المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح حديث حذيفة رضي الله عنه في الفتن للشيخ عمر الحربي


كيف حالك ؟

قاعد العتيبي
12-13-2005, 09:39 PM
تيسير القدوس السلام في شرح فضل الاسلام)
الحديث : عن حذيفة- رضي الله عنه-قال:كان النَّاسُ يَسأَلونَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن الخير وأنا أسألُهُ عن الشَّرِّ مخافة أن يُدركني فقلت يا رسول الله:إنَّا كنَّا في جاهليةٍ وشر فجاءنا اللهُ بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال:نعم.فقلتُ:وهل بعد ذلك الشَّرِّ من خير؟( قال: نعم وفيه دخن)قلت: وما دَخَنُه؟قال:قوم يستنون بغير سنتي ويَهْدُون بغير هديي تَعْرِف منهم وتُنْكِر قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال:نعم فتنةٌ عَمْيَاء ودعاةٌ على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها.قلتُ:يا رسول الله صفهم لنا قال : (قوم من جِلْدَتِنَا ويتكلَّمونَ بألسِنَتِنَا-قلت:يا رسول الله ما تأمرني إنْ أدركت ذلك؟ قال:تلزم جماعةَ المسلمين وإمامهم . قلتُ:فإنْ لم يكن لهم جماعة ولا إمام. قال:فاعتزل تلك الفِرَقَ كُلَّهَا ولو أن تَعَضَّ على أصلِ شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك) أخرجاه وزاد مسلم: ثم ماذا؟ قال: يخرج الدجال معه نهر ونار فمن وقع في ناره وجب أجره وحُطَّ عنه وزره ومن وقع في نهره وجب وزره وحُطَّ أجره . قلتُ ثم ماذا ؟ قال : هي قيام الساعة).

الشرح لشيخ عمر الحربي :
قوله :( كان النَّاسُ يَسأَلونَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن الخير وأنا أسألُهُ عن الشَّرِّ مخافة أن يُدركني ) .
الشرح :المراد بالناس هنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على فضلهم وحرصهم على الخير .
وسؤال حذيفة- رضي الله عنه- عن الشر قبل أن يقع وإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم له على هذا السؤال ثم إجابته صلى الله عليه وسلم على هذا السؤال يدل على فضل معرفة سبيل المجرمين على التفصيل كما قال تعالى:{ وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}(55)سورة الأنعام.وأنَّ هذا من العلم النافع ومن هذا العلم معرفة الفِرق الضالة من هذه الأمة ومعرفة أقوالها المخالفة لسبيل المؤمنين والرَّدِّ عليها وكشف الشُّبه التي يخدعون بها كثير من الناس .
وفي هذا ردٌّ على حسن البنَّا وطائفته الضالة فإنهم يزعمون أنَّ كل مجتهدٍ مصيب حتى في الأصول ويُهوِّنون من أمر العقيدة الصحيحة ويزعمون أنَّ الحق متفرق في الأمة وليس هناك طائفةٌ على الحق ؛ فردوا النصوص الصحيحة ومنها

قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر:( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرُّهم من خالفهم و لا من خذلهم حتى يأتي أمر الله). وقوله صلى الله عليه



وسلم:( وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)قيل من يا رسول الله؟قال:(هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي).
وحديث حذيفة هذا يسمى حديث الفتنة وهو أصل في معرفة الفتن قبل وقوعها وموقف المسلم منها إذا وقعت ؛ هذا إذا فُسِّر الحديث بالنصوص وأقوال الصحابة- رضي الله عنهم- فإنَّ من لم يتبع العلم اتبع الهوى.
قوله :( فقلت يا رسول الله : إنَّا كنَّا في جاهليةٍ وشر..).
الشرح : المراد بالجاهلية هنا الجاهلية المطلقة وهي الجاهليةُ العامةُ وهذه كانت قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، أما بعد المبعث فلا ، دليله قوله صلى الله عليه وسلم:(لا تزال طائفةٌ من أمتي قائمةٌ بأمر الله ، لا يضرُّهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمرُ الله وهم ظاهرون على الناس ). ومن الجاهلية المطلقة ما يسمى بالجاهلية الأولى قال قتادة- رحمه الله- في قوله تعالى: { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأْولَى }(33)سورة الأحزاب: "هي ما قبل الإسلام"ذكره البغوي- رحمه الله- في تفسيره.
أما بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم فتوجد جاهلية مقيدة لا مطلقة وهي من حيث الحكم على قسمين :
الأول : جاهليَّةُ كفر ومن هذا القسم قوله تعالى:{ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } (154)سورة آل عمران .
الثاني : جاهليَّةُ معصيةٍ دون الكفر . قال البخاري- رحمه الله- في صحيحة (باب المعاصي من أمر الجاهليَّة ولا يكفر صاحبُها بارتكابها إلاَّ بالشرك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:( إنَّك امْرؤٌ فيك جاهليَّة).وقال الله عز وجل:{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء }(48) سورة النساء ).
قوله :( فجاءنا اللهُ بهذا الخير .. ).
الشرح : أي القرآن والسنة وقد جاء هذا الخير بعد مَبْعَث النبي صلى الله عليه وسلم .


قوله :( فَهَل بعد هذا الخير من شر ؟قال: نعم) .
الشرح :وهذا الشر يفسِّره ما ثبت في مسند الإمام أحمد- رحمه الله- بسند صحيح من حديث عبد الله بن حوالة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( من نجا من ثلاث فقد نجا- ثلاث مرَّات- موتي وقتل خليفة مصطبر بالحق معطيه والدجَّال).
فكان أول هذا الشر حصل بعد موته صلى الله عليه وسلم والعصمة منه اتباع سنة أول الخلفاء الراشدين المهديين وهو أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- وقد ثبت في صحيح البخاري عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم:( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكرٍ بالسُّنح ، قال إسماعيل:تعني بالعالية ، فقام عُمر يقول:والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:وقال عمر:والله ما كان يقع في نفسي إلاَّ ذاك وليبعثنَّه الله فليقطعنَّ أيدي رجال وأرْجُلَهُمْ.فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبَّله فقال: بأبي أنت وأمي طبت حيَّاً وميِّتاً والله الذي نفسي بيده لا يُذيقك الله الموتَتَيْن أبداً ثمَّ خرج فقال:أيها الحالف على رسْلك فلمَّا تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال:ألا من كن يعبدُ محمداً فإن محمداً صلى الله عليه وسلم قد مات ومن كان يعبدُ الله فإن الله حيٌّ لا يموت وقال:{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ } (144) سورة آل عمران.
وقال عبد الله بن مسلم عن الزبيدي قال عبد الرحمن بن القاسم أخبرني أبي عن القاسم عن عائشة-رضي الله عنها- قال:شخص بصرُ النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:(في الرفيق الأعلى ) ثلاثاً وقصَّ الحديث.قالت عائشة فما كانت من خطبتهما من خطبةٍ إلا نفع الله بها ، لقد خوَّف عمر الناس وإنَّ فيهم لنفاقاً فردهم الله بذلك ، ثم بصَّر أبوبكر الناس الهدى وعرَّفهم الحق الذي عليهم وخرجوا به يتلون:{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ


وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }(144)سورة آل عمران.
ومن هذا الشر كفر من كفر من العرب بعد وفاته صلى الله عليه وسلم والعصمة منه السيف إي قتالهم دلَّ على هذا رواية في مسند أحمد بسندٍ صحيح وفيه قال حذيفة- رضي الله عنه- : (فقلت يا رسول الله هل بعد هذا الخير شر كما كان قبله شر ؟ قال:( نعم )قلت:فما العصمة منه ؟ قال:(السيف).
وقد قام عليهم الخليفة الراشد المهدي أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- ومعه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد روى البخاري- رحمه الله- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:لمَّا توفي النبي صلى الله عليه وسلم واسْتخلفَ أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر : يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( أُمِرْتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال: لا إله إلا الله عَصَمَ منِّي مالَهُ ونفسه إلا بحقِّه وحسابه على الله)قال أبو بكر: والله لأُقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة . فإنَّ الزكاة حق المال والله لو منعوني عَناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر- رضي الله عنه- فو الله ما هو إلا أن رأيتُ أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفتُ أنه الحقُّ .
ومن هذا الشر قتل الخليفة الراشد المهدي عثمان- رضي الله عنه- فإنه صَبَرَ ولم يدافع عن نفسه ونهى الناس أن يُقاتلوا لأجله فوفَّى- رضي الله عنه- بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عهد إليه وهو ما صحَّ في مسند أحمد من حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت : قال رسول صلى الله عليه وسلم:(ادعوا إليَّ بعض أصحابي)قلت: أبو بكر؟قال:(لا)قلت: عمر؟قال: (لا)قلت:ابن عمك علي؟قال : ( لا)قالت:قلت عثمان؟ قال: (نعم) فلمَّا جاء قال" تنحَّي"جعل يُساره ولون عثمان



يتغير،فلمَّا كان يوم الدار وحصر فيها قلنا:يا أمير المؤمنين ألا تقاتل؟قال:لا ؛ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إليَّ عهداً، وإني صابر نفسي عليه.
وفي صحيح البخاري- رحمه الله- من حديث أبي موسى- رضي الله عنه- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً وأمرني بحفظ باب الحائط فجاء رجل يستأذن فقال:( ائذن له وبشره بالجنة) فإذا أبو بكر، ثم جاء آخر يستأذن فقال :(ائذن له وبشره بالجنة)فإذا عمر، ثم جاء آخر يستأذن فسكتَ هُنَيهَةً ثم قال:( ائذن له وبشره بالجنة على بلوى سَتُصيبُهُ )فإذا عثمان بن عفَّان .
وصحَّ في مسند أحمد من حديث ابن حوالة- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:(يا بن حوالة كيف تفعل في فتنة تخرج في أطراف الأرض كأنها صياصي بقر؟) قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله.قال:(وكيف تفعل في أخرى تخرج بعدها كأنَّ الأولى فيها انتفاخة أرنب) قلت:لا أدري ما خار الله لي ورسوله. قال:( اتبعوا هذا )قال:ورجل مقفي حينئذٍ قال: فانطلقتُ فسعيت وأخذت بمنكبيه فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذا ؟ قال: نعم. قال: وإذا هو عثمان بن عفَّان- رضي الله تعالى عنه- .
وقد ذمَّ حذيفة- رضي الله عنه- الذين خرجوا على عثمان- رضي الله عنه- صحَّ هذا في مسند أحمد من طريق كثير بن أبي كثير حدثنا ربعي بن حراش عن حُذيفة أنه أتاه بالمدائن فقال له حذيفة: ما فعل قومك؟قال:قلت عن أي بالهم تسأل؟قال:من خرج منهم إلى هذا الرجل- يعني عثمان- قال:قلت فلان وفلان وفلان.قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(من خرج من الجماعة واستذل الإمارة لقي الله عز وجل ولا وجه له عنده).

قوله :(فقلتُ:وهل بعد ذلك الشَّرِّ من خير؟(قال:نعم وفيه دخن)قلت:وما دَخَنُه؟قال:قوم يستنون بغير سنتي ويَهْدُون بغير هديي تَعْرِف منهم وتُنْكِر ..).



الشرح :قال شيخ الإسلام في منهاج السنة ( 1 / 560 ) ما حاصله:
( أنَّ هذا جاء مفسَّراً في حديث آخر عن حذيفة قال عن الخير الثاني : ( صُلح على دَخَن ) وجماعة على أقذاء فيها ، وقلوب لا ترجع إلى ما كانت عليه ) فالمراد بهذا الخير اجتماع الناس لمَّا اصطلح معاوية والحسن ، لكن كان صلحاً على دَخَن ، وجماعة على أقذاء فكان في النفوس ما فيها أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو الواقع ).
قوله :(قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم فتنةٌ عَمْيَاء ودعاةٌ على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ..).
ش : وهذا الشر أعظم من الذي قبله كما قال صلى الله عليه وسلم:( لا يأتي زمان إلا الذي بعده شرٌّ منه حتى تلقون ربكم ) . رواه البخاري- رحمه الله- من حديث أنس- رضي الله عنه- .
وهؤلاء الدعاة هم دعاة الضلالة أي البدعة وهؤلاء يكثرون في آخر الزمان . دلَّ على هذا ما صح في مسند الإمام أحمد- رحمه الله- وفيه قال صلى الله عليه وسلم :( ثم تنشأُ دعاة الضلالة فإن كان يومئذٍ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك فالزمه ، وإلاَّ فمت وأنت عاضٌّ على جذل شجرة) قال:قلتُ ثم ماذا ؟قال:(يخرج الدجَّال بعد ذلك معه نهر ونار ..) الحديث.فجعل خروج الدجَّال بعد خروج دعاة الضلالة فهم يشبهونه في عظم الفتنة ولهذا جاء ذكرهم مقروناً بذكر الدجَّال .
قوله :(من أجابهم إليها قذفوه فيها ..) يُردُّ إلى أصلٍ محكم وهو قوله تعالى:{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء }(48)سورة النساء . فما دون الشرك من البدع والمعاصي فإنَّ صاحبها إذا مات ولم يتب منها فإنه تحت المشيئة إنْ شاء الله عذَّبه وإنْ شاء عفى عنه . والعمل المُبْتَدع مردود ليس لعامله أجر لعموم حديث عائشة- رضي الله عنها- مرفوعاً :( من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ ).رواه مسلم .


قوله :(قلتُ: يا رسول الله صفهم لنا قال:(قوم من جِلْدَتِنَا ويتكلَّمونَ بألسِنَتِنَا قلت : يا رسول الله ما تأمرني إنْ أدركت ذلك؟قال:تلزم جماعةَ المسلمين وإمامهم ..).
الشرح : قال بعض أهل العلم:معناه أنهم في الظاهر على ملتنا وفي الباطن مخالفون .
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ العصمة من شرِّ دعاة الضلالة لزوم جماعة المسلمين وإمامهم . والمراد بجماعة المسلمين الحق وأتباعه وإن كانوا أقل الناس فهم الجماعة لما ثبت في صحيح مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء ) . قال ابن القيم -رحمه الله- في كتابه إغاثة اللهفان ( 1 / 76 ) :
(وما أحسن ما قال أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتاب الحوادث والبدع : " حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق و اتباعه ، وإن كان المتمسك به قليلاً والمخالف له كثيراً لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولا نظر إلى كثرة أهل البدع بعدهم . قال عمرو بن ميمون الأودي صحبت معاذاً باليمن فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام ، ثم صحبت بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- فسمعته يقول:عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ، ثم سمعته يوماً من الأيام وهو يقول:سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فصلوا الصلاة لميقاتها ، فهي الفريضة ، وصلوا معهم فإنها لكم نافلة.قال:قلتُ:يا أصحاب محمد ما أدري ما تحدثونا ؟قال:وما ذاك ؟قلتُ:تأمرني بالجماعة وتحضني عليها ثم تقول:صلِّ الصلاة وحدك وهي الفريضة وصلِّ مع الجماعة وهي نافلة ؟ قال : يا عمرو بن ميمون ، قد كنتُ أظنك من أفقه أهل هذه القرية تدري ما الجماعة ؟قلتُ: لا.قال: إن جمهور الجماعة: الذين فارقوا الجماعة. الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك وفي طريق أخرى : فضرب على فخذي وقال:ويحك،إن جمهور الناس فارقوا الجماعة ، وإن الجماعة ما وافق طاعة
الله عز وجل قال نعيم بن حماد:"يعي إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد ، وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذٍ"ذكره البيهقي وغيره.وقال أبو شامة عن مبارك عن الحسن البصري قال:"السنة والذي لا إله إلا هو، بين الغالي والجافي ، فا صبروا عليها رحمكم الله . فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى ، وهم أقل الناس فيما بقي : الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم ، ولا مع أهل البدع في بدعهم ، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم ، فكذلك إن شاء الله فكونوا ") ا هـ .
وما أحسن ما قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- في رده على أحد المخالفين كما في الدُّرَرُ السَّنيَّة ( 10 /42 ) حيث يقول :
( وأما استدلالك بالأحاديث التي فيها إجماع الأمة والسواد الأعظم ،وقول:من شذًَ شذًَ في النار، ويد الله على الجماعة وأمثال هذا ، فهذا أيضاً من أعظم ما تلبس به على الجُهَّال ، وليس هذا معنى الأحاديث بإجماع أهل العلم كلهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنَّ الإسلام سيعود غريباً ، فكيف يأمرنا باتباع غالب الناس ؟! وكذلك الأحاديث الكثيرة منها قوله : ( يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلاَّ اسمه ولا من القرآن إلاَّ رسمه ) . وأحاديث عظيمة كثيرة يبين صلى الله عليه وسلم أنَّ الباطل يصير أكثر من الحق ، وأنَّ الدين يصير غريباً ولو لم يكن في ذلك إلاَّ قوله صلى الله عليه وسلم : ( ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ) . هل بعد هذا البيان بيان ؟ يا ويلك ! كيف تأمر بعد هذا باتباع أكثر الناس ؟! ... إلى أن قال رحمه الله : يا سلامة ولد أم سلامة هذا كلام الصحابة في تفسير السواد الأعظم ، وكلام التابعين وكلام السلف وكلام المتأخرين ، حتى ابن مسعود ذكر في زمانه : أنَّ أكثر الناس فارقوا الجماعة ، وأبلغ من هذه : الأحاديث المذكورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غربة الدين وتفرق هذه الأمة أكثر من سبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ، فإن كنت قد وجدت


في علمك أو علم أبيك ما يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلماء وأنَّ عنزة وآل ظفير والبوادي يجب علينا اتباعهم فأخبرونا ، و صلى الله على محمد ) .
ولزوم إمام المسلمين بطاعته في غير معصية الله وعدم الخروج عليه وبذل النصيحة له والدعاء له بالخير وهذا من أصول أهل السنة والجماعة أمَّا أهل الأهواء كالخوارج والمعتزلة والزيدية وغيرهم فإنهم يرون القتال للأئمة من أصول دينهم .
قوله : ( قلتُ : فإنْ لم يكن لهم جماعة ولا إمام . قال : فاعتزل تلك الفِرَقَ كُلَّهَا ولو أن تَعَضَّ على أصلِ شجرة حتى يأتيك الموتُ وأنت على ذلك ) أخرجاه .
الشرح : لمَّا أخبر صلى الله عليه وسلم أنَّ العصمة من فتنة دعاة الضلالة لزوم جماعة المسلمين وإمامهم إذْ هم ضد الجماعة والإمام ؛ سأل حذيفة- رضي الله عنه- عن العصمة من فتنتهم إذا لم يكن جماعة ولا إمام فأمره أن يعتزل تلك الفِرق كُلها فدلَّ الحديث على أنَّ هؤلاء الدعاة هم دعاة الفرق الضالة المذكورة في حديث افتراق الأمة مع أنَّ هذه الفِرق من الأمة ولم تخرج عن دائرة الإسلام ؛ جاء الأمر باعتزالها لأن في ذلك مصلحة راجحة فإنَّ الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ولا ينهى إلاَّ عمَّا مفسدته خالصة أو راجحة . واعتزال أهل البدع وبغضهم وتحذير الناس من رؤوسهم وأعيانهم هو دأب من كان قبلنا من السلف الصالح.قال الأوزاعي- رحمه الله- كانت أسلافكم تشتد عليهم- أي على أهل البدع- ألسنتهم ، وتشمئز منهم قلوبهم ، ويُحذِّرون الناس بدعتهم .
وعن الحسن قال:لا تجالس صاحب بدعة فإنه يُمرض قلبك .وقال إبراهيم النخعي:لا تُجالسوا أهل البدع ولا تُكلِّموهم فإني أخاف أن ترتدَّ قلوبكم.روى هذه الآثار ابن وضَّاح في كتاب ( البدع والنهي عنها).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- في كتابه مفيد المستفيد:(واعلم رحمك الله أنَّ كلام السَّلف في معاداة أهل البدع والضلالة في ضلالة لا تُخرج من الملَّة)ا هـ.


قال البخاري- رحمه الله- في كتاب ( الرقائق ) من صحيحه:
بابٌ :( العُزلَةُ راحةٌ مِنْ خُلاَّط السوءِ ) ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( يأتي على الناس زمان خير مال المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطرِ يفرُّ بدينه من الفتن).
وقال- رحمه الله- في كتاب ( الفتن ) من صحيحه:
باب(التَعرُّبُ في الفتنة )حدثنا قتيبة بن سعيد:حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع: أنَّهُ دخل على الحجاج فقال: يا بن الأكوع ارتَدَدْتَ على عقبيك تعرَّبت؟قال:لا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو.وعن يزيد بن أبي عبيد قال:لمَّا قتل عثمان بن عفَّان خرج سلمة بن الأكوع إلى الرَّبذة وتزوج هناك امرأة وولدت له أولاداً فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليالٍ نزل المدينة .
وقال- رحمه الله- في كتاب ( الإيمان ) من صحيحه:باب( من الدين الفِرارُ من الفتن )ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- .
قال شيخ الإسلام بن تيمية- رحمه الله- في كتابه الإستقامة( 2 / 61 ):(ولا يُشرع في ديننا سُكنى البوادي والجبال إلا عند الفرار من الفتن).
قوله :( وزاد مسلم: ثم ماذا ؟قال :يخرج الدجال معه نهر ونار فمن وقع في ناره وجب أجره وحُطَّ عنه وزره ومن وقع في نهره وجب وزره وحُطَّ أجره . قلتُ ثم ماذا ؟قال: هي قيام الساعة).
الشرح : لم أقف على هذه الزيادة في صحيح مسلم وهي عند الإمام أحمد في المسند وعند أبي داود .
ولا شك أنَّ فتنة الدجَّال من أعظم الفتن فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عمران بن حصين- رضي الله عنه- قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(مابين خلق آدم إلى قيام الساعة , خلق أكبر من الدجال) وفي رواية( أمر


أكبر من الدجال)ومع عظم فتنته إلاَّ أنَّ أهل الحق وهم المتمسكون بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم الفرقة الناجية المنصورة يردون عليه ويحذرون الناس منه , وقد ثبت أنَّ رجلاً من المؤمنين من أهل المدينة النبوية عنده علم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبين باطله أمام الناس , ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخُدري- رضي الله عنه- قال:حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً حديثاً طويلاً عن الدجال فكان فيما حدثنا قال : ( يأتي وهو محرّمٌ عليه أن يدخل نقاب المدينة , فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة , فيخرج إليه يومئذٍ رجل هو خير الناس , أو من خير الناس , فيقول له: أشهد أنَّك الدجَّال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه . فيقول الدجَّال : أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييتُهُ أتشكون في الأمر ؟ فيقولون:لا.قال فيقتله ثم يحييه, فيقول الرجل حين يُحييه:والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة منِّي الآن,قال فيريد الدجَّال: أن يقتله فلا يسلط عليه) وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( ثم يقول المؤمن يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس. قال:فيأخذه الدجال ليذبحه فيُجعل مابين رقبته إلى ترقوته نحاساً , فلا يستطيع إليه سبيلا , قال:فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنَّما قذفه إلى النار وإنما أُلقي في الجنة)فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين).[/color]

النبيل
12-14-2005, 01:23 PM
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على الرحمة المهداة للعالمين
جزى الله خيرا أخانا الناقل خير الجزاء ، ووفق وبارك في الشيخ عمر الحربي فقد أجاد وأفاد ، فلله دره
وعليه شكره .
والله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح والكلم الطيب إنه ولي ذلك والقادر عليه
ولا حول ولا قوة إلا بالله .

12d8c7a34f47c2e9d3==