المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ضوابط المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -


كيف حالك ؟

قاسم علي
01-30-2006, 04:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ضوابط المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -

هذا ما ذكره الشيخ من ضوابط المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ فمما لا شك فيه أن الله سبحانه أوجب على المسلمين متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ والاقتداء به وجعل سبحانه ذلك علامة على محبة الله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 31‏]‏، وإنما يتابع ويقتدى به - صلى الله عليه وسلم - فيما هو من التشريع لا ما هو من العادات‏.‏ وأيضاً إذا فعل بعض الصحابة فعلاً أو قال قولاً لم يوافقه عليه بقية الصحابة، وكان ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يخالفه فإنه لا يتابع عليه، ويكون بالنسبة له من باب الاجتهاد الذي يرد إلى الكتاب والسنة‏.‏

قال - رحمه الله - في هذا الموضوع ‏(28)‏‏:‏ سائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات، إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه، وكان ما يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يخالفه لا يوافقه؛ لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، وما تنازعت فيه الأمة؛ فيجب رده إلى الله والرسول، ولهذا نظائر كثيرة، مثل‏:‏ ما كان ابن عمر يدخل الماء في عينيه في الوضوء ‏(29)‏، ويأخذ لأذنيه ماء جديداً ‏(30)‏ وكان أبو هريرة يغسل يديه إلى العضدين في الوضوء ويقول‏:‏ من استطاع أن يطيل غرته فليفعل‏.‏ بل هذا من كلام أبي هريرة جاء مدرجاً في بعض الأحاديث‏.‏ وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏إنكم تأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء‏)‏ ‏(31)‏، وكان - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ حتى يُشرع في العضد والساق، قال أبو هريرة‏:‏ من استطاع أن يطيل غرته فليفعل، وظن من ظن أن غسل العضد من إطالة الغرة، وهذا لا معنى له؛ فإن الغرة في الوجه لا في اليد والرجل، وإنما في اليد والرجل الحَجَلةُ، والغرة لا يمكن إطالتها فإن الوجه يغسل كله لا يغسل الرأس ولا غرة في الرأس، والحجلة لا يستحبُّ إطالتها وإطالتها مثلة‏.‏

ثم ضرب - رحمه الله - مثلاً آخر لهذه القاعدة فقال‏:‏

وكذلك ابن عمر كان يتحرى أن يسير مواضع سيْرِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وينزل مواضع منزله، ويتوضأ في السفر حيث رآه يتوضأ ويصب فضل مائه على شجرة صب عليها ‏(32)، ونحو ذلك مما استحبه طائفة من العلماء ورأوه مستحباً، ولم يستحب ذلك جمهور العلماء كما لم يستحبه ولم يفعله أكابر الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وغيرهم؛ لم يفعلوا مثل ما فعل ابن عمر، ولو رأوه مستحباً لفعلوه، كما كانوا يتحرون متابعته والاقتداء به‏.‏ وذلك لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل، فإذا فعل فعلاً على وجه العبادة شُرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة خصصناه بذلك، كما كان يقصد أن يطوف حول الكعبة وأن يستلم الحجر الأسود وأن يصلي خلف المقام‏.‏

قال‏:‏ وقَصد الصعود على الصفا والمروة والدعاء والذكر هناك، وكذلك عرفة ومزدلفة وغيرهما‏.‏

وأما ما فعله بحكم الاتفاق ولم يقصده، مثل أن ينزل بمكان ويصلي فيه لكونه نزله لا قصداً لتخصيصه به بالصلاة والنزول فيه، فإذا قصدنا تخصيص ذلك المكان بالصلاة فيه أو النزول لم نكن متبعين، بل هذا من البدع التي كان ينهى عنها عمر بن الخطاب‏.‏ كما ثبت بالإسناد الصحيح من حديث شعبة عن سليمان التيمي عن المعروف بن سويد قال‏:‏ كان عمر بن الخطاب في سفر فصلى الغداة ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه فيقولون‏:‏ صلى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏!‏ فقال عمر‏:‏ إنما هلك أهل الكتاب أنهم اتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعاً، فمن عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض ‏(33)‏، فلما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه بل صلى فيه لأنه موضع نزوله رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها، ونُهي المسلمون عن التشبه بهم في ذلك‏.‏ ففاعل ذلك متشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في الصورة، ومتشبه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب‏.‏

وهذا هو الأصل فإن المتابعة في النية أبلغ من المتابعة في صورة العمل، ولهذا لما اشتبه على كثير من العلماء جلسة الاستراحة؛ هل فعلها استحباباً أو لحاجة عارضة ‏؟‏ تنازعوا فيها، وكذلك نزوله بالمحصَّب عند الخروج من منى لمّا اشتبه‏:‏ هل فعله لأنه كان أسمح لخروجه ‏(34)‏ أو لكونه سنة ‏؟‏ تنازعوا في ذلك‏.‏ ومن هذا وضع ابن عمر يده على مقعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتعريف ابن عباس بالبصرة وعمرو بن حريث بالكوفة؛ فإن هذا لمّا لم يكن يفعله سائر الصحابة، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرعه لأمته لم يمكن أن يقال‏:‏ هذا سنة مستحبة‏.‏

ومن هذه القاعدة العظيمة وما ذكر لها من الأمثلة يتضح بطلان ما يفعله بعض الخرافيين من تعظيمهم الآثار التي تنسب إلى الأنبياء أو الصالحين؛ فيتبركون بها ويقصدونها للعبادة كغار حراء وغار ثور، ومكان المولد بمكة والمساجد السبعة بالمدينة، وبقية مساجد المدينة غير المسجد النبوي ومسجد قباء؛ فإن قصد تلك الأمكنة والتعبد فيها من البدع ومن وسائل الشرك‏.‏
كتاب {أضواء من فتاوى ابن تيمية }لسماحة الشيخ العلامة صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله

12d8c7a34f47c2e9d3==