المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من مسائل الجاهلية {دعاء الأولياء والصالحين }


كيف حالك ؟

قاسم علي
11-28-2005, 06:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
دعاء الأولياء والصالحين
‏[‏إنَّهُم يتعبَّدونَ بإشرَاكِ الصَّالحين في دُعاءِ الله وعبادته؛ يُريدُونَ شفاعتَهُم عند الله؛ لظنِّهم أنَّ الله يُحبُّ ذلك، وأنَّ الصَّالحينَ يُحبُّونه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 18‏]‏‏.‏ ‏{‏ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 3‏]‏‏.‏
وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتى بالإخلاص، وأخبر أنّه دين الله، الذي أرسل به جميع الرسل، وأن لا يُقبل من الأعمال إلا الخالص، وأخبر أن من فعل ما استحسنوا فقد حرّم الله عليه الجنة، ومأواه النار، وهذه هي المسألة التي تفرّق الناس من أجلها بين مؤمن وكافر، وعندها وقعت العداوة، ولأجلها شُرِعَ الجهاد، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 39‏]‏‏]‏‏.‏
الشّـرح
قال تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 56‏]‏، فالعبادة حق لله جل وعلا، لا يجوز أن يُعبد معه غيره كائنًا من كان، فالجاهلية عكسوا هذا الأمر، فتركوا عبادة الله التي خُلقوا من أجلها، وعبدوا غير الله جل وعلا من الأصنام والأشجار والأحجار والجن والملائكة والأولياء والصالحين، فصرفوا العبادة لغير الله عز وجل، فمنهم من لا يعبد الله أصلاً، وهم الكفار، من الملاحدة والدهرية، ومنهم من يعبد الله ويعبد معه غيره‏.‏ والحكم واحد، فالذي يعبد مع الله غيره كالذي لا يعبد الله أصلاً؛ لأن عبادته باطلة، والله لا يرضى بالشرك، وأيضًا لابد أن يكون العمل موافقًا لما شرعه الله سبحانه وتعالى، فالله لا يقبل العمل الذي فيه بدعة، كما لا يقبل العمل الذي فيه شرك، فأعظم أمور الجاهلية‏:‏ الشرك بالله عز وجل والابتداع‏.‏

وبدأ الشيخ - رحمه الله - بهذه المسألة؛ لأنها أخطر مسائل الجاهلية، ولأنها هي المسألة التي بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في إنكارها، ودعوة الناس إلى تركها، فالرسول أول ما بدأ - كغيره من الرسل - بالأمر بإخلاص العبادة لله عز وجل، وترك عبادة ما سواه، هذا فاتحة دعوة الرسل؛ لأن هذا هو الأساس الذي يبنى عليه غيره، فإذا فسد الأساس فلا فائدة من الأمور الأخرى، لا فائدة من الصلاة ولا من الصيام ولا من الحج ولا من الصدقات ولا من سائر العبادات؛ إذا كان الأصل فاسدًا والتوحيد معدومًا، فلا فائدة من الأعمال الأخرى؛ لأن الشرك يفسدها ويبطلها‏.‏

وكانوا في الجاهلية يعبدون الله، ويعبدون أشياء كثيرة، ومنها‏:‏ عبادة الأولياء والصالحين، كما حصل لقوم نوح لما غلوا في الصالحين‏:‏ ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وعبدوا قبورهم من دون الله عز وجل، بحجة أنهم صالحون، وأنهم يقرّبون إلى الله، وأنهم شفعاء عند الله، كذلك درجت الجاهلية على هذا المنوال، فكانوا يعبدون الأولياء والصالحين والملائكة، ويقولون‏:‏ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، ويقولون‏:‏ هؤلاء شفعاؤنا عند الله، ولا يقولون‏:‏ هؤلاء شركاء لله، إنما يقولون‏:‏ إنما هم عباد الله يتوسطون لنا عند الله، ويشفعون لنا، ويقربوننا إلى الله زلفى، ولا يسمون عملهم هذا شركًا؛ لأن الشيطان زين لهم أن هذا ليس بشرك، وإنما هو توسل بالصالحين واستشفاع بالصالحين، والعبرة ليست بالأسماء، العبرة بالحقائق، فهذا شرك وإن سَمَّوه تشفعًا وتقربًا، فهو شرك؛ لأن الأسماء لا تغيّر الحقائق، والله لا يرضى أن يُشرك معه أحد في عبادته، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 110‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 2‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏ وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ‏}‏ ‏[‏البينة‏:‏ 5‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 14‏]‏، العبادة لا تنفع إلا مع الإخلاص، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

فهذه أعظم مسائل الجاهلية، وهي عبادة الأولياء والصالحين، من الأموات والغائبين والاستغاثة بهم، والاستعاذة بهم، وطلب الحوائج منهم، كما عليه عباد القبور اليوم تمامًا، فعبادة الأضرحة الآن، والتقرب إلى الأموات، ودعاؤهم من دون الله، والاستغاثة بهم، هذا هو ما كانت عليه الجاهلية، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 18‏]‏‏.‏

كذلك نفس الشيء الآن، هؤلاء القبوريون إذا نوقشوا ونُهوا عن عبادة القبور، قالوا‏:‏ نحن ما نعبد القبور؛ لأن العبادة لله، لكن هؤلاء وسائط بيننا وبين الله، وشفعاء لنا عنده‏.‏ هذا هو الذي أنكره الله على أهل الجاهلية تمامًا ‏{‏ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 18‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 3‏]‏ ما عبدوهم لأنهم يرون أنهم يشاركون الله في الخلق والرزق والإحياء والإماتة، هم يعترفون أن هذا الله، وإنما عبدوهم ليقربوهم إلى الله زلفى، فيقولون‏:‏ نحن عباد مذنبون، وهؤلاء رجال صالحون لهم جاهٌ عند الله، فنريد منهم أن يتوسطوا لنا عند الله في قبول توبتنا وعبادتنا‏.‏ هكذا زين لهم شياطين الإنس والجن هذا الأمر‏.‏ والعجيب أنهم يقرؤون القرآن ويمرون على هذه الآيات ولا ينتبهون لها، ومع هذا يستمرون على عبادة القبور، وهي من فعل الجاهلية، وهذا لأنهم لم يعرفوا ما كانت عليه الجاهلية؛ لم يعرفوا أن هذا من أمور الجاهلية، هذا نتيجة الجهل بأمور الجاهلية‏.‏

ثم قال الشيخ رحمه الله‏:‏ وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتى بالإخلاص، وأخبر أنه دين الله الذي أرسل به جميع الرسل، وأنه لا يقبل من الأعمال إلا الخالص، وأخبر أن من فعل ما استحسنوا فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار‏.‏ وهذه هي المسألة التي تَفَرَّقَ لأجلها الناس بين مسلم وكافر، وعندها وقعت العداوة، ولأجلها شرع الجهاد، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 39‏]‏‏.‏

هل الله عز وجل بحاجة إلى أن يجعل بينه وبين العبد واسطة‏؟‏ الله جل وعلا قريب مجيب، يسمع ويرى، ويرحم ويقبل التوبة عن عباده، ولم يأمرنا باتخاذ الوسائط في الدعاء، بل أمرنا بدعائه مباشرة ‏{‏ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 14‏]‏، ‏{‏ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 60‏]‏، أمرنا الله بدعائه مباشرة، ولم يأمرنا باتخاذ الوسائط بيننا وبينه‏.‏

وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي مسألة الشرك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما بعثه الله وأرسله إلى الناس، أول ما بدأ، بالدعوة إلى توحيد الله عز وجل، وإنكار الشرك، وكان صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏قولوا‏:‏ لا إله إلا الله؛ تفلحوا‏"‏ ‏[‏أخرجه أحمد في مسنده ‏(‏3/492‏)‏ ‏(‏4/63، 341‏)‏، وابن حبان في صحيحه ‏(‏رقم 6528‏)‏ والطبراني في الكبير ‏(‏5/61 رقم 4582‏)‏ والدارقطني في السنن ‏(‏3/45‏)‏ والبيهقي في دلائل النبوة ‏(‏5/380‏)‏ والحاكم في المستدرك ‏(‏3/512 رقم4275‏)‏، وقال‏:‏ هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه‏.‏‏]‏‏.‏ ويقول‏:‏ ‏"‏أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‏:‏ لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم‏"‏ ‏[‏أخرجه البخاري ‏(‏رقم 1399، 2946‏)‏ ومسلم ‏(‏رقم 20، 21‏)‏‏.‏‏]‏، فكان صلى الله عليه وسلم يغشاهم في مجتمعاتهم وفي منازلهم، وفي أيام الموسم في الحج، ويدعوهم إلى التوحيد، ويذهب هنا وهناك، كما ذهب إلى الطائف يدعوهم إلى التوحيد‏.‏ وإفراد الله جل وعلا بالعبادة، هذا أول ما بدأ به صلى الله عليه وسلم ؛ لأن هذا هو الأساس، وهكذا يجب على الدعاة أن يهتموا بهذا الأمر، وأن يجعلوا الدعوة إلى التوحيد هي أهم شيء في دعوتهم‏.‏

فقد أتى صلى الله عليه وسلم بالإخلاص، إخلاص العبادة لله عز وجل، وترك عبادة ما سوى الله من الأولياء والصالحين أو غيرهم، هذا هو دين الرسل، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 25‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 36‏]‏ فهذا هو منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام، الدعوة إلى عبادة الله، وترك عبادة ما سواه، وبقية الإصلاحات تأتي تبعًا لذلك‏.‏

والله جل وعلا لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه، ليس فيه شرك، وأيضًا لابد أن يكون العمل موافقًا لما شرعه الله سبحانه وتعالى، فالله لا يقبل العمل الذي فيه بدعة ولا ما كان فيه شرك، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 110‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 36‏]‏ لم يقتصر على الأمر بعبادة الله، بل نهى عن الشرك؛ لأن عبادة الله لا تقبل إذا كان فيها شرك، والكفر بالطاغوت مقدم على الإيمان بالله‏:‏ ‏{‏ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 256‏]‏‏.‏

وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فهي مكونة من نفي وإثبات، نفي الشرك، وإثبات التوحيد، ‏(‏لا إله‏)‏ إبطال لجميع المعبودات ‏(‏إلا الله‏)‏ إثبات لعبادة الله وحده، فالله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه، ولا يقبل العمل الذي فيه بدعة ومخالفة لمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ‏"‏ ‏[‏أخرجه مسلم ‏(‏رقم 1718/18‏)‏ والبخاري تعليقًا في كتاب الاعتصام، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول من غير علم فحكمه مردود‏.‏‏]‏، وفي رواية‏:‏ ‏"‏ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ‏"‏ ‏[‏أخرجه البخاري رقم ‏(‏2697‏)‏ ومسلم ‏(‏رقم1718/17‏)‏‏.‏‏]‏ ولذلك قال العلماء‏:‏ إن العمل لا يقبل إلا بشرطين‏:‏ الشرط الأول‏:‏ الإخلاص لله عز وجل، والشرط الثاني‏:‏ المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، فإذا اختل أحد الشرطين؛ لم يقبل هذا العمل، ولم يكن عملاً صالحًا‏.‏

وأخبر جل وعلا أن من عبد ما يستحسنه من الأصنام والأولياء والأشجار والأحجار والقبور، ولم يرجع في العبادة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإنما اعتمد على الاستحسان أو على ما تهواه نفسه، ولو خالف الكتاب والسنة، أخبر الله جل وعلا أن الله قد حرم عليه الجنة ومأواه النار، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 72‏]‏ يعني‏:‏ منعه من دخول الجنة منعًا باتًا، فالتحريم في اللغة‏:‏ المنع، فالمشرك ممنوع من دخول الجنة بتاتًا، لا طمع له فيها، ومأواه النار، هذه عاقبة الشرك بالله عز وجل، وإن كانوا يقولون‏:‏ ‏{‏ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 3‏]‏، هؤلاء إذا ماتوا على ذلك، غير تائبين، حرم الله عليهم الجنة، وجعل النار مأواهم أبد الآباد‏.‏ فالذي يريد لنفسه النجاة يتنبه لهذا، ولا يبقى على أمور الجاهلية في هذا وغيره‏.‏

وقوله رحمه الله‏:‏ ‏(‏وهذه المسألة هي التي تَفَرَّقَ الناس لأجلها بين مسلم وكافر‏)‏ يعني مسألة التوحيد والشرك، جماعة صدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، وأخلصوا العبادة لله عز وجل، هؤلاء مؤمنون، وقوم خالفوه وبقوا على شركهم وعبادتهم، وما كان يعبده آباؤهم من قبل، كما عليه أمم الكفر الذين يعارضون الرسل؛ لأنهم يريدون البقاء على ما كان عليه آباؤهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 23‏]‏، وقالوا‏:‏ ‏{‏ أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 62‏]‏، هذه مقالتهم وحجتهم، وهي التمسك بما عليه الآباء والأجداد، من عبادة غير الله عز وجل‏.‏

وقوله رحمه الله‏:‏ ‏(‏وعندها وقعت العداوة‏)‏ أي‏:‏ بين الموحدين والمشركين، بين المؤمنين والكفار، فإنه يجب على المؤمنين أن يعادوا الكفار، فلا تجوز محبة الكفار حتى ولو كانوا أقرب الناس، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 22‏]‏ فلابد من الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من الكفر والكافرين، والشرك والمشركين ‏{‏ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ‏}‏ ‏[‏الممتحنة‏:‏ 4‏]‏ هذه ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام‏.‏

أما الذين ينادون الآن بالمحاورة بين الأديان، والمفاهمة بين الأديان، وأنها كلها أديان سماوية؛ بل بعضهم يتجرّأ ويقول‏:‏ لا تكفر اليهود والنصارى‏.‏ فهذا خلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وخلاف ما جاء به القرآن، وخلاف ملة إبراهيم التي أمرنا باتباعها ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 23‏]‏ وهؤلاء يقولون‏:‏ اليهود والنصارى أهل كتاب وأهل إيمان، وكلها أديان من عند الله، نتفاهم فيما بيننا ونتعاون، ولا تكفرون اليهود والنصارى‏.‏ هذه دعوة الآن قائمة، وهي قضاء على الولاء والبراء بين المؤمنين والكفار، كل من لم يؤمن بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، سواء كان كتابيًا أو غير كتابي؛ لأنه بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسع أحدًا إلا أن يؤمن به، فمن لم يؤمن به فهو كافر، واليهود والنصارى لا يؤمنون بالرسول، فهم كفار، قال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏والذي نفسُ محمدٍ بيده لا يَسمَعُ بي أحدٌ من هذه الأمَّة يهوديٌّ أو نصرانيٌّ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلا كان من أصحاب النَّارِ‏"‏ ‏[‏أخرجه مسلم ‏(‏رقم 153‏)‏‏.‏‏]‏ فبعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لا يسع أحدًا الخروج عن ملته، حتى إنه قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏والله لو كان أخي موسى حيًا ما وسعه إلا اتباعي‏"‏‏.‏

فبعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه دين صحيح غير دين الإسلام ‏{‏ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 85‏]‏‏.‏

فهذه دعوة باطلة، تعقد لها الآن مؤتمرات وندوات، وتنفق فيها أموال للدعوة للتقارب بين الأديان - يسمونه - الحوار بين الأديان‏.‏ سبحان الله ‏!‏ حوار بين إيمان وكفر ‏؟‏‏!‏ وبين شرك وتوحيد ‏؟‏‏!‏ بين أعداء الله وأولياء الله ‏؟‏‏!‏

ثم قال الشيخ رحمه الله ‏(‏ولأجلها شُرع الجهاد، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 39‏]‏‏)‏‏.‏

فالواجب علينا نحو الكفار‏:‏ ثلاثة أمور‏:‏

الأمر الأول‏:‏ عداوتهم؛ لأنهم أعداء لله سبحانه وتعالى، وأعداء لرسوله‏.‏

الأمر الثاني‏:‏ دعوتهم إلى الإيمان واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، هذا أمر واجب على المسلمين‏.‏

الأمر الثالث‏:‏ جهادهم إذا دُعوا إلى الإسلام وأبوا فالواجب جهادهم وقتالهم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 39‏]‏، فالمرحلة الأخيرة معهم القتال، إذا كان المسلمون يطيقون القتال، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 5‏]‏ الآية، وهذه الآية فيها بيان الحكمة من الجهاد في الإسلام، وأنها‏:‏ إزالة الشرك، حتى لا تكون فتنة، والمراد بالفتنة‏:‏ الشرك، أي حتى لا يوجد شرك، ويكون الدين كله لله، هذا هو المقصود من الجهاد، ليس المقصود من الجهاد توسيع السلطة والاستيلاء على الممالك، وحصول الثروة، ليس هذا هو المقصود، المقصود إعلاء كلمة الله عز وجل، وإزالة الشرك من الأرض، هذا هو المقصود‏.‏
وكذلك ليس المقصود من الجهاد في الإسلام الدفاع، كما يقوله بعض الكتاب المخذولين، يقولون‏:‏ إن الإسلام لا يأمر بقتال الكفار؛ لأنه وحشية، لكن القتال الذي في الإسلام من أجل الدفاع، يعني‏:‏ إذا اعتدوا علينا نحن نقاتلهم؛ لصد العدوان فقط‏.‏ سبحان الله ‏!‏ الله جل وعلا يقول‏:‏ ‏{‏ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 5‏]‏، ‏{‏ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 39‏]‏ المقصود بالقتال في الإسلام‏:‏ نشر الدعوة، ونشر الدين، وإزالة الشرك ‏{‏ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 39‏]‏، هذا هو المقصود منه، فالقتال في الإسلام على نوعين‏:‏
النوع الأول‏:‏ قتال دفاع، عند عجز المسلمين‏.‏
النوع الثاني‏:‏ قتال طلب، عند قوة المسلمين وقدرتهم عليه‏.‏
كتاب {شرح مسائل الجاهلية }
الشيخ العلامة الفوزان حفظه الله

قاسم علي
11-29-2005, 04:22 PM
الررررررررفع

قاسم علي
12-02-2005, 04:08 PM
الررررررررفع

12d8c7a34f47c2e9d3==