ابوهاشم الهاشمي
04-04-2006, 08:00 PM
قال عبدالله بن عُقْبة الغَنَويّ ...
وكان يرى رأي الخوارج ثم رجع عنه ـ : .........
كنت فيمن خرج مع المُستورد بن عُلّفة , وكنتُ أحدَثَ رجل فيهم , فأقَمْنا بِبَهُرسير , فدعاني المُستورد بنُ عُلّفة وقال : ..
أتكتُب يا ابن أخي ؟
قلت : نعم , ,
فدعا لي برَقٍّ ودَواة ,وقال : اكتب : ..
من عبدالله المستورد أمير المؤمنين إلى سِماك بنِ عبيد ـ وكان عاملا للمغيرة بن شعبة على المدائن ـ , أما بعد ,
فقد نَقِمنا على قومنا الجَوْرَ في الأحكام , وتعطيلَ الحدود , والاستئثارَ بالفيء , وإنّا ندعوك إلى كتاب الله عزوجل وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم ,وولاية أبي بكر وعمرَ رضوان الله عليهما ,,,
والبراءة من عثمان وعلي ,لإحداثِهما في الدين , وتركِهما حكمَ الكتاب , فإنْ تقبَلْ فقد أدركتَ رُشدك , وإلاّ تَقْبَل فقد بالَغْنا في الإعذار إليك , وقد آذنّاك بحرب , فنبَذْنا إليك على سواء , إنّ الله لا يحب الخائنين .
قال : فقال المستورد : انطلق إلى سِماك بهذا الكتاب فادفعْه إليه , واحفظ ما يقول لك , والقَنِي .
قال عبدالله بن عُقْبة الغَنَويّ : وكنتُ فتىً حدَثاً حين أدركت , لم أجرّب الأمور , ولا عِلمَ لي بكثير منها , فقلت : ..
أصلحك الله !
لو أمرتَني أنْ أسْتعرضَ دجلة فألْقِي نفسي فيها ما عصيتُك , ولكن تأمن عليّ سِماكاً أن يتعلق بي , فيَحبِسني عنك , فإذا أنا قد فاتني ما أترجّاه من الجهاد!
فتبسّم المُستورد بن عُلّفة وقال : ...
يا ابن أخي , إنما أنت رسول , والرسول لا يُعرض له , ولو خشيتُ ذلك عليك لمْ أبْعَثْك , وما أنتَ على نفسك بأشفَق مني عليك .
قال عبدالله بن عُقْبة الغَنَويّ : ... فخرجتُ حتى عَبَرتُ إليهم في مَعْبَر , فأتيتُ سِماك بن عبيد , وإذا الناس حوله كثير .
قال عبدالله بن عُقْبة الغَنَويّ : فلمّا أقبلتُ نحوَهم أبَدُّوني أبصارَهم , فلما دنوتُ منهم ابتدرني نحوٌ من عشرة , وظننتُ والله أنّ القوم يريدون أخذي , وأنّ الأمر عندهم ليس كما ذكر لي صاحبي ( المستورد ) , فانتَضَيْتُ سيفي , وقلت : ..
كلا , والذي نفسي بيده , لا تَصلون إلي حتى أعذِر الله فيكم ,
قالوا لي : يا عبدَالله , مَن أنت ؟
قلت : أنا رسولُ أمير المؤمنين المستورِد بن عُلّفة ,
قالوا : فلِمَ انتَضَيْتَ سيفَك ؟
قلت : لابتِداركم إليّ , فخفتًُ أنْ تُوثقوني وتَغدِروا بي .
قالوا : فأنت آمن , وإنما أتيناك لنقوم إلى جنْبك , ونُمسِك بقائم سيفك , وننظرَ ما جئتَ له , وما تسأل ,
قال : فقلت لهم : ألستُ آمنا حتى تردُّوني إلى أصحابي ؟
قالوا : بلى , فشِمْتُ سيفي , ثم أتيت حتى قمت على رأس سِمالك بن عبيد وأصحابُه قد ائتشَبُوا بي , فمنهم مُمسك بقائم سيفي , ومنهم مُمسكٌ بعَضُدي , فدفعتُ إليه كتابَ صاحبي , فلما قرأه رفع رأسَه إلي فقال : ...
ما كان المستورد عندي خليقاً لِما كنت أرى من إخْباته وتواضعه أنْ يخرج على المسلمين بسيفه , يَعْرض عليَّ المستوردُ البراءة من عليّ وعثمان , ويدعوني إلى ولايته ! فبئس والله الشيخ أنا إذاً !
قال : ثم نظر إلي سِمالك بن عبيد فقال : يا بُنيّ , اذهبْ إلى صاحبك فقل له : اتّق الله وارجع إلى رأيك ,وادخُل في جماعة المسلمين , فإنْ أردتَ أن أكتبَ لك في طلب الأمان إلى المغيرة فعلت , فإنك ستجده سريعا إلى الإصلاح , محبًّا للعافية .
قال : قلت له ـ وإن لي فيهم يومئذ بصيرة ـ : هيهات ! إنما طلبنا بهذا الأمر الذي أخافنا فيكم في عاجل الدنيا الأمن عند الله يوم القيامة ,
فقال لي : بؤساً لك !
كيف أرحمُك !
ثم قال لأصحابه : إنهم خَلَوْا بهذا . ثم جعلوا يقرءون القرآن ويتخَضّعُون ويتباكون , فظنّ بهذا أنهم على شيء من الحق , إنْ هم إلا كالأنعام , بل هم أضلّ سبيلا , والله ما رأيتُ قوما كانوا أظهرَ ضلالة ,ولا أبينَ شؤما , من هؤلاء الذين تَرون !.
قلت ( عبدالله بن عُقْبة الغَنَويّ ) : يا هذا إنني لم آتك لأشاتمك ولا أسمع حديثَك وحديث أصحابك , حدِّثني , أنتَ تجيبُني إلى ما في هذا الكتاب أم لا تفعل فأرجع إلى أصحابي ؟
فنظر إليّ ثم قال لأصحابه : ألا تعجبون إلى هذا الصبيّ !
والله إني لأراني أكبر من أبيه ,وهو يقول لي : أتجيبني إلى ما في هذا الكتاب ! انطلق يا بنيّ إلى صاحبك , إنما تندَم لو قد اكتنفتْكُم الخيلُ , وأشرعت في صدوركم الرماح , هناك تَمنَّى لو كنتَ في بيت أمك !
قال : فانصرفتُ من عنده فعبَرتُ إلى أصحابي , فلما دنوتُ من صاحبي ( المُستورد بن عُلّفة ) قال : ..
ما ردّ عليك ؟
قلت : ما ردّ خيرا , قلت له : كذا وقال لي : كذا , فقصصتُ عليه القصة ,
قال : فقال المستورد { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تُنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم }
فمكثوا بمكانهم ذاك يومين أو ثلاثة أيام , ثم استبان لهم مسير مَعقل بن قيس , فجمعهم المستورد وطلب منهم أن يشيروا عليه برأي , فقال بعضهم : والله ما خرجنا نريد إلا الله , وجهاد من عادى الله , وقالت طائفة أخرى : بل نَعْتَزلْ ونَتَنَحّى , ندعو الناسَ ونحتجّ عليهم بالدعاء .
فقال : يا معشر المسلمين , إني والله ما خرجت ألتمس الدنيا ولا ذكرَها ولا فخرَها ولا للبقاء , وما أحبّ أنها لي بحذافيرها , وأضعاف ما يُتنافَس فيه منها بِقَبَالِ نعلي ! ...
وما خرجتُ إلا التماس الشهادة , وأن يهديني اللهُ إلى الكرامة بِهَوان بعض أهل الضلالة , وإني قد نظرتُ فيما استشرتُكم فيه فرأيت ألا أقيمَ لهم حتى يُقْدِمُوا عليّ وهم جامُّون متوافرون , ولكنْ رأيتُ أنْ أسيرَ حتى أمعِن , فإنهم إذا بلغهم ذلك خرجوا في طَلَبِنا , فتقطّعوا وتبدّدوا ,فعَلى تلك الحال ينبغي لنا قتالهم , فاخرجوا بنا على اسم الله عزوجل .
فخرجوا فمضوا فعبروا دجلة حتى بلغوا المَذار , فبعث المغيرة إلى شريك بن الأعور الحارثي : أخرج إلى هذه المارقة فانتخب ثلاثة آلاف رجل من الناس , ثم اتْبعهم حتى تُخرجهم من أرض البصرة .
وأقبل جيش مَعقل بن قيس حتى دنوا من المدائن فاستقبلهم الناسُ فأخبروهم أنهم قد ارتحلوا , فشقّ ذلك عليهم وأيقنوا بالعناء وطول الطَلَب .
وبعد أن أقام مَعقل بن قيس بالمدائن ثلاثا جمع أصحابه فقال : إن هؤلاء المارقة الضلاّل إنما خرجوا فذهبوا على وجوههم إرادة أن تتعَجّلوا في آثارهم , فتقطّعُوا وتبدّدوا , ولا تلحقوا بهم إلا وقد تعبْتُم ونَصبْتُم , فخرج بهم من المدائن , فقدم بين يديه أبوالروّاغ الشاكريّ في ثلثمائة فارس , فاتْبع آثارهم , فخرج مَعقل في أثره , وأخذ أبوالرّواغ الشاكريّ يسأل عنهم , ويركب الوجه الذي أخذوا فيه , حتى عَبَروا جَرْجرايا في آثارهم , ثم سلك الوجه الذي أخذوا فيه , فاتّبعهم , فلم يزل ذلك دأبه حتى لحقهم بالمَذار مقيمين , فلما دنا منهم استشار أصحابه في لقائهم وقِتالهم قبل قدوم مَعقل عليه , وكان مَعقل أمره ألاّ يعجل إلى قتالهم حتى يأتيه , فقالوا له : تَنَحَّ بنا فلْنكن قريبا منهم حتى يقدُم علينا صاحبُنا , فتَنَحَّوا , فباتوا ليلتهم كلها متحارسين حتى أصبحوا , فلما ارتفع الضحى , خرج أصحاب المستورد وشدّوا عليهم وعدَّة كلّ طائفة ثلثمائة , وكشفوهم طويلا ولم يُصب منهم أحد, فقال أبو الرّواغ لأصحابه : إنْ حملوا عليكم فعجَزْتُم عن قتالهم فتأخّروا وانحازوا إلى حامية , فإذا رجعوا عنكم فاعطفوا عليهم , وكونوا قريبا منهم , فإن الجيش آتيكم إلى ساعة .
فأخذتِ الخوارجُ كلّما حملتْ عليهم انحازوا , وإذا رجعوا أخذ أصحاب أبي الرّواغ على خيلهم في آثارهم , فلمّا رأوا أنهم لا يفارقونهم وحضرتْ صلاةُ الظهر نزل المستوردُ للصلاة , واعتزل أبوالرّواغ وأصحابه على رأس ميل منهم أو ميلين فصلوا الظهر , وأقاموا مكانهم حتى صلوا العصر . ثم إن فتىً جاءهم بكتاب مَعقل بن قيس إلى أبي الرّواغ بقدومه عليه عاجلا , وكان أهل القرى وعابرو السبيل يمرّون عليهم ويرونهم يقتتلون , فمن مضى منهم على الطريق نحو الوجه الذي يأتي مِن قِبَلِه مَعقل إستقبل معقلا فأخبره بالتقاء أصحابه والخوارج وكيف يصنعون.
فلمّا رأى أبوالرّواغ الشاكريّ غَبَرة خيل مَعقل بن قيس وقف مقابل المستورد وأصحابه , فلما دنا منهم غربتِ الشمسُ , فنزل أبوالرّواغ فصلى بأصحابه , ونزل الخوارج في جانب آخر وصلوا أيضا . فقدم على أبي الرّواغ مَعقل في نحو سبعمائة من أهل القوة والشجاعة وأهل الخيل الجياد فغشيهم المستورد وأصحابه فاستقبلهم أصحاب أبي الرّواغ بالرّماح والسيوف , ثم شّدوا عليهم ومَعقل يُضاربهم في نفر من أهل الصبر , فقاتلوا طويلا وصبروا لهم , وتَدَاعَوا عليهم من كل جانب حتى اضطَرُّوهم إلى البيوت .
فنزل الخوارج في القرية وأراحوا ساعة ثم استووا على متون دوابّهم وخرجوا ليلا إلى الطريق الذي أقبَلوا منه عودَهم على بدئهم , فَفَطِن أحدُ أصحاب أبي الرّواغ لذَهابهم فأخبره , فخرج أبوالرّواغ في ثلثمائة وزاده مَعقل ثلثمائة من أصحابه , وأقبَل سِراعا في أثرهم حتى لحقهم بِجَرْجَرَايا وقد نزلوا , فنزل بهم عند طلوع الشمس , فلمّا نظروا فإذا هم بأبي الرّواغ وأصحابه فقاتلهم مَعقل طويلا وشدّوا عليهم وصَدَقوا فيها الحملة , فهرب المستوردُ وأصحابُه حتى قطعوا دجلةَ , فوقعوا في أرض بَهُرسير , وأبو الرّواغ ومِن خلفه مَعقل في آثارهم , ومضى المستوردُ نحو المدينة العتيقة , فبلغ ذلك سِماك بن عبيد فخرج بأصحابه وبأهل المدائن , فصفّ على بابها وأجلسَ رجالاً رماةً على السُّور , فمنَعَهم من دخولها , فانصرف المستوردُ حتى نزل ساباط , وأبوالرّواغ في طلبه حتى اجتمعوا في ساباط . وعلِم المستوردُ أن مَعقل بن قيس على ثلاثة فراسخ في قرية ديلمايا , وأن حرَّ أصحابه وحماتَه وفرسَانَه مع أبي الرّواغ , فخرج المستورد بأصحابه حتى انتهى بهم إلى جسر ساباط , وقال لهم : اقطعوا هذا الجسر , فنزلوا فقطعوه , فقرب أصحاب أبي الرّواغ من الجسر فوجدوه مقطوعا , فعلِم أبوالرّواغ أنهم قطعوا الجسر ليشغلوهم حتى يأتوا أميرَهم مَعقل بن قيس على غُرَّة , فصاحوا بأهل القرية , فجاءوا سراعا , وعجَّلوا عَقد الجسر , فما لبثوا أن فرغوا منه ثم عبَروا عليه مسرعين لا يلوون على شيء .
وسار المستورد وأصحابه ـ وقد أخذوا دليلا من أهل ساباط ـ يريدون مَعقل بن قيس في ديلمايا , فما كان إلا ساعة حتى بصر بهم مَعقل وقد تفرّق عنه أصحابُه , ومقدِّمته ليست عنده , فنصَبَ مَعقل رايتَه ونزل ونادى : يا عبادَ الله , الأرضَ الأرضَ ! فنزل معه نحوٌ من مائتي رجل , فأخذ الخوارجُ يحملون عليهم بأطراف الرِّماح وهم جثاة على الرّكب لا يقدرون عليهم ثم حملوا عليهم مرة أخرى فلم يَتَحَلْحَلُوا ووطَّنوا أنفسَهم على المناضلة والمجادلة والملازمة , فنزل نصفُ الخوارج إليهم وبقي النصفُ على الخيل , ومَعقل وأصحابُه جثاة على الرّكب على الحالة التي كانوا عليها , فقَاتَلَتْهُم رجّالتُهم , وحَملَتْ عليهم خيلهم , وبينما هم كذلك طلعتْ عليهم مقدمةُ أصحابِ أبي الرّواغ , وهم حرّ أصحابه وفرسانهم , فلمّا دنوا منهم حملوا عليهم حملة صادقة فنزل المستوردُ وصاح بأصحابه : يا معشر الشُّراة , الأرضَ الأرضَ , فإنها والله الجنة ! والذي لا إله غيره لمن قُتل صادق النيّة في جهاده هؤلاء الظلمة وجلاحهم , فتنازلوا من عند آخرهم , ونزل أصحاب أبي الرّواغ من عند آخرهم , فمضوا إلى الخوارج منصلتين بالسيوف , فاضطربوا بها طويلا من النهار كأشدّ قتال اقتتله الناسُ قطّ , غير أن المستورد دعا مَعقلا فقال : يا مَعقل , ابرُز لي , فخرج إليه معقل , فقلنا له : نَنشُدُك أنْ تخرج إلى هذا الكلب الذي قد آيسه الله من نفسه ! قال : لا والله لا يدعوني رجل إلى مبارزة أبداً فأكونَ أنا النّاكل , فمشى إليه بالسيف , وخرج الآخَر إليه بالرمح , فناديناه أنْ ألْقِه برمحٍ مثل رمحه , فأبى , وأقبل عليه المستورد فطعنه حتى خرج سنان الرمح من ظهره , وضربه مَعقل بالسيف حتى خالطَ سيفُه أمَّ الدّماغ , فوقع ميِّتا , وقُتل مَعقل رحمه الله . ثم شدّوا على بقية أصحاب المستورد فحسُّوهم بالسيوف فقتلوهم جميعا فتشتّتْ كلمتًُهم وأُبْسِلواـ بخطاياهم إلا رجلا كان أحدَثهم سنّا وهو عبدالله بن عقبة الغنويّ ـ
الحاشية : يقول عبدالله بن عقبة في قصة فراره من جيش أبي الرّواغ : انتهيت إلى فرس واقف عليه سَرْجُه ولجامه ,وما أدري قصّة صاحبه أقُتِل أم نزَل عنه صاحبُه يقاتل وتركه ! قال : فأقبلتُ حتى أخذتُ بلجامه ,وأضع رجلي في الرّكاب وأستوي عليه . قال : وشدّ والله أصحابُه عليّ , فانتَهوا إليّ , وغمزتُ في جنب الفرس , فإذا هو والله أجودَ ما سُخِّر , وركَض منهم ناس في أثَري فلم يعلَقُوا بي , فأقبلتُ أركُض الفرس , وذلك عند المساء , فلما علمتُ أني قد فتُّهم وأمنت , أخذت أسيرُ عليه خَبَباً وتقريبا ـ الحاشية : الخبب والتقريب : ضربان من العدو ـ . ثم إني سرتُ عليه بذلك من سيره , ولقِيتُ عِلْجاً فقلت له : اسعَ بين يدي حتى تُخرجني الطريق الأعظم , طريقَ الكوفة , ففعل , فوالله ما كانت إلا ساعة حتى انتهيت إلى كُوثَى , فجئتُ حتى انتهيت إلى مكان من النهر واسع عريض , فأقحمتُ الفرسَ فيه , فعَبرتُه , ثم أقبلتُ عليه حتى أتى ديرَ كعب , فنزلتُ فعقلتُ فرسي وأرحتُه وهوَّمتُ تهويمة , ثم إني هببتُ سريعا , فحُلْتُ في ظهر الفرس , ثم سرتُ في قِِطْعٍ من الليل فاتّخذتُ بقية الليل جَمَلاً , فصلّيتُ الغداةَ بالمزاِحميّة على رأس فرسخين من قُبِّين , ثم أقبلتُ حتى أدخلَ الكوفة حين متَع الضحى ـ الحاشية : متع الضحى : أي كان في أوله ـ فآتي من ساعتي شريك بن نملة الحارثيّ , فأخبرته خبري وخبرَ أصحابه , وسألتُه أنْ يلقَى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فيأخذَ لي منه أمانا , فقال لي : قد أصبتَ الأمان إن شاء الله . فخرج شريك حتى أتى المغيرة مسرعا فاستأذن عليه , فأذن له , فقال : إن عندي بشرى , ولي حاجة , فاقض حاجتي حتى أبشِّرك ببشارتي , فقال له : قُضِيتْ حاجتُك , فهاتِ بُشْراك , قال : تُؤَّمن عبدَالله بن عقبة الغنويّ , فإنه كان مع القوم , قال : قد آمنته , والله لوددتُ أنك أتيتني بهم كلهم فآمنتُهم . قال : فأبْشِر , فإنّ القوم كلهم قد قُتلوا , كان صاحبي مع القوم , ولم ينجُ منهم فيما حدّثني غيره .
اهـ والحمد لله رب العالمين
وكان يرى رأي الخوارج ثم رجع عنه ـ : .........
كنت فيمن خرج مع المُستورد بن عُلّفة , وكنتُ أحدَثَ رجل فيهم , فأقَمْنا بِبَهُرسير , فدعاني المُستورد بنُ عُلّفة وقال : ..
أتكتُب يا ابن أخي ؟
قلت : نعم , ,
فدعا لي برَقٍّ ودَواة ,وقال : اكتب : ..
من عبدالله المستورد أمير المؤمنين إلى سِماك بنِ عبيد ـ وكان عاملا للمغيرة بن شعبة على المدائن ـ , أما بعد ,
فقد نَقِمنا على قومنا الجَوْرَ في الأحكام , وتعطيلَ الحدود , والاستئثارَ بالفيء , وإنّا ندعوك إلى كتاب الله عزوجل وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم ,وولاية أبي بكر وعمرَ رضوان الله عليهما ,,,
والبراءة من عثمان وعلي ,لإحداثِهما في الدين , وتركِهما حكمَ الكتاب , فإنْ تقبَلْ فقد أدركتَ رُشدك , وإلاّ تَقْبَل فقد بالَغْنا في الإعذار إليك , وقد آذنّاك بحرب , فنبَذْنا إليك على سواء , إنّ الله لا يحب الخائنين .
قال : فقال المستورد : انطلق إلى سِماك بهذا الكتاب فادفعْه إليه , واحفظ ما يقول لك , والقَنِي .
قال عبدالله بن عُقْبة الغَنَويّ : وكنتُ فتىً حدَثاً حين أدركت , لم أجرّب الأمور , ولا عِلمَ لي بكثير منها , فقلت : ..
أصلحك الله !
لو أمرتَني أنْ أسْتعرضَ دجلة فألْقِي نفسي فيها ما عصيتُك , ولكن تأمن عليّ سِماكاً أن يتعلق بي , فيَحبِسني عنك , فإذا أنا قد فاتني ما أترجّاه من الجهاد!
فتبسّم المُستورد بن عُلّفة وقال : ...
يا ابن أخي , إنما أنت رسول , والرسول لا يُعرض له , ولو خشيتُ ذلك عليك لمْ أبْعَثْك , وما أنتَ على نفسك بأشفَق مني عليك .
قال عبدالله بن عُقْبة الغَنَويّ : ... فخرجتُ حتى عَبَرتُ إليهم في مَعْبَر , فأتيتُ سِماك بن عبيد , وإذا الناس حوله كثير .
قال عبدالله بن عُقْبة الغَنَويّ : فلمّا أقبلتُ نحوَهم أبَدُّوني أبصارَهم , فلما دنوتُ منهم ابتدرني نحوٌ من عشرة , وظننتُ والله أنّ القوم يريدون أخذي , وأنّ الأمر عندهم ليس كما ذكر لي صاحبي ( المستورد ) , فانتَضَيْتُ سيفي , وقلت : ..
كلا , والذي نفسي بيده , لا تَصلون إلي حتى أعذِر الله فيكم ,
قالوا لي : يا عبدَالله , مَن أنت ؟
قلت : أنا رسولُ أمير المؤمنين المستورِد بن عُلّفة ,
قالوا : فلِمَ انتَضَيْتَ سيفَك ؟
قلت : لابتِداركم إليّ , فخفتًُ أنْ تُوثقوني وتَغدِروا بي .
قالوا : فأنت آمن , وإنما أتيناك لنقوم إلى جنْبك , ونُمسِك بقائم سيفك , وننظرَ ما جئتَ له , وما تسأل ,
قال : فقلت لهم : ألستُ آمنا حتى تردُّوني إلى أصحابي ؟
قالوا : بلى , فشِمْتُ سيفي , ثم أتيت حتى قمت على رأس سِمالك بن عبيد وأصحابُه قد ائتشَبُوا بي , فمنهم مُمسك بقائم سيفي , ومنهم مُمسكٌ بعَضُدي , فدفعتُ إليه كتابَ صاحبي , فلما قرأه رفع رأسَه إلي فقال : ...
ما كان المستورد عندي خليقاً لِما كنت أرى من إخْباته وتواضعه أنْ يخرج على المسلمين بسيفه , يَعْرض عليَّ المستوردُ البراءة من عليّ وعثمان , ويدعوني إلى ولايته ! فبئس والله الشيخ أنا إذاً !
قال : ثم نظر إلي سِمالك بن عبيد فقال : يا بُنيّ , اذهبْ إلى صاحبك فقل له : اتّق الله وارجع إلى رأيك ,وادخُل في جماعة المسلمين , فإنْ أردتَ أن أكتبَ لك في طلب الأمان إلى المغيرة فعلت , فإنك ستجده سريعا إلى الإصلاح , محبًّا للعافية .
قال : قلت له ـ وإن لي فيهم يومئذ بصيرة ـ : هيهات ! إنما طلبنا بهذا الأمر الذي أخافنا فيكم في عاجل الدنيا الأمن عند الله يوم القيامة ,
فقال لي : بؤساً لك !
كيف أرحمُك !
ثم قال لأصحابه : إنهم خَلَوْا بهذا . ثم جعلوا يقرءون القرآن ويتخَضّعُون ويتباكون , فظنّ بهذا أنهم على شيء من الحق , إنْ هم إلا كالأنعام , بل هم أضلّ سبيلا , والله ما رأيتُ قوما كانوا أظهرَ ضلالة ,ولا أبينَ شؤما , من هؤلاء الذين تَرون !.
قلت ( عبدالله بن عُقْبة الغَنَويّ ) : يا هذا إنني لم آتك لأشاتمك ولا أسمع حديثَك وحديث أصحابك , حدِّثني , أنتَ تجيبُني إلى ما في هذا الكتاب أم لا تفعل فأرجع إلى أصحابي ؟
فنظر إليّ ثم قال لأصحابه : ألا تعجبون إلى هذا الصبيّ !
والله إني لأراني أكبر من أبيه ,وهو يقول لي : أتجيبني إلى ما في هذا الكتاب ! انطلق يا بنيّ إلى صاحبك , إنما تندَم لو قد اكتنفتْكُم الخيلُ , وأشرعت في صدوركم الرماح , هناك تَمنَّى لو كنتَ في بيت أمك !
قال : فانصرفتُ من عنده فعبَرتُ إلى أصحابي , فلما دنوتُ من صاحبي ( المُستورد بن عُلّفة ) قال : ..
ما ردّ عليك ؟
قلت : ما ردّ خيرا , قلت له : كذا وقال لي : كذا , فقصصتُ عليه القصة ,
قال : فقال المستورد { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تُنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم }
فمكثوا بمكانهم ذاك يومين أو ثلاثة أيام , ثم استبان لهم مسير مَعقل بن قيس , فجمعهم المستورد وطلب منهم أن يشيروا عليه برأي , فقال بعضهم : والله ما خرجنا نريد إلا الله , وجهاد من عادى الله , وقالت طائفة أخرى : بل نَعْتَزلْ ونَتَنَحّى , ندعو الناسَ ونحتجّ عليهم بالدعاء .
فقال : يا معشر المسلمين , إني والله ما خرجت ألتمس الدنيا ولا ذكرَها ولا فخرَها ولا للبقاء , وما أحبّ أنها لي بحذافيرها , وأضعاف ما يُتنافَس فيه منها بِقَبَالِ نعلي ! ...
وما خرجتُ إلا التماس الشهادة , وأن يهديني اللهُ إلى الكرامة بِهَوان بعض أهل الضلالة , وإني قد نظرتُ فيما استشرتُكم فيه فرأيت ألا أقيمَ لهم حتى يُقْدِمُوا عليّ وهم جامُّون متوافرون , ولكنْ رأيتُ أنْ أسيرَ حتى أمعِن , فإنهم إذا بلغهم ذلك خرجوا في طَلَبِنا , فتقطّعوا وتبدّدوا ,فعَلى تلك الحال ينبغي لنا قتالهم , فاخرجوا بنا على اسم الله عزوجل .
فخرجوا فمضوا فعبروا دجلة حتى بلغوا المَذار , فبعث المغيرة إلى شريك بن الأعور الحارثي : أخرج إلى هذه المارقة فانتخب ثلاثة آلاف رجل من الناس , ثم اتْبعهم حتى تُخرجهم من أرض البصرة .
وأقبل جيش مَعقل بن قيس حتى دنوا من المدائن فاستقبلهم الناسُ فأخبروهم أنهم قد ارتحلوا , فشقّ ذلك عليهم وأيقنوا بالعناء وطول الطَلَب .
وبعد أن أقام مَعقل بن قيس بالمدائن ثلاثا جمع أصحابه فقال : إن هؤلاء المارقة الضلاّل إنما خرجوا فذهبوا على وجوههم إرادة أن تتعَجّلوا في آثارهم , فتقطّعُوا وتبدّدوا , ولا تلحقوا بهم إلا وقد تعبْتُم ونَصبْتُم , فخرج بهم من المدائن , فقدم بين يديه أبوالروّاغ الشاكريّ في ثلثمائة فارس , فاتْبع آثارهم , فخرج مَعقل في أثره , وأخذ أبوالرّواغ الشاكريّ يسأل عنهم , ويركب الوجه الذي أخذوا فيه , حتى عَبَروا جَرْجرايا في آثارهم , ثم سلك الوجه الذي أخذوا فيه , فاتّبعهم , فلم يزل ذلك دأبه حتى لحقهم بالمَذار مقيمين , فلما دنا منهم استشار أصحابه في لقائهم وقِتالهم قبل قدوم مَعقل عليه , وكان مَعقل أمره ألاّ يعجل إلى قتالهم حتى يأتيه , فقالوا له : تَنَحَّ بنا فلْنكن قريبا منهم حتى يقدُم علينا صاحبُنا , فتَنَحَّوا , فباتوا ليلتهم كلها متحارسين حتى أصبحوا , فلما ارتفع الضحى , خرج أصحاب المستورد وشدّوا عليهم وعدَّة كلّ طائفة ثلثمائة , وكشفوهم طويلا ولم يُصب منهم أحد, فقال أبو الرّواغ لأصحابه : إنْ حملوا عليكم فعجَزْتُم عن قتالهم فتأخّروا وانحازوا إلى حامية , فإذا رجعوا عنكم فاعطفوا عليهم , وكونوا قريبا منهم , فإن الجيش آتيكم إلى ساعة .
فأخذتِ الخوارجُ كلّما حملتْ عليهم انحازوا , وإذا رجعوا أخذ أصحاب أبي الرّواغ على خيلهم في آثارهم , فلمّا رأوا أنهم لا يفارقونهم وحضرتْ صلاةُ الظهر نزل المستوردُ للصلاة , واعتزل أبوالرّواغ وأصحابه على رأس ميل منهم أو ميلين فصلوا الظهر , وأقاموا مكانهم حتى صلوا العصر . ثم إن فتىً جاءهم بكتاب مَعقل بن قيس إلى أبي الرّواغ بقدومه عليه عاجلا , وكان أهل القرى وعابرو السبيل يمرّون عليهم ويرونهم يقتتلون , فمن مضى منهم على الطريق نحو الوجه الذي يأتي مِن قِبَلِه مَعقل إستقبل معقلا فأخبره بالتقاء أصحابه والخوارج وكيف يصنعون.
فلمّا رأى أبوالرّواغ الشاكريّ غَبَرة خيل مَعقل بن قيس وقف مقابل المستورد وأصحابه , فلما دنا منهم غربتِ الشمسُ , فنزل أبوالرّواغ فصلى بأصحابه , ونزل الخوارج في جانب آخر وصلوا أيضا . فقدم على أبي الرّواغ مَعقل في نحو سبعمائة من أهل القوة والشجاعة وأهل الخيل الجياد فغشيهم المستورد وأصحابه فاستقبلهم أصحاب أبي الرّواغ بالرّماح والسيوف , ثم شّدوا عليهم ومَعقل يُضاربهم في نفر من أهل الصبر , فقاتلوا طويلا وصبروا لهم , وتَدَاعَوا عليهم من كل جانب حتى اضطَرُّوهم إلى البيوت .
فنزل الخوارج في القرية وأراحوا ساعة ثم استووا على متون دوابّهم وخرجوا ليلا إلى الطريق الذي أقبَلوا منه عودَهم على بدئهم , فَفَطِن أحدُ أصحاب أبي الرّواغ لذَهابهم فأخبره , فخرج أبوالرّواغ في ثلثمائة وزاده مَعقل ثلثمائة من أصحابه , وأقبَل سِراعا في أثرهم حتى لحقهم بِجَرْجَرَايا وقد نزلوا , فنزل بهم عند طلوع الشمس , فلمّا نظروا فإذا هم بأبي الرّواغ وأصحابه فقاتلهم مَعقل طويلا وشدّوا عليهم وصَدَقوا فيها الحملة , فهرب المستوردُ وأصحابُه حتى قطعوا دجلةَ , فوقعوا في أرض بَهُرسير , وأبو الرّواغ ومِن خلفه مَعقل في آثارهم , ومضى المستوردُ نحو المدينة العتيقة , فبلغ ذلك سِماك بن عبيد فخرج بأصحابه وبأهل المدائن , فصفّ على بابها وأجلسَ رجالاً رماةً على السُّور , فمنَعَهم من دخولها , فانصرف المستوردُ حتى نزل ساباط , وأبوالرّواغ في طلبه حتى اجتمعوا في ساباط . وعلِم المستوردُ أن مَعقل بن قيس على ثلاثة فراسخ في قرية ديلمايا , وأن حرَّ أصحابه وحماتَه وفرسَانَه مع أبي الرّواغ , فخرج المستورد بأصحابه حتى انتهى بهم إلى جسر ساباط , وقال لهم : اقطعوا هذا الجسر , فنزلوا فقطعوه , فقرب أصحاب أبي الرّواغ من الجسر فوجدوه مقطوعا , فعلِم أبوالرّواغ أنهم قطعوا الجسر ليشغلوهم حتى يأتوا أميرَهم مَعقل بن قيس على غُرَّة , فصاحوا بأهل القرية , فجاءوا سراعا , وعجَّلوا عَقد الجسر , فما لبثوا أن فرغوا منه ثم عبَروا عليه مسرعين لا يلوون على شيء .
وسار المستورد وأصحابه ـ وقد أخذوا دليلا من أهل ساباط ـ يريدون مَعقل بن قيس في ديلمايا , فما كان إلا ساعة حتى بصر بهم مَعقل وقد تفرّق عنه أصحابُه , ومقدِّمته ليست عنده , فنصَبَ مَعقل رايتَه ونزل ونادى : يا عبادَ الله , الأرضَ الأرضَ ! فنزل معه نحوٌ من مائتي رجل , فأخذ الخوارجُ يحملون عليهم بأطراف الرِّماح وهم جثاة على الرّكب لا يقدرون عليهم ثم حملوا عليهم مرة أخرى فلم يَتَحَلْحَلُوا ووطَّنوا أنفسَهم على المناضلة والمجادلة والملازمة , فنزل نصفُ الخوارج إليهم وبقي النصفُ على الخيل , ومَعقل وأصحابُه جثاة على الرّكب على الحالة التي كانوا عليها , فقَاتَلَتْهُم رجّالتُهم , وحَملَتْ عليهم خيلهم , وبينما هم كذلك طلعتْ عليهم مقدمةُ أصحابِ أبي الرّواغ , وهم حرّ أصحابه وفرسانهم , فلمّا دنوا منهم حملوا عليهم حملة صادقة فنزل المستوردُ وصاح بأصحابه : يا معشر الشُّراة , الأرضَ الأرضَ , فإنها والله الجنة ! والذي لا إله غيره لمن قُتل صادق النيّة في جهاده هؤلاء الظلمة وجلاحهم , فتنازلوا من عند آخرهم , ونزل أصحاب أبي الرّواغ من عند آخرهم , فمضوا إلى الخوارج منصلتين بالسيوف , فاضطربوا بها طويلا من النهار كأشدّ قتال اقتتله الناسُ قطّ , غير أن المستورد دعا مَعقلا فقال : يا مَعقل , ابرُز لي , فخرج إليه معقل , فقلنا له : نَنشُدُك أنْ تخرج إلى هذا الكلب الذي قد آيسه الله من نفسه ! قال : لا والله لا يدعوني رجل إلى مبارزة أبداً فأكونَ أنا النّاكل , فمشى إليه بالسيف , وخرج الآخَر إليه بالرمح , فناديناه أنْ ألْقِه برمحٍ مثل رمحه , فأبى , وأقبل عليه المستورد فطعنه حتى خرج سنان الرمح من ظهره , وضربه مَعقل بالسيف حتى خالطَ سيفُه أمَّ الدّماغ , فوقع ميِّتا , وقُتل مَعقل رحمه الله . ثم شدّوا على بقية أصحاب المستورد فحسُّوهم بالسيوف فقتلوهم جميعا فتشتّتْ كلمتًُهم وأُبْسِلواـ بخطاياهم إلا رجلا كان أحدَثهم سنّا وهو عبدالله بن عقبة الغنويّ ـ
الحاشية : يقول عبدالله بن عقبة في قصة فراره من جيش أبي الرّواغ : انتهيت إلى فرس واقف عليه سَرْجُه ولجامه ,وما أدري قصّة صاحبه أقُتِل أم نزَل عنه صاحبُه يقاتل وتركه ! قال : فأقبلتُ حتى أخذتُ بلجامه ,وأضع رجلي في الرّكاب وأستوي عليه . قال : وشدّ والله أصحابُه عليّ , فانتَهوا إليّ , وغمزتُ في جنب الفرس , فإذا هو والله أجودَ ما سُخِّر , وركَض منهم ناس في أثَري فلم يعلَقُوا بي , فأقبلتُ أركُض الفرس , وذلك عند المساء , فلما علمتُ أني قد فتُّهم وأمنت , أخذت أسيرُ عليه خَبَباً وتقريبا ـ الحاشية : الخبب والتقريب : ضربان من العدو ـ . ثم إني سرتُ عليه بذلك من سيره , ولقِيتُ عِلْجاً فقلت له : اسعَ بين يدي حتى تُخرجني الطريق الأعظم , طريقَ الكوفة , ففعل , فوالله ما كانت إلا ساعة حتى انتهيت إلى كُوثَى , فجئتُ حتى انتهيت إلى مكان من النهر واسع عريض , فأقحمتُ الفرسَ فيه , فعَبرتُه , ثم أقبلتُ عليه حتى أتى ديرَ كعب , فنزلتُ فعقلتُ فرسي وأرحتُه وهوَّمتُ تهويمة , ثم إني هببتُ سريعا , فحُلْتُ في ظهر الفرس , ثم سرتُ في قِِطْعٍ من الليل فاتّخذتُ بقية الليل جَمَلاً , فصلّيتُ الغداةَ بالمزاِحميّة على رأس فرسخين من قُبِّين , ثم أقبلتُ حتى أدخلَ الكوفة حين متَع الضحى ـ الحاشية : متع الضحى : أي كان في أوله ـ فآتي من ساعتي شريك بن نملة الحارثيّ , فأخبرته خبري وخبرَ أصحابه , وسألتُه أنْ يلقَى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فيأخذَ لي منه أمانا , فقال لي : قد أصبتَ الأمان إن شاء الله . فخرج شريك حتى أتى المغيرة مسرعا فاستأذن عليه , فأذن له , فقال : إن عندي بشرى , ولي حاجة , فاقض حاجتي حتى أبشِّرك ببشارتي , فقال له : قُضِيتْ حاجتُك , فهاتِ بُشْراك , قال : تُؤَّمن عبدَالله بن عقبة الغنويّ , فإنه كان مع القوم , قال : قد آمنته , والله لوددتُ أنك أتيتني بهم كلهم فآمنتُهم . قال : فأبْشِر , فإنّ القوم كلهم قد قُتلوا , كان صاحبي مع القوم , ولم ينجُ منهم فيما حدّثني غيره .
اهـ والحمد لله رب العالمين