المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قال الله تعالى {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}


كيف حالك ؟

قاسم علي
12-02-2005, 03:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قول الله تعالى {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}
قال أبو السعادات : يقال : توكل بالأمر . إذا ضمن القيام به ، ووكلت أمري إلى فلان . إذا اعتمدت عليه ، ووكل فلان فلاناً إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته ، أو عجزاً عن القيام بأمر نفسه . ا هـ .
وأراد المصنف رحمه الله بهذه الترجمة بالآية بيان أن التوكل فريضة يجب إخلاصه لله تعالى ، فإن تقديم المعمول يفيد الحصر . أي وعلى الله فتوكلوا لا على غيره ، فهو من أجمع أنواع العبادة وأعظمها ، لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة ، فإنه إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية ، دون كل من سواه صح إخلاصه ومعاملته مع الله تعالى ، فهو من أعظم منازل " إياك نعبد وإياك نستعين " فلا يحصل كمال التوحيد بأنواعه الثلاثة إلا بكمال التوكل على الله ، كما في هذه الآية ، وكما قال تعالى : ' 10 : 84 ' " إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين " وقوله : ' 73 : 9 ' " رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً " الآيات في الأمر به كثيرة جداً . قال الإمام أحمد رحمه الله : التوكل عمل القلب .
وقال ابن القيم في معنى الآية المترجم بها : فجعل التوكل على الله شرطاً في الإيمان فدل على إنتفاء الإيمان عند انتفائه ، وفي الآية الآخرى : ' 10 : 84 ' " قال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين " فجعل دليل صحة الإسلام التوكل ، وكلما قوى إيمان العبد كان توكله أقوى ، وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل وإذا كان التوكل ضعيفاً كان دليلاً على ضعف الإيمان ولا بد . والله تعالى يجمع بين التوكل والعبادة ، وبين التوكل والإيمان ، وبين التوكل والتقوى ، وبين التوكل والإسلام ، وبين التوكل والهداية .
فظهر أن التوكل أصل جميع مقامات الإيمان والإحسان ، ولجميع أعمال الإسلام ، وأن منزلته منها كمنزلة الجسد من الرأس ، فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : وما رجا أحد مخلوقاً ولا توكل عليه إلا خاب ظنه فيه ، فإنه مشرك : ' 22 : 31 ' " ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق " .
قال الشارح رحمه الله تعالى : قلت : لكن التوكل على الله قسمان :
أحدهما : التوكل في الأمور التي لا يقدر الله ، كالذين يتوكلون على الأموات والطواغيت في رجاء مطالبهم من نصر ، أو حفظ أو رزق أو شفاعة . فهذا شرك أكبر .
الثاني : التوكل في الأسباب الظاهرة ، كمن يتوكل على أمير أو سلطان فيما أقدره الله تعالى عليه من رزق ، أو دفع أذى ونحو ذلك ، فهو نوع شرك أصغر . والوكالة الجائزة هي توكيل الإنسان الإنسان في فعل ما يقدر عليه نيابة عنه ، لكن ليس له أن يعتمد في حصوله ما وكل فيه ، بل يتوكل على الله في تيسير أمره الذي يطلبه بنفسه أو نائبه ، وذلك من جملة الأسباب التي يجوز فعلها ، ولا يعتمد عليها بل يعتمد على المسبب الذي أوجد السبب والمسبب .
" إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم "
قال : وقول الله تعالى : ' 8 : 2 ' " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " الآيات .
قال ابن عباس في الآية : المنافقون لا يدخل في قلوبهم شئ من ذكر الله عند أداء فرائضه ولا يؤمنون بشئ من آيات الله ، ولا يتوكلون على الله ، ولا يصلون إذا غابوا ، ولا يؤدون زكاة أموالهم ، فأخبر الله أنهم ليسوا بمؤمنين ، ثم وصف المؤمنين فقال : " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " فأدوا فرائضه رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ، ووجل القلب من الله مستلزم القيام بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه : قال السدى :" الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" هو الرجل يريد أن يظلم ، أو قال يهم بمعصية ، فيقال له : اتق الله ، فيجل قلبه رواه ابن أبي شيبة وابن جرير .
قوله : " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً " استدل الصحابة رضي الله عنهم والتابعون ومن تبعهم من أهل السنة بهذه الآية ونظائرها على زيادة الإيمان ونقصانه .
قال عمير بن حبيب الصحابي : " إن الإيمان يزيد وينقص ، فقيل له : وما زيادته ونقصانه ؟ قال : إذا ذكرنا الله وخشيناه فذلك زيادته . وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه " . رواه ابن سعد .
وقال مجاهد : الإيمان يزيد وينقص وهو قول وعمل رواه ابن أبي حاتم .
وحكى الإجماع على ذلك الشافعي وأحمد وأبو عبيد وغيرهم رحمهم الله تعالى .
قوله : " وعلى ربهم يتوكلون " أي يعتمدون عليه بقلوبهم مفوضين إليه أمورهم فلا يرجون سواه ولا يقصدون إلا إياه ، ولا يرغبون إلا إليه ، يعلمون أن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وأنه المتصرف في الملك وحده ، والمعبود وحده ، لا شريك له . وفي الآية وصف المؤمنين حقاً بثلاث مقامات من مقامات الإحسان ، وهي : الخوف ، وزياة الإيمان ، والتوكل على الله وحده . وهذه المقامات تقتضي كمال الإيمان وحصول أعماله الباطنة والظاهرة مثال ذلك الصلاة ، فمن أقام الصلاة وحافظ عليها وأدى الزكاة كما أمره الله استلزم ذلك العمل بما يقدر عليه من الواجبات وترك جميع المحرمات ، كما قال تعالى : ' 29 : 45 ' " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر " .
معنى : حسبك الله ومن ابتعك من المؤمنين
قال وقوله : ' 8 : 64 ' " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " قال ابن القيم رحمه الله : أي الله وحده كافيك وكافي أتباعك : فلا تحتاجون معه إلى أحد ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وقيل : المعنى حسبك الله وحسبك المؤمنون .
قال ابن القيم رحمه الله : وهذا خطأ محض لا يجوز حمل الآية عليه ، فإن الحسب والكفاية لله وحده كالتوكل والتقوى والعبادة . قال الله تعالى : ' 8 : 62 ' " وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين " ففرق بين الحسب والتأييد ، فجعل الحسب له وحده وجعل التأييد له بنصره وبعباده ، وأثنى على أهل التوحيد من عباده حيث أفردوه بالحسب ، فقال تعالى : ' 3 : 173 ' " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " ولم يقولوا : حسبنا الله ورسوله . ونظير هذا قوله سبحانه : ' 9 : 59 ' " وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون " . فتأمل كيف جعل الإيتاء لله والرسول ، وجعل الحسب له وحده . فلم يقل : وقالوا حسبنا الله ورسوله ، بل جعله خالص حقه ، كما قال " إنا إلى الله راغبون " فجعل الرغبة إليه وحده، كما قال تعالى "وإلى ربك فارغب" فالرغبة والتوكل والإنابة والحسب لله وحده ، كما أن العبادة والتقوى والسجود والنذر والحلق لا يكون إلا له سبحانه وتعالى . انتهى .
وبهذا يتبين مطابقة الآية للترجمة . فإذا كان هو الكافي لعبده وجب ألا يتوكل إلا عليه ، ومتى التفت بقلبه إلى سواه وكله الله إلى من التفت إليه ، كما في الحديث : " من تعلق شيئاً وكل إليه " .
قال : وقول الله تعالى : ' 65 : 3 ' " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " .
قال ابن القيم رحمه الله وغيره : أي كافيه . ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره إلا أذى لا بد منه ، كالحر والبرد والجوع والعطش . وأما أن يضره بما يبلغ به مراده منه فلا يكون أبداً ، وفرق بين الأذى الذي هو الظاهر إيذاء وفي الحقيقة إحسان وإضرار بنفسه ، وبين الضرر الذي يتشفى به منه . قال بعض السلف : جعل الله لكل عمل جزاء من نفسه ، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته ، فقال : " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " فلم يقل : فله كذا وكذا من الأجر كما قال في الأعمال ، بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه وحسبه وواقيه . فلو توكل العبد على الله حق توكله ، وكادته السموات والأرض ومن فيهن ، لجعل الله له مخرجاً وكفاه رزقه ونصره . انتهى .
وفي أثر رواه أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال : " قال الله عز وجل في بعض كتبه : بعزتي إنه من اعتصم بي فكادته السموات بمن فيهن والأرضون بمن فيهن ، فإني أجعل له من ذلك مخرجاً ، ومن لم يعتصم بي فإني أقطع يديه من أسباب السماء وأخسف من تحت قدميه الأرض ، فأجعله في الهواء ثم أكله إلى نفسه . كفى بي لعبدي مآلاً . إذا كان عبدي في طاعتي أعطيه قبل أن يسألني ، وأستجيب له قبل أن يدعوني . فأنا أعلم بحاجته التي نرفق به منه " .
وفي الآية دليل على فضل التوكل ، وأنه أعظم الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار . لأن الله تعالى علق الجملة الأخيرة على الأولى وتعليق الجزاء على الشرط . فيمتنع أن يكون وجود الشرك كعدمه ، لأنه الله تعالى رتب الحكم على الوصف المناسب له ، فعلم أن توكله هو سبب كون الله حسباً له .
وفيها تنبيه على القيام بالأسباب مع التوكل ، لأنه تعالى ذكر التقوى ثم ذكر التوكل ، كما قال تعالى : ' 5 : 11 ' " واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون " فجلع التوكل مع التقوى الذي هو قيام الأسباب المأمور بها. فالتوكل بدون القيام بالأسباب المأمور بها عجز محض ، وإن كان مشوباً بنوع من التوكل فلا ينبغي للعبد أن يجعل توكله عجزاً ولا عجزه توكلاً ، بل يجعل توكله من جملة الأسباب التي لا يتم المقصود إلا بها كلها . ذكره ابن القيم بمعناه .
قال : وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " حسبنا الله ونعم الوكيل " ، قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار ، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له : " إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " رواه البخاري .
قوله : حسبنا الله أي كافينا . فلا نتوكل إلا عليه . قال تعالى ' 39 : 36 ' " أليس الله بكاف عبده ؟ " .
قوله : ونعم الوكيل أي نعم الموكل إليه ، كما قال تعالى : ' 22 : 78 ' " واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير " ومخصوص نعم محذوف تقديره هو .
قال ابن القيم رحمه الله : هو حسب من توكل عليه وكافى من لجأ إليه ، وهو الذي يؤمن خوف الخائف ، ويجير المستجير ، فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه ، وانقطع بكليته إليه ، تولاه وحفظه وحرسه وصانه . ومن خافه واتقاه ، أمنه مما يخاف ويحذر ، ويجلب إليه ما يحتاج إليه من المنافع .
ما قال إبراهيم حين ألقى في النار
قوله : قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار قال تعالى : ' 21 : 68 ـ 70 ' " قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين " .
قوله : وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له : " إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " وذلك بعد منصرف قريش والأحزاب من أحد " بلغه أن أبا سفيان ومن معه قد أجمعوا الكرة عليهم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في سبعين راكباً حتى انتهى إلى حمراء الأسد ، فألقى الله الرعب في قلب أبي سفيان . فرجع إلى مكة بمن معه ، ومر به ركب من عبد القيس فقال : أين تريدون ؟ قالوا : نريد المدينة . قال : فهل أنتم مبلغون محمداً عني رسالة ؟ قالوا : نعم . قال فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم . فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد ، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان . فقال : حسبنا الله ونعم الوكيل " ففي هاتين القصتين فضل هذه الكلمة العظيمة وأنها قول الخليلين عليهما الصلاة والسلام في الشدائد . وجاء في الحديث : " إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل " .
ما قال إبراهيم حين ألقى في النار
قوله : قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار قال تعالى : ' 21 : 68 ـ 70 ' " قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين " .
قوله : وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له : " إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " وذلك بعد منصرف قريش والأحزاب من أحد " بلغه أن أبا سفيان ومن معه قد أجمعوا الكرة عليهم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في سبعين راكباً حتى انتهى إلى حمراء الأسد ، فألقى الله الرعب في قلب أبي سفيان . فرجع إلى مكة بمن معه ، ومر به ركب من عبد القيس فقال : أين تريدون ؟ قالوا : نريد المدينة . قال : فهل أنتم مبلغون محمداً عني رسالة ؟ قالوا : نعم . قال فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم . فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد ، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان . فقال : حسبنا الله ونعم الوكيل " ففي هاتين القصتين فضل هذه الكلمة العظيمة وأنها قول الخليلين عليهما الصلاة والسلام في الشدائد . وجاء في الحديث : " إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل " .
منقول من كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله

قاسم علي
12-04-2005, 03:47 PM
الررررررررررررفع

12d8c7a34f47c2e9d3==