المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : توبة الخارجي .. عبدالله الغنوي ..


كيف حالك ؟

ابوهاشم الهاشمي
04-04-2006, 08:00 PM
قال عبدالله بن عُقْبة الغَنَويّ ...

وكان يرى رأي الخوارج ثم رجع عنه ـ : .........

كنت فيمن خرج مع المُستورد بن عُلّفة , وكنتُ أحدَثَ رجل فيهم , فأقَمْنا بِبَهُرسير , فدعاني المُستورد بنُ عُلّفة وقال : ..

أتكتُب يا ابن أخي ؟

قلت : نعم , ,

فدعا لي برَقٍّ ودَواة ,وقال : اكتب : ..

من عبدالله المستورد أمير المؤمنين إلى سِماك بنِ عبيد ـ وكان عاملا للمغيرة بن شعبة على المدائن ـ , أما بعد ,

فقد نَقِمنا على قومنا الجَوْرَ في الأحكام , وتعطيلَ الحدود , والاستئثارَ بالفيء , وإنّا ندعوك إلى كتاب الله عزوجل وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم ,وولاية أبي بكر وعمرَ رضوان الله عليهما ,,,
والبراءة من عثمان وعلي ,لإحداثِهما في الدين , وتركِهما حكمَ الكتاب , فإنْ تقبَلْ فقد أدركتَ رُشدك , وإلاّ تَقْبَل فقد بالَغْنا في الإعذار إليك , وقد آذنّاك بحرب , فنبَذْنا إليك على سواء , إنّ الله لا يحب الخائنين .

قال : فقال المستورد : انطلق إلى سِماك بهذا الكتاب فادفعْه إليه , واحفظ ما يقول لك , والقَنِي .

قال عبدالله بن عُقْبة الغَنَويّ : وكنتُ فتىً حدَثاً حين أدركت , لم أجرّب الأمور , ولا عِلمَ لي بكثير منها , فقلت : ..

أصلحك الله !
لو أمرتَني أنْ أسْتعرضَ دجلة فألْقِي نفسي فيها ما عصيتُك , ولكن تأمن عليّ سِماكاً أن يتعلق بي , فيَحبِسني عنك , فإذا أنا قد فاتني ما أترجّاه من الجهاد!

فتبسّم المُستورد بن عُلّفة وقال : ...

يا ابن أخي , إنما أنت رسول , والرسول لا يُعرض له , ولو خشيتُ ذلك عليك لمْ أبْعَثْك , وما أنتَ على نفسك بأشفَق مني عليك .

قال عبدالله بن عُقْبة الغَنَويّ : ... فخرجتُ حتى عَبَرتُ إليهم في مَعْبَر , فأتيتُ سِماك بن عبيد , وإذا الناس حوله كثير .

قال عبدالله بن عُقْبة الغَنَويّ : فلمّا أقبلتُ نحوَهم أبَدُّوني أبصارَهم , فلما دنوتُ منهم ابتدرني نحوٌ من عشرة , وظننتُ والله أنّ القوم يريدون أخذي , وأنّ الأمر عندهم ليس كما ذكر لي صاحبي ( المستورد ) , فانتَضَيْتُ سيفي , وقلت : ..

كلا , والذي نفسي بيده , لا تَصلون إلي حتى أعذِر الله فيكم ,

قالوا لي : يا عبدَالله , مَن أنت ؟

قلت : أنا رسولُ أمير المؤمنين المستورِد بن عُلّفة ,

قالوا : فلِمَ انتَضَيْتَ سيفَك ؟

قلت : لابتِداركم إليّ , فخفتًُ أنْ تُوثقوني وتَغدِروا بي .

قالوا : فأنت آمن , وإنما أتيناك لنقوم إلى جنْبك , ونُمسِك بقائم سيفك , وننظرَ ما جئتَ له , وما تسأل ,

قال : فقلت لهم : ألستُ آمنا حتى تردُّوني إلى أصحابي ؟

قالوا : بلى , فشِمْتُ سيفي , ثم أتيت حتى قمت على رأس سِمالك بن عبيد وأصحابُه قد ائتشَبُوا بي , فمنهم مُمسك بقائم سيفي , ومنهم مُمسكٌ بعَضُدي , فدفعتُ إليه كتابَ صاحبي , فلما قرأه رفع رأسَه إلي فقال : ...

ما كان المستورد عندي خليقاً لِما كنت أرى من إخْباته وتواضعه أنْ يخرج على المسلمين بسيفه , يَعْرض عليَّ المستوردُ البراءة من عليّ وعثمان , ويدعوني إلى ولايته ! فبئس والله الشيخ أنا إذاً !

قال : ثم نظر إلي سِمالك بن عبيد فقال : يا بُنيّ , اذهبْ إلى صاحبك فقل له : اتّق الله وارجع إلى رأيك ,وادخُل في جماعة المسلمين , فإنْ أردتَ أن أكتبَ لك في طلب الأمان إلى المغيرة فعلت , فإنك ستجده سريعا إلى الإصلاح , محبًّا للعافية .

قال : قلت له ـ وإن لي فيهم يومئذ بصيرة ـ : هيهات ! إنما طلبنا بهذا الأمر الذي أخافنا فيكم في عاجل الدنيا الأمن عند الله يوم القيامة ,

فقال لي : بؤساً لك !

كيف أرحمُك !

ثم قال لأصحابه : إنهم خَلَوْا بهذا . ثم جعلوا يقرءون القرآن ويتخَضّعُون ويتباكون , فظنّ بهذا أنهم على شيء من الحق , إنْ هم إلا كالأنعام , بل هم أضلّ سبيلا , والله ما رأيتُ قوما كانوا أظهرَ ضلالة ,ولا أبينَ شؤما , من هؤلاء الذين تَرون !.

قلت ( عبدالله بن عُقْبة الغَنَويّ ) : يا هذا إنني لم آتك لأشاتمك ولا أسمع حديثَك وحديث أصحابك , حدِّثني , أنتَ تجيبُني إلى ما في هذا الكتاب أم لا تفعل فأرجع إلى أصحابي ؟

فنظر إليّ ثم قال لأصحابه : ألا تعجبون إلى هذا الصبيّ !

والله إني لأراني أكبر من أبيه ,وهو يقول لي : أتجيبني إلى ما في هذا الكتاب ! انطلق يا بنيّ إلى صاحبك , إنما تندَم لو قد اكتنفتْكُم الخيلُ , وأشرعت في صدوركم الرماح , هناك تَمنَّى لو كنتَ في بيت أمك !

قال : فانصرفتُ من عنده فعبَرتُ إلى أصحابي , فلما دنوتُ من صاحبي ( المُستورد بن عُلّفة ) قال : ..

ما ردّ عليك ؟

قلت : ما ردّ خيرا , قلت له : كذا وقال لي : كذا , فقصصتُ عليه القصة ,

قال : فقال المستورد { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تُنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم }

فمكثوا بمكانهم ذاك يومين أو ثلاثة أيام , ثم استبان لهم مسير مَعقل بن قيس , فجمعهم المستورد وطلب منهم أن يشيروا عليه برأي , فقال بعضهم : والله ما خرجنا نريد إلا الله , وجهاد من عادى الله , وقالت طائفة أخرى : بل نَعْتَزلْ ونَتَنَحّى , ندعو الناسَ ونحتجّ عليهم بالدعاء .

فقال : يا معشر المسلمين , إني والله ما خرجت ألتمس الدنيا ولا ذكرَها ولا فخرَها ولا للبقاء , وما أحبّ أنها لي بحذافيرها , وأضعاف ما يُتنافَس فيه منها بِقَبَالِ نعلي ! ...

وما خرجتُ إلا التماس الشهادة , وأن يهديني اللهُ إلى الكرامة بِهَوان بعض أهل الضلالة , وإني قد نظرتُ فيما استشرتُكم فيه فرأيت ألا أقيمَ لهم حتى يُقْدِمُوا عليّ وهم جامُّون متوافرون , ولكنْ رأيتُ أنْ أسيرَ حتى أمعِن , فإنهم إذا بلغهم ذلك خرجوا في طَلَبِنا , فتقطّعوا وتبدّدوا ,فعَلى تلك الحال ينبغي لنا قتالهم , فاخرجوا بنا على اسم الله عزوجل .

فخرجوا فمضوا فعبروا دجلة حتى بلغوا المَذار , فبعث المغيرة إلى شريك بن الأعور الحارثي : أخرج إلى هذه المارقة فانتخب ثلاثة آلاف رجل من الناس , ثم اتْبعهم حتى تُخرجهم من أرض البصرة .

وأقبل جيش مَعقل بن قيس حتى دنوا من المدائن فاستقبلهم الناسُ فأخبروهم أنهم قد ارتحلوا , فشقّ ذلك عليهم وأيقنوا بالعناء وطول الطَلَب .

وبعد أن أقام مَعقل بن قيس بالمدائن ثلاثا جمع أصحابه فقال : إن هؤلاء المارقة الضلاّل إنما خرجوا فذهبوا على وجوههم إرادة أن تتعَجّلوا في آثارهم , فتقطّعُوا وتبدّدوا , ولا تلحقوا بهم إلا وقد تعبْتُم ونَصبْتُم , فخرج بهم من المدائن , فقدم بين يديه أبوالروّاغ الشاكريّ في ثلثمائة فارس , فاتْبع آثارهم , فخرج مَعقل في أثره , وأخذ أبوالرّواغ الشاكريّ يسأل عنهم , ويركب الوجه الذي أخذوا فيه , حتى عَبَروا جَرْجرايا في آثارهم , ثم سلك الوجه الذي أخذوا فيه , فاتّبعهم , فلم يزل ذلك دأبه حتى لحقهم بالمَذار مقيمين , فلما دنا منهم استشار أصحابه في لقائهم وقِتالهم قبل قدوم مَعقل عليه , وكان مَعقل أمره ألاّ يعجل إلى قتالهم حتى يأتيه , فقالوا له : تَنَحَّ بنا فلْنكن قريبا منهم حتى يقدُم علينا صاحبُنا , فتَنَحَّوا , فباتوا ليلتهم كلها متحارسين حتى أصبحوا , فلما ارتفع الضحى , خرج أصحاب المستورد وشدّوا عليهم وعدَّة كلّ طائفة ثلثمائة , وكشفوهم طويلا ولم يُصب منهم أحد, فقال أبو الرّواغ لأصحابه : إنْ حملوا عليكم فعجَزْتُم عن قتالهم فتأخّروا وانحازوا إلى حامية , فإذا رجعوا عنكم فاعطفوا عليهم , وكونوا قريبا منهم , فإن الجيش آتيكم إلى ساعة .

فأخذتِ الخوارجُ كلّما حملتْ عليهم انحازوا , وإذا رجعوا أخذ أصحاب أبي الرّواغ على خيلهم في آثارهم , فلمّا رأوا أنهم لا يفارقونهم وحضرتْ صلاةُ الظهر نزل المستوردُ للصلاة , واعتزل أبوالرّواغ وأصحابه على رأس ميل منهم أو ميلين فصلوا الظهر , وأقاموا مكانهم حتى صلوا العصر . ثم إن فتىً جاءهم بكتاب مَعقل بن قيس إلى أبي الرّواغ بقدومه عليه عاجلا , وكان أهل القرى وعابرو السبيل يمرّون عليهم ويرونهم يقتتلون , فمن مضى منهم على الطريق نحو الوجه الذي يأتي مِن قِبَلِه مَعقل إستقبل معقلا فأخبره بالتقاء أصحابه والخوارج وكيف يصنعون.

فلمّا رأى أبوالرّواغ الشاكريّ غَبَرة خيل مَعقل بن قيس وقف مقابل المستورد وأصحابه , فلما دنا منهم غربتِ الشمسُ , فنزل أبوالرّواغ فصلى بأصحابه , ونزل الخوارج في جانب آخر وصلوا أيضا . فقدم على أبي الرّواغ مَعقل في نحو سبعمائة من أهل القوة والشجاعة وأهل الخيل الجياد فغشيهم المستورد وأصحابه فاستقبلهم أصحاب أبي الرّواغ بالرّماح والسيوف , ثم شّدوا عليهم ومَعقل يُضاربهم في نفر من أهل الصبر , فقاتلوا طويلا وصبروا لهم , وتَدَاعَوا عليهم من كل جانب حتى اضطَرُّوهم إلى البيوت .

فنزل الخوارج في القرية وأراحوا ساعة ثم استووا على متون دوابّهم وخرجوا ليلا إلى الطريق الذي أقبَلوا منه عودَهم على بدئهم , فَفَطِن أحدُ أصحاب أبي الرّواغ لذَهابهم فأخبره , فخرج أبوالرّواغ في ثلثمائة وزاده مَعقل ثلثمائة من أصحابه , وأقبَل سِراعا في أثرهم حتى لحقهم بِجَرْجَرَايا وقد نزلوا , فنزل بهم عند طلوع الشمس , فلمّا نظروا فإذا هم بأبي الرّواغ وأصحابه فقاتلهم مَعقل طويلا وشدّوا عليهم وصَدَقوا فيها الحملة , فهرب المستوردُ وأصحابُه حتى قطعوا دجلةَ , فوقعوا في أرض بَهُرسير , وأبو الرّواغ ومِن خلفه مَعقل في آثارهم , ومضى المستوردُ نحو المدينة العتيقة , فبلغ ذلك سِماك بن عبيد فخرج بأصحابه وبأهل المدائن , فصفّ على بابها وأجلسَ رجالاً رماةً على السُّور , فمنَعَهم من دخولها , فانصرف المستوردُ حتى نزل ساباط , وأبوالرّواغ في طلبه حتى اجتمعوا في ساباط . وعلِم المستوردُ أن مَعقل بن قيس على ثلاثة فراسخ في قرية ديلمايا , وأن حرَّ أصحابه وحماتَه وفرسَانَه مع أبي الرّواغ , فخرج المستورد بأصحابه حتى انتهى بهم إلى جسر ساباط , وقال لهم : اقطعوا هذا الجسر , فنزلوا فقطعوه , فقرب أصحاب أبي الرّواغ من الجسر فوجدوه مقطوعا , فعلِم أبوالرّواغ أنهم قطعوا الجسر ليشغلوهم حتى يأتوا أميرَهم مَعقل بن قيس على غُرَّة , فصاحوا بأهل القرية , فجاءوا سراعا , وعجَّلوا عَقد الجسر , فما لبثوا أن فرغوا منه ثم عبَروا عليه مسرعين لا يلوون على شيء .

وسار المستورد وأصحابه ـ وقد أخذوا دليلا من أهل ساباط ـ يريدون مَعقل بن قيس في ديلمايا , فما كان إلا ساعة حتى بصر بهم مَعقل وقد تفرّق عنه أصحابُه , ومقدِّمته ليست عنده , فنصَبَ مَعقل رايتَه ونزل ونادى : يا عبادَ الله , الأرضَ الأرضَ ! فنزل معه نحوٌ من مائتي رجل , فأخذ الخوارجُ يحملون عليهم بأطراف الرِّماح وهم جثاة على الرّكب لا يقدرون عليهم ثم حملوا عليهم مرة أخرى فلم يَتَحَلْحَلُوا ووطَّنوا أنفسَهم على المناضلة والمجادلة والملازمة , فنزل نصفُ الخوارج إليهم وبقي النصفُ على الخيل , ومَعقل وأصحابُه جثاة على الرّكب على الحالة التي كانوا عليها , فقَاتَلَتْهُم رجّالتُهم , وحَملَتْ عليهم خيلهم , وبينما هم كذلك طلعتْ عليهم مقدمةُ أصحابِ أبي الرّواغ , وهم حرّ أصحابه وفرسانهم , فلمّا دنوا منهم حملوا عليهم حملة صادقة فنزل المستوردُ وصاح بأصحابه : يا معشر الشُّراة , الأرضَ الأرضَ , فإنها والله الجنة ! والذي لا إله غيره لمن قُتل صادق النيّة في جهاده هؤلاء الظلمة وجلاحهم , فتنازلوا من عند آخرهم , ونزل أصحاب أبي الرّواغ من عند آخرهم , فمضوا إلى الخوارج منصلتين بالسيوف , فاضطربوا بها طويلا من النهار كأشدّ قتال اقتتله الناسُ قطّ , غير أن المستورد دعا مَعقلا فقال : يا مَعقل , ابرُز لي , فخرج إليه معقل , فقلنا له : نَنشُدُك أنْ تخرج إلى هذا الكلب الذي قد آيسه الله من نفسه ! قال : لا والله لا يدعوني رجل إلى مبارزة أبداً فأكونَ أنا النّاكل , فمشى إليه بالسيف , وخرج الآخَر إليه بالرمح , فناديناه أنْ ألْقِه برمحٍ مثل رمحه , فأبى , وأقبل عليه المستورد فطعنه حتى خرج سنان الرمح من ظهره , وضربه مَعقل بالسيف حتى خالطَ سيفُه أمَّ الدّماغ , فوقع ميِّتا , وقُتل مَعقل رحمه الله . ثم شدّوا على بقية أصحاب المستورد فحسُّوهم بالسيوف فقتلوهم جميعا فتشتّتْ كلمتًُهم وأُبْسِلواـ بخطاياهم إلا رجلا كان أحدَثهم سنّا وهو عبدالله بن عقبة الغنويّ ـ

الحاشية : يقول عبدالله بن عقبة في قصة فراره من جيش أبي الرّواغ : انتهيت إلى فرس واقف عليه سَرْجُه ولجامه ,وما أدري قصّة صاحبه أقُتِل أم نزَل عنه صاحبُه يقاتل وتركه ! قال : فأقبلتُ حتى أخذتُ بلجامه ,وأضع رجلي في الرّكاب وأستوي عليه . قال : وشدّ والله أصحابُه عليّ , فانتَهوا إليّ , وغمزتُ في جنب الفرس , فإذا هو والله أجودَ ما سُخِّر , وركَض منهم ناس في أثَري فلم يعلَقُوا بي , فأقبلتُ أركُض الفرس , وذلك عند المساء , فلما علمتُ أني قد فتُّهم وأمنت , أخذت أسيرُ عليه خَبَباً وتقريبا ـ الحاشية : الخبب والتقريب : ضربان من العدو ـ . ثم إني سرتُ عليه بذلك من سيره , ولقِيتُ عِلْجاً فقلت له : اسعَ بين يدي حتى تُخرجني الطريق الأعظم , طريقَ الكوفة , ففعل , فوالله ما كانت إلا ساعة حتى انتهيت إلى كُوثَى , فجئتُ حتى انتهيت إلى مكان من النهر واسع عريض , فأقحمتُ الفرسَ فيه , فعَبرتُه , ثم أقبلتُ عليه حتى أتى ديرَ كعب , فنزلتُ فعقلتُ فرسي وأرحتُه وهوَّمتُ تهويمة , ثم إني هببتُ سريعا , فحُلْتُ في ظهر الفرس , ثم سرتُ في قِِطْعٍ من الليل فاتّخذتُ بقية الليل جَمَلاً , فصلّيتُ الغداةَ بالمزاِحميّة على رأس فرسخين من قُبِّين , ثم أقبلتُ حتى أدخلَ الكوفة حين متَع الضحى ـ الحاشية : متع الضحى : أي كان في أوله ـ فآتي من ساعتي شريك بن نملة الحارثيّ , فأخبرته خبري وخبرَ أصحابه , وسألتُه أنْ يلقَى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فيأخذَ لي منه أمانا , فقال لي : قد أصبتَ الأمان إن شاء الله . فخرج شريك حتى أتى المغيرة مسرعا فاستأذن عليه , فأذن له , فقال : إن عندي بشرى , ولي حاجة , فاقض حاجتي حتى أبشِّرك ببشارتي , فقال له : قُضِيتْ حاجتُك , فهاتِ بُشْراك , قال : تُؤَّمن عبدَالله بن عقبة الغنويّ , فإنه كان مع القوم , قال : قد آمنته , والله لوددتُ أنك أتيتني بهم كلهم فآمنتُهم . قال : فأبْشِر , فإنّ القوم كلهم قد قُتلوا , كان صاحبي مع القوم , ولم ينجُ منهم فيما حدّثني غيره .
اهـ والحمد لله رب العالمين

ابوهاشم الهاشمي
04-05-2006, 01:40 PM
الخارجون على ولاة أمر المسلمين

أخرج الطبري والبلاذري والخطيب البغدادي وابن كثير وابن الأثير وغيرهم : أن الخوارج أقبلوا من البصرة يستعرضون الناس في طريقهم , فإذا هم برجل يسوق بامرأته وهي حامل على حمار له , فدعوه وانتهروه وهددوه وأفزعوه ,
وقالوا له : من أنت ؟ قال : أنا عبدالله بن خباب بن الأرت الحاشية : هو عبدالله بن خباب بن الأرتّ بن جندلة بن سعد بن خزيمة .ولد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان موصوفا بالخير والصلاح والفضل ,ورد المدائن وقتلته الخوراج بالنهروان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أهوى إلى ثوبه يتناوله من الأرض وكان سقط عنه لما أفزعوه ـ فقالوا له : أفزعناك ؟ قال : نعم , قالوا له : لا رَوْع عليك ! فحدِّثنا عن أبيك بحديث سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم , لعل الله ينفعنا به ! قال : حدّثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ستكون فتنة يموت فيها قلب الرجل فيصبح مؤمنا ويمسي كافرا , ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا " فقالوا : لهذا الحديث سألناك , فما تقول في أبي بكر وعمر ؟ فأثنى عليهما خيرا , قالوا : ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها ؟ قال : إنه كان محقّا في أولها وفي آخرها , قالوا : فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده ؟ قال: إنه أعلم بالله منكم , وأشدّ توَقِّياً على دينه , وأنْفَذُ بصيرةً الحاشية : وعند البلاذري" أنساب الأشراف 1/142 " : قالوا له : ما تقول في علي ؟ قال : أقول إنه أمير المؤمنين , وإمام المسلمينفقالوا : إنك تتبع الهوى , وتُوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها , والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحدا, وأخذوه فكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى مُتِمّ الحاشية : يقال : امرأة متمّ , للحامل إذا شارفت الوضع ]حتى نزلوا تحت نخل مواقير الحاشية : وعند (الطبري ) و ( ابن الجوزي في " المنتظم " )" مواقر " : أوقرت النخلة , إذا كثر حملها , ونخلة موقر والجمع مواقر

فسقطت رطبة منها فقذفها بعضهم في فيه , فقال له رجل منهم : أبغير حلها ولا ثمن لها ؟ فألقاها من فيه واخترط سيفه وجعل يهزه فمرّ به خنزير لذمي فقتله بسيفه , فقال له بعض أصحابه : إن هذا لمن الفساد في الأرض . فطلب صاحب الخنزير حتى أرضاه , فقال ابن خباب : لئن كنتم صادقين فيما أرى وأسمع إني لآمن من شرّكم الحاشية وعند الطبري " 5/82 " : فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال : لئن كنتم صادقين فيما أرى فما عليّ منكم بأس , إنِّي لَمُسلِم , ما أحدثتُ في الإسلام حدثا , ولقد أمَّنْتُمُونِي , قلتُم : لا رَوْع عليك!قال : فجاؤوا به فأضجعوه على شفير نهر وألقوه على الخنزير المقتول فذبحوه عليه كما تذبح الشاة, فسال دمه في الماء مثل الشراك ما أمذقرّ الحاشية : الحاشية : أي ما اختلط بالماءوأخذوا امرأته فقالت : إني امرأة حبلى , ألا تتقون الله , فذبحوها وبقروا بطنها عن ولدها ,وقتلوا ثلاث نسوة كنّ معها.

فبلغ علياّ خبر ابن خباب وامرأته والنسوة , وخبر سواديٍّ لقوه بنفّر فقتلوه , فبعث علي إليهم ابن الحارث بن مرة العبدي ليتعرف حقيقة ما بلغه عنهم , فلما أتى النهروان وقرب منهم خرجوا إليه فقتلوه , وبلغ ذلك عليا ومن معه , فقالوا له : ما ترْكُنا هؤلاء وراءنا يخلفونا في أموالنا وعيالاتنا بما نكره ؟ سر بنا إليهم فإذا فرغنا منهم سرنا إلى عدونا أهل المغرب الحاشية : يعني أهل الشام , وكانوا يسمون الشام المغربفإن هؤلاء أحضر عداوة وأنكى حدا . وقال : وقام الأشعث بن قيس ـ الحاشية : هو الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة , أبومحمد . قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة , ثم رجع إلى اليمن , فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدّ وحُمل إلى أبي بكر مقيّدا فأسلم وشهد مع سعد قتال الفرس بالعراق , وكان على راية كندة في صفين مع علي . وحضر قتال الخوارج بنهروان , ثم عاد إلى الكوفة فأقام بها حتى مات سنة 40 هـ ـ فكلمه بمثل ذلك فنادى عليٌّ بالرحيل .

وأتى عليّ المدائن وقد قدمها قيس بن سعد بن عبادة , وكان عليّ قدَّمه إليها . ثم أتى عليّ النهروان فبعث إلى الخوارج : أن أسلموا لنا قتلةابن خباب ورسولي والنسوة لأقتلهم ثم أنا تارككم إلى فراغي من أمر أهل المغرب , فلعل الله يُقبل بقلوبكم ويردكم إلى ما هو خير لكم وأملك بكم , فقالوا : كلنا قتله , فناداهم ثلاثا كل ذلك يقولون هذا القول , وبعثوا إلى على أنه ليس بيننا وبينك إلا السيف إلا أن تقرّ بالكفر وتتوب كما تبنا . فقال علي : أبَعْدَإيماني برسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرتي معه , وجهادي في سبيل الله , أشهد على نفسي بالكفر ! { لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين } .

ودعاهم إلى تقوى الله والبرّ ومراجعة الحق , فكتب إليه ابن وهب الراسبيّ { إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } إن الله بعث محمدا بالحق وتكفل له بالنصر كما بلغ رسالاته , ثم توفاه إلى رحمته , وقام بالأمر بعد أبوبكر بما قد شهدته وعاينته متمسكا بدين الله مؤثرا لرضاه حتى أتاه أمر ربه , فاستخلف عمر , فكان من سيرته ما أنت عالم به , لم تأخذه في الله لومة لائم , وختم الله له بالشهادة , وكان من أمر عثمان ما كان حتى سار إليه قوم فقتلوه لما آثر الهوى وغيّر حكم الله , ثم استخلفك الله على عباده فبايعك المؤمنون وكنت لذلك عندهم أهلا , لقرابتك بالرسول , وقَدَمك في الإسلام , ووردتَ صفين غير مداهن ولا وانٍ , مبتذلاً نفسك في مرضاة ربك , فلما حَمِيت الحرب وذهب الصالحون : عمار بن ياسر , وأبوالهيثم بن التَّيِّهان , وأشباههم , اشتمل عليك من لا فقه له في الدين ولا رغبة في الجهاد , مثل الأشعث بن قيس وأصحابه واستنزلوك حتى ركنت إلى الدنيا , حين رُفعت لك المصاحف مكيدة فتسارع إليهم الذين استنزلوك , وكانت منا في ذلك هفوة ثم تداركنا الله منه برحمته , فحكَّمتَ في كتاب الله وفي نفسك , فكنت في شك من دينك وضلال عدوك وبغيه عليك , كلا والله يا ابن أبي طالب ,ولكنكم { ظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا } وقلتَ : لي قرابة من الرسول وسابقة في الدين فلا يعدل الناس بي معاوية , فالآن فتب إلى الله وأقرّ بذنبك , فإن تفعل نكن يدك على عدوك , وإن أبيت ذلك فالله يحكم بيننا وبينك.

قالوا : وخرج إليهم قيس بن سعد بن عبادة فناداهم فقال : يا عباد الله أخرجوا إلينا طِلْبَتَنا , وادخلوا في هذا الأمر الذي منه خرجتم , وانهضوا إلى عدوكم وعدونا معا, فإنكم ركبتم عظيما من الأمر , تشهدون علينا بالشرك ,والشرك ظلم عظيم , وتسفكون دماء المسلمين , وتعدّونهم مشركين ! . فقال له عبدالله بن شجرة السلمي : إن الحق قد أضاء لنا فلسنا متابعيكم أبدا حتى تأتونا بمثل عمر . فقال : والله ما نعلم على الأرض مثل عمر إلا أن يكون صاحبنا.

وخطبهم أبوأيوب الأنصاري فقال : عباد الله , إنّا وإيّاكم على الحال الأولى التي كنا عليها , ليست بيننا وبينكم فرقة , فعلام تقاتلونا ؟ ...

ووعظهم علي مرارا , منها " ... فبيِّنوا لنا بماذا تستحلون قتالنا , والخروج من جماعتنا , إن اختار الناس رجلين أن تضعوا أسيافكم على عواتقكم , ثم تَستعرضوا الناس , تضربون رقابهم , وتَسفكون دماءهم ! إنّ هذا لهو الخسران المبين . والله لو قتلتم على هذا دجاجة لعظُم عند الله قتلُها , فكيف بالنفس التي قتْلُها عند الله حرام! "

فتنادَوا : لا تخاطبوهم , ولا تكلّموهم , وتهيئوا للقاء الربّ , الرّواح الرّواح إلى الجنة !

فقال لهم علي : " يا قوم إنه قد غلب عليكم اللجاج والمراء واتّبعتم أهواءكم فطمح بكم تزيين الشيطان لكم وأنا أنذركم أن تصبحوا صرعى بأهضام هذا الغائط وأثناء هذا النهر " .

فلما لم يرعليّ عندهم انقيادا ـ وكان في أربعة عشر ألفا ـ عبّأ الناس وعبّأت الخوارج , ورفع عليٌّ راية أمان مع أبي أيوب الأنصاري , فناداهم أبوأيوب : مَن جاء هذه الرّاية منكم ممّن لم يقتل ولم يستعرض فهو آمن , ومَن انصرف منكم إلى الكوفة أو إلى المدائن وخرج من هذه الجماعة فهو آمِن , إنّه لا حاجة لنا بعد أن نصيب قَتَلَة إخواننا منكم في سفك دمائكم .

فقال فروة بن نوفل الأشعجي : والله ما ندري على أي شيء نقاتل عليّا ؟ فانصرف في خمسمائة فارس, وخرجت طائفة منهم أخرى متفرقين فنزلت الكوفة , وأتى مسعر بن فدكي التميمي راية أبي أيوب الأنصاري في ألف , واعتزل عبدالله بن الحوساء ـ ويقال : ابن أبي الحوساء الطائي ـ في ثلاثمائة وخرج إلى عليّ منهم ثلاثمائة فأقاموا معه , وكانوا أربعة آلاف فارس ومعهم خلق من الرجّالة . واعتزل حوثرة بن وداع في ثلاثمائة [ وعند الطبري " 5/86 " : .. نحو من مائة ], واعتزل أبومريم السعدي في مائتين , واعتزل غيرهم , فكان الذي بقوا مع عبدالله بن وهب الراسبي ألفين وثمانمائة ,وزحفوا إلى علي .

وقال علي لأصحابه : كفوا عنهم حتى يبدأوكم . ونادى حمزة بن سنان الأسدي الخارجي : روحوا إلى الجنة , فقال ابن وهب : والله ما ندري أنروح إلى الجنة أم إلى النار وتَنادَى الحرورية : الرواح إلى الجنة معاشر المخبتين وأصحاب البرانس المصلين , فشَدُّوا على أصحاب عليّ شدة واحدة ,فلم تثبت خيل المسلمين لشدتهم , فافترقت خيل عليّ فرقتين : فرقة نحو الميمنة وفرقة نحو الميسرة . وأقبلوا نحو الرجالة فاستقبلت الرماة وجوههم بالنبل حتى كأنهم معزى تتقى المطر بقرونها , ثم عطفت الخيل عليهم من الميمنة والميسرة , ونهض عليّ إليهم من القلب بالرماح والسيوف فما لبثوا أن أُهمدوا في ساعة [ وعند ابن خلدون 3/640 " : فهلكوا كلهم في ساعة واحدة كأنما قيل لهم موتوا ] .الحاشية : عن علقمة بن عامر قال: سئل عليّ عن أهل النهروان أمشركون هم ؟ فقال : من الشرك فروا , قيل أفمنافقون ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا , فقيل ما هم يا أمير المؤمنين ؟ قال : إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم ببغيهم علينا وخرج عليٌّ في طلب ذي الثُّديّة , فوجدوه في حُفرة على شاطئ النهر في أربعين أو خمسين قتيلا , فلما استُخرج نظر إلى عَضُده , فإذا لحمٌ مجتمع على منكبه كثّدْي المرأة , له حَلَمة عليها شعرات سُود , فإذا مُدّتْ امتَدّتْ حتى تحاذى طول يده الأخرى , ثم تُترك فتعود إلى منكبه كثدي المرأة , فلما استُخرج قال عليٌّ : الله أكبر! والله ما كذبتُ ولا كُذِبت , أما والله لولا أن تنكلوا عن العمل , لأخبرتُكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لمن قاتلهم مستبصرا في قتالهم , عارفا للحق الذي نحن عليه . ثم مرّ علي وهم صرعى فقال : بؤساً لكم ! لقد ضرّكم مَن غرّكم , فقالوا : يا أمير المؤمنين , مَن غرّهم ؟ قال : الشيطان ,وأنفسٌ بالسوء أمّارة , غرّتهم بالأماني , وزيّنت لهم المعاصي , ونبّأتهم أنهم ظاهرون .

ابوهاشم الهاشمي
04-06-2006, 05:00 PM
إحباط انقلاب أثناء خروج أمير المؤمنين لفتح عمورية

شخص أمير المؤمنين المعتصم سنة 223 هـ [ الحاشية : وقيل كان شخوصه إليها سنة 224 هـ وقيل سنة 222 هـ ـ ] إلى بلاد الروم لفتح عمّوريّة , وتجهّز جهازا لم يتجهّز مثله قبله قطّ , من السلاح والعُدد والآلة وحياض الأدَم والبغال والرّوَايا والقِرَب وآلة الحديد والنِّفط , ووزّع القوّاد على الجيش , واستقصر المعتصم أمر عُجَيف بن عنبسة ـ أحد القوّاد ـ وأفعاله , ولم يُطلق يدَه في النفقات كما أُطْلِقتْ يد الإفشين ـ القائد المشهور ـ واستَبان ذلك لِعُجَيف , فدخل عُجَيف على العباس على ما تقدّم من فعله عند وفاة المأمون حين بايع أبا إسحاق ـ الحاشية : كنية المعتصم ـ وعلى تفريطه فيما فعل وشجّعه على أن يتلافى ما كان منه . فقبل العبّاس ذلك , ودسّ رجلا يقال له الحارث السمرقنديّ ـ وكان العباس يأنس به , وكان الحارث رجلا أديبا له عقل ومداراة ـ فصيّره العبّاس رسوله وسفيره إلى القوّاد , فكان يدور في العسكر حتى تألّف له جماعة من القوّاد كعمرو بن أريخا الفرغاني [ الحاشية : بينما حرب المسلمين ضد الروم لفتح عمورية في يومها الثاني , أخبر عمرو الفرغاني أحمدَ بن خليل ـ ولم يكن عنده خبر مبايعة العباس ـ : إن العباس بن المأمون قد تمّ أمره , وسنبايع له ظاهرا , ونقتل المعتصم وأشناس وغيرهما عن قريب , ثم قال : أُشير عليك أن تأتي , فتقدم فتكون في عِداد من مال إليه , فقال له أحمد : هذا أمرٌ لا أحسبه يتمّ , فقال له عمرو : قد تمّ وفرغ , وأرشده إلى الحارث السمرقندي ـ وكان المتولّي لإيصال الرجال إلى العباس وأخذ البيعة عليهم ـ فقال له عمرو : أنا أجمع بينك وبين الحارث حتى تصير في عداد أصحابنا , فقال له أحمد : أنا معكم إن كان هذا الأمر يتمّ فيما بيننا وبين عشرة أيام , وإن جاوز ذلك فليس بيني وبينكم عمل , فذهب الحارث , فلقي العباس فأخبره أن عمراً قد ذكره لأحمد بن خليل , فقال له : ما كنت أحبّ أن يطّلع الخليل على شيء من أمرنا , أمسكوا عنه , ولا تشركوه في شيء من أمركم , دعوه بينهما , فأمسكوا . ـ وأحمد بن الخليل بن هشام ـ الحاشية : جعله المعتصم على قلب جيش المسلمين لفتح عمّورية ـ وغيرهما وبايعوه , وسمّى لكل رجل من قوّاد المعتصم رجلا من ثقات أصحابه ممن بايعه , ووكّله بذلك وقال : إذا أمرنا بذلك , فليثب كلّ رجل منكم على من ضمنَّاه أن يقتله , فضمنوا له ذلك , فكان يقول للرجل ممن بايعه : عليك يا فلان أن تقتُل فلانا , فيقول : نعم , فوكّل مَنْ بايعه من خاصّة المعتصم بالمعتصم ومن خاصة الأفشين بالأفشين , ومن خاصّة أشناس بأشناس , ممّن بايعه من الأتراك , فضمنوا ذلك جميعا . فلمّا أرادوا أن يدخلوا الدّرب وهم يريدون أنقرة وعمّوريّة , أشار عُجَيف على العبّاس أن يثب على المعتصم في الدّرب وهو في قلّة من الناس , وقد تقطّعتْ عنه العساكر , فيقتله ويرجع إلى بغداد , فأبى العباس عليه ,وقال : لا أفسد هذه الغزاة , حتى دخلوا بلاد الروم , وافتَتَحوا عمّوريّة . فقال عُجَيف للعبّاس : يا نائم , كما تنام ! قد فُتحت عمّوريّة , والرجل ممكن , دُسَّ قوما ينتهبون هذا الخُرْثيّ , فإنه إذا بلغه ذلك ركب بسرعة , فتأمر بقتله هناك , فأبى عليه العبّاس , وقال : أنتظر حتى يصير إلى الدّرب , فيخلو كما خلا في البدأة , وكان عُجَيف قد أمر مَن ينتهب المتاع , فانتُهِب بعض الخُرْثىّ في عسكر ايتاخ ـ الحاشية : كان ايتاخ غلاما خَزَريّاً طبّاخاً , فاشتراه المعتصم سنة 199 هـ , وكان لايتاخ رُجْلة وبأس ـ الرجلة بالضم , مثل الرجولية ـ فرفعه المعتصم ومن بعده الواثق , حتى ضمّ إليه من أعمال السلطان أعمالا كثيرة , وكان مَن أراد المعتصم أو الواثق قَتْلَه فعند إيتاخ يُقتل , وبيده يُحْبس . ولمّا وَلي المتوكل كان إيتاخ في مرتبته , إليه الجيش والمغاربة والأتراك والموالي والبريد والحجابة ودار الخلافة . ثم تغيّر عليه المتوكل ودسّ إليه مَن يشير عليه بالاستئذان للحجّ , وصيَّره أمير كل بلدة يدخلها . فلما قَفَل راجعا من مكة وكّل بأمره حاجبَه سعيد بن صالح , فقُيِّد إيتاخ وأُثقل بالحديد في عنقه ورجليه , وكان طعامه رغيفا وكوزا من ماء , وصُيّر في عنقه ثمانون رطلا , وقَيْدٌ ثقيل , فمات سنة 235 هـ ـ , فركب المعتصم وجاء رَكِضاً , فسكن الناسُ ولم يُطلق العباس أحدا من أولئك الرجال لذين كان واعدهم , فلم يُحْدِثوا شيئا , وكرهوا أن يفعلوا شيئا بغير أمره .

وكان لعمرو الفرغاني قرابة غلام أمرد في خاصّة المعتصم , فقال له عمرو : أقلّ من الكينونة عند أمير المؤمنين بالليل , والزم خيمتَك , إنْ سمعتَ صيحةً أو شغبا أو شيئا فلا تبرح من خيمتك , فإنك غلامٌ غِرّ , لستَ تعرف بعدُ العساكرَ , فعرف الغلامُ مقالةَ عمرو .

وارتحل الخليفة المعتصم من عمُّوريّة يريد الثغر , فسار حتى صار إلى موضع أقام فيه ليُريح ويستريح , اعتلّ أشناس التركي ـ الحاشية : كان على مقدمة جيش المسلمين لفتح عمّورية . مات سنة 230 هـ ـ فركب المعتصم صلاةَ الغداة يعوده , ثم ارتحل وسار أشناس والأفشين وجميع القوّاد في عسكر أمير المؤمنين , ووكّلوا خلفاءهم بالعساكر فيسيرون بها . فلما صار بالصّفصاف , دخل الغلام قرابةُ عمرو على المعتصم فأخبره ما دار بينه وبين عمرو من الكلام في تلك الليلة , مما قاله عمرو : إذا رأيت شغبا فالزم خيمتَك, فقال المعتصم لبغا: لا ترحل غداً حتى تجيئ أشناس , فتأخذ منه عمرواً , وتلحقني به .

فوقف بغا حتى جاء أشناس فأخذ منه عمرواً , ومضى به إلى المعتصم , فسأله عن الذي قال له الغلام قرابته فأنكر عمرو وقال : هذا الغلام سكران , ولم يفهم ولم أقل شيئا ممّا ذكره . فأمر به ودفع إلى إيتاخ .

وأقام أشناس ثلاثة أيام على مضيق البدندون ينتظر أن تتخلص عساكر أمير المؤمنين , فكتب أحمد بن خليل إلى أشناس رقعة يعلمه أن لأمير المؤمنين عنده نصيحة , وأنه لا يخبر بها إلا أمير المؤمنين , فقال أشناس : إنّي حلفتُ بحياة أمير المؤمنين , إنْ هو لم يُخبرْني بهذه النصيحة أنْ أضربَه بالسِّياط حتى يموت , فأخبر أحمد بن الخليل بما ألقى عليه عمرو الفرغانيّ من أمر العبّاس والحارث السمرقندي , فحبسه أشناس وبعث حاجبه إلى خيمة الحارث فأخرجه منها , وقيّده , وأمر الحاجب أن يحمله إلى أمير المؤمنين , فدخل عليه فسأله المعتصم عن أمره , فأقرّ أنه كان صاحب خبر العبّاس , وأخبره بجميع أمره وجميع مَن بايع العباس من القوّاد , فأطلق المعتصم الحارث وخلع عليه .

وتحيّر في أمر العباس , فدعا به حين خرج إلى الدّرب فأطلقه ومنّاه , وأوهمه أنه قد صفح عنه , وتغدّى معه , وصرفه إلى مضربه , ثم دعاه بالليل , فنادمه على النبيذ وسقاه حتى أسكره , واستحلفه ألا يكتمه من أمره شيئا , فشرح له قصته , وسمّى له جميع مَن كان دبّ في أمره , وكيف كان السبب في ذلك في كلّ واحد منهم , فأمر المعتصم بتقييد العباس .

ثم دفع العباس إلى الأفشين , ثم تتبّع المعتصم أولئك القوّاد , فأُخِذوا جميعا , فأمر أن يحمل أحمد بن خليل على بغل بإكاف بلا وطاء , ويطرح في الشمس إذا نزل , ويطعم في كل يوم رغيفا واحدا , وأُخِذ عُجَيف بن عَنْبسة فيمن أخِذ من القوّاد , فدفع من سائر القواد إلى إيتاخ , ودفع ابن الخليل إلى أشناس , فكان عُجيف وأصحابه يحملون في الطريق على بغال بأكُفٍ بلا وطاء , وأخذ الشاه بن سهل ـ وهو الرأس ابن الرأس من أهل قرية من خراسان يقال لها سجستان ـ فدعا به المعتصم والعباس بين يديه , فأمر به المعتصم فضُربت عنقه , وهو أول من قُتل من القوّاد ومعه صحبه , ودفع عُجَيف إلى إيتاخ فعلَّق عليه حديداً كثيرا وحمله على بغل في محمل بلا وطاء .

وأما العبّاس فكان في يد الأفشين , فلما نزل المعتصم مَنْبج ـ وكان العباس جائعا ـ سأل الطعام , فقُدّم إليه طعام كثير , فأكل فلمّا طلب الماء مُنِع وأدرج في مِسْحٍ , فمات بمنبج , وصلى عليه بعضُ إخوته .

وأما عمرو الفرغاني , فإنه لما نزل المعتصم بنصيبين في بستان , دعا صاحب البستان , فقال له : احفر بئرا في موضع , أومأ إليه بقدر قامة , فبدأ صاحب البستان فحفرها , ثم مُثِّل بين يدي المعتصم فقال : جرّدوه , فجُرّد , وضرب بالسياط ضربة الأتراك , والبئر تُحفر , حتى إذا فُرغ من حفرها قال صاحب البستان : قد حفرتها , فأمر المعتصم عند ذلك فضُرب وجه عمرو وجسده بالخشب , فلم يزل يُضرب حتى سقط , ثم قال : جُرّوه إلى البئر فاطرحوه فيها , فلم يتكلم عمرو ولم ينطق يومه ذلك , حتى مات فطُرح في البئر , وطُمّت عليه .

وأما عُجِيف بن عنبسة فأتوه في مَضْرَبه , وسئل : أيَّ شيء تشتهي ؟ قال : أسفيدباج وحَلْوى فالوذج , فعُمل له من كلّ طعام , فأكل وطلب الماء فمُنِع , فلم يزل يطلب وهو يسُوق حتى مات .

وأما التركي الذي كان ضمِن للعباس قتل أشناس متى ما أمره العباس ـ وكان كريما على أشناس ينادمه ولا يحجب عنه في ليل ولا نهار ـ فإنه أمر بحبسه , فحبسه أشناس قبَله في بيت , وطيّن عليه الباب , وكان يلقى إليه في كلّ يوم رغيفا وكوز ماء , فأتاه ابنه في بعض أيامه , فكلّمه من وراء الحائط , فقال له : يا بنيّ , لو كنت تقدر لي على سكّين كنت أقدر أن أتخلص من موضعي هذا , فلم يزل ابنه يتلطّف في ذلك حتى أوصل إليه سكِّينا , فقَتَل به نفسَه .

وأما أحمد بن الخليل , فإنه دفعه أشناس إلى محمد بن سعيد السعديّ , فحفر له بئرا في الجزيرة بسامَرّا , فسأل عنه المعتصم يوما من الأيام , فقال لأشناس : ما فعل أحمد بن الخليل ؟ فقال له أشناس : هو عند محمد بن سعيد السعديّ , قد حفر له بئرا وأطبق عليه , وفتح له فيها كوّة ليرمى إليه بالخبز والماء . فقال المعتصم : هذا أحسبه قد سمِن على هذه الحال , فأخبر أشناس محمد بن سعيد بذلك , فأمر محمد بن سعيد أن يسقى الماء , ويصبّ عليه في البئر حتى يموت , ويمتلئ البئر , فلم يزل يصُبّ عليه الماء , والرمل ينشف الماء , فلم يغرق ولم يمتلئ البئر , فأمر أشناس بدفعه إلى غِطريف الخجنديّ , فدُفع إليه , فمكث عنده أياما , ثم مات فدُفن.

أما هرثمة بن النضر الخُتَّليّ , فكان واليا على المراغة , وكان في عِداد مَن سمّاه العباس أنه من أصحابه , فكتب في حمله في الحديد , فتكلّم فيه الأفشين , واستوهبه من المعتصم , فوهبه له , فكتب الأفشين كتابا إلى هرْثمة بن النضر يعلمه أن أمير المؤمنين قد وهبه له , وأنه قد ولاّه البلد الذي يصل إليه الكتاب فيه , فورد به الدينور عند العشاء مقيّدا , فطرح في الخان , وهو مُوَثّق في الحديد , فوافاه الكتاب في جُنْح الليل , فأصبح وهو والي الدّينور ـ انظر موقعه ـ .
وقُتل باقي القواد ومَن لم يُحفظ اسمه من الأتراك والفراغنة وغيرهم , قُتلوا جميعا .

12d8c7a34f47c2e9d3==