المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (من الإيمان بالله:الصبر على أقدار الله)


كيف حالك ؟

قاسم علي
12-08-2005, 04:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
(من الإيمان بالله:الصبر على أقدار الله)
قوله : ( باب من الإيمان بالله : الصبر على أقدار الله )
قال الإمام أحمد : ذكر الله تعالى الصبر في تسعين موضعاً من كتابه . وفي الحديث الصحيح : " الصبر ضياء " رواه أحمد ومسلم، وللبخاري ومسلم مرفوعاً : " ما أعطى أحد عطاء خيراً أوسع من الصبر " قال عمر رضي الله عنه : وجدنا خير عيشنا بالصبر رواه البخاري . قال علي رضي الله عنه : " إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ـ ثم رفع صوته ـ فقال : ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له " .
واشتقاقه : من صبر إذا حبس ومنع . والصبر حبس النفس عن الجزع ، وحبس اللسان عن التشكي والتسخط ، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوهما ذكره ابن القيم رحمه الله .
واعلم أن الصبر ثلاثة أقسام : صبر على ما أمر الله به ، وصبر عما نهى عنه ، وصبر على ما قدره من المصائب .
قوله : وقول الله تعالى : ' 64 : 11 ' " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " .
وأول الآية : " ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله " أي بمشيئته وإرادته وحكمته ، كما قال في الآية الآخرى : ' 57 : 22 ' " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير " وقال : ' 2 : 154 ' " وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " .

معنى قول الله " ومن يؤمن بالله يهد قلبه "
قوله : " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " قال ابن عباس في قوله : " إلا بإذن الله " إلا بأمر الله يعني عن قدره ومشيئته " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " أي من صابته مصيبة فعلم أنها بقدر الله فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبه وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ، ويقيناً صادقاً . وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه .
قوله : " والله بكل شيء عليم " تنبيه على أن ذلك إنما يصدر عن علمه المتضمن لحكمته . وذلك يوجب الصبر والرضا .
قوله : قال علقمة : هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم .
هذا الأثر رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .
وعلقمة : هو قيس بن عبد الله النخعي الكوفي . ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وسمع من أبي بكر وعثمان وعلي وسعد وابن مسعود وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم . وهو من كبار التابعين وأجلائهم وعلمائهم وثقاتهم مات بعد الستين .
قوله : هو الرجل تصيبه المصيبة إلخ . هذا الأثر رواه الأعمش عن أبي ظبيان . قال : كنا عند علقمة فقرىء عليه هذه الآية : " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " قال هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم . هذا سياق ابن جرير . وفي هذا دليل على أن الأعمال من مسمى الإيمان . قال سعيد بن جبير : " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " يعني يسترجع . يقول إنا لله وإنا إليه راجعون . وفي الآية بيان أن الصبر سبب لهداية القلب وأنها من ثواب الصابرين .
قوله : وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب ، والنياحة على الميت " .
أي هما بالناس كفر حيث كانتا من أعمال الجاهلية ، وهما قائمتان بالناس ولا يسلم منهما إلا من سلمه الله تعالى ورزقه علماً وإيماناً يستضيء به . لكن ليس من قام بشعبة من شعب الكفر يصير كافراً كالكفر المطلق . كما أنه ليس من قام به شبعة من شعب الإيمان يصير مؤمناً الإيمان المطلق . وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قوله : " ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة " وبين كفر منكر في الإثبات .
قوله : الطعن في النسب أي عيبه ، يدخل فيه أن يقال : هذا ليس ابن فلان مع ثبوت نسبه .
قوله : والنياحة على الميت أي رفع الصوت بالندب وتعداد فضائل الميت ، لما فيه من التسخط على القدر المنافي للصبر ، كقول النائحة : واعضداه ، واناصراه ، ونحو ذلك . وفيه دليل على أن الصبر واجب ، وأن الكفر ما لا ينقل عن الملة .

براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من ضرب الخدود إلخ
قوله : ولهما عن ابن مسعود مرفوعاً : " ليس منا من ضرب الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية " .
هذا من نصوص الوعيد ، وقد جاء عن سفيان الثوري وأحمد كراهية تأويلها ليكون أوقع في النفوس ، وأبلغ في الزجر ، وهو يدل على أن ذلك ينافي كمال الإيمان الواجب .
قوله : من ضرب الخدود وقال الحافظ : خص الخد لكونه الغالب وإلا فضرب بقية الوجه مثله .
قوله : وشق الجيوب هو الذي يدخل فيه الرأس من الثوب ، وذلك من عادة أهل الجاهلية حزناً على الميت .
قوله : ودعا بدعوى الجاهلية قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : هو ندب الميت . وقال غيره : هو الدعاء بالويل والثبور . وقال ابن القيم رحمه الله : الدعاء بدعوى الجاهلية كالدعاء إلى القبائل والعصبية، ومثله التعصب إلى المذاهب والطوائف والمشايخ، وتفضيل بعضهم على بضع ، يدعو إلى ذلك ويوالي عليه ويعادي ، فكل هذا من دعوى الجاهلية .
وعند ابن ماجه وصححه ابن حبان عن أبي أمامة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الخامشة وجهها ، والشاقة جبيها ، والداعية بالويل والثبور " .
وهذا يدل على أن هذه الأمور من الكبائر ، وقد يعفى عنه الشئ اليسير من ذلك إذا كان صدقاً وليس على وجه النوح والتسخط نص عليه أحمد رحمه الله ، لما وقع لأبي بكر وفاطمة رضي الله عنهما لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وليس في هذه الأحاديث ما يدل على النهي عن البكاء ، لما في الصحيح أن رسول الله صلى لله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم قال : " تدمع العين ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون " وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق إلى إحدى بناته ولها صبي في الموت ، فرفع إليه ونفسه تقعقع كأنها شن ، ففاضت عيناه ، فقال سعد : ما هذا يا رسول الله ؟ قال : هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عبادة الرحماء " .

من رحمته بالعبد تعجيل عقوبته في الدنيا
قوله : " وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة " .
هذا الحديث رواه الترمذي والحاكم وحسنه الترمذي . وأخرجه الطبراني والحاكم عن عبد الله بن مغفل ابن عدي عن أبي هريرة ، والطبراني عن عمار بن ياسر .
قوله : إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا أي يصب عليه البلاء والمصائب لما فرط من الذنوب منه ، فيخرج منها وليس عليه ذنب يوافى به يوم القيامة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : المصائب نعمة ، لأنها مكفرات للذنوب ، وتدعو إلى الصبر فيثاب عليها . وتقتضي الإنابة إلى الله والذل له ، والإعراض عن الخلق ، إلى غير ذلك من المصالح العظيمة . فنفس البلاء يكفر الله به الذنوب والخطايا . وهذا من أعظم النعم . فالمصائب رحمة ونعمة في حق عموم الخلق إلا أن يدخل صاحبها بسببها في معاصي أعظم مما كان قبل ذلك فيكون شراً عليه من جهة ما أصابه في دينه ، فإن من الناس من إذا ابتلى بفقر أو مرض أو وجع حصل له من النفاق والجزع ومرض القلب والكفر الظاهر وترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات ما يوجب له الضرر في دينه ، فهذا كانت العافية خيراً له من جهة ما أورثته المصيبة لا من جهة نفس المصيبة ، كما أن من أوجبت له المصيبة صبراً وطاعة ، كانت في حقه نعمة دينية ، فهي بعينها فعل الرب عز وجل ورحمة للخلق والله تعالى محمود عليها ، فمن ابتلى فرزق الصبر كان الصبر عليه نعمة في دينه ، وحصل له بعد ما كفر من خطاياه رحمة ، وحصل له بثنائه على ربه صلاة ربه عليه ، قال تعالى : ' 2 : 156 ' " أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة " وحصل له غفران السيئات ورفع الدرجات . فمن قام بالصبر الواجب حصل له ذلك انتهى ملخصاً .
قوله : وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه أي أخر عنه العقوبة بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة وهو بضم الياء وكسر الفاء منصوباً بحتى مبنياً للفاعل . قال العزيزي : أي لا يخازيه بذنبه في الدنيا حتى يجيء في الآخرة مستوفر الذنوب وافيها ، فيستوفى ما يستحقه من العقاب . وهذه الجملة هي آخر الحديث . فأما قوله : وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء " إلى آخره فهو أول حديث آخر ، لكن لما رواهما الترمذي بإسناد واحد وصحابي واحد جعلهما المصنف كالحديث الواحد .
وفيه التنبيه على حسن الرجاء وحسن الظن بالله فيما يقضيه لك ، كما قال تعالى : ' 2 : 216' " وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون " .
قوله : وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء . وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضى ، ومن سخط فله السخط " حسنه الترمذي .
قال الترمذي : حدثنا قتيبة ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس ، فذكر الحديث السابق ثم قال : وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن عظم الجزاء ... " الحديث . ثم قال حديث حسن غريب من هذا الوجه . ورواه ابن ماجه . وروى الإمام أحمد عن محمود بن لبيد رفعه: " إذا أحب الله قوماً ابتلاهم ، فمن صبر فله الصبر ، ومن جزع فله الجزع " قال المنذري : رواته ثقات .
قوله :إن عظم الجزاء بكسر العين وفتح الظاء فيها . ويجوز ضمها مع سكون الطاء . أي من كان ابتلاؤه أعظم كمية وكيفية .
وقد يحتج بهذا الحديث من يقول : إن المصائب يثاب عليها مع تكفير الخطايا ، ورجح ابن القيم أن ثوابها تكفير الخطايا فقط ، إلا إذا كانت سبباً لعمل صالح ، كالصبر والرضا والتوبة والإستغفار . فإنه حينئذ يثاب على ما تولد منها ، وعلى هذا يقال في معنى الحديث : إن عظم الجزاء مع عظم البلاء إذا صبر واحتسب .
قوله : وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ولهذا ورد في حديث سعد : " سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الناس أشد بلاء ؟ قال الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلي الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رقة ابتلى على قدر دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة " رواه الدرامى وابن ماجه والترمذي وصححه .
وهذا الحديث ونحوه من أدلة التوحيد ، فإذا عرف العبد أن الأنبياء والأولياء يصيبهم البلاء في أنفسهم الذي هو في الحقيقة رحمة ولا يدفعه عنهم إلا الله ، عرف أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا دفعاً ، فلأن لا يملكوه لغيرهم أولى وأحرى ، فيحرم قصدهم والرغبة إليهم في قضاء حاجة أو تفريج كربة ، وفي وقوع الإبتلاء بالأنبياء والصالحين من الأسرار والحكم والمصالح وحسن العاقبة ما لا يحصى .
قوله : فمن رضى فله الرضاء أي من الله تعالى ، والرضاء قد وصف الله تعالى به نفسه في مواضع من كتابه كقوله تعالى ' 98 : 8 ' " جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه " ومذهب السلف وأتباعهم من أهل السنة : إثبات الصفات التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يليق بجلاله وعظمته إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل : فإذا رضي الله تعالى عنه حصل له كل خير ، وسلم من كل شر ، والرضى هو أن يسلم العبد أمره إلى الله ، ويحسن الظن به ، ويرغب في ثوابه ، وقد يجد لذلك راحة وانبساطاً محبة لله وثقة به ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن الله بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا ، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط .
قوله : ومن سخط وهو بكسر الخاء ، قال أبو السعادات : السخط الكراهية للشئ وعدم الرضا به . أي من سخط على الله فيما دبره فله السخط ، أي من الله ، وكفى بذلك عقوبة . وقد يستدل به على وجوب الرضا وهو اختيار ابن عقيل . واختار القاضي عدم الوجوب ، ورجحه شيخ الإسلام وابن القيم .
قال شيخ الإسلام : ولم يجيء الأمر به كما جاء الأمر بالصبر . وإنما جاء الثناء على أصحابه . قال : وأما ما يروى من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي فليتخذ رباً سوائي فهذا إسرائيلي لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام : وأعلى من ذلك ـ أي من الرضا ـ أن يشكر الله على المصيبة لما يرى من إنعام الله عليه بها . ا هـ والله أعلم .
كتاب {فتح المجيد شرح كتاب التوحيد}الإمام عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ قدس الله روحه

قاسم علي
12-10-2005, 05:47 PM
الرفع...............

12d8c7a34f47c2e9d3==