المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخوف من الشرك/شيخ الإسلام الإمام محمد عبدالوهاب رحمه الله


كيف حالك ؟

قاسم علي
03-29-2006, 06:45 PM
قول الشيخ الإسلام محمد ابن عبدالوهاب رحمه الله
{ الخوف من الشرك}
وقول الله عز وجل إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" قال ابن كثير : أخبر تعالى أنه (لا يغفر أن يشرك به) أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) أي من الذنوب لمن يشاء من عباده . انتهى .
فتبين بهذه الآية أن الشرك أعظم الذنوب ، لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره لمن لم يتب منه ، وما دونه من الذنوب فهو داخل تحت المشيئة إن شاء غفره لمن لقيه به ، وإن شاء عذبه به ، وذلك يوجب للعبد شدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه عند الله ، لأنه أقبح القبيح وأظلم الظلم ، وتنقص لرب العالمين ، وصرف خالص حقه لغيره وعدل غيره به ، كما قال تعالى : '6 : 1' "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" ولأنه مناقض للمقصود بالخلق والأمر مناف له من كل وجه ، وذلك غاية المعاندة لرب العالمين ، والاستكبار عن طاعته ، والذل له ، والانقياد لأوامره الذي لا صلاح للعالم إلا بذلك ، فمتى خلا منه خرب وقامت القيامة ، كما "قال صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض الله الله "رواه مسلم . ولأن الشرك تشبيه للمخلوق بالخالق تعالى ومشاركة فى خصائص الإلهية : من ملك الضر والنفع ، والعطاء والمنع ، الذى يوجب تعلق الدعاء والخوف والرجاء ، والتوكل وأنواع العبادة كلها بالله وحده ، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق وجعل من لا يملك لنفسه ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، شبيهاً بمن له الحمد كله ، وله الخلق كله ، وله الملك كله ، وإليه يرجع الأمر كله ، وبيده الخير كله ، فأزمة الأمور كلها بيده سبحانه ومرجعها إليه ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ، الذي إذا فتح للناس رحمة فلا ممسك لها ، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم . فأقبح التشبيه تشبيه العاجز الفقير بالذات : بالقادر الغني بالذات . ومن خصائص الإلهية : الكمال المطلق من جميع الوجوه ، الذى لا نقص فيه بوجه من الوجوه . وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده ، والتعظيم والإجلال ، والخشية والدعاء ، والرجاء والإنابة والتوكل والتوبة والاستعانة ، وغاية الحب مع غاية الذل : كل ذلك يجب عقلاً وشرعاً وفطرة أن يكون لله وحده ، ويمتنع عقلاً وشرعاً وفطرة أن يكون لغيره . فمن فعل شيئاً من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له ولا مثيل له ، ولا ند له ، وذلك أقبح التشبيه وأبطله. فلهذه الأمور وغيرها أخبر سبحانه وتعالى أنه لا يغفره، مع أنه كتب على نفسه الرحمة . هذا معنى كلام ابن القيم رحمه الله .
وفى الاية رد على الخوارج المكفرين بالذنوب . وعلى المعتزلة القائلين بأن أصحاب الكبائر يخلدون فى النار ، وليسوا عندهم بمؤمنين ولا كفار .
ولا يجوز أن يحمل قوله : "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" على التائب ، فإن التائب من الشرك مغفور له كما قال تعالى :
'39 : 53' " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا " فهنا عمم وأطلق ، لأن المراد به التائب ، وهناك خص وعلق ، لأن المراد به من لم يتب . هذا ملخص قول شيخ الإسلام .
واجنبني وبني أن نعبد الأصنام
قوله : (وقال الخليل عليه السلام) '14 : 35' "واجنبني وبني أن نعبد الأصنام" الصنم ما كان منحوتاً على صورة ، والوثن ما كان موضوعاً على غير ذلك . ذكره الطبري عن مجاهد .
قلت : وقد يسمى الصنم وثناً كما قال الخليل عليه السلام '29 : 17' " إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا " الآية ويقال : إن الوثن أعم ، وهو قوى ، فالأصنام أوثان ، كما أن القبور أوثان .
قوله : "واجنبني وبني أن نعبد الأصنام" أي اجعلني وبني فى جانب عن عبادة الأصنام ، وباعد بيننا وبينها . وقد استجاب الله تعالى دعاءه ، وجعل بنيه أنبياء ، وجنبهم عبادة الأصنام . وقد بين ما يوجب الخوف من ذلك بقوله : "رب إنهن أضللن كثيراً من الناس" فإنه هو الواقع فى كل زمان . فإذا عرف الإنسان أن كثيراً وقعوا فى الشرك الأكبر وضلوا بعبادة الأصنام : أوجب ذلك خوفه من أن يقع فيما وقع فيه الكثير من الشرك الذي لا يغفره الله .
قال إبراهيم التيمي : من يأمن البلاء بعد إبراهيم ؟ رواه إبن جرير وابن أبي حاتم .
فلا يأمن الوقوع فى الشرك إلا من هو جاهل به وبما يخلصه منه: من العلم بالله وبما بعث به رسوله من توحيده ، والنهي عن الشرك به .
خوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من الشرك
قال المصنف : (وفى الحديث : "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، فسئل عنه فقال : الرياء") أورد المصنف هذا الحديث مختصراً غير معزو . وقد رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي ، وهذا لفظ أحمد : حدثنا يونس حدثنا ليث عن يزيد - يعنى ابن الهاد - عن عمرو عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر . قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : الرياء . يقول الله تعالى يوم القيامة ، إذا جازى الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءوا فى الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء " .
قال المنذري : ومحمود بن لبيد رأى النبى صلى الله عليه وسلم ولم يصح له منه سماع فيما أرى . وذكر ابن أبى حاتم أن البخارى قال : له صحبة ، ورجحه ابن عبد البر والحافظ . وقد رواه الطبرانى بأسانيد جيدة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج. مات محمود سنة ست وتسعين . وقيل سنة سبع وتسعين وله تسع وتسعون سنة .
قول : (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر) هذا من شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته ورحمته ورأفته بهم ، فلا خير إلا دلهم عليهم وأمرهم به ، ولا شر إلا بينه لهم وأخبرهم به ونهاهم عنه ، كما قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه : " ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم . . . " الحديث ، فإذا كان الشرك الأصغر مخوفاً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كمال علمهم وقوة إيمانهم ، فكيف لا يخافه وما فوقه من هو دونهم فى العلم والإيمان بمراتب ؟ خصوصاً إذا عرف أن أكثر علماء الأمصار اليوم لا يعرفون من التوحيد إلا ما أقر به المشركون ، وما عرفوا معنى الإلهية التى نفتها كلمة الإخلاص عن كل ما سوى الله .
وأخرج أبو يعلى وابن المنذر عن حذيفة بن اليمان عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الشرك أخفى من دبيب النمل . قال أبو بكر : يا رسول الله ، وهل الشرك إلا ما عبد من دون الله أو ما دعى مع الله ؟ قال : ثكلتك أمك ، الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل" الحديث . وفيه : أن تقول أعطاني الله وفلان ، والند أن يقول الإنسان : لولا فلان قتلنى فلان ا هـ . من الدر .
قال المصنف : (وعن ابن مسعود رضى الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار" رواه البخارى) .
قال ابن القيم رحمه الله : الند الشبيه ، يقال : فلان ند فلان ، وند يده ، أى مثله وشبيهه ا هـ . قال تعالى : '2 : 22' "فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون" .
قوله : (من مات وهو يدعو لله نداً) أي يجعل لله نداً فى العبادة يدعوه ويسأله ويستغيث به دخل النار . قال العلامة ابن القيم رحمه الله :
والشرك فاحذره ، فشرك ظاهر ذا القسم يقابل الغفران
وهو اتخاذ الند للرحمن أياً كان من حجر ومن إنسان
يدعوه أو يرجوه ثم يخافه ويحبه كمحبة الديان
واعلم أن اتخاذ الند على قسمين :
الأول : أن يجعله لله شريكاً فى أنواع العبادة أو بعضها كما تقدم ، وهو شرك أكبر .
والثانى : ما كان من نوع الشرك الأصغر كقول الرجل : ما شاء الله وشئت ، ولولا الله وأنت . وكيسير الرياء ، فقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قال له رجل: "ما شاء الله وشئت ، قال : أجعلتنى لله نداً ؟ بل ما شاء الله وحده" رواه أحمد وابن أبي شيبة والبخارى في الأدب المفرد والنسائي وابن ماجه . وقد تقدم حكمه فى باب فضل التوحيد .
وفيه : بيان أن دعوة غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك جلي ، كطلب الشفاعة من الأموات ، فإنها ملك لله تعالى وبيده ، ليس بيد غيره منها شئ ، وهو الذي يأذن للشفيع أن يشفع فيمن لاقى لله بالإخلاص والتوحيد من أهل الكبائر ، كما يأتي تقريره فى باب الشفاعة إن شاء الله تعالى .
قال المصنف رحمه الله تعالى : (ولمسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة . ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار" ) .
جابر : هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام - بمهملتين - الأنصاري ثم السلمي - بفتحتين - صحابي جليل هو وأبوه ، ولأبيه مناقب مشهورة رضى الله عنهما مات بالمدينة بعد السبعين ، وقد كف بصره ، وله أربع وتسعون سنة .
قوله : (من لقي الله لا يشرك به شيئاً) قال القرطبي : أى لم يتخذ معه شريكاً فى الإلهية ، ولا فى الخلق ، ولا فى العبادة ، ومن المعلوم من الشرع المجمع عليه عند أهل السنة : أن من مات على ذلك فلا بد له من دخول الجنة ، وإن جرت عليه قبل ذلك أنواع من العذاب والمحنة . وأن من مات على الشرك لا يدخل الجنة ولا يناله من الله رحمة ، ويخلد فى النار أبد الآباد ، من غير انقطاع عذاب ولا تصرم آماد .
وقال النووي : أما دخول المشرك النار فهو على عمومه ، فيدخلها ويخلد فيها، ولا فرق فيه بين الكتابي اليهودي والنصراني، وبين عبدة الأوثان وسائر الكفرة ، ولا فرق عند أهل الحق بين الكافر عناداً وغيره ، ولا بين من خالف ملة الإسلام وبين من انتسب إليها ثم حكم بكفره بجحده وغير ذلك . وأما دخول من مات غير مشرك الجنة فهو مقطوع له به . لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصراً عليها دخل الجنة أولا ، وإن كان صاحب كبيرة مات مصراً عليها فهو تحت المشيئة . فإن عفا الله عنه دخل الجنة أولاً ، وإلا عذب فى النار ثم أخرج من النار وأدخل الجنة .
وقال غيره : اقتصر على نفي الشرك لاستدعائه التوحيد بالاقتضاء واستدعائه إثبات الرسالة باللزوم . إذ من كذب رسل الله فقد كذب الله ، ومن كذب الله فهو مشرك ، وهو كقولك : من توضأ صحت صلاته . أي مع سائر الشروط ، فالمراد : من مات حال كونه مؤمناً بجميع ما يجب الإيمان به إجمالاً فى الإجمالي وتفصيلاً فى التفصيلي . انتهى .
منقول من كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ العلامة عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله

12d8c7a34f47c2e9d3==