المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فتاوي في {{القرض }}لأئمة الدعوة السلفية في المملكة العربية السعودية


كيف حالك ؟

قاسم علي
03-24-2006, 09:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
سئل الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن عبدالوهاب: عن حديث القرض الذي يقال إنه بثمانية عشر ضعفا، صحيح أم لا؟
فأجاب: حديث القرض لا يصححه الحفاظ.
سئل الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: إذا كسدت السكة بتحريم السلطان لها أو بغيره، أو رخصت... إلخ ؟
فأجاب: قد بسط القول في هذه المسألة ناظم المفردات وشارحها، فنتحفك بنقل كلامهما ملخصا، قال الناظم:
والنقـد فـي المبيع حيث عينا
وبعـد ذا كساده تـبــيـنـا
نحـو الفـلوس ثـم لا يعامـل
بها فـمـنـه عـنـدنا لا تقبل
بل قـيمـة الـفلوس يوم العقد
والقـرض أيضا هـكذا في الرد
أي: إذا وقع العقد بنقد معين، كدراهم مكسرة أو مغشوشة، أو بفلوس، ثم حرمها السلطان فمنع المعاملة بها قبل قبض البائع لها، لم يلزم البائع قبضها، بل له الطلب بقيمتها يوم العقد، وكذلك لو أقرضه نقدا أو فلوسا، فحرم
السلطان المعاملة بذلك، فرده المقترض لم يلزم المقرض قبوله، ولو كان باقيا بعينه لم يتغير، وله الطلب بقيمة ذلك يوم القرض، وتكون من غير جنس النقد، إن أفضى إلى ربا الفضل، فإذا كان دراهم أعطى عنها دنانير، وبالعكس لئلا يؤدي إلى الربا.

ومثلـه من رام عود الثمن
من رده المبيع خذ بالأحسن
قد ذكر الأصحاب ذا في ذي الصور
الصور والنص في القرض عيانا قد ظهر
مثل ما تقدم، أي: من اشترى معيبا ونحوه، بدراهم مكسرة أو مغشوشة أو فلوسا، وأقبضها للبائع فحرمها السلطان، ثم رد المشتري المبيع لعيب ونحوه، وكان الثمن باقيا فرده، لم يلزم المشتري قبوله منه لتعيبه عنده، والأصحاب ذكروا هذه الصور بالقياس على القرض، والنص عن الإمام، إنما ورد في القرض في الدراهم المكسرة، قال: يقومها كم تساوي يوم أخذها ثم يعطيه ; وقال مالك والليث والشافعي: ليس له إلا مثل ما أقرضه ; لأن ذلك ليس بعيب حدث بها، فهو كرخص سعرها، ولنا أن تحريمها منع نفاقها وأبطل ماليتها، فأشبه كسرها.

والنص بالقيمة في بطلانها
لا في ازدياد القدر أو نقصانها
بل إن غلت فالمثل فيها أحرى الصور
كدانق عشرين صار عشرا
يعني أن النص في رد القيمة، إنما ورد من الإمام فيما إذا أبطلها السلطان فمنع المعاملة بها، لا فيما إذا زادت قيمتها
أو نقصت، مع بقاء التعامل بها وعدم تحريم السلطان لها، فيرد مثلها سواء غلت أو رخصت أو كسدت، إلى أن قال:

وشيخ الإسلام فتى تيمية
قال قياس القرض عن جلية
الطرد في الديون كالصداق
وعوض في الخلع والإعتاق
والغصب والصلح عن القصاص العـقد
ونحــو ذا طرا بلا اختصـاص
أي قال شيخ الإسلام بحر العلوم: أبو العباس تقي الدين ابن تيمية رحمه الله، في شرح المحرر، قياس ذلك - أي القرض - فيما إذا كانت مكسرة أو فلوسا وحرمها السلطان، وقلنا يرد قيمتها في جميع الديون في بدل المتلف والمغصوب مطلقا، والصداق والفداء والصلح عن القصاص والكتابة انتهى. قال: وجاء في الدين نص حرره الأثرم إذ يحقق ; يعني قال ابن تيمية: إن الأصحاب إنما ذكروا النص عن أحمد في القرض، قال وكذلك المنصوص عن أحمد في سائر الديون، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل: عن رجل له على رجل دراهم مكسرة أو فلوس، فسقطت المكسرة، قال: يكون له بقيمتها من الذهب.

وقولـهم إن الكســـاد نقصا
فذاك نقص النوع عيب رخصا
قال ونقص النّوع ليس يعقل
فيما سوى القيمة ذا لا يجهــل
يعني في تعليل القاضي ومن تابعه والأصحاب، بوجوب رد قيمة الفلوس إذا كسدت، لمنع السلطان التعامل بها، بأن
الكساد يوجب النقصان وهو نوع عيب، معناه عيب النوع، إذ ليس المراد عيب الشيء المعين، فإنه ليس هو المستحق، وإنما المراد عيب النوع، والأنواع لا يعقل عيبها إلا نقصان قيمتها، هذا معنى كلام الشيخ تقي الدين في الاستدلال، لما ذكره المصنف عنه، في البيتين المذكورين، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى - إلى أن قال:
وخرج القيمة في المثلى
بنقص نوع ليس بالخفي
واختاره وقال عدل ماض
خوف انتظار السعر بالتقاضي
ثم نقل الشارح كلام الشيخ - إلى أن قال: إذا أقرضه أو غصبه طعاما فنقصت قيمته، فهو نقص النوع، فلا يجبر على أخذه ناقصا، فيرجع إلى القيمة، وهذا هو العدل، فإن المالين إنما يتماثلان إذا استوت قيمتهما، وأما مع اختلاف القيمة فلا تماثل، قال: ويخرج في جميع الديون من الثمن والصداق، والفداء والصلح عن القصاص، مثل ذلك كما في الأثمان، انتهى ملخصا ;
وكثير من الأصحاب تابعوا الشيخ تقي الدين في إلحاق سائر الديون بالقرض ; وأما رخص السعر، فكلام الشيخ صريح في أنه يوجب رد القيمة أيضا ; وهو أقوى، فإذا رفع إلينا مثل ذلك، وسطنا بالصلح بحسب الإمكان، هيبة الجزم بذلك.
وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين: إذا غلت الدراهم المتعامل بها، أو رخصت الخ ؟
فأجاب: قد ذكر الأصحاب رحمهم الله، أنه إذا وقع البيع بنقد معين، كدراهم مكسرة أو مغشوشة، أو فلوسا، ثم حرمها السلطان، فمنع المعاملة بها قبل قبض البائع لها، لم يلزم البائع قبضها، بل له الطلب بقيمتها يوم العقد، وكذا لو أقرضه نقدا أو فلوسا، فحرم السلطان المعاملة بذلك، فرده المقترض لم يلزم المقرض قبوله، ولو كان باقيا بعينه لم يتغير، وله الطلب بقيمة ذلك يوم القرض، وتكون من غير جنس النقد إن أفضى إلى ربا الفضل.
ووجه رد القيمة فيما ذكرنا: أما في مسألة البيع، فلأنها من ضمان المشتري حتى يقبضها البائع، وقد تعيبت بيد المشتري فلم يلزم البائع قبولها، وأما في مسألة القرض، فلأنها بقيت في ملك المقترض فلم يملك ردها، وإنما يملك القيمة والحالة هذه على المذهب، فيما إذا منع السلطان المعاملة بها خاصة، أما إذا زادت قيمتها أو نقصت مع بقاء التعامل بها، وعدم تحريم السلطان لها، فيرد مثلها سواء غلت أو رخصت أو كسدت، هذا حاصل المذهب في المسألة عند أكثر الأصحاب.
وقال شيخ الإسلام: تقي الدين رحمه الله: قياس القرض فيما تقدم جميع الديون، من بدل المتلف والمغصوب، والصداق والصلح عن القصاص، والكتابة ; قال: وكذا نص أحمد في جميع الديون، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل، له على رجل دراهم مكسرة، فسقطت المكسرة أو

فلوس، قال: يكون له عليه قيمتها من الذهب، انتهى.
وقال الشيخ أيضا: وقد نص في القرض على أن الدراهم المكسرة، إذا منع التعامل بها، فالواجب القيمة، فيخرج في سائر المتلفات كذلك في الغصب والقرض، فإنه معلوم أنه ليس المراد عيب الشيء المعين، فإنه ليس هو المستحق، وإنما المراد عيب النوع، والأنواع لا يعقل عيبها إلا نقصان قيمتها، فإذا أقرضه أو غصبه طعاما، فنقصت قيمته، فهو نقص النوع، فلا يجبر على أخذه ناقصا، فيرجع إلى القيمة، وهذا هو العدل، فإن المالين إنما يتماثلان إذا استوت قيمتهما، وأما مع اختلاف القيمة فلا تماثل، فعيب الدين إفلاس المدين، وعيب العين المعينة خروجها عن الكمال بالنقص، وأما الأنواع فلا عيب فيها بالحقيقة، وإنما نقصانها كعيبها، انتهى.
فالحاصل: أن الأصحاب إنما أوجبوا رد قيمة ما ذكرنا في القرض، والثمن المعين خاصة فيما إذا منع السلطان التعامل بها فقط، ولم يروا رد القيمة في غير القرض والثمن المعين، وكذا لم يوجبوا رد القيمة والحالة هذه فيما إذا كسدت بغير تحريم السلطان لها، ولا فيما إذا غلت أو رخصت ; وأما الشيخ تقي الدين فأوجب رد القيمة في القرض والثمن المعين، وكذلك سائر الديون فيما إذا كسدت مطلقا، وكذلك إذا نقصت القيمة فيما ذكروا في جميع المثليات، والله أعلم.
وسئل الشيخ: حسن بن حسين بن علي: عن رجل عنده لآخر جدد، حال كون صرف الريال خمسا من الجدد، فطالت المدة حتى بلغ مبلغا هل يحكم له بالقيمة حال الاستدانة، أو القرض... إلخ ؟
فأجاب: قال في شرح المفردات عند قول الناظم:

والنـص بالقيمة في بطلانها
لا في ازدياد القدر أو نقصانها
ما لفظه، أي: أن النص إنما ورد عن الإمام أحمد، فيما إذا أبطلها السلطان فمنع المعاملة بها، لا فيما إذا زادت قيمتها أو نقصت، مع بقاء التعامل بها، وعدم تحريم السلطان لها فيرد مثلها سواء غلت أو رخصت أو كسدت، وسواء كان الغلاء والرخص كثيرا، بأن كان عشرة بدانق، فصارت عشرين بدانق وعكسه أو قليلا، لأنه لم يحدث فيه شيء إنما تغير السعر، فأشبه الحنطة إذا رخصت أو غلت، قال:

والشيخ في زيــادة أو نقص
مثلا كقرض في الغلا والرخص
أي: وقال الشيخ الموفق، إذا زادت قيمة الفلوس أو نقصت رد مثلها، كما لو اقترض عرضا مثليا، كبر وشعير ونحاس وحديد، فإنه يرد مثله ولو غلا أو رخص ; لأن علو القيمة ونقصانها لا يسقط المثل عن ذمة المستقرض، فلا يوجب المطالبة بالقيمة، وهذا معنى ما تقدم، من أن نص الإمام بالقيمة إنما هو إذا أبطل السلطان المعاملة بها، لا في
زيادة القيمة أو نقصانها، انتهى ; وحكى فيه مذهب مالك والشافعي والليث القول بالمثل، ثم قال: ولنا أن تحريمها منع نفاقها، وأبطل ماليتها، فأشبه كسرها، انتهى.
وقال الشيخ: تقي الدين في شرح المحرر: إذا أقرضه أو غصبه طعاما، فنقصت قيمته فهو نقص النوع، فلا يجبر على أخذه ناقصا فيرجع إلى القيمة، وهذا هو العدل، فإن المالين إنما يتماثلان إذا استوت قيمتهما، وأما مع اختلاف القيمة فلا تماثل، فعيب الدين إفلاس المدين، وعيب العين المعينة خروجها عن المعتاد، انتهى، وكلام الشيخ هذا، هو الذي ذكره الناظم عنه تخريجا له واختيارا، فقد عرفت أنه تحصل في المسألة من حيث هي ثلاثة أقوال، التفريق بين ما إذا حرمها السلطان، فبطلت المعاملة بها بالكلية، ومثله إن تكسرت أو كسدت، فلا يتعامل بها فالقيمة، وبين ما إذا كان غايته الغلاء والرخص، مع بقاء المعاملة بحالها، فالمثلي والمثل مطلقا كما هو المنقول عن مالك والشافعي والليث، وثالثها: اختيار أبي العباس، وهو المعتمد لدينا في الفتوى.
تنبيه: في المثلي الذي اختار أبو العباس القيمة فيه أوجه، أصحها: أن المثلي ما حصره كيل أو وزن، وجاز السلم فيه، فإن وجد أحد الوصفين دون الآخر فليس بمثلي، وذكر معناه في الروض وغيره من كتب الأصحاب، وعلى هذا فالجدد ليست مثلية ; لأنه لا يجوز السلم فيها لعدم الانضباط، فإنها تختلف بالكبر والصغر، والثقل والخفة،
والطول والصفاء والخضرة، وقلة الفضة وكثرتها ; وأيضا ففيها فضة، ولا يجوز إسلام أحد النقدين في الآخر، لكن رأيته جزم في الإقناع بأن الدراهم المغشوشة مثلية، والجدد مثلها فيما يظهر لي، والله أعلم.
سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد رحمهما الله: هل يجوز طلب ما أقرض ؟
فأجاب: وأما قولك: هل يجوز للمقرض أن يطلب المقترض ما أقرضه، إذا أخر الرد وأبطأ عليه، فلا علمت به بأسا، وهذا الذي يقوله العوام: إنه لا يجوز طلبه، ما علمت له أصلا، والذي ذكره الفقهاء، وحكوا فيه القولين: إذا أقرضه إلى أجل معلوم، هل يجوز طلبه قبل الأجل ؟ فعند الحنابلة وكثير من الفقهاء، أن القرض لا يتأجل بالتأجيل، والقول الثاني: أنه يتأجل بالتأجيل، فلا يطلبه قبل حلول الأجل الذي أجله إليه.
وقال أيضا هو والشيخ حسين وإبراهيم، وعلي أبناء الشيخ: ومنها: أي المعاملات الربوية، ما يفعله بعض الناس إذا كان عنده تمر قد استغنى عنه، ورأى السعر رخيصا وأراد إبداله بتمر من الثمرة المقبلة، أقرضه لمن يعطيه بدله تمرا جديدا، وليس هذا بالقرض المسنون، إنما هذا إبدال تمر بتمر نسيئة، وإبدال التمر بتمر نسيئة لا يجوز، بل هو ربا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنه، والقرض المندوب إليه: قصد
المقرض الإرفاق بالمقترض ونفعه، أما إذا كان قصده نفع نفسه إبدال تمر بتمر آخر، فليس بقرض إنما هو بيع نهى عنه ; لأنه بيع تمر بتمر، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه "السلف على ثلاثة أوجه: سلف تسلفه تريد به وجه الله، فلك وجه الله ; وسلف تريد به وجه صاحبك، فلك وجه صاحبك ; وسلف لتأخذ به طيبا بخبيث، فذلك الربا"
ومنها ما يفعله بعض الناس: يقرض غريمه دراهم وغيرها، ويتسامح عنه في الاستيفاء، فيسامحه الغريم، فالمبايعة إذا بايعه فلعميله بيع، ولغيره بيع من الناس أغلى منه، لأن العميل يقرضه ويسامحه في الاستيفاء، فيقول فلان فلان، يسلف ويتسامح، ويأخذ ويدع، ولا يعلم المتعاقدان أن هذا ربا، وكل قرض جر منفعة فهو ربا، ولأنه إذا زاده في البيع لأجل تأخيره بعض الدين الذي قد حل عليه، كان ما أخذه في مقابلة التأخير ربا، من جنس ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه، وقد ذكر العلماء: أن من كان له قرض عند رجل، أو عليه دين حال، فأهدى إليه صاحب الدين هدية قبل الوفاء، فإنه لا يقبلها بل يردها، فإن لم يفعل فليحسبها من الدين الذي له في ذمة المهدي.
وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يقبل، إلا أن يكون جرى بينه وبينه معاملة قبل ذلك" 1 قال عبد الله بن سلام: "إذا كان لك على رجل حق، فأهدى إليك
---------------------------------
1 ابن ماجه: الأحكام (2432).
حمل تبن، أو حمل شعير، أو حمل قَتّ1، فلا تأخذه فإنه ربا"
وأجاب أيضا: الشيخ عبد الله بن محمد عبدالوهاب، إذا كان عند إنسان تمر أو حب، وكسد في يده لأجل رخصه، وأراد أن يسلفه إنسانا إلى الثمرة المقبلة، لأجل منفعة ثمرة المقبل، فهذا لا يجوز ; لأنه قرض يجر نفعا إليه، وكل قرض يجر منفعة فهو ربا. وأجاب أيضا: وإذا اقترض منه ليوفيه، فالمسألة فيها خلاف، والأظهر الكراهة لا التحريم، وإذا أقرض فلاحه في شراء بقرة أو بذر، فالظاهر المنع ; لأنه قرض جر منفعة.
وأجاب أيضا: إذا أعطى آخر دراهم معلومة ينتفع بها، بشرط نفع معلوم ما دامت الدراهم في يده، فهذا من أنواع الربا، بل كل قرض جر نفعا فهو ربا، ويجب على من أخذ الدراهم أن يردها إلى صاحبها، ثم ينظر في حال الدافع والمدفوع إليه، فإن كانا يعتقدان أن هذا لا يجوز، وأن ما فعلاه حرام عليهما، وجب على الأمير تأديبهما بما يزجرهما وأمثالهما عن ذلك، وما قبضه دافع الدراهم في مقابلة الدراهم، وجب رده إلى ربه، ولا يباح لقابضه ; لأنه ربا.
وأجاب أيضا: وأما الذي يعطي إنسانا دراهم، ويأكل عليها شيئا معلوما، ورأس ماله باق، فهذا حرام لا يجوز، ويعطي رأس ماله، ولا يحتسب عليه ما أكله قبل الإسلام، بل
---------------------------------
1 بفتح القاف وتشديد التّاء، وهو علف الدّواب، كما في فتح الباري، انظر: باب مناقب عبد الله بن سلام من صحيح البخاري.
صاحب الدراهم يعطي رأس ماله ولا ينجم، بل يعطاه حاضرا، إلا إن كان من عليه الدراهم معسرا، فينظر إلى ميسرة، قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [سورة البقرة آية: 280].
وسئل أيضا: الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهما الله تعالى: عن الرهون التي استعملها كثير، إذا احتاج إنسان: أخذ مالا من آخر، لا بعقد القرضة بل على سبيل الإباحة والتراضي، ودفع المحتاج إلى صاحب المال أرضه بالمزارعة، لأجل المال الذي في ذمته... الخ ؟
فأجاب: قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة البقرة آية: 278] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [سورة النساء آية: 59] وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك" 1 رواه أبو داود والترمذي، وصححه.
قال علماؤنا رحمة الله عليهم: بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحل أن يقرض الرجل الرجل ويبيعه ليحابيه، لأجل ذلك القرض،
---------------------------------
1 الترمذي: البيوع (1234) , والنسائي: البيوع (4611) , وأبو داود: البيوع (3504) , والدارمي: البيوع (2560).
وهو من أكثر حيل الربا وقوعا، كما إذا أقرضه ألفا، وباعه ما يساوي مائة بخمسين، لأجل ذلك القرض ; وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم أجمعين: تحريم الهدية بعد عقد القرض قبل الوفاء، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل عن الرجل يقرض أخاه المال فيهدي إليه، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أقرض أحدكم قرضا، فأهدى إليه أو حمله على الدابة، فلا يركبها ولا يقبلها، إلا أن يكون بينه وبينه قبل ذلك" 1 رواه ابن ماجه بإسناد حسن.
وعن أبي بردة بن أبي موسى، قال قدمت المدينة، فلقيت عبد الله بن سلام، فقال: "إنك بأرض الربا فيها فاش، فإن كان لك على رجل حق، فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير، أو حمل قت، فلا تأخذه فإنه ربا" رواه البخاري في صحيحه، وروى مثله سعيد بن منصور في سننه عن أبي بن كعب، وروى عن ابن مسعود نحو ذلك، وعن سالم بن أبي الجعد، قال: "جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: إني أقرضت رجلا يبيع السمك عشرين درهما، فأهدى إلي سمكة قومتها بثلاثة عشر درهما، فقال خذ منه سبعة دراهم" رواه سعيد في سننه بإسناد صحيح.
وعن ابن عمر، أنه "أتاه رجل فقال: إني أقرضت رجلا بعيرا فأهدى إلي هدية جزلة، فقال: رد إليه هديته أو احسبها له" رواه سعيد أيضا ; فإذا كان هذا فيما يتبرع به للمقرض بعد القرض، فكيف إذا تواطآ على التبرع، مثل أن يقرض من
---------------------------------
1 ابن ماجه: الأحكام (2432).
يعيره داره، أو يرهنها عند من يأذن له في سكناها، أو يضاربه بأقل من جعل مثله، أو يبتاع منه الشيء بأضعاف قيمته، أو يكري داره بثلث كراها، أو يدفع إليه شجرة مساقاة بأضعاف جعل مثله، انتهى.
فتأمل رحمك الله: هذا الكلام بعين الإنصاف، ليتبين لك أن الرهون التي تفعل عندكم لأجل المال الذي في ذمته، فيصبر عليه، وينظره ما دام يستغل الشجر أو الأرض، هو حيلة على أكل الرهن والانتفاع به، لأجل القرض، ولو لم يكن في ذمته ذلك المال لم يتركه يستغل أرضه، وربما تركها له بدون قيمة مثلها، فهذا هو المحاباة، وهو الربا الذي نص العلماء على تحريمه، سواء سمي ذلك المال قرضا أو غيره، أو كان دينا في ذمته، وكان أهل الجاهلية قبل الإسلام، إذا كان لأحدهم دين على رجل إلى أجل، فحل الأجل قال له: إما أن تقضي وإما أن تربي، فيزيده هذا في المال، ويزيده هذا في الأجل، فحرم الله ذلك ; فلولا أن الأرض أو الشجر أو الدار ينتفع بها، لما صبر عليه وأنظره.
وعن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوها" 1 متفق عليه وقال الخطابي رحمه الله "جملوها" معناه: أذابوها حتى تصير ودكا، فيزول عنها اسم الشحم ; قال: وفي هذا الحديث بيان، أن كل حيلة يحتال بها للتوسل إلى محرم، فإنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه.
---------------------------------
1 البخاري: البيوع (2223) , ومسلم: المساقاة (1582) , والنسائي: الفرع والعتيرة (4257) , وابن ماجه: الأشربة (3383) , وأحمد (1/25) , والدارمي: الأشربة (2104).
وأما إن كان صاحب المال لا يقدر على وفائه، فينجمه عليه صاحب الدين بقدر غلته عليه كل سنة، ويأخذ الغلة ويحسبها بسعر يومها، ولا بأس بذلك إذا خلت عن المحاباة، والله أعلم.
وأجاب أيضا: وأما الأرض ورهونها، فيجوز أن تعطوا الرجل أرضه لمن يحرثها، ولصاحب الأرض جزء معلوم من الثمرة ; وأما أن يرهنها رجل آخر بدراهم معلومة، ويأخذ صاحب الدراهم غلتها من كل الثمرة، فهذا لا يجوز، سواء كان من الثمرة أو غيرها من بقية الثمار.
وأجاب أيضا: وأما الرهون التي تؤكل غلتها بغير بذر ولا حرث، فلا يجوز، ويرد صاحب الأرض على المرتهن ما قبضه من دراهم كانت أو طعاما، فإن كان معسرا لزمه إنظاره إلى ميسرة، فإن قدر على وفاء البعض أوفاه بما قدر عليه.
وأجاب الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر: وأما الذي ما عنده إلا أرض مرهونة، رهنها تاجر آخر، داخل آخر فيها بدراهم، فهي فاسدة ربا، ويصير رأس مال، وما أكل من ثمارها بعد ما أسلم يحسب عليه من رأس ماله، فإن كان ما عند صاحب الدين إلا أرضه، وأراد أن يتراضيا هو وإياه على قطعة منها يوفيه بها فحسن، ويحضرهما اثنان عدلان يعرفان القيمة، إن كان له رأس مال فهو يرد ما أسلم من يده، الدراهم دراهم، والعروض عروضا، وإن كان ما له إلا قدر معيشته
وعياله، فلا يأخذ صاحب الدين إلا ما فضل من كفاية عياله، ويستوفى منه بقدر السهم الذي يأخذ منه أولا، ودين الربا الذي مضى في الشرك، إن كان يقدر يوفيه رأس ماله فيوفيه، وإلا ما له إلا ما فضل عن معشيته وعياله، وبقره الذي يحرث عليها، لا يأخذها إذا كان أخذها يضر به ويعطل حرثه.
وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين، وقول أحمد: أكره قرض الدور... إلخ، وذلك لأنه قرض جر منفعة، وبعض الناس يتوصل إلى ذلك بحيلة باطلة، إذا أراد أن يرتهن دارا، أو أرضا في قرض، وينتفع بها، أظهروا صورة بيع، وهو في باطن الأمر رهن، فيبيعه ما يساوي مائة بخمسين، أو أقل أو أكثر بأقل من قيمتها، ويشترط الخيار، وهذا يسميه بعض الناس: بيع الأمانة، وأما إذا كان بيعا حقيقيا ظاهرا وباطنا، بأن يبيعه إياها بقيمتها من غير نقص، ويشترط الخيار، فلا بأس بانتفاعه بالمبيع في مدة الخيار، كما نص عليه أحمد ; وهذه العقود المنهي عنها حرام عند العلماء، وقالوا: يحرم تعاطيهما عقدا فاسدا، فإذا كان العقد فاسدا، فتعاطيه حرام على المتعاقدين جميعا.
سئل الشيخ: حسين وعبد الله ابنا الشيخ محمد: عمن اشترى نخلا بثمن معين، ونذر نذرا لله على أنه متى دفع البائع دراهمي أن أرجع إليه نخله وإذا ادعى البائع في النخل هل له أخذه... الخ ؟.
فأجابا: هذا العقد المذكور في السؤال عقد باطل، وهو
حيلة على الربا، وهو من باب " كل قرض جر نفعا فهو ربا" وتحيله بهذا العقد والنذر لا يحل له الربا، وهي حيلة باطلة، والحيل لا تجوز في الدين ; ويجب على المشتري رد الثمن، ويعود النخل إلى بائعه، وأما ما أكل في حال كفره وجهله من غلة النخل، فإنه لا يطالب بذلك.
وسئل الشيخ: عبد الله أبا بطين: عن قول الصحابة وغيرهم، فيما إذا أهدى الغريم لصاحب الدين شيئا وأخذه، فهو ربا ؟
فأجاب: هذا كذلك ذكر الفقهاء أنه لا يجوز أخذه، إلا أن يعاوضه عنه، أو يحسبه من دينه، إلا إن كان شيئا جرت عادة به قبل دينه، فلا بأس.
وأجاب أيضا: وأما المنفعة التي يجرها القرض، فهي حرام، ومنها الهدية لأجل إقراضه إياه، إلا أن يحسبها من دينه فلا بأس، وكذلك لو قضاه خيرا مما أخذ منه، من غير شرط ولا مواطاة، فلا بأس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استلف بكرا، ورد خيرا منه، وقال: "خيركم أحسنكم قضاء" 1.
وسئل الشيخ: عبد الرحمن بن حسن: عن صاحب السفينة إذا أقرض أجيره ؟ وقوله: سلفني... إلخ ؟
فأجاب: وأما صاحب السفينة، وقوله: سلفني، فلا، ولو يجعله من الأجرة، ويقدمها عليه جاز.
وسئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عمن أخذ في الجاهلية أو غيرها نفع دراهم... إلخ ؟
---------------------------------
1 البخاري: في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (2390) , ومسلم: المساقاة (1601) , وأحمد (2/416 ,2/456).
فأجاب: إذا كان المتعاقدان جاهلين بالتحريم، أو كان ذلك في الجاهلية قبل الإسلام ثم أسلما، فإنه يجب على من أخذ الدراهم ردها إلى صاحبها، وربا الجاهلية موضوع ; وأما قبض الدراهم في مقابلة نفع دراهمه في جاهليته، أو بعد إسلامه قبل أن يبلغه النهي، فهو له، فإن كان العوض لم يقبض، بل كان باقيا في ذمة المقترض، فليس للمقرض إلا رأس ماله، ولا يأخذ معه زيادة، وقد دل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة البقرة آية: 278] إلى قوله: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [سورة البقرة آية: 279] وعقود الشرك ما مضى منها في حال الشرك، وقبضه المتعاقدان قبل الإسلام، يقران على ما مضى منه ; لأن الإسلام يهدم ما قبله {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} الآية [سورة البقرة آية: 275].
سئل الشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: إذا اختلف المقرض والمقترض... إلخ ؟
فأجاب: وإذ اختلفا فقال المقرض أقرضتك، وقال الآخر وهبتني، فالقول قول المقرض مع يمينه.
منقول من كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية مجموعة رسائل ومسائل علماء نجد الأعلام
جمع وترتيب : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله (1312-1392 هـ)

12d8c7a34f47c2e9d3==