المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة صالح عليه الصلاة والسلام وما يؤخذ منها


كيف حالك ؟

البلوشي
04-07-2006, 10:37 PM
قصة صالح عليه الصلاة والسلام
كانت ثمود - وهي عاد الثانية - يسكنون في الحجر وما حولها ، وكانوا أهل مواش كثيرة وأهل حرث وزروع ، وتواصلت عليهم النعم فكانوا يتخذون من السهول قصورا مزخرفة ، ومن الجبال بيوتا منحوتة متقنة ، فبطروا النعم وكفروها ، وعبدوا غير الله ، فأرسل الله إليهم أخاهم صالحا من قبيلتهم ، يعرفون نسبه وحسبه ، وفضله وكماله ، وصدقه وأمانته ، فدعاهم إلى الله والى إخلاص الدين له ، وترك ما كانوا يعبدون من دونه ، وذكرهم بنعم الله وبأيامه بالأمم المجاورة لهم ، فلم يتبعه إلا القليل .
وحين ذكرهم وأقام الأدلة والبراهين على وجوب توحيد الله اشمأزوا ونفروا واستكبروا وقالوا :
يا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا [هود : 62] .
أي : قد كنا قد تخايلنا فيك أن تفضلنا جميعا لكمالك وكمال أخلاقك ، وآدابك الطيبة .
وهذا اعتراف منهم له بهذه الأمور قبل أن يقول ما قال ، فما نزله عن هذه المرتبة عندهم إلا أنه دعاهم إلى عبادة الخالق من عبادة العبيد ، وإلى السعادة الأبدية ، وما ذنبه إلا أنه خالف آباءهم الضالين ، وهم كانوا أضل منهم ، ثم أقام لهم بينة عظيمة وبرهانا ونعمة على جميع القبيلة بأسرها ، وقال : هذه ناقة الله - التي لا يشبهها شيء من النوق في ذاتها وشرفها ومنافعها لكم - آية على صدقي وعلى سعة رحمة ربكم ، فذروها تأكل في أرض الله ، على الله رزقها ، ولكم نفعها ، ترد الماء يوما فترد القبيلة بأسرها على ضرعها ، كل يصدر عن ضرعها قد ملأ آنيته ، ثم تردون أنتم في اليوم الثاني ، فمكثت على هذا ما شاء الله .
وكان في مدينتهم تسعة رهط من شياطينهم قد قاوموا ما جاء به صالح أشد المقاومة ، يصدون عن سبيل الله ، ويفسدون في الأرض ولا يصلحون ، وكان صالح قد حذرهم من عقر الناقة لما رأى من كبرهم وردهم الحق ، فأول ما فعل أولئك الملأ الأشرار أن عقدوا مجلسا عاما ليتفقوا على عقر الناقة ، فاتفقوا ، فانتدب لذلك أشقى القبيلة ، ولهذا قال الله تعالى :
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا [الشمس : 12] .
أي : بعد اتفاقهم وندبهم إياه بعثوه لذلك ، فانبعث واستعد وتكفل لهم بعقرها ، وهم جميعهم راضون بل آمرون ، فعقرها فكان هذا العقر مؤذنا بهلاك القبيلة بأسرها .
فلما شعر صالح بالأمر ، ورأى منظرا فظيعا علم أن العذاب قد تحتم لا محالة ؛ لأن الجريمة قد تفاقمت ، ولم يبق حالة يرجى فيها لهم تقويم ، فقال لهم صالح : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ، ذلك وعد غير مكذوب ، ونبه بهذا الكلام دانيهم وقاصيهم ، ففي أثناء هذه المدة اتفق هؤلاء الرهط التسعة على أمر أغلظ من عقر الناقة ، على قتل نبيهم صالح ، وتعاهدوا وتعاقدوا وحلفوا الأيمان المغلظة ، وكتموا أمرهم خشية من منع أهل بيته ، لأنه في بيت عز وشرف ، وقالوا : لنبيتنه وأهله ، ثم إذا ظن بنا أننا قتلناه حلفنا لأوليائه أننا ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ، فدبروا هذا المكر العظيم ، ولكنهم يمكرون ويمكر الله لنبيه صالح ، فحين كمنوا في أصل جبل لينظروا الفرصة في صالح بدأ الله بعقوبتهم ، فكانوا سلفا مقدَّما لقومهم إلى نار جهنم ، فأرسل الله صخرة من أعلى الجبل فشدختهم وقتلوا أشنع قتلة ، ثم لما تمت ثلاثة هذه الأيام جاءتهم صيحة من فوقهم ، ورجفة من أسفل منهم ، فأصبحوا خامدين ، ونجى الله صالحا ومن معه من المؤمنين ، وتولى عنهم وقال :
يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف : 79] .
* فوائد تتعلق بهذه القصة :
منها : أن جميع الأنبياء دعوتهم واحدة ، وأن من كذَّب واحدا منهم فقد كذَّب الجميع ، لأنه يكذِّب الحق الذي جاء به كل واحد منهم ، ولهذا يقول في كل قصة : كذبت قوم نوح المرسلين ، كذبت عاد المرسلين ، كذبت هود المرسلين .
ومنها : أن عقوبات الله للأمم الطاغية عند تناهي طغيانها وتفاقم جرائمها ، فكُفرهم وتكذيبهم موجب للهلاك ، ولكن تحتم الإهلاك عند تناهي إجرامهم ؛ لأن الله تعالى بالمرصاد فيمهل ثم يمهل حتى إذا أخذهم ، أخذهم أخذ عزيز مقتدر .
ومنها : أن العقائد الباطلة الراسخة المأخوذة عمن يحسن بهم الظن من آباء أو غيرهم من أكبر الموانع لقبول الحق ، والحال أنها ليست في العير ولا في النفير ، ولا لها مقام في الحجج الصحيحة الدالَّة على الحقائق ، فلهذا أكبر ما رد به قوم صالح لدعوته أن قالوا : أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ، وقالت جميع الأمم المكذبة رادِّين لدعوة الرسل :
إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف : 23] .
وهذا سبيل لا يزال معمورا بالسالكين من أهل الباطل ، نهجته الشياطين ليصدوا به العباد عن سبيل الله ، ومن المعلوم أن طريق الرسل هي طريق الهدى والحق ، فماذا بعد الحق إلا الضلال .
منقول من كتاب تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام العلامةعبدالرحمن السعدي رحمه الله

12d8c7a34f47c2e9d3==