المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فصل فى شبه المبتدعة والرد عليهم من مختصر الشاطبى


كيف حالك ؟

خطيب المنبر
12-03-2003, 01:33 AM
إن لفظ وعبارة ((أهل البدع)) إنما تطلق حقيقة على الذين ابتدعوها، وقدموا فيها شريعة الهوى بالاستنباط والنصر لها، والاستدلال على صحتها في زعمهم، كلفظ ((أهل السنة)) إنما يطلق على ناصريها، وعلى من استنبط على وفقها، والحامين لذمارها.

فلا يطلق على العوام لفظ ((أهل الأهواء)) حتى يخوضوا بأنظارهم فيها ويحسنوا بنظرهم ويقبحوا. وعند ذلك يتعين للفظ أهل الأهواء وأهل البدع مدلول واحد، وهو أنه: من انتصب للابتداع ولترجيحه على غيره. وأما أهل الغفلة عن ذلك والسالكون سبل رؤسائهم بمجرد التقليد من غير نظر فلا.

فحقيقة المسألة أنها تحتوي على قسمين: مبتدع ومقتد به. فالمقتدي به كأنه لم يدخل في العبارة بمجرد الاقتداء لأنه في حكم المتبع، والمبتدع هو المخترع، أو المستدل على صحة ذلك الاختراع، وسواءٌ علينا أكان ذلك الاستدلال من قبيل الخاص بالنظر في العلم، أو كان من قبيل الاستدلال العامي، فإن اللّه سبحانه ذم أقواماً قالوا: {إنَّا وجدْنا آباءَنا علَى أُمَّةٍ وَإنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدَونَ}(1) فكأنهم استدلوا إلى دليل جُمْلِىّ، وهو الآباءُ إذ كانوا عندهم من أهل العقل، وقد كانوا على هذا الدين، وليس إلا لأنه صواب، فنحن عليه، لأنه لو كان خطأُ لما ذهبوا إليه.

وهو نظير من يستدل على صحة البدعة بعمل الشيوخ ومن يشار إليه بالصلاح، ولا ينظر إلى كونه من أهل الاجتهاد في الشريعة أو من أهل التقليد، ولا كونه يعمل بعلم أو بجهل. ولكن مثل هذا يعد استدلالاً في الجملة من حيث جعل عمدة في اتباع الهوى واطَّراح ما سواه، فمن أخذ به فهو آخذ بالبدعة بدليل مثله، ودخل في مسمى أهل الابتداع، إذ كان من حق من كان هذا سبيله أن ينظر في الحق إن جاءَه، ويبحث ويتأنى ويسأل حتى يتبين له فيتبعه، أو الباطل فيجتنبه. ولذلك قال تعالى ردّاً على المحتجين بما تقدم: {قُلْ أوَلَوْا جِئْتُكُمْ بِأهْدَى مِمَّا وجدْتُمْ عليْهِ آبَاءَكُمْ؟}(1) وفي الآية الأُخرى: {وإذا قِيلَ لهُمُ: اتَّبِعُوا ما أنْزَل اللّهُ. قالوا: بَلْ نَتَّبِعُ ما ألْفَيْنا عليْهِ آباءَنا} فقال تعالى: {أوَلَوْ كان آباؤُهُمْ لاَ يعْقِلون شيئاً وَلاَ يَهْتدُون؟}(2) وفي الآية الأُخرى {أوَلَوْ كان الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إلَى عذابِ السَّعِيرِ}(3) وأمثال ذلك كثير.

وعلامة من هذا شأْنه أن يرد خلاف مذهبه بما عليه من شبهة دليل تفصيلي أو إجمالي، ويتعصب لما هو عليه غير ملتفت إلى غيره، وهو عين اتباع الهوى. فهو المذموم حقاً. وعليه يحصل الإثم، فإن من كان مسترشداً مال إلى الحق حيث وجده ولم يرده، وهو المعتاد في طالب الحق. ولذلك بادر المحققون إلى اتباع رسول اللّه ( حين تبين لهم الحق(4).
إذا ثبت أن المبتدع آثم فليس الإثم الواقع عليه على رتبة واحدة، بل هو على مراتب مختلفة، من جهة كون صاحبها مستتراً بها أو معلناً [ومن جهة الدعوة إليها وعدمها](1) ، ومن جهة كون البدعة حقيقية أو اضافية، ومن جهة كونها بينة أو مشكلة، ومن جهة كونها كفراً أو فير كفر، ومن جهة الإصرار عليها أو عدمه ـ إلى غير ذلك من الوجوه التي يقطع معها بالتفاوت في عظم الإثم وعدمه أو يغلب على الظن.

1ــ أما الاختلاف من جهة الإسرار والإعلان، فظاهر أن المسر بها ضرره مقصور عليه لا يتعداه إلى غيره، فعلى أي صورة فرضت البدعة من كونها كبيرة أو صغيرة أو مكروهة. هي باقية على أصل حكمها، فإذا أعلن بها ـ وإن لم يدْعُ إليها ـ فإعلانه بها ذريعة إلى الاقتداء به.

2ــ وأما الاختلاف من جهة الدعوة إليها وعدمها فظاهر أيضاً، لأن غير الداعي وإن كان عرضة بالاقتداء فقد لا يقتدي به، ويختلف الناس في توفر دواعيهم على الاقتداء به، إذ قد يكون خامل الذكر، وقد يكون مشتهراً ولا يقتدي به، لشهرة من هو أعظم عند الناس منزلة منه.

وأما الداعي إذا دعا إليها فمظنة الاقتداء أقوى وأظهر، ولا سيما المبتدع اللسن الفصيح الآخذ بمجامع القلوب، إذا أخذ في الترغيب والترهيب، وأدلى بشبهته التي تداخل القلب بزخرفها.

3ــ وأما الاختلاف من جهة كون البدعة حقيقية أو إضافية، فإن الحقيقية أعظم وزراً، لأنها التي باشرها المنتهى بغير واسطة، ولأنها مخالفة محضة وخروج عن السنة ظاهراً.

4ــ وأما الاختلاف من جهة كونها ظاهرة المأخذ أو مشكلة، فلأن الظاهر عند الإقدام عليها محض مخالفة، فإن كانت مشكلة فليست بمحض مخالفة، لإمكان أن لا تكون بدعة، والإقدام على المحتمل، أخفض رتبة من الإقدام على الظاهر.

5ــ وأما الاختلاف بحسب الإصرار عليها أو عدمه فلأن الذنب قد يكون صغيراً فيعظم بالإصرار عليه، كذلك البدعة تكون صغيرة فتعظم بالإصرار عليها، فإذا كانت فلتة فهي أهون منها إذا داوم عليها، ويلحق بهذا المعنى إذا تهاون بها المبتدع وسهل أمرها، نظير الذنب إذا تهاون به، فالمتهاون أعظم وزراً من غيره.

6ــ وأما الاختلاف من جهة كونها كفراً وعدمه فظاهر أيضاً، لأن ما هو كفر جزاؤه التخليد في العذاب ـ عافانا اللّه ـ فلا بدعة أعظم وزراً من بدعة تخرج عن الإسلام، والله المستعان بفضله.
وهذا باب كبير في الفقه تعلق بهم من جهة جنايتهم على الدين، وفسادهم في الأرض، وخروجهم عن جادة الإسلام، إلى بنيَّاتِ الطريق فنقول: إن القيام عليهم بالتثريب أو التنكيل أو الطرد أو الإبعاد أو الإنكار هو بحسب حال البدعة في نفسها من كونها عظيمة المفسدة في الدين، أم لا وكون صاحبها مشتهراً بها أو لا، وداعياً إليها أو لا، ومستظهراً بالأتباع وخارجاً عن الناس أو لا، وكونه عاملاً بها على جهة الجهل أو لا.

وكل من هذه الأقسام له حكم اجتهاديّ يخصه، إذ لم يأت في الشرع في البدعة حدٌّ لا يزداد عليه ولا ينقص منه، كما جاء في كثير من المعاصي، كالسرقة والقتل والقذف والخمر وغير ذلك، ولا جرم أن المجتهدين من الأُمة نظروا فيها بحسب النوازل، وحكموا باجتهاد الرأي، تفريعاً على ما تقدم لهم في بعضها من النص، فخرج من مجموع ما تكلم فيه العلماءُ أنواع:

1 الإرشاد والتعليم وإقامة الحجة كمسألة ابن عباس رضي اللّه عنه حين ذهب إلى الخوارج غكلمهم حتى رجع منهم ألفان أو ثلاثة آلاف.
2 الهجران وترك الكلام والسلام.

3 [التغريب] كما غرَّب عمر صبيغاً.

4 [السجن] كما سجنوا الحلاج قبل قتله سنين عديدة.

5) ذكرهم بما هم عليه وإشاعة بدعتهم كي يُحذروا، ولئلا يُغتر بكلامهم، كما جاء عن كثير من السلف في ذلك.

6) القتال إذا ناصبوا المسلمين وخرجوا عليهم كما قاتل عليٌّ رضي الله عنه الخوارج، وغيره من خلفاء السنة.
7) القتل إن لم يرجعوا مع الاستتابة، قد أظهر بدعته.

(8 من أسرَّها وكانت كفراً أو ما يرجع إليه فالقتل بلا استتابة لأنه من باب النفاق كالزنادقة.

9) تكفير من دل الدليل على كفره، كما إذا كانت البدعة صريحة في الكفر.

10) لا يرثهم ورثتهم من المسلمين ولا يرثون أحداً منهم، ولا يغسلون إذا ماتوا، ولا يصلي عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين، ما لم يكن المستتر؛ فإن المستتر يحكم له بحكم الظاهر، وورثته أعرف بالنسبة إلى الميراث.

11 الأمر بأن لا يناكحوا، وهو من ناحية الهجران، وعدم المواصلة.

12 تجريحهم على الجملة، فلا تقبل شهادتهم ولا يكونون ولاة ولا قضاة، ولا ينصبون في مناصب العدالة من إمامة أو خطابة.

13) ترك عيادة مرضاهم، وهو من باب الزجر والعقوبة.

14 ترك شهود جنائزهم كذلك.

15) الضرب كما ضرب عمر رضي الله عنه صبيغاً
فإن قيل: ثبت في الشريعة ما يدل على تخصيص تلك العمومات وتقييد تلك المطلقات فلذلك قسم الناس البدع ولم يقوموا بذمها على الاطلاق.

وحاصل ما ذكروا من ذلك يرجع إلى أوجه:

1) ما في الصحيح من قوله (: ((من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أُجورهم شيئاً، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً(1).

وخرج الترمذي وصححه أن رسول الله ( قال: ((من دلَّ على خير فله أجر فاعله))(2).

فهذه الأحاديث صريحة في أن من سن سنة خير فذلك خير، ودل على أنه فيمن ابتدع ((من سن)) فنسب الاستنان إلى المكلف دون الشارع ولو كان المراد ((من عمل سنة ثابتة في الشرع)) لما قال ((من سن)) ويدل على ذلك قوله (: ((ما من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم كفل من دمها لأنه أول من سن القتل))(3) فسن ـ ها هنا ـ على حقيقته لأنه اخترع ما لم يكن قبل معمولاً به في الأرض بعد وجود آدم عليه السلام.

فكذلك قوله: ((من سن سنة حسنة)) أي من اختراعها من نفسه لكن بشرط أن تكون حسنة فله من الأجر ما ذكر، فليس المراد: من عمل سنة ثابتة.

2): أن السلف الصالح رضي الله عنهم ـ وأعلاهم الصحابة ـ قد عملوا بما لم يأت به كتاب ولا سنة مما رأوه حسناً وأجمعوا عليه، ولا تجتمع أُمة محمد ( على ضلالة.

فقد أجمعوا على جمع القرآن وكتبه في المصاحف، وعلى جمع الناس على المصاحف العثمانية، واطِّراح ما سوى ذلك من القراءَات التي كانت مستعملة في زمان رسول الله (، ولم يكن في ذلك نص ولا حظر.

فالجواب وباللّه التوفيق أن نقول:

أما الوجه الأول ـ وهو قوله (: ((من سن سنة حسنة)) الحديث ـ ليس المراد به الاختراع البتة، وإلا لزم من ذلك التعارض بين الأدلة القطعية وإنما المراد به العمل بما ثبت من السنة النبوية، وذلك لوجهين:

(أحدهما): أن السبب الذي جاء لأجله الحديث هو الصدقة المشروعة، بدليل ما في الصحيح من حديث جرير بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله ( في صدر النهار فجاءَه قوم حفاة عراة مجتابي النِّمار ـ أو العباء ـ متقلدي السيوف، عامتهم مضر ـ بل كلهم من مضر، فتعمر وجه رسول الله ( لما رآهم من الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: {يَا أيُّها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَفَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ}(1) الآية، والآية التي في سورة الحشر: {اتَّقُوا الله ولْتَنْظُر نَفْسٌ مَا قَدَّمتْ لِغَدٍ}(2) تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة)) قال: فجاءَه رجل من الأنصار بصرَّة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله ( يتهلل كأنه مذهبه، فقال رسول الله (: ((من سن في الإسلام سنة حسنه فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أُجورهم شيٌ، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ))(1).

فتأملوا أين قال رسول الله ( من سن سنة سيئة؟ تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على أبلغ ما يقدر عليه حتى بتلك الصرة، فانفتح بسببه باب الصدقة على الوجه الأبلغ، فَسُرَّ بذلك رسول الله ( حتى قال: ((من سنَّ في الإسلام سنة حسنة)) الحديث، فدل على أن السنة ها هنا مثل ما فعل ذلك الصحابي وهو العمل، بما ثبت كونه سنة.

(والوجه2من وجهي الجواب) أن قوله: ((من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة)) لا يمكن حمله على الاختراع من أصل، لأن كونها حسنة أو سيئة لا يعرف إلا من جهة الشرع، لأن التحسين والتقبيح مختص بالشرع، لا مدخل العقل فيه وهو مذهب جماعة أهل السنة، وإنما يقول به المبتدعة ـ أعني التحسين والتقبيح بالعقل فلزم أن تكون السنة في الحديث إما حسنة في الشرع وإما قبيحة بالشرع، فلا يصدق إلا على مثل الصدقة المذكورة، وما أشبهها من السنن المشروعة، وتبقى السنة السيئة منزلة على المعاصي التي ثبت بالشرع كونها معاصي، وعلى البدع لأنه قد ثبت ذمها والنهي عنها بالشرع كما تقدم.

يتبع....

أبوالمجد
12-04-2003, 12:08 AM
رحم الله الشاطبي

وبارك الله فيك اخي الناقل

الكاسر
12-04-2003, 06:37 PM
ماأجمل هذا الكلام
بارك الله فيك

بن حمد الأثري
10-24-2007, 06:47 PM
نعم هؤلاء هم الأئمة رحمهم وليس ربيع المخبط الأعمى أو من تبعه على ضلاله

12d8c7a34f47c2e9d3==