المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة أوثق عرى الإيمان للشيخ سليمان بن عبد اللهبن محمد بن عبد الوهاب


كيف حالك ؟

عسلاوي مصطفى أبو الفداء
03-05-2006, 10:47 PM
رسالة
أوثق عرى الإيمان
للشيخ
سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب
من كتاب
مجموع الرسائل
تحقيق
د. الوليد بن عبدالرحمن بن محمد آل فريان


بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
يخطيء من يظن أن التودد لأعداء الله والسعي في تقريبهم سوف يجلب محبتهم، ويدفعهم إلى أن يبادلوه حباً بحب.يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ {118}هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {119}إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا} ( ).فمن ينتظر منهم الرضى أو ينشده كمن يؤمل من السراب الخادع ماءا، والثقة بودهم وهم كبير وغفلة عن وقائع التأريخ المتكررة في كل زمان ومكان.ولذلك جاءت النصوص الكثيرة تأمر بمقاطعتهم وعداوتهم مهما تظاهروا بالمحبة الكاذبة، التي طالما اصطادوا الناس بشباكها.وفي الوقت نفسه دعت إلى توثيق الصلات بين المسلمين، وإشاعة المحبة والمودة في مجتمعهم، ونبذ أشكال الاختلاف والفرقة، بل اعتبرت المحبة جزءًا أساسياً من الإيمان، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا"( ).غير أنها وهي تتمتع بالأهمية البالغة في صياغة المجتمعات، وتنعكس آثارها على الكثير من جوانب الحياة، لم تنل ما تستحقه من العناية الموازية لدورها، والمكافئة لأهميتها. فكان من نتائج هذا التجاهل المزري أن خفتت جذوتها، وتقهقرت في النفوس والقلوب، وفقدت المصداقية عند الغالبية من الناس حتى أصبحت المحبة في الله تعالى في نظر كثير من الناس من ضروب الخيال، وأباطيل القصص والأخبار.وليس هذا بالغريب في ظل انحراف عام لازال يخيم بظلامه، وينشر دسائسه في كل مكان.ولكن الغريب حقاً، أن تسري غاشية المرض إلى فئات من الناس ممن يملكون علماً أو عاطفة دينية ويتقلدون شيئاً من أمر المسلمين أو هكذا يخيل إلينا.من أجله يصاب المؤمن بالحزن والأسى، وتتزايد في ذهنه خواطر الشك والارتياب، وقد يندفع تحت وطأة هذه الظروف إلى النظر في موقفه من الأشخاص الذين ربما حمل في قلبه لهم محبة واحتراماً وقتاً من الأوقات.تلك حقائق ساطعة تصدمك بكل أسف أينما اتجهت، إلا أنه من الواجب تلمس أسباب هذه الكارثة، ومحاولة البحث عما يمكن أن يساهم في إزالتها، أو يخفف من خطرها؛ إذ هي من أشد معوقعات الدعوة، والسلاح الذي كثيراً ما يشهر في وجوه الدعاة والمصلحين لعرقلة نشاطهم أو إجهاضه.
ومن السذاجة أن نتوقع من ظالم مستبد أو مفسد خئون، أن يمد يده لإنقاذ الدعاة من مأزقهم أو يساعد على تجاوز هذه الأزمة بسلام.
هناك مجموعة من الوسائل لعل من أيسرها القول: بأنه لابد من إعادة النظر في أساليب التربية والتوجيه، لتكتسب صورتها الإسلامية الخالصة من شوائب التقليد والتبعية.وفي تقديري أنه يتعين علينا أيضاً التسليم بارتباط هذه المشكلة بتراكمات طويلة مكتظة بالأخطاء والممارسات الشائنة. من أهمها: الجهل، وافتقاد الناس للقدوة المتمثلة لأخلاق الإسلام في سلوكها وتعاملها إلى جانب ضعف الإيمان.
ولو حاولنا تتبع كل سبب على حدة لأمكننا الخروج بالنتائج التالية :
أولاً: أن الجهل الفاضح بأخلاق الإسلام ومثله العليا، وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وشمائله، وسيرة أصحابه والتابعين لهم بإحسان، ممن التزموا بالشريعة وطبقوها تطبيقاً واعياً وأميناً. حال بين البعض وبين القدرة على التعامل على وفق الشريعة ومبادئها الكريمة وأخلاق الإسلام الفذة.
حتى وإن بلغوا مبلغاً كبيراً في معرفة الأحكام الشرعية. وهذا من الحصاد المرير للقراءة العمياء الباهتة، ونتيجة مؤلمة للمناهج الدراسية السائدة التي تعنى بالأحكام النظرية، وتنسى غرس الأخلاق والشمائل.
ثانياً: تلعب القدوة دوراً هاماً في بناء الإنسان، وتؤثر على تحديد وجهته الدينية والنفسية خاصة في المراحل الأولى؛ لأن من طبيعة الإنسان التفاعل مع محيطه والتشبه بمن يكن لهم احتراماً.
وإلى هنا أشار القرآن الكريم بقوله : { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }( ).
وحين تفتقد القدوة الحسنة فما أيسر أن تحل القدوة السيئة مكانها، ومن أجل ذلك أمر الله تعالى بأن نجتهد في اختيار القدوة، فقال { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ }( ).وقال: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}( ) يعني إبراهيم ومن بعده من الأنبياء عليهم السلام. والعلماء هم الامتداد المنشود للأنبياء، والوارثون لعلمهم وأخلاقهم، والمؤتمنون على تبليغ الرسالات. وإذا ما غابوا عن أداء هذا الدور الطليعي، انشغالاً بأنفسهم أو مصالحهم الخاصة وتجاذب المغانم، أو استولى عليهم الخوف والتخاذل. فقد خانوا الله ورسوله وخانوا الأمانة، وشاركوا في هدم الدين وتقويض المجتمع الإسلامي بأسره، وهذه من أعظم الجنايات وأفدح الخطوب.
ثالثاً: يتصل الإيمان بالعمل كاتصال الإيمان بالإسلام، أو كارتباط التوحيد العلمي بالتوحيد العملي.
قال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {2} الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا }( ).
فمتى تعرض الإيمان لنقص أو أصابه طائف من الشيطان، فما أسرع التقصير في العمل. وإذا وقع تفريط في التطبيق، فإنه ينال من الإيمان ويفت في كيانه.
وضعف الإيمان داء وبيل، استطاع بفضله الكائدون الدس على الإسلام، وامتطاء أبنائه لإلحاق الضرر بهم وبدينهم ومصالحهم. وهذا يستوجب أن نتعرف على أهم ما يزيد الإيمان ويقويه. وقبل ذلك يجب أن نعلم: أن الإيمان منحة من الله تعالى؛ كما قال : {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ}( ).
وقال: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا}( ).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الآخرة إلا من أحب" ( ).
وأن السواد الأعظم في كل زمان ومكان بعيدون عن شرع الله وهديه، كما قال : {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }( ).
فمما يزيد الإيمان: التفكر في مخلوقات الله، والنظر إليها بتأمل وتدبر. قال تعالى : {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ {6} وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ {7} تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ }( ) فلا يخشى الله تعالى إلا عالم بصير؛ قال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }( )، وقال : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ }( ).
وغير خاف أن النظر في الكون وما اشتمل عليه من قوانين بالغة الدقة والانتظام عبادة من أجل العبادات وأزكاها.
وجميع العبادات العملية والقلبية هي السبيل النافع إلى زيادة الإيمان، وطريق الصفاء القلبي والروحي.
والعبادة اسم كبير تنطوي تحته حياة الإنسان بجميع حركاتها وسكناتها؛ كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162}لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ }( ).
مع تحقق النية الصالحة التي لا يخالطها شرك أو رياء.


موضوع الرسالة :
الولاء والمحبة: ثنائي مجموع لا ينفك أبداً بحيث يتعذر بينهما الفصل أو الافتراق؛ لأن من المحال أن يعمد أحد إلى تولي غيره دون أن يسوقه إليه سائق الحب والود: قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ }( ).
والعلاقة الاندماجية المتجذرة بينهما تدعو بإلحاح إلى إلقاء الضوء عليهما معاً وعلى البراء بوجه خاص وما يقتضيه من البغض؛ باعتبارهما عنصرين متكاملين لا غنى لأحدهما عن الآخر.
وهذا ما فعله المؤلف، حيث أفاض في الحديث عن البراء، وكشف عن معانيه وحكمه في رسالة مستقلة تعرف بـ "الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك". ضمن هذا المجموع.
وفي هذه الرسالة: قام بإيضاح نقاط الالتقاء والارتباط بين مبدأ الولاء والبراء، وعمل على إبراز مظاهر الصلة العميقة بينهما.
وكان بإمكان الشيخ سليمان أن يفرد الحديث عن الحب والولاء، كما أفرد الحديث عن البراء في رسالة خاصة، ولكنه أراد أن يعلن عن طبيعة الانتماء بين هذين المبدأين، ويبين عن مدى قوته. وأنه لا يمكن أن يتصور ولاء ومحبة لأهل الإيمان، ما لم يكن معه براء وبغض للمنحرفين والمشركين.
فجاءت هذه الرسالة على شكل إجابة موسعة – لسؤال يبحث عن حكم الدفاع عن الأقرباء عند الأمراء والحكام على سبيل الحمية الدنيوية، دون نظر إلى دين أو إيمان – لتغطي جوانب الموضوع بكفاءة عالية.
وقد قسم المؤلف بحثه إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة. تحدث في المقدمة عن أهمية الحب في الله والبغض في الله وأدلة ذلك من الكتاب والسنة.
وجعل الفصل الأول: خاصاً بذكر آثار السلف في ذلك. أما الفصل الثاني: فلخص فيه ما سبق بعبارة موجزة وحصره في عشرين نقطة، ثم استعرض فقرات السؤال واحدة بعد أخرى وأجاب عنها. والفصل الثالث: أورد فيه بعض ما اعترض به المخالف وفند شبهه وردها، وأنهى الرسالة بخاتمة جامعة في فضل الحب في الله.
أهمية الرسالة :
البغض والحب: قوتان مؤثرتان ينبثق منهما الولاء والبراء، وتعودان معاً إلى المحبة التي هي أصل ذلك وقاعدته؛ إذ لا يوجد البغض إلا لمحبة ولا يزول إلا لمحبة. فالمحبة والإرادة أصل في وجود البغض والكراهية وعلة لها، وبينهما تلازم مستحكم لا تنفصم عراه أبداً( ).
ومنه يتبين لنا سر اقتران الحب بالبغض في قوله صلى الله عليه وسلم : "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله"، وتتضح قيمة الحديث حولهما، ويزداد ذلك وضوحاً: أن كلمة التوحيد الخالدة "لا إله إلا الله" تلزم كل من نطق بها، وآمن بما دلت عليه، واعتقد معناها؛ أن يرفض أي صلة تقربه إلى أعداء الله، ويخلع الولاءات الجاهلية على مختلف صورها، مهما كان الإغراء والامتياز. وتدعوه في الوقت ذاته إلى تقوية وتعميق علاقته بإخوانه المسلمين، واقتصار ولائه وانتمائه لهم دون غيرهم؛ لتخلق مجتمعاً متماسكاً تحوطه الطمأنينة، وتشع في جنباته روح الأخوة والتعاون؛ ولتجنب أفراد الأمة مغبة الولاء المشبوه.
ولو حاولنا أن نعقد شيئاً من المقارنة بين المجتمع الإسلامي الأول ومجتمعنا المعاصر؛ لنتعرف ولو على جانب من أسباب انحسار المد الإسلامي، واضطراب حياة المسلمين، وتحولهم من أمة فاعلة ومؤثرة إلى شعب عامر بالتناقضات. لوجدنا أن في مقدمة الأسباب: تحطم مبدأ الولاء والبراء، وضياعه في خضم القومية والعرقية وغيرها من الانتماءات البالية. الأمر الذي قاد الأمة بسهولة إلى الاستعاضة عن دينها وقيمها، بما استوردته من قيم وأخلاق وقوانين أبعد ما تكون عن طبيعة تكوينها وظروف حياتها. وكان من جرائه ظهور أعراض هذا المرض الخطير على أخلاق الناس وسلوكهم، وأصبح ينادي بزوال المجتمع الإسلامي، وانزواء مبادئه وقيمه العليا إلى دائرة المثالية البعيدة عن الواقع. وهذا ما يخطط له كل عدو للدين، ويثابر من أجله، ويسعى جاهداً إلى تثبيته في النفوس بشتى الوسائل. حتى إذا ما أحكموا الطوق عليها؛ انفرجت أساريرهم الغبراء، ولم يلتفتوا إلى أي عدو آخر.
ونحن الآن بكل أسف!! نعيش بوادر هذا الحصار الخانق، ونسمع بين حين وآخر من ينادي إلى نبذ الدين، ويصم أخلاقه وقيمه بالتخلف، ويصفها بالعادات والتقاليد؛ لينتزع احترامها من النفوس ويمهد لنبذها. ونراه يدعو بصفاقة إلى الارتماء في أحضان الغرب المنحل، والاغتراف من مستنقعه النتن. وما درى المسكين أنه أول من يسيء إلى نفسه. فالتقليد والانسياق وراء الغير دون وعي من طبائع الحيوانات العجماء، وصفة ذميمة لا يسرع إليها إلا من فقد التمييز بين الأشياء والقدرة على الاختيار.
ولن ينقذ الأمة من هذا المنزلق الخطر: إلا الرجوع الجاد إلى العقيدة الإسلامية. التي متى ما طبقت تطبيقاً صحيحاً فإن باستطاعتها أن تنتشل المجتمع من وهدته، وتعيد إلى كيانه روح الوحدة والوئام. فالعقيدة الإسلامية بما تمتلكه من مقومات، قادرة بعون الله أن تفتت جميع رواسب الجاهلية، وتمنح المجتمع انطلاقة جديدة نحو التقدم والحضارة.
منهج المؤلف :
تنطلق دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب – برد الله مضجعه – من الكتاب والسنة، وتقدمهما على كل مشرع، وتستأنس بعد ذلك بما ورد من آثار السلف الصالح، التي تعين على فهمهما فهماً صحيحاً، بريئاً من الجنف. وعلى هذا المنوال نسج أئمة الدعوة: من لدن مؤسسها إلى وقتنا الحاضر.
والشيخ سليمان كواحد من أبناء الدعوة الكريمة، لم يحد عن منهجها قط، ولذلك جاءت رسائله وكتبه تنطلق بهذا المنهج الفذ، وتعتمد على نصوص القرآن والسنة وآثار السلف الصالح اعتماداً كلياً، مع المحاولة الجادة في التطبيق، والربط بينهما وبين الواقع العملي الذي يعيشه، بأسلوب علمي رفيع وعبارة رصينة سهلة، لا تتأبا على فهم أحد، ولا تتعسر على مدارك الناس.
وصف النسخ :
توفر لدي عند تحقيق الرسالة، أربع نسخ وهي كما يلي :
الأولى: وتقع ضمن مجموع ضاع معظمه، محفوظ في مكتبة الرياض السعودية بدون رقم.
في نحو تسع ورقات، ومسطرتها 23 سطراً، مكتوبة بقلم نسخي جيد، غير أنها خلت من اسم الناسخ وتأريخ النسخ، وهي نسخة تامة مقابلة ومصححة، ولذلك جعلتها أصلاً.
الثانية: وهي أيضاً جزء من مجموعة رسائل للإمام محمد بن عبد الوهاب وبعض أبنائه، وتقع في نحو اثنتي عشرة ورقة، ومسطرتها 16 سطراً، محفوظة في مكتبة الرياض السعودية بدون رقم.
كتبت بقلم نسخي واضح، تتخلله بعض الفراغات البيضاء، وفي آخرها نقص بمقدار ورقة واحدة تقريباً، ورمزت لها بحرف (ض).
الثالثة: وتوجد في ثنايا مجموع من القطع الصغير، حوى بعض رسائل الإمام ابن تيمية ومن بعده من أئمة الدعوة، محفوظ بمكتبة الرياض السعودية بدون رقم.
وتقع في نحو خمس عشرة ورقة، ومسطرتها 15 سطراً، مكتوبة بقلم نسخي جميل، لا يعرف كاتبه ولا تاريخ نسخه، وأظنه ليس ببعيد عن عصر المؤلف، وفيها نقص من أولها يبلغ ثلاث ورقات تقريباً ورمزت لها بحرف (ر).
الرابعة: نشرت مع رسائل لابن تيمية وغيره، في مجموع بعنوان "الجامع الفريد" سنة 1387هـ. تبدأ من صفحة 362 إلى صفحة 370، وقد سجل في أولها ما نصه : (أوثق عرى الإيمان كتب جواباً عن سؤال سئل عنه العلامة الشيخ سليمان بن العلامة الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى أجمعين).
وكتب في نهايتها ما نصه : (انتهى ما نقلناه من تأليف الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى ..) وهي نسخة خالية من التحقيق، أو الإشارة إلى الأصل الذي اعتمد عليه، وفيها تحريف، ونقص يوازي ثلث الرسالة تقريباً ورمزت لها بحرف (ط) ( ).
عنوان الرسالة :
أغفلت جميع النسخ الخطية التي عثرت عليها، الإشارة إلى اسم الرسالة، ولم يذكر إلا في النسخة المطبوعة فحسب.
ولم أجد أحداً نص على هذا العنوان، وعلى نسبتها إلى المؤلف، غير المستشرق الألماني كارل بروكلمان( ).وعلى أي حال: فأسلوب الرجل وطريقة عرضه وتناوله، لا تختلف عن رسائله الأخرى في قليل ولا كثير، ولا يضر إن هي لم تذكر في ترجمته، لأن المترجمين ما التزموا الاستقصاء حين سردوا مؤلفاته. كما أنها ذكرت ضمن مجاميع رسائل أئمة الدعوة المعروفة المتداولة.
منهج التحقيق :
اعتمدت : النسخة التامة أصلاً، وعولت على ما ورد فيها؛ لصحتها وجودتها، وعارضت النسخ الأخرى بها، وأثبت ما بينها من فروق، ولم أزد على ما في الأصل إلا ما رأيت حاجة النص إليه، فألحقته في الصلب بين حاصرتين، وقمت بعزو الآيات الكريمة وتخريج الأحاديث والآثار، وذكرت ما قاله أهل العلم فيها إن وجد، وترجمت لغير المشاهير، وفسرت ما حسبته غامضاً إلى غير ذلك.
أسأل الله تعالى أن ينفع بها، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا ويرزقنا الصدق في الأقوال والأفعال.
والحمد لله كما يحب ويرضى.
وكتب
الوليد بن عبد الرحمن آل فريان

النص المحقق

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي و عليه توكلي

مسألة : في أهل بلد مرتدين أو بادية، و هم بنو عم لرجل _ و يجيء لهم ذكر عند الأمراء _ يتسبب بالدفع عنهم ، حمية دنيوية، إما بطرح نكال أو دفن نقائص المسلمين، أو يشير بكف المسلمين عنهم. هل يكون هذا موالاة نفاق، أو يصير كفراً ؟.
و إن كان ما يقدر من نفسه أن يتلفظ بتكفيرهم وسبهم ما حكمه؟ وكذلك إذا عرفت هذا من إنسان ما يجب عليك؟. [أفتنا] مأجوراً، وبين لنا . وجه الدليل على النفاق أو الكفر؟ جزاك الله خيراً .
الجواب : الحمد لله رب العالمين.
يجب أن تعلم أولاً أيدك الله تعالى بتوفيقه: أن أوثق عرى الإيمان، الحب في الله والبغض في الله وأن الله افترض على المؤمنين عداوة الكفار والمنافقين، وجفاة الأعراب الذين يعرفون بالنفاق، ولا يؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأمر بجهادهم، والإغلاظ عليهم بالقول والعمل .
و توعدهم باللعن والقتل في قوله : (ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً) ، وقطع الموالاة بين المؤمنين وبينهم، وأخبر أن من تولاهم فهو منهم. وكيف يدعي رجل محبة الله، وهو يحب أعداءه الذين ظاهروا الشيطان على ربهم، واتخذوه ولياً من دون الله كما قيل:
تحب عدوي ثم تزعم أنني صديقك إن الود عنك لعازب
و بالجملة: فالحب في الله والبغض في الله، أصل عظيم من أصول الدين ، يجب على العبد مراعاته؛ ولهذا جاء في الحديث: ((أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)) ، وكذلك .
أكثر الله من ذكره في القرآن، قال الله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء) الآية.
قال بعض المفسرين: نهو أن يوالوا الكافرين ؛ لقرابة بينهم، أو صداقة قبل الإسلام، أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق بها ويتعاشر.
/ وقوله: (من دون المؤمنين) يعني أن لكم في موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين ، فلا تؤثروهم عليهم (ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء) أي ومن يتول الكفرة، فليس من ولاية الله في شيء يقع عليه اسم الولاية. يعني أنه منسلخ من ولاية الله رأساً.
وهذا أمر معقول: فإن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان.
وقوله : (إلا أن تتقوا منهم تقاة) رخص لهم في موالاتهم إذا خافوا، ولم يحسنوا معاشرتهم إلا بذلك، وكانوا معهم مقهورين لا يستطيعون إظهار العداوة

البلوشي
03-06-2006, 04:55 PM
بارك الله فيك

12d8c7a34f47c2e9d3==