المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أقسام الهداية من فوائد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغفر له


كيف حالك ؟

الناصر
12-22-2005, 06:36 PM
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج18 ص 170 إلى 178:( فصل : فلما ذكر فى أول الحديث ما أوجبه من العدل وحرمه من الظلم على نفسه وعلى عباده ذكر بعد ذلك إحسانه إلى عباده مع غناه عنهم وفقرهم إليه وأنهم لا يقدرون على جلب منفعة لأنفسهم ولا دفع مضرة إلا أن يكون هو الميسر لذلك وأمر العباد أن يسألوه ذلك وأخبر
أنهم لا يقدرون على نفعه ولا ضره مع عظم ما يوصل إليهم من النعماء ويدفع عنهم من البلاء وجلب المنفعة ودفع المضرة إما أن يكون فى الدين أو فى الدنيا فصارت أربعة أقسام الهداية والمغفرة وهما جلب المنفعة ودفع المضرة فى الدين والطعام والكسوة وهما جلب المنفعة ودفع المضرة فى الدنيا وإن شئت قلت الهداية والمغفرة يتعلقان بالقلب الذى هو ملك البدن وهو الأصل فى الأعمال الإرادية والطعام والكسوة يتعلقان بالبدن الطعام لجلب منفعته واللباس لدفع مضرته
وفتح الأمر بالهداية فإنها وإن كانت الهداية النافعة هى المتعلقة بالدين فكل اعمال الناس تابعة لهدى الله إياهم كما قال سبحانه ( سبح إسم ربك الأعلى الذى خلق فسوى والذى قدر فهدى ( وقال موسى ( ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى ( وقال تعالى ( وهديناه النجدين ) وقال ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا (
ولهذا قيل الهدى أربعة أقسام
( احدها ( الهداية إلى مصالح الدنيا فهذا مشترك بين الحيوان الناطق والأعجم وبين المؤمن والكافر
و ( الثانى ( الهدى بمعنى دعاء الخلق إلى ما ينفعهم وأمرهم بذلك وهو نصب الأدلة وإرسال الرسل وإنزال الكتب فهذا أيضا يشترك فيه جميع المكلفين سواء آمنوا أو كفروا كما قال تعالى وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ( وقال تعالى ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ( وقال تعالى ( وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم ( فهذا مع قوله ( إنك لا تهدى من أحببت ( يبين أن الهدى الذى أثبته هو البيان والدعاء والأمر والنهى والتعليم وما يتبع ذلك ليس هو الهدى الذى نفاه وهو القسم الثالث الذى لا يقدر عليه إلا الله
والقسم الثالث ( الهدى الذى هو جعل الهدى فى القلوب وهو الذى يسميه بعضهم بالإلهام والإرشاد وبعضهم يقول هو خلق القدرة على الإيمان كالتوفيق عندهم ونحو ذلك وهو بناء على أن الإستطاعة لا تكون إلا مع الفعل فمن قال ذلك من أهل الإثبات جعل التوفيق والهدى ونحو ذلك خلق القدرة على الطاعة
وأما من قال أنهما إستطاعتان
( إحداهما ( قبل الفعل وهى الإستطاعة المشروطة فى التكليف كما قال تعالى ( ولله على الناس حج البيت من إستطاع إليه سبيلا (
وقال النبى لعمران بن حصين ( صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ( وهذه الإستطاعة يقترن بها الفعل تارة والترك أخرى وهى الإستطاعة التى لم تعرف القدرية غيرها كما أن أؤلئك المخالفين لهم من أهل الإثبات لم يعرفوا إلا المقارنة وأما الذى عليه المحققون من أئمة الفقه والحديث والكلام وغيرهم فاثبات النوعين جميعا كما قد بسطناه فى غير هذا الموضع فإن الأدلة الشرعية والعقلية تثبت النوعين جميعا والثانية المقارنة للفعل وهى الموجبة له وهى المنفية عمن لم يفعل فى مثل قوله ( ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ( وفى قوله ( لا يستطيعون سمعا ( وهذا الهدى الذى يكثر ذكره فى القرآن فى مثل قوله ( إهدنا الصراط المستقيم ( وقوله ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ( وفى قوله ( من يهدى الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ( وأمثال ذلك
وهذا هو الذى تنكر القدرية أن يكون الله هو الفاعل له ويزعمون أن العبد هو الذى يهدى نفسه وهذا الحديث وأمثاله حجة عليهم حيث قال ( يا عبادى كلكم ضال إلا من هديته فإستهدونى أهدكم ( فأمر العباد بأن يسألوه الهداية كما امرهم بذلك فى أم
الكتاب فى قوله ( إهدنا الصراط المستقيم ( وعند القدرية إن الله لا يقدر من الهدى إلا على ما فعله من إرسال الرسل ونصب الأدلة وإزاحة العلة ولا مزية عندهم للمؤمن على الكافر فى هداية الله تعالى ولا نعمة له على المؤمن أعظم من نعمته على الكافر فى باب الهدى
وقد بين الإختصاص فى هذه بعد عموم الدعوة فى قوله ( والله يدعوا إلى دار السلام ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم ( فقد جمع الحديث تنزيهه عن الظلم الذى يجوزه عليه بعض المثبتة وبيان أنه هو الذى يهدى عباده ردا على القدرية فأخبر هناك بعدله الذى يذكره بعض المثبتة وأخبر هنا بإحسانه وقدرته الذى تنكره القدرية وإن كان كل منهما قصده تعظيما لا يعرف ما إشتمل عليه قوله
والقسم الرابع الهدى فى الآخرة كما قال تعالى ( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار يحلون فيها من اساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ( وقال ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجرى من تحتهم الأنهار فى جنات النعيم ( فقوله ( يهديهم ربهم بإيمانهم ( كقوله (
( والذين آمنوا وإتبعتهم ذريتهم بإيمان الحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شىء ( على أحد القولين فى الآية وهذا الهدى ثواب الإهتداء فى الدنيا كما أن ضلال الآخرة جزاء ضلال الدنيا وكما أن قصد الشر فى الدنيا جزاؤه الهدى إلى طريق النار كما قال تعالى ( إحشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فإهدوهم إلى صراط الجحيم (
وقال ( ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا (
وقال ( فأما يأتينكم منى هدى فمن إتبع هداى فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ( وقال ( من يهدى الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ( الآية فأخبر أن الضالين فى الدنيا يحشرون يوم القيامة عميا وبكما وصما فإن الجزاء أبدا من جنس العمل كما قال ( الراحموان يرحمهم الرحمن إرحموا من فى الأرض يرحكم من فى السماء ( وقال ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله فى الدنيا والآخرة والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه ( وقال ( من سئل عن علم يعلمه فكتمه الجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ( وقد قال تعالى ( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ( وقال تعالى ( إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا ( وأمثال هذا كثير فى الكتاب والسنة
ولهذا أيضا يجزى الرجل فى الدنيا على ما فعله من خير الهدى بما يفتح عليه من هدى آخر ولهذا قيل من عمل بما علم ورثه الله علم مالم يعلم وقد قال ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ( إلى قوله ( مستقيما ( وقال ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من إتبع رضوانه سب السلام وقال ( يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم ( وقال ( أن تتقو الله يجعل لكم فرقانا ( فسروه بالنصر والنجاة كقوله يوم الفرقان ( وقد قيل نور يفرق به بين الحق والباطل ومثله قوله ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ( وعد المتقين بالمخارج من الضيق وبرزق المنافع
ومن هذا الباب قوله ( والذين إهتدوا زادهم هدى وآتاهم
تقواهم ( وقوله ( أنهم فتية آمنوا بربهم وزدنادهم هدى ( ومنه قوله ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا ( وبإزاء ذلك أن الضلال والمعاصى تكون بسبب الذنوب المتقدمة كما قال الله ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ( وقالوا ( قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم ( وقال ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ( وقال ( وإقسموا بالله جهد أيمانهم ( إلى قوله ( لايؤمنون ( إلى قوله ( يعمهون ( وهذا باب واسع ولهذا قال من قال من السلف أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها وأن من عقوبة السيئة السيئة بعدها وقد شاع فى لسان العامة أن قوله ( إتقوا الله ويعلمكم الله ( من الباب الأول حيث يستدلون بذلك على إن التقوى سبب تعليم الله وأكثر الفضلاء يطعنون فى هذه الدلالة لأنه لم يربط الفعل الثانى بالأول ربط الجزاء بالشرط فلم يقل وإتقوا الله ويعلمكم ولا قال فيعلمكم وإنما أتى بواو العطف وليس من العطف ما يقتضى أن الأول سبب الثانى وقد يقال العطف قد يتضمن معنى الإقتران والتلازم كما يقال زرنى وأزورك وسلم علينا ونسلم عليك ونحو ذلك مما يقتضى إقتران الفعلين والتعاوض من الطرفين كما لو قال لسيده إعتقنى ولك على ألف أو قالت المرأة لزوجها طلقنى ولك ألف أو إخلعنى ولك الف فإن ذلك بمنزلة قولها بألف أو على ألف وكذلك أيضا لو قال أنت حر وعليك الف أو أنت طالق وعليك الف فإنه كقوله على ألف أو بالف عند جمهور الفقهاء والفرق بينهما قول شاذ ويقول أحد المتعاوضين للآخر أعطيك هذا وآخذ هذا ونحو ذلك من العبارات فيقول الآخر نعم وإن لم يكن أحدهما هو السبب للآخر دون العكس فقوله ( وإتقوا الله ويعلمكم الله ( قد يكون من هذا الباب فكل من تعليم الرب وتقوى العبد يقارب الآخر ويلازمه ويقتضه فمتى علمه الله العلم النافع إقترن به التقوى بحسب ذلك ومتى اتقاه زاده من العلم وهلم جرا

قال ابن القيم رحمه الله في نونيته :(
وانظر الى الاقدار جارية بما *** قد شاء من غي ومن ايمان
واجعل لقلبك مقلتين كلاهما *** بالحق في ذا الخلق ناظرتان
فانظر بعين الحكم وارحمهم بها *** اذ لا ترد مشيئة الديان
وانظر بعين الامر واحملهم على *** احكامه فهما إذا نظران
واجعل لوجهك مقلتين كلاهما *** من خشية الرحمن باكيتان
لوشاء ربك كنت أيضا مثلهم *** فالقلب بين أصابع الرحمن
واحذر كمائن نفسك اللاتي متى *** خرجت عليك كسرت كسر مهان
واذا انتصرت لها فأنت كمن بغى *** طفي الدخان بموقد النيران
والله أخبر وهو أصدق قائل *** أن سوف ينصر عبده بأمان
من يعمل السوآء سيجزى مثلها *** او يعمل الحسنى يفز بجنان
هذي وصية ناصح ولنفسه *** وصى وبعد لسائر الاخوان )0

مفتاح السلفي
12-22-2005, 06:52 PM
نسأل الله الهداية ونسأله الثبات على السنة

الناصر
12-22-2005, 10:23 PM
آمين
وبارك الله في الجميع ومعذرة أخي مفتاح على ما كان مني نحوك غفر الله لي ولك ولجميع إخواننا ورزقنا الموت على الإسلام والسنة وتوفانا وهو راض عنا بمنه وكرمه

12d8c7a34f47c2e9d3==