المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبرة وعظة في مفسدة الخروج على ولي الأمر


كيف حالك ؟

الناصر
02-28-2006, 10:00 AM
البداية والنهاية، - للإمام إسماعيل بن كثير الدمشقي.
الجزء التاسع : فصل فيما روي في جامع دمشق من الآثار : مقتل قتيبة بن مسلم رحمه الله
وذلك أنه جمع الجند والجيوش وعزم على خلع سليمان بن عبد الملك من الخلافة وترك طاعته، وذكر لهم همته وفتوحه وعدله فيهم، ودفعه الأموال الجزيلة إليهم، فلما فرغ من مقالته لم يجبه أحد منهم إلى مقالته، فشرع في تأنيبهم وذمهم، قبيلة قبيلة، وطائفة طائفة، فغضبوا عند ذلك ونفروا عنه وتفرقوا، وعملوا على مخالفته، وسعوا في قتله، وكان القائم بأعباء ذلك رجل يقال له وكيع بن أبي سود، فجمع جموعاً كثيرة، ثم ناهضه فلم يزل به حتى قتله في ذي الحجة من هذه السنة، (ج/ص: 9/190) وقتل معه أحد عشر رجلاً من إخوته وأبناء إخوته، ولم يبق منهم سوى ضرار بن مسلم، وكانت أمه الغراء بنت ضرار بن القعقاع بن معبد بن سعد بن زرارة، فحمته أخواله، وعمرو بن مسلم كان عامل الجوزجان وقتل قتيبة وعبد الرحمن وعبد الله وعبيد الله وصالح ويسار، وهؤلاء أبناء مسلم، وأربعة من أبنائهم فقتلهم كلهم وكيع بن سود.
وقد كان قتيبة بن مسلم بن عمرو بن حصين بن ربيعة أبو حفص الباهلي، من سادات الأمراء وخيارهم، وكان من القادة النجباء الكبراء، والشجعان وذوي الحروب والفتوحات السعيدة والآراء الحميدة، وقد هدى الله على يديه خلقاً لا يحصيهم إلا الله، فأسلموا ودانوا لله عز وجل وفتح من البلاد والأقاليم الكبار والمدن العظام شيئاً كثيراً كما تقدم ذلك مفصلاً مبيناً، والله سبحانه لا يضيع سعيه ولا يخيب تعبه وجهاده.
ولكن زل زلة كان فيها حتفه، وفعل فعلة رغم فيها أنفه، وخلع الطاعة فبادرت المنية إليه، وفارق الجماعة فمات ميتة جاهلية لكن سبق له من الأعمال الصالحة ما قد يكفر الله به سيئاته، ويضاعف به حسناته، والله يسامحه ويعفو عنه، ويتقبل منه ما كان يكابده من مناجزة الأعداء، وكانت وفاته بفرغانه من أقصى بلاد خراسان، في ذي الحجة من هذه السنة، وله من العمر ثمان وأربعون سنة، وكان أبوه أبو صالح مسلم فيمن قتل مع مصعب بن الزبير، وكانت ولايته على خراسان عشر سنين، واستفاد وأفاد فيها خيراً كثيراً، وقد رثاه عبد الرحمن بن جمانة الباهلي فقال:
كان أبا حفص قتيبة لم يسرُ * بجيش إلى جيش ولم يعل منبرا
ولم تخفق الرايات والقوم حوله * وقوفٌ ولم يشهد له الناس عسكرا
دعته المنايا فاستجاب لربه * وراح إلى الجنات عفاً مطهرا
فما رزئ الإسلام بعد محمد * بمثل أبي حفص فبكّيه عبهرا
ولقد بالغ هذا الشاعر في بيته الأخير. وعبهر ولد له.
وقال الطرماح في هذه الوقعة التي قتل فيها على يد وكيع بن سود:
لولا فوارس مذحج ابنه مذحج * والأزد زعزع واستبيح العسكر
وتقطعت بهم البلاد ولم يؤب * منهم إلى أهل العراق مخبر
واستضلعت عقد الجماعة وازدرى * أمر الخليفة واستحل المنكر (ج/ص: 9/191)
قوم همو قتلوا قتيبة عنوة * والخيل جامحة عليها العثير
بالمرج مرج الصين حيث تبينت * مضر العراق من الأعز الأكبر
إذ حالفت جزعاً ربيعة كلها * وتفرقت مضر ومن يتمضر
وتقدمت ازد العراق ومذحج * للموت يجمعها أبوها الأكبر
قحطان تضرب رأس كل مدجج * تحمي بصائرهن إذ لا تبصر
والأزد تعلم أن تحت لوائها * ملكاً قراسيةً وموت أحمر
فبعزنا نصر النبي محمد * وبنا تثبت في دمشق المنبر
وقد بسط ابن جرير هذه القصيدة بسطاً كثيراً وذكر أشعاراً كثيرةً جداً.
وقال ابن خلكان وقال جرير يرثي قتيبة بن مسلم رحمه الله وسامحه، وأكرم مثواه وعفا عنه:
ندمتم على قتل الأمير ابن مسلم * وأنتم إذا لا قيتم الله أندم
لقد كنتم من غزوه في غنيمة * وأنتم لمن لاقيتم اليوم مغنم
على أنه أفضى إلى حور جنة * وتطبق بالبلوى عليكم جهنم
قال: وقد ولي من أولاد وذريته جماعة الأمرة في البلدان، فمنهم عمر بن سعيد بن قتيبة بن مسلم وكان جواداً ممدحاً، رثاه حين مات أبو عمر وأشجع بن عمرو السلمي المري نزيل البصرة يقول:
مضى ابن سعيد حيث لم يبق مشرق * ولا مغرب إلا له فيه مادح
وما كنت أدري ما فواضل كفه * على الناس حتى غيبته الصفائح
وأصبح في لحد من الأرض ضيق * وكانت به حياً تضيق الضحاضح
سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغض * فحسبك مني ما تجر الجوانح
فما أنا من رزئي وإن جل جازع * ولا بسرور بعد موتك فارح (ج/ص: 9/192)
كأن لم يمت حي سواك ولم تقم * على أحد إلا عليك النوائح
لئن حسنت فيك المراثي وذكرها * لقد حسنت من قبل فيك المدائح
قال ابن خلكان: وهي من أحسن المراثي وهي في الحماسة، ثم تكلم على باهلة وأنها قبيلة مرذولة عند العرب، قال: وقد رأيت في بعض المجاميع أن الأشعث بن قيس قال: يا رسول الله أتتكافأ دماؤنا؟ قال: ((نعم ! ولو قتلت رجلاً من باهلة لقتلتك)). وقيل لبعض العرب: أيسرك أن تدخل الجنة وأنت باهلي؟ قال: بشرط أن لا يعلم أهل الجنة بذلك. وسأل بعض الأعراب رجلاً ممن أنت؟ فقال: من باهلة، فجعل يرثي له، قال: وأزيدك أني لست من الصميم وإنما أنا من مواليهم. فجعل يقبل يديه ورجليه، فقال: ولم تفعل هذا؟ فقال: لأن الله تعالى ما ابتلاك بهذه الرزية في الدنيا إلا ليعوضك الجنة في الآخرة.

12d8c7a34f47c2e9d3==