من عذرنا بآرائنا ، ولا كفرنا من كفرنا بظننا وهوانا ، وهذه خطة لم يؤتها الله عز وجل أحداً دونه ، ولا يدخل الجنة والنار أحد ، بل الله تعالى يدخلها من شاء ، فنحن لا نسمي بالإيمان إلا من سماه الله تعالى به ، كل ذلك على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يختلف اثنان من أهل الأرض ، لا نقول من المسلمين بل من كل ملة ، في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع بالكفر على أهل كل ملة غير الإسلام ، الذين تبرأ أهله من كل ملة حاشى التي أتاهم بها عليه السلام فقط ، فوقفنا عند ذلك ، ولا يختلف أيضاً اثنان في أنه عليه السلام قنع باسم الإيمان على كل من اتبعه وصدق بكل ما جاء به وتبرأ من كل دين سوى ذلك ، فوقفنا أيضاً عند ذلك ولا مزيد ، فمن جاء نص في إخراجه عن الإسلام بعد حصول اسم الإسلام له أخرجناه منه ، سواء أجمع على خروجه منه أو لا يجمع ، وكذلك من أجمع من أهل الإسلام على خروجه عن الإسلام فواجب اتباع الإجماع في ذلك ، وأما من لا نص في خروجه عن الإسلام بعد حصول الإسلام له ولا إجماع في خروجه أيضاً عنه فلا يجوز إخراجه عما قد صح يقيناً حصوله فيه ، وقد نص الله تعالى على ما قلنا فقال ‏:‏ ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [ آل عمران : 85 ] ، وقال تعالى ‏:‏ ( وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا . أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا )‏ [ النساء : 150-151 ] ، وقال تعالى‏ :‏ ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) [ التوبة : 65-66 ] ، فهؤلاء كلهم كفار بالنص ، وصح الإجماع على أن كل من جحد شيئاً صح عندنا بالإجماع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى به فقد كفر ، وصح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى أو بملك من الملائكة أو بنبي من الأنبياء عليهم السلام أو بآية من القرآن أو بفريضة من فرائض الدين فهي كلها آيات الله تعالى ، بعد بلوغ الحجة إليه ، فهو كافر ، ومن قال بنبي بعد النبي عليه الصلاة والسلام أو جحد شيئاً صح عنده بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله فهو كافر ، لأنه لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينه وبين خصمه‏ ) [ الفصل : 4/21-22 ] .

• ( فصح أنه لا يكفر أحد حتى يبلغه أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن بلغه فلم يؤمن به فهو كافر ، فإن آمن به ثم اعتقد ما شاء الله أن يعتقده في نحلة أو فتيا ، أو عمل ما شاء الله تعالى أن يعمله دون أن يبلغه في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بخلاف ما اعتقد أو قال أو عمل ، فلا شيء عليه أصلاً حتى يبلغه ، فإن بلغه وصح عنده ، فإن خالفه مجتهداً فيما لم يبين له وجه الحق في ذلك فهو مخطئ معذور مأجور مرة واحدة ، كما قال عليه السلام ‏: ( إِذَا اِجْتَهَدَ الْحَاكِم فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ , وَإِذَا اِجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْر ) ، وكل معتقد أو قائل أو عامل فهو حاكم في ذلك الشيء ، وإن خالفه بعمله معانداً للحق معتقداً بخلاف ما عمل به فهو مؤمن فاسق ، وإن خالفه معانداً بقوله أو قلبه فهو كافر مشرك ، سواء ذلك في المعتقدات والفتيا ، للنصوص التي أوردنا ، وهو قول اسحق بن راهوية وغيره وبه نقول وبالله تعالى التوفيق‏ ) [ الفصل : 4/24-25 ] .

ابوهاشم الهاشمي
04-12-2006, 05:48 AM
• ( صدق أبو يوسف القاضي إذ سئل عن شهادة من يسب السلف الصالح ، فقال : لو ثبت عندي على رجل أنه يسب جيرانه ما قبلت شهادته ، فكيف من يسب أفاضل الأمة ، إلا أن يكون من الجهل بحيث لم تقم عليه حجة النص بفضلهم والنهي عن سبهم ، فهذا لا يقدح سبهم في دينه أصلا ، ولا ما هو أعظم من سبهم ، لكن حكمه أن يعلم ويعرف ، فإن تمادى فهو فاسق ، وإن عاند في ذلك الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم فهو كافر مشرك ) [ الأحكام : 1/133 ] .

7- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
• ( والاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم ، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به ، وإما مخطىء ضال ، وأما بالمعنى الذي نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أيضا مما يجب نفيها ، ومن أثبت لغير الله مالا يكون إلا لله فهو أيضا كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها ) [ مجموع الفتاوى : 1/112 ] .

• ( بخلاف ما لم يشرع جنسه مثل الشرك ، فان هذا لا ثواب فيه وإن كان الله لا يعاقب صاحبه إلا بعد بلوغ الرسالة ، كما قال تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) [ الإسراء : 15 ] ، لكنه وإن كان لا يعذب فان هذا لا يثاب ، بل هذا كما قال تعالى : ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ) [ الفرقان : 23 ] ، قال ابن المبارك : هي الأعمال التي عملت لغير االله ، وقال مجاهد : هي الأعمال التي لم تقبل ، وقال تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ ) الآية [ إبراهيم : 18 ] ، فهؤلاء أعمالهم باطلة لا ثواب فيها ، وإذا نهاهم الرسول عنها فلم ينتهوا عوقبوا ، فالعقاب عليها مشروط بتبليغ الرسول ، وأما بطلانها في نفسها فلأنها غير مأمور بها ، فكل عبادة غير مأمور بها فلا بد أن ينهى عنها ، ثم إن علم أنها منهي عنها وفعلها استحق العقاب ، فان لم يعلم لم يستحق العقاب ، وإن اعتقد أنها مأمور بها وكانت من جنس المشروع فانه يثاب عليها ، وإن كانت من جنس الشرك فهذا الجنس ليس فيه شيء مأمور به ، لكن قد يحسب بعض الناس في بعض أنواعه أنه مأمور به ، وهذا لا يكون مجتهدا لأن المجتهد لابد أن يتبع دليلا شرعيا وهذه لا يكون عليها دليل شرعي ، لكن قد يفعلها باجتهاد مثله وهو تقليده لمن فعل من الشيوخ والعلماء ، والذين فعلوا ذلك قد فعلوه لأنهم رأوه ينفع أو لحديث كذب سمعوه ، فهؤلاء إذا لم تقم عليهم الحجة بالنهي لا يعذبون ، وأما الثواب فإنه قد يكون ثوابهم أنهم أرجح من أهل جنسهم ، وأما الثواب بالتقرب إلى الله فلا يكون بمثل هذه الأعمال ) [ مجموع الفتاوى : 20/32 ] .

• ( هذا مع أني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني ، أني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية ، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى وعاصياً أخرى وأني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها ، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية ) [ مجموع الفتاوى : 3/229 ] .

• ( وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفرا ، فيطلق القول بتكفير صاحبه ، ويقال : من قال كذا فهو كافر ، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها ، وهذا كما في نصوص الوعيد فإن الله سبحانه وتعالى يقول : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) [ النساء : 10 ] ، فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق ، لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد ، فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو ثبوت مانع ، فقد لا يكون التحريم بلغه ، وقد يتوب من فعل المحرم ، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم ، وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه ، وقد يشفع فيه شفيع مطاع ، وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق ، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده ، أو لم يتمكن من فهمها ، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها ، فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فان الله يغفر له خطأه كائنا ما كان ، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية ، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام ، وما قسموا المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها ) [ مجموع الفتاوى : 23/345-346 ] .

• ( وأما تكفيرهم وتخليدهم ففيه أيضا للعلماء قولان مشهوران ، وهم روايتان عن أحمد ، والقولان في الخوارج والمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم ، والصحيح أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول كفر ، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضا ، وقد ذكرت دلائل ذلك في غير هذا الموضع ، لكن تكفير الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه ، فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد والتكفير والتفسيق ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضى الذي لا معارض له ، وقد بسطت هذه القاعدة في ( قاعدة التكفير ) ، ولهذا لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بكفر الذي قال : إذا أنا مت فأحرقوني ثم ذروني في اليم ، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ، مع شكه في قدرة الله وإعادته ، ولهذا لا يكفر العلماء من استحل شيئا من المحرمات لقرب عهده بالإسلام أو لنشأته ببادية بعيدة ، فإن حكم الكفر لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة وكثير من هؤلاء قد لا يكون قد بلغته النصوص المخالفة لما يراه ولا يعلم أن الرسول بعث بذلك ، فيطلق أن هذا القول كفر ، ويكفر من قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها دون غيره ، والله أعلم ) [ مجموع الفتاوى : 28/500-501 ] .

• ( والتكفير هو من الوعيد ، فإنه وإن كان القول تكذيبا لما قاله الرسول لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة ، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة ، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئا ، وكنت دائما أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال : إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم ، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين ، ففعلوا به ذلك ، فقال الله له : ما حملك على ما فعلت ؟ قال : خشيتك ، فغفر له ) ، فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري ، بل اعتقد أنه لا يعاد ، وهذا كفر باتفاق المسلمين ، لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك ، وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه ، فغفر له بذلك ، والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول أولى بالمغفرة من مثل هذا ) [ مجموع الفتاوى : 3/231 ] .

• ( ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ ، لقوله تعالى : ( لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) [ الأنعام : 19 ] ، وقوله : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) [ الإسراء : 15 ] ، ولقوله : ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) [ النساء :165 ] ، ومثل هذا في القرآن متعدد ، بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدا حتى يبلغه ما جاء به الرسول ، ومن علم أن محمدا رسول الله فآمن بذلك ولم يعلم كثيرا مما جاء به لم يعذبه الله على ما لم يبلغه ، فإنه إذا لم يعذبه على ترك الإيمان إلا بعد البلوغ فإنه لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلوغ أولى وأحرى ، وهذه سنة رسول الله المستفيضة عنه في أمثال ذلك ) [ مجموع الفتاوى : 22/41-42 ] .

• ( أن الإنسان قد يكون مكذبا ومنكرا لأمور لا يعلم أن الرسول أخبر بها وأمر بها ، ولو علم ذلك لم يكذب ولم ينكر ، بل قلبه جازم بأنه لا يخبر إلا بصدق ولا يأمر إلا بحق ، ثم يسمع الآية أو الحديث أو يتدبر ذلك أو يفسر له معناه أو يظهر له ذلك بوجه من الوجوه ، فيصدق بما كان مكذبا به ويعرف ما كان منكرا ، وهذا تصديق جديد وإيمان جديد ازداد به إيمانه ، ولم يكن قبل ذلك كافرا بل جاهلا ، وهذا وإن أشبه المجمل والمفصل لكون قلبه سليما عن تكذيب وتصديق لشيء من التفاصيل وعن معرفة وإنكار لشيء من ذلك ، فيأتيه التفصيل بعد الإجمال على قلب ساذج ، وأما كثير من الناس بل من أهل العلوم والعبادات فيقوم بقلوبهم من التفصيل أمور كثيرة تخالف ما جاء به الرسول ، وهم لا يعرفون أنها تخالف ، فإذا عرفوا رجعوا ، وكل من ابتدع في الدين قولا أخطأ فيه أو عمل عملا أخطأ فيه وهو مؤمن بالرسول أو عرف ما قاله وآمن به لم يعدل عنه هو من هذا الباب ، وكل مبتدع قصده متابعة الرسول فهو من هذا الباب ) [ مجموع الفتاوى : 7/237 ] .

• ( بَلْ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُتَنَسِّكَةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُتَعَبِّدَةِ وَالْمُتَفَقِّرَةِ وَالْمُتَزَهِّدَةِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ والمتفلسفة وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْمُلُوكِ وَالْأَغْنِيَاءِ ; وَالْكُتَّابِ ; والحساب ; وَالْأَطِبَّاءِ ; وَأَهْلِ الدِّيوَانِ وَالْعَامَّةِ : خَارِجًا عَنْ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ لَا يُقِرُّ بِجَمِيعِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ; وَلَا يُحَرِّمُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ; أَوْ يَدَيْنِ بِدِينِ يُخَالِفُ الدِّينَ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا : مِثْلُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ شَيْخَهُ يَرْزُقُهُ ; أَوْ يَنْصُرُهُ أَوْ يَهْدِيهِ ; أَوْ يُغِيثُهُ ; أَوْ يُعِينُهُ ; أَوْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْخَهُ أَوْ يَدْعُوهُ وَيَسْجُدُ لَهُ ; أَوْ كَانَ يُفَضِّلُهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَفْضِيلًا مُطْلَقًا ; أَوْ مُقَيَّدًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْفَضْلِ الَّذِي يُقَرِّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ; أَوْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ هُوَ أَوْ شَيْخُهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم : فَكُلُّ هَؤُلَاءِ كُفَّارٌ إنْ أَظْهَرُوا ذَلِكَ ; وَمُنَافِقُونَ إنْ لَمْ يُظْهِرُوهُ . وَهَؤُلَاءِ الْأَجْنَاسُ وَإِنْ كَانُوا قَدْ كَثُرُوا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلِقِلَّةِ دُعَاةِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَفُتُورِ آثَارِ الرِّسَالَةِ فِي أَكْثَرِ الْبُلْدَانِ وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنْ آثَارِ الرِّسَالَةِ وَمِيرَاثِ النُّبُوَّةِ مَا يَعْرِفُونَ بِهِ الْهُدَى وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ ذَلِكَ . وَفِي أَوْقَاتِ الْفَتَرَاتِ وَأَمْكِنَةِ الْفَتَرَاتِ : يُثَابُ الرَّجُلُ عَلَى مَا مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ الْقَلِيلِ وَيَغْفِرُ اللَّهُ فِيهِ لِمَنْ لَمْ تَقُمْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا لَا يَغْفِرُ بِهِ لِمَنْ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ : ( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَعْرِفُونَ فِيهِ صَلَاةً وَلَا صِيَامًا وَلَا حَجًّا وَلَا عُمْرَةً إلَّا الشَّيْخَ الْكَبِيرَ ; وَالْعَجُوزَ الْكَبِيرَةَ . وَيَقُولُونَ : أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا وَهُمْ يَقُولُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) ، فَقِيلَ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ : مَا تُغْنِي عَنْهُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ؟ فَقَالَ : تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ . وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقَالَةَ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ يُقَالُ هِيَ كُفْرٌ قَوْلًا يُطْلَقُ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الدَّلَائِلُ الشَّرْعِيَّةُ ; فَإِنَّ الْإِيمَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَلَقَّاةِ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ; لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْكُمُ فِيهِ النَّاسُ بِظُنُونِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ . وَلَا يَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ فِي كُلِّ شَخْصٍ قَالَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَافِرٌ حَتَّى يَثْبُتَ فِي حَقِّهِ شُرُوطُ التَّكْفِيرِ وَتَنْتَفِي مَوَانِعُهُ مِثْلُ مَنْ قَالَ : إنَّ الْخَمْرَ أَوْ الرِّبَا حَلَالٌ ; لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ ; أَوْ لِنُشُوئِهِ فِي بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ أَوْ سَمِعَ كَلَامًا أَنْكَرَهُ وَلَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا أَنَّهُ مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُنْكِرُ أَشْيَاءَ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَهَا وَكَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَشُكُّونَ فِي أَشْيَاءَ مِثْلَ رُؤْيَةِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى يَسْأَلُوا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمِثْلَ الَّذِي قَالَ : إذَا أَنَا مُتّ فَاسْحَقُونِي وذروني فِي الْيَمِّ ; لَعَلِّي أَضِلُّ عَنْ اللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُكَفَّرُونَ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ بِالرِّسَالَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) [ النساء : 165 ] ) [ مجموع الفتاوى : 35/164-166 ] .

• ( ونحن نعلم بالضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعى أحد من الأموات والأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم ، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها ، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا إلى ميت ونحو ذلك ، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يُبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يخالفه ) [ الرد على البكري : 2/731 ] .

• ( التكفير حق لله تعالى ، فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله ، وأيضاً فإن تكفير الشخص المعين وجواز قتله ، موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها ، وإلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر ) [ الرد علىالبكري : 2/249 ] ..[/]

ابوهاشم الهاشمي
04-12-2006, 07:31 PM
8- قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
• ( وأما ما ذكر الأعداء عني أني أكفر بالظن وبالموالاة ، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة ، فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله ) [ الرسائل الشخصية : 25 ] .

• ( ولكن نكفر من أقر بدين الله ورسوله ثم عاداه وصد الناس عنه ، وكذلك من عبد الأوثان بعد ما عرف أنها دين المشركين وزينه للناس ) [ الرسائل الشخصية : 58 ] .

• ( وإنما نكفر من أشرك بالله في إلاهيته بعد ما نبين له الحجة على بطلان الشرك ) [ الرسائل لشخصية : 60 ] .

• ( وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبة عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما ، لأجل جهلهم وعدم من يفهمهم ، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم ) [ صيانة الإنسان : 449 ] .

• ( فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم ممن يعبد الأولياء الصالحين نحكم أنهم مشركون ونرى كفرهم إذا قامت عليهم الحجة الرسالية ) [ الهدية السنية : ] .

9- قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله :

• ( من بلغته دعوة الرسل إلى توحيد الله ووجوب الإسلام له ، وفَقِهَ أن الرسل جاءت بهذا لم يكن له عذر في مخالفتهم وترك عبادة الله ، وهذا هو الذي يجزم بتكفيره إذا عبد غير الله وجعل معه الأنداد والآلهة ، والشيخ وغيره من المسلمين لا يتوقفون في هذا ، وشيخنا رحمه الله قد قرر هذا ، وبيَّنه وفاقاً لعلماء الأمة واقتداءً بهم ، ولم يكفِّر إلا بعد قيام الحجة ، وظهور الدليل ، حتى أنه رحمه الله توقف في تكفير الجاهل من عباد القبور إذا لم يتيسر له من ينبهه ) .

• ( والشيخ محمد رحمه الله تعالى من أعظم الناس توقفاً وإحجاماً عن إطلاق الكفر حتى أنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر مرتكبها ) .

انتهى ...
اعتقد ان كاتب هذا البحث

هو - ناصر السنة !! والله اعلم

12d8c7a34f47c2e9d3==