المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اختلاف المرجئة مع اهل السنة - محاضرة للشيخ فالح الحربي (مفرغة)


كيف حالك ؟

أبوعكاشة الأثري
11-24-2005, 10:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

تم بعون الله تعالى تفريغ محاضرة بعنوان (اختلاف المرجئة مع اهل السنة ) لريحانة المدينة العلامة الشيخ فالح بن نافع الحربي حفظه الله تعالى بتبيين الفرقة الخامسة للمرجئة الذين يخدعون الناس باقوالهم الباطلة ومنهجهم الفاسد ،والشيخ حفظه الله قد ابدع في ازهاق باطلهم .

وجزى الله الشيخ فالح خير الجزاء

سمير الأثري
11-24-2005, 10:42 PM
جزاك الله خيرا

إبراهيم يوسف
11-25-2005, 12:25 AM
جزاك الله خيرا

قاسم علي
11-25-2005, 02:05 PM
جزاك الله خيرا

هادي بن علي
11-29-2005, 04:04 PM
( اختلاف المرجئة مع أهل السنة )
محاضرة ألقيت
لفضيلة الشيخ العلامة فالح بن نافع بن الحربي حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلاالله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، قال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) وقال تعالى: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) وقال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله فقد فاز فوزاً عظيماً ) أما بعد : فيا أيها الأخوة حديثي معكم في هذه الكلمة عن أمرٍ مهم وعن قضيةٍ تعتبر أم القضايا عند أهل الحق وجماعة الإسلام الذين هم أهل السنة والجماعة ألا وهو الإيمان ، الإيمان نعمةٌ عظيمة ولا بد من تحققه كما أراد الله سبحانه وتعالى وبين الإيمان في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى تحصل هذه النعمة للعبد ، أيها الأخوة إن الفرق قد ندمت في الإسلام وصار الناس قِدداً ، ولكن ربنا سبحانه وتعالى قد بين الطريق وأكمل لنا الدين وتركنا نبينا صلى الله عليه وسلم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، الله سبحانه وتعالى يقول في موقف عظيم وهو موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرفات في حجة الوداع والتي لم ينزل من الإسلام بعد ذلك إلا القليل ولم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الدنيا إلا أيام معدودة فتوفي عليه الصلاة والسلام بعد أن أكمل الله عليه الرسالة وأتم به النعمة يقول الله جل وعلا ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دين) ولكن لما تفرقت الفرق اعتصم أهل الإيمان بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا هم أهل الحق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية وقد أخذ الله الميثاق على العلماء أن يبينوا هذا الدين بعد أن يتبعوا علمهم ويبينون للناس ويقيمون حجة الله سبحانه وتعالى ، هذا ما أوجب الله عليهم قال تعالى : ( لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيا عن بينة وتقوم الحجة وتتضح المحجة قال الله سبحانه وتعالى:( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ) ومن الزمن الأول إلى هذا اليوم وعلماء الملة يبينون الأدلة التي يبنى عليها الإيمان وتوضح معالمة ويضعون على ذلك الحدود والضوابط التي تكفل حماية الدين وتبعد عنه كل شائبة وكل دخيل مما يصدق عليه قول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله [ الحمد لله الذي جعل في كل زمانٍ فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى ويحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضالٍ تائهٍ قد هدوه ، فما أحسن أثرهم على الناس وما أصبح أثر الناس عليهم ، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ] الذين عقدوا ألويت البدعة وأطلقوا عقال الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بمتشابه من الكلام ، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم ، فنعوذ بالله من فتن المضلين ، ومما أبتلي به أهل الإسلام في هذا الوقت ظهور فرقة من أهل الإرجاء يشغبون على أهل السنة قي عقيدتهم في الإيمان ومدعين زوراً أن من لم يعمل عملاً قط مع انتفاع الموانع يكون مؤمناً ويخرج من النار ويدخل الجنة بالشفاعة مع دعواه بالقول بزيادة الإيمان ونقصانه ويعرفون الإيمان بتعريف أهل السنة ولكنهم يخالفونهم في حدٍ من الإيمان أي في حقيقة فهمهم للإيمان وفقاً بالنصوص الشريعة ، ولقد أوجز فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعريف هذه النابتة في كتابه تعليق المختصر وهو كتاب نافع نسأل الله أن يثيبه عليه و أن ينفع به الأمة ، هذا تعليق مختصر على نونية ابن قيم ، قال حفظه الله بعد أن ذكر مذهب الإرجاء المعروف بمرجئة الفقهاء الذين يقولون أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب ولا تدخل الأعمال في حقيقته قال حفظه الله ووفقه [ وهناك فرقة خامسة ظهرت الآن هم الذين يقولون أن الأعمال شرط في كمال الإيمان الواجب أو المستحب ] أقول أيها الأخوة وقد عُرِفَ عن تلك الفرقة ومعاندتها الشديدة عن تلك القضية الكبرى وعُرِفَ عنهم وعن معاندتهم لأهل السنة والجماعة منذ زمن غير قريب مقلدين تقليداً أعمى لعالمٍٍ أخطأ في اجتهاده رحمة الله عليه وكان يُقرر هذا المذهب وتوفي عليه ، وقد تعلمنا من هذا العالم الجليل رحمة الله عليه وكما هو حال علماء أهل السنة دائماً هذا ما يقررونه أن لا يتابع العالم على خطئه إذا ظهر ، وهو منهاج أهل السنة والجماعة الذي دلت عليه القواطع من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومنها إستقرأ أهل السنة والجماعة عقيدتهم في الإيمان ، ولكن مع الأسف أن مقلدي الشيخ على خطئه بقوا يشغبون على أهل السنة وأحدثوا فتنةً عظيمة وتطور الأمر خصوصاً في هذه الأيام إتباعا لقوله رحمه الله الأعمال الصالحة كلها شرط كمال خلافاً للخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد أهل الكبائر في النار مع تصريح الخوارج بتكفيرهم ، ويفرق الشيخ رحمة الله عليه بين العقيدة والعمل فإذا فُقِدَ العمل مع وجود الإعتقاد كان كافياً في وجود الإيمان والنجاة من الخلود في النار إن دخلها ويخرج بحديث الشفاعة ، وهذا ليس هو حقيقة معتقد أهل السنة والجماعة فهم مطبقون على أن تارك العمل بالكلية كافر مخلدٌ في النار لا حظ له في الشفاعة وقد قال الله تعالى: عن الكفار ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) والمعتقد الذي عليه الشيخ بعلاقة العمل في الإيمان هو معتقد مرجئة الفقهاء وهذه حقيقته الذي يقال عنهم الأحناف وهو ما قرره أنور الكشميري في كتابه فيض الباري شرح صحيح البخاري إبقاء الإيمان عند السلف عبارة عن ثلاثة أشياء اعتقاد وقول وعمل ، قد تقدم الكلام يعني عن كتابه هذا عن قولين أو عن الأولين أي الإعتقاد والقول ، وقد تقدم الكلام عن الأولين أي التصديق والإقرار بقي العمل هل هو جزء للإيمان أو لا ، هذا قول الكشميري قال المذاهب فيه أربعة : قالوا إن الأعمال أجزاء للإيمان فالتارك للعمل خارج من الإيمان عندهما ثم اختلفوا فالخوارج أخرجوه من الإيمان وأدخلوه في الكفر والمعتزلة لم يدخلوه في الكفر فقالوا منزلة بين منزلتين و، والثالث مذهب المرجئة قالوا لا حاجة للعمل ومدار النجاة هو التصديق فقط ، فصار الأولون والمرجئة على طرفي النقيض ، قال والرابع مذهب أهل السنة والجماعة وهم بين بينٍ قالوا إن الأعمال لا بد منها ولكن تاركها مفسق ، ليس هذا هو قول أهل السنة أو عقيدة أهل السنة ، قال إن الأعمال لا بد منها ولكن تاركها مفسق لا مكفر فلم يشددوا فيها كالخوارج ولم يُهون أمرها ، ثم هؤلاء يعني أهل السنة والجماعة بزعمه تركوا فرقتين فأكثر المحدثين إلى أن الإيمان مركب من الأعمال وإمامنا الأعظم رحمه الله تعالى وأكثر الفقهاء والمتكلمين وأهل الحديث هم أهل السنة والجماعة وهم قال عنهم أهل الحديث يرون أن الأعمال لا بد منها من الإيمان ، كما زعم يعني على تعريف الأحناف على تعريف السابق على أن الأعمال لا بد منها ولكن تاركها مفسق لا مكفر فلم يشددوا إلى آخره ، قال وإمامنا الأعظم رحمه الله تعالى وأكثر الفقهاء المتكلمين على أن الأعمال غير داخلة في الإيمان ومع أن اتفاقهم جميعاً على أن فاقد التصديق كافر وفاقد العمل فاسق فلم يبقى الخلاف إلا في التعبير فإن السلف وإن جعلوا الأعمال أجزاء لكن لا بحيث ينعدم الكل بإنعدامها ، هذا على عقيدة مرجئة الفقهاء جاء على عقيدة الأحناف بل يبقى الإيمان مع انتفائها ، وإمامنا أبو حنيفة وإن لم يجعل الإيمان جزءاً لكنه اهتم بها وحرض عليها وجعلها أسباباً سارية في نماء الإيمان فلم يهدرها هدر المرجئة إلا أن تعبير المحدثين القائلين بجزئية الأعمال بخلاف تعبير إمامنا الأعظم رحمه الله فإنه كان أقرب إليهم من حيث نفي جزئية الإيمان رُمِيَ الحنفية بالإرجاء ورموا بالإرجاء وهذا كما ترى دورٌ علينا فالله المستعان ، الآن الذين انشقوا عن أهل السنة والجماعة وهم يرون أنهم هم أهل السنة والجماعة وهم على ما عليه مرجئة الفقهاء يشعبون عليهم ويدعون مثل هذه الدعاوى كيف تقولون أن عقيدتنا ليست عقيدة أهل السنة والجماعة نحن نقول بزيادة الإيمان ونقصانه نحن نقول أن الأعمال من الإيمان ، فينخدعوا بهم الناس ولا يشعرون أن القضية عندهم متجه إلى الكمال وليس إلى أصل الإيمان ، يقول الكشميري رحمه الله ولو كان الإشتراك مع المرجئة بوجهٍ من الوجوه التعبيرية كافياً بالنسبة الإرجاء إلينا لَزِم نسبة الإعتزال إليهم ، أي إلى المحدثين يعني أهل السنة ، فإنهم أي المعتزلة قائلون بجزئية الأعمال أيضاً كالمحدثين ، ولكن حاشاهم من الإعتزال ، وعفا الله عن من تعصب ونسب إلينا الإرجاء فإن الدين كله نصح لا مُراماة ومنابذة بالألقاب ولاحول ولاقوة إلابالله العلي العظيم . انتهى كلام الكشميري ، فأنت أيها السامع سمعت ما قاله الكشميري وهو حنفي متعصب وهو يقرر مذهب الأحناف مرجئة الفقهاء أنهم يرون تارك الأعمال مفسق مع أنهم لا يقولون بزيادة ونقصان الإيمان بالأعمال وأنها من الإيمان أي لا يقولون بهذا ، فما الفرق يا ترى بينهم وبين من يعتقد ويقول بزيادة والنقصان بالأعمال وأنها من الإيمان ولكن في كماله وليست هي أصله فأصله لا تلحقه الزيادة والنقصان وتتخلف الأعمال ويبقى بدونها ، هذا هو الأصل عند المرجئة بأقسامهم وأصنافهم هذا هو الأصل عندهم أن الإيمان بدون الأعمال بغض النظر عن الزيادة والنقصان ، وإنما الأصل عندهم أن الإيمان يبقى وهذا هو الإرجاء قال الله تعالى : ( وأرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين ) وقال تعالى : ( وآخرون مرجون لأمر الله ) وقال تعالى :( تُرجي من تشاء منهن وتُأوي إليك من تشاء ) الإرجاء هو التأخير ، فإذا أُخر الإيمان عن الأعمال انتهت الأعمال ولن توجد الأعمال يبقى الإيمان ويصح الإيمان هذا هو الإرجاء هذا الذي يجتمع عليه جميع المرجئة بخلاف أهل السنة ، فلابد وأن نقرر على أن هؤلاء لا يختلفون مع الذين يقولون ببقاء الإيمان بعد انتهاء الأعمال أنهم على ما عليه مرجئة الفقهاء ، وأن الخلاف بينهم إنما هو في الألفاظ فقط وليس في الحقيقة ، وهو في حقيقته خلاف أصيل بينهم وبين أهل السنة والجماعة كما هو قول عامة علماء أهل السنة في الأعمال ومنزلة الأعمال من الإيمان ومع ذلك فَهُم يدعون يعني هؤلاء يدعون على مذهب أهل السنة والجماعة في الإيمان ويضللون أهل السنة ويُلزمونهم بموافقتهم زاعمين أنهم هم الذين على الحق ومخالفيهم على الباطل وأنه يُفتح الباب للتكفيريين وأنه يُفتح الباب أيضاً لإنتشار مذهب الخوارج ، فأقول كيف ينخدع أهل السنة بهذه الدعاوى ولهذا الإرجاء ، كيف ينخدع أهل السنة لهم هذا من العجب العجاب في الحقيقة ، ولكن القضية تحتاج إلى فقه في الإيمان وفي دين الله وإلا فما كان ينبغي أن ينخدع لهم أتباع السلف من أهل السنة والجماعة لقولهم بالزيادة والنقصان في الإيمان والحال هذه ، وأين تكمل المشكلة ؟ إنها تكمل بكونهم يعتبرون الأعمال والزيادة والنقصان في أصل الإيمان كما هو عند أهل السنة والجماعة ، بل يجعلونها في كماله الزيادة والنقصان في كماله ، ولهذا يرى أهل السنة والجماعة أن تخلف جميع الأعمال وهو ما يسمى عندهم بجنس العمل الذي قال به أئمتهم وعلمائهم ، ومن المضحك والعجب أن هؤلاء يُقاومون ويُقاتلون ولا يُقدرون علماء الأمة وأئمة الإسلام مثل شيخ الإسلام ابن تيمية إلى ابن رجب إلى ابن غنام إلى سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب إلى ابن باز إلى الفوزان إلى هؤلاء العلماء علماء الأمة الذين يقولون بأن ترك جنس العمل وهم يعنون ترك الأعمال جميعها يكون مخرجاً من المِلة ويُعبرون بجنس العمل ، ولا وشاحة في الإصطلاح أن يُقال جنس العمل أو يُقال شرط صحة فلا مشاحة في الإصطلاح في الحقيقة ولكن ماذا يُقال في جهلة الناس الذين يقدمون على النصوص وعلى علماء الأمة ولا يُقدرون قدرهم ولا يحترمون علمهم وضوابطهم التي يتحاكمون إليها ويحكمون بها ، ولهذا يرى أهل السنة والجماعة أن تخلف جميع الأعمال وهو ما يُقال عنه بجنس العمل يقضي على الإيمان ولا يبقى الإيمان مع تخلفها بخلاف هؤلاء ومن هنا فارقوا أهل السنة والجماعة في هذا الباب وصدرت فيهم فتاوى أهل العلم وفي مذهبهم هذا الإرجائي الجديد ، ورحم الله الأموات وحفظ الله الأحياء من علمائنا على ما عندهم من الفقه والدقة على ما يُبينون به الحقائق ويقيسون به في بيان الأحكام أحكام الأشياء كما هي ، وهم متخصصون في العقيدة ودقيقون فيها وإلا فما تبين ما عليه هؤلاء إلا لما عُرض كلام أولئك عليهم وهم متخصصون وعلماء فقهاء فبينوا ما عندهم من إرجاء ونصحوا للأمة ، ولكن مع الأسف لا يزال هؤلاء يشغبون عليهم بأنهم على الحق ، أيها الأخوة لابد أن نلم إلمام ببعض ما صدر عن أئمة الإسلام وعلماء الملة من أهل السنة والجماعة في تعريفهم للإيمان وكلامهم في الإيمان : فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب الإيمان باب الصلاة من الإيمان وفي كتاب التفسير[ أنه من مات على القبلة الأولى قبل أن تحول رجالٌ وقتلوا فلم ندري : يعني يقول الصحابة : فلا ندري ما نقول فيهم فأنزل الله تعالى :( وما كان الله ليضيع إيمانهم ) يعني صلاتهم ] أي جعل الصلاة إيماناً سماها إيمان لأنها هي أعظم وصال الإيمان ، وقال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره عند هذه الآية [ اتفق العلماء على أنها نزلت في من مات وهو يُصلي إلى بيت المقدس ] ، وقال أبو الفرج ابن رجب في فتح الباري [ ولم يذكر أكثر المفسرين في هذا خلافاً وأن المراد بالإيمان هنا الصلاة فإنها طلب الإيمان وأعظم خصاله البدنية ] ، وقال أبوبكر الآجري في الشريعة بعد كلامٍ سبق [ فصار الإيمان لا يتم لأحدٍ حتى يكون مصدقاً بقلبه وناطقاً بلسانه وعاملاً بجوارحه لا يخفى على من تدبر القرآن وتصفحه ووجده كما ذكرت وقال الله سبحانه وتعالى : ( والعصر 1 إن الإنسان لفي خسر 2 إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر 3 ) ] أخبر الله سبحانه وتعالى أن جنس الإنسان خاسر إلا من آمن وعمل الصالحات وتواصى بالحق وتواصى بالصبر ، تواصي بالحق وبالصبر من عمل الصالحات ، فهذا يدل على أن جنس الإنسان خاسر إلا إذا أتى بالإيمان مع العمل وقال تعالى : ( أُدخل الجنة بما كنتم تعملون ) ، قال أبوبكر الآجري رحمه الله في الشريعة [ اعلموا رحمنا الله وإياكم أني قد تصفحت القرآن فوجدت ما ذكرت في شبيهٍ من خمسين موضعاً من كتاب الله تعالى أن الله تبارك وتعالى لم يُدخل المؤمنين الجنة بالإيمان وحده بل أدخلهم الجنة برحمته إياهم وبما وفقهم لهم بالإيمان والعمل الصالح وهذا رد على من قال أن الإيمان معرفة والقول وإن لم يعمل ، نعوذ بالله من قائل هذا ] ونحن جميعاً نعوذ بالله من ضمن قائل هذا القول ، وقال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى [ فإن الله لم يعلق الجنة إلا باسم الإيمان لم يعلقها باسم الإسلام مع إيجابه الإسلام وإخباره أن دينه الذي ارتضاه وأنه لا يقبل دينًا غيره ، ومع هذا فما قال إن الجنة أعدت للمسلمين بل إنما ذكر ذلك باسم الإيمان كقوله تعالى : ( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ) وهو يعلقها باسم الإيمان المطلق أو المقيد بالعمل الصالح ، الوعد بالجنة والرحمة بالآخرة والسلامة من العذاب عُلق باسم الإيمان المطلق أو المقيد بالعمل الصالح ونحو ذلك ] ، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه الأُم في باب النية في الصلاة كما في شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي [ وكان الإجماع بين الأمة على أن الإيمان لا يبقى بعد العمل ولا موانع أي لا توجد الموانع ، قال الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركناهم أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزأ واحدٌ من الثلاثة إلا بالآخر ] ، وقال أبوبكر الخلال في كتابه السنة : أخبرني عبيد الله بن حنبل قال حدثني أبي حنبل بن إسحاق بن حنبل قال : قال الحميدي [ وأُخبرت أن قوماً يقولون من أقر الصلاة والزكاة والصوم والحج ولن يفعل ذلك شيئاً حتى يموت أو يصلي مسنداً ظهره مستدبراً القبلة حتى يموت فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه إذا كان يُقر الفروض ويستقبل القبلة ، فقلت : هذا الكفر بالله وخلاف لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل المسلمين قال الله عزوجل : ( حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) قال حنبل قال أبو عبدالله : قد سمعته يقول يعني الإمام أحمد بن حنبل من : من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما جاء به ] ، وعند اللالكائي في اعتقاد أهل السنة قال أخبرنا حمد بن أحمد البصير قال أنبأنا عثمان بن أحمد حدثنا حنبل به : فهذا عبدالله بن زبير الحميدي [ حكم بكفر هذا الشخص الذي ترك العمل مع إقراره بذلك وأن إيمانه بدون العمل لا ينفعه ، وقال : هذا خلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل المسلمين ] فسبحان الله كيف تسقط العقول عن هذه القواطع من كلام أهل السنة والجماعة الذين فَقِهُ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعرفوا استقراء عقيدة أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة ، وقال أبوبكر الآجري رحمه الله في الشريعة [ اعلموا رحمنا الله وإياكم أن ما عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجبٌ على جميع الخلق وهو تصديقٌ بالقلب ونطقٌ باللسان وعملٌ بالجوارح ، ثم اعلموا أنه لا تجزأ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقا ، ولا تجزأ معرفة القلب ونطق اللسان حتى يكون عمل الجوارح فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمنا ، دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين وقد قال الله تعالى في كتابه وبين في غير موضعٍ أن الإيمان لا يكون إلا بعمل ، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم خلافاً ما قالت المرجئة الذين لَعِبَ بهم الشيطان الذين يرون تخلف الأعمال عن الإيمان فهؤلاء لا شك لَعِبَ بهم الشيطان ] ، وقال أبو عبدالله ابن قيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد : بعد أن ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة وفد عبد القيس وفي هذه القصة أن الإيمان بالله هو مجموعٌ هذه الخصال من القول والعمل كما كان عل ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون وتابعوهم كلهم ذكره الشافعي في المقصود وعلى ذلك ما يُقارب مئةُ دليلٍ من الكتاب والسنة ] يعني أن الإيمان عند أهل السنة والجماعة لا يكون إلا بمجموع الثلاثة في تعريفهم هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالجوارح ، وقال أبوبكر الزهري أحد التابعين رحمه الله [ نرى أن الإسلام الكلمة والإيمان والعمل] ، وقال التابعي الآخر نافع مولى ابن عمر رحمه الله تعالى [ حين سُئِلَ عمن يقول نحن نُقر بأن الصلاة فريضة ولا نصلي وأن الخمر حرام ونحن نشربها وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نفعل ، قال السائل فنتر يده – يعني أخذ يده منه أو نفض يده حرك يده استنكاراً لما قال وتبرأ منه – قال فنتر يَدَهُ من يَدِ – أي نزع يَدَهُ من يَدِه ابتعد عنه – فنتر يَدَهُ من يد ، ثم قال : من فعل هذا فهو كافر ] ذكر النتر في المهام الذي ذكرناه لأن النتر لما قال فنتر يده من يد دل على أنه كان ممسكاً بيده كف يده وانتزعها منها بسرعة إنكاراً عليه وتأثراً بما قاله ، وقال الحسن البصري أحد التابعين رحمه الله : [ الإيمان قولٌ ولا قول إلا بعمل ولا قول وعمل إلا بنية ولا قول وعمل ونية إلا بسنة ] أخرجه الآجري في الشريعة ، وقال أبو عبدالله أحمد بن حنبل : [ الإسلام القول والإيمان العمل ] ، وقال سفيان الثوري وفُضيل بن عياض ومحمد بن مسلم الطائي : [ لا يصلح قولٌ إلا بعمل ] رواه ذلك عبدالله بن أحمد بن حنبل في السنة ، كان سعيد بن عبدالعزيز يُنكر قول من يقول إن الإيمان قولٌ بلا عمل ، ويقول : لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بإيمان ] هذا عند اللالكائي في اعتقاد أهل السنة ، وقال أحمد بن حنبل رحمه الله [ منكراً لقول شبابه بن سِوار إذا قال فقد عمل قال الإيمان قول وعمل كما يقولون فإذا قال فقد عمل بجوارحه أو بجارحته أي بلسانه فقد عمل بلسانه حين يتكلم . فقال الإمام أحمد : هذا قولٌ خبيث ما سمعت أحداً يقول به ولا بلغني ] وقد قال الإمام أحمد قبل أن يحكي قول شبابه بن سوار [ شبابه كان يدعوا إلى الإرجاء ، وقد حُكِيَ عن شبابه قولٌ أخبث من هذه الأقاويل ، ما سمعت عن أحدٍ بمثله ] أخرجه الخلال في السنة ، ولقد أنكر الإمام أبو عبدالله أحمد بن حنبل قول شبابه بن سوار فقال هذا قولٌ خبيث وأخبر أنه لم يسمع أحداً قال به قبل ولا بلغه عن أحد وهو الذي لا تخفى عليه أقوال أهل الحق ، فكيف ينكر هذا القول ويقول هذا الكلام ولا يكون له أثر عند بعض الناس وعند هؤلاء الذين الآن يشغبون على أهل السنة ، وقال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في شرح العمدة : [ فإذا خلى العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا ، إلى أن قال : أيضاً فإن حقيقة الدين هو الطاعة والإنقياد وذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط فمن لم يفعل لله شيئاً فما دان لله ديناً ومن لا دين له فهو كافر ] أيها الأخوة هذا كلام أئمة الإسلام وأساطين العلم وقدوتنا رحمهم الله الذين لا يسوقون لسنيٍ أن يُخالفهم فيما قالوه وما عليه إلا أن يفهم مما قاله هؤلاء العلماء وهذا أوان أن يُبين أيها الأخوة الفِرَق أن نذكر فِرَق المرجئة وهي فِرَقٌ كثيرة ذكر الأخ علي اثنتي عشرة فرقة وذكر غيره أكثر ، والمشهور فِرَق أربع والخامسة خرجت الآن كما سمعنا في كلام الشيخ صالح الفوزان حفظه الله ، هذا بعد أن نذكر كلام ابن حجر رحمه الله وهو يتكلم عن السلف أنهم يقولون عن الإيمان أنه قولٌ وعمل وأنه قد صرح بهذا عبدالرزاق في مصنفه عن سفيان الثوري ، وسمعنا كلام سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وابن جُريج ومعمر وغيرهم وهؤلاء فقهاء الأمصار في عصرهم وكذلك نقله أبوالقاسم اللالكائي في كتاب السنة كما مر معنا عن الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وغيرهم من الأئمة وروى بسنده الصحيح عن البخاري قال : [ لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء في الأمصار فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قولٌ وعمل ويزيد وينقص ] ونقل ابن أبي حاتم واللالكائي في ذلك بالأسانيد عن جمعٍ كثير من الصحابة والتابعين وكل ما يدور عليه الإجماع من الصحابة والتابعين ، وحكاه فضيل بن عياض و وكيع عن أهل السنة والجماعة ، وقال الحاكم في مناقب الشافعي حدثنا أبو العباس الأصم قال أخبرنا الربيع قال سمعت الشافعي يقول : [ الإيمان قولٌ وعمل ويزيد وينقص] أيها الأخوة المرجئة المشهور إرجائهم غلاة المرجئة هم الجهمية وهم يقولون الإيمان هو المعرفة والأشاعرة يقولون الإيمان هو التصديق والكرامية يقولون الإيمان هو النطق مجرد نطق اللسان ومرجئة الفقهاء يقولون الإيمان التصديق بالقلب والنطق باللسان والمرجئة الجدد وهي الفرقة الخامسة وهم يقولون الإيمان كمال في الإيمان إما واجب أو مستحب وهذا يعني أنه يبقى بدون الأعمال إذا انتهت الأعمال بقي الإيمان ، ثم نجدهم يُدندنون حول حديث الشفاعة ، وحديث الشفاعة لا يذكره أهل السنة في دواوينهم في أبواب الإيمان ولا يُكررونه ، وإنما يذكرونه عند خروج عصاة الموحدين من النار ، وعُرِفَ عن هؤلاء مع الأسف قد ذكرنا أنهم هم ومرجئة الفقهاء سواء وأن الخلاف بينهم وبين أهل السنة والجماعة خلافٌ أصيل وليس شكلياً أو يعني صورياً ، ويحتجون بمتشابه وهذه هي طريقة أهل البدع ، طريقة أهل البدع الإحتجاج بالمتشابه وعلى خلاف قاعدة أهل السنة لا يتبعون المتشابه ، وإنما هذه هي طريقة أهل الزيغ ، وأما أهل السنة يردون المتشابه إلى المحكم ، وأما هؤلاء يحتجون بالمتشابه إذا صح أنه متشابه أو أنه لا يُمكن التوفيق بينه وبين المحكم فيقولون بمقابل هذه النصوص الذي سمعناها والقواطع من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي تدل على أن الإيمان لا يكون إيماناً إلا مع العمل وأن الإيمان عند أهل السنة والجماعة أخذاً من هذه النصوص اعتقاداً بالقلب ونطقاً باللسان وعملاً بالجوارح لا يجمعون ويأتون إلى حديث ( لم يعمل خيراً قط ) ولا يرون أن هناك حاجة للجمع بينه وبين ما سمعناه وبين الأدلة القطعية وإنما يضربون تلك الأدلة به على فهمهم هم لا على فهم أهل السنة والجماعة ، وفي الحقيقة أن هذا النص يُفهمُ على أن لا يُصادم به تلك النصوص وإنما تُرد إليها ويُنظر هل يُعارضها لأن المعارضة لا تكون معارضة إلا إذا كانت من كل وجه فهل هو يُعارضها ، إذا ما ينظر أهل السنة وأهل العلم لا يرون أنه يُعارضها وإنما يرون أنه يتفق معها وأن المقصود( لم يعمل خيراً قط ) إما على الكمال والتمام وإما في تلك الحال التي عمل شيئاً وقد يكون جاء في النصوص أنه عمل شيئاً ولكنه لم يعمل في النواحي أُخر ، وجاء في لغة العرب وفي النصوص من الكتاب والسنة ما يدل على هذا يعني يجتمع معه النصوص ويلتقي معها ولا تُضرب به القواطع من النصوص القطعية وتُرد قال الله سبحانه وتعالى : ( قل
يآ أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليكم من ربكم ) هل هم ليسوا على شيء لا يوجد شيء عندهم وإلا يوجد شيء عندهم ما لم يكن على التمام : ( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليكم من ربكم ) قال الإمام القرطبي في تفسيره [ قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى يا أهل الكتاب التوراة والإنجيل لستم على شيء مما تدعون أنكم عليه مما جاء به موسى صلى الله عليه وسلم معشر اليهود ولا مما جاءكم به عيسى عليه السلام معشر النصارى حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليكم من ربكم مما جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم من الفرقان ] ، وقال الله تعالى :( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب ) قال الله وهم يتلون الكتاب هذا دليل أنهم على شيء ولكن ليسوا على شيءٍ عند الآخرين وأصل رسالتهما واحدة هي رسالة موسى عليه السلام وهؤلاء عندهم ما عندهم ، وهؤلاء عندهم ما عندهم من الرسالة ومع ذلك ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب ) قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره : [ قالت اليهود ليست النصارى في دينها على شيء وقالت النصارى ليست اليهود في دينها على شيء ] ، قال الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد وفقه الله في تفسيره تهذيب التفسير في تفسير قول الله تعالى [ ( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ) ولا شك أن هذا القول لأهل الكتاب يَشُق عليهم جدا ، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتوانى في إبلاغهم ما أمرهم الله عزوجل أن يُبلغهم إياه ، وقد نفى الله عزوجل عن أهل الكتاب في هذا الخطاب كل شيءٍ يمكن لأحد أن يعتد به من الدين ، والعرب تقول هذا ليس بشيء إذا أرادت تحقيره وتصغير شأنه وعدم الإعتداد به حتى صار لا يملك بأن يسمى شيئاً بظهور بطلانه و وضوح فساده ففي هذا التعبير من التحقير والتصغير ما قد بلغ الغاية في ذلك ] ، وقال أبو عبيد بن سلام رحمه الله في كتاب الإيمان : [ فإن قال قائل كيف يجوز أن يُقال ليس بمؤمن واسم الإيمان غير زائل عنه ، قيل هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير مستنكر في إزالة العمل عن عاملة إذا كان عمله إلى غير حقيقته ، ألا ترى أنهم يقولون للصارع إذا كان ليس بمحكمٍ لعمله ما صنعت شيئاً ولا عملت عملاً ، وإنما وقع معناه هاهنا على نفي التجويد لا على صناعة نفسها فهو عندهم عاملٌ بالاسم وغير عاملٍ بالإتقان حتى تكلموا به في ما هو أكثر من هذا يعني العرب ، وذلك كالرجل يعق أباه ويبلغ منه الأذى فيُقال ما هو بولد وهم يعلمون أنه ابن صُلبِه ، قال وقد وجدنا مع هذا شواهد لقولنا من التنزيل والسنة ] هكذا يقول أبو عبيد رحمه الله ، فأما التنزيل فقول الله جل ثناؤه في أهل الكتاب حين قال :( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم ) قال أبو عبيد حدثنا الأشجعي عن مالك عن الشعبي في هذه الآية قال [ أمَا أنه كان بين أيديهم ولكن نبذوا العمل به ثم أحل الله لنا ذبائحهم ونكاح نسائهم فحكم لهم بحكم الكتاب إذا كانوا بهم مقرين ولا بمنتحلين فهم بالأحكام والأسماع في الكتاب داخلون وهم لها بالحقائق مفارقون فهذا ما في القرآن ، وأما السنة فحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يحدث به رفاعة في الأعرابي الذي صلى صلاةً فخصصها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع فصلي فإنك لم تصلي حتى فعلها مراراً كل ذلك يقول فصلي وهو قد رآه يصليها ، أفلست ترى أنه مصلٍ بالإسم وغير مصلٍ في الحقيقة ، فقال أبو عبيد فهذه الآثار كلها وما كان مضاهياً لها فهو عندي على ما فسرتُهُ لك وكذلك الأحاديث التي فيها البراء فهي مثل قوله من كذا وكذا فليس منا لا رأى شيئاً منها يكون معناه التبرأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من ملته وإنما من مذهبه عندنا أنه ليس من مطيعين لنا ولا من المقتدين بنا ولا من المحافظين على شرائعنا ] ، قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله في كتابه تعظيم قدر الصلاة : [ فإن قيل كيف يُقال ليس بمؤمن واسم الإيمان لازمٌ له ، قيل : هذا كلام العرب المستفيض عنها غير مستنكرٍ عندها قد وجدناه في الآثار من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي لم يُتم صلاته ارجع فصلي فإنك لم تُصَل ، فأخبره أنه لم يصلي وقد رآه يُصليها ولكنه لما لم يُكملها جعله غير مصلٍ ، وكذلك حين سُئِل عمن صام الدهر فقال ما صام ولا أفطر فجعله غير صائمٍ وقد زاد على صيام الناس ولكنه لما أخطأ به موضعه جعله غير صائم ، وكذلك كلام العرب ألا تراهم يقولون للصانع إذا كان غير حاذقٍ لعمله ولا متقنٍ له فلان ليس بصانع وهم يعلمون أنه يُعالج ذلك العلاج وأنه من أهله غير أنهم إنما نفوا عنه تجويد العمل لا الصناعة بِرُمتها ، وكذلك يقول الرجل لصاحبه إذا عمل عملاً غير إحكام أو تكلم بكلامٍ لم يكن فيه بحجة ما صنعت شيئا، ولو سئلوا عنه لكان تارةً تاركاً للعمل أو الكلام لقالوا لا ولكنه ترك موضع الإصابة فيه وكثُر هذا في ألفاظهم حتى تكلموا بهذه المعاني فيما هو أعجب مما ذكرناه ] ، قال أبوبكر بن خزيمة في كتاب التوحيد : [ هذه اللفظة لم يعملوا خيراً قط من الجنس الذي تقوله العرب يُنفى الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام ، فمن هذه اللفظة لم يعملوا خيراً قط على التمام والكمال لا على ما أوجب عليه به وقد بينت هذا المعنى في المواضع من كتبي ] ، وقال القرطبي في المفحم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم [في شرح قوله حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له شيء من الخير هذا العُظم مخصصٌ قطعاً بأنه كان مؤمناً ولو لا ذلك لما تجاوز عنه ( فإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) وهل كان قائم بفرائض دينه من الصلاة والزكاة وما أشبهها ، هذا هو العيقُ بحاله فإن هذا الحديث يشهد بأنه كان ممن أُوقيَ شُح نفسه وعلى هذا فيكون معنى هذا العُظم أنه لم يوجد له شيء من النوافل إلا هذا ويُحتمل أن يكون له نوافل أخرى غير أن هذا كان الأغلب عليه فنودي به و دُزيَ عليه ولم يُذكر غيره إكتفاءًا بهذا و يُحتمل أن يكون المراد بالخير المال فيكون معناه إنه لم يوجد له فعل بِرٍ في المال إلا ما ذكر من أنظار المعسر والتنفيس عن المعسر تأخيره إلى الإمكان والوضع والإسقاط ] يعني الوضع عن المعسر الإسقاط ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة : [ قال أهل الحديث والسنة من نُفي عنه الإيمان فلأنه ترك بعض واجباته و العبادة يُنفى اسمها بنفي بعض واجباتها لأنها لم تبقى كاملة ولا يلزم لذلك أن لا يبقى منه شيء بل قد دلت النصوص على أنه يبقى بعضه ويخرج من النار من بقي معه بعض ، ومعلومُ أن العبادات فيها الواجب ، كالحج فيه واجب إذا تركه كان حجه ناقصاً يأثم بما ترك ولا إعادة عليه بل يجبره بدمٍ كرمي الجمار وإن لم يجبره بقي في ذمته ، فكذلك الإيمان ينقص بالذنوب فإن تاب عاد و إلا بقي ناقصاً نقصاً يأثم به ، قد يحرم في الحج أفعالٌ إذا فعلها نقص حجه ولا يبطل تبطيله إلى آخر كلامه رحمه الله ] وهكذا كلام أهل العلم وأهل السنة فإنهم جميعاً يرون أن لا يخلو على القواطع والنصوص وكلام أهل السنة والجماعة بمثل هذا النص وهو قول ( لم يعمل خيراً قط ) لا يكون يترك الأعمال ثم يبقى الإيمان وهذا خلاف إجماعهم ، ومن العجب في الحقيقة أن نرى من يقول لا حاجة إلى الجمع بين النصوص لأن الجمع أو الترجيح يعني المعارضة ولا معارضة عندهم ، والمعارضة قائمة في الحقيقة ولكنها هل هي معارضة من كل وجه ؟ لا إنها ليست معارضة من كل وجه وإلا لَمَا فهم هؤلاء الأئمة الذي قرأنا قولهم هذا الفهم الذي فهموه وذكروا عليه ما ذكروه من الأدلة وذكروا عقيدتهم ولم يضربوا النصوص بعضها ببعض ولم يأخذوا بمتشابه كما هي طريقة أهل البدع ، فالتنبه أيها الأخوة إلى خطورة الأمر وأيضاً إلى خطورة الإرجاء هذه العقيدة عقيدةٌ خبيثة عقيدةٌ سيئة عقيدةٌ مهلكة في الحقيقة ، وقد أبدى أهل السنة وأعادوا في التحذير منها ، فهذا إبراهيم النخعي رحمه الله يقول : [ المرجئة أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة ] ، وقال الزهري : [ ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من المرجئة ] ، وقال الأوزاعي : [ كان يحيى بن أبي كثير وقتادة يقولان ليس شيء من الأهواء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء ] ، وقال شريك القاضي رحمه الله قد ذكر المرجئة : [ هم أخبث قومٍ حسبك بالرافضة خُبثاً ، ولكن المرجئة يكذبون على الله ] ، وقال سفيان الثوري رحمه الله : [ تركت المرجئة الإسلام أَرَق من ثوب سابِري ] يعني ثوب رقيق شفيف لا يستر لاحول ولاقوة إلابالله هذا الأمر خطير ، وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : [ تقربوا إلى الله ببغض أهل الإرجاء ] ، وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : [ من قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات سواءً جعل تلك الواجبات لازماً أو جزءاً منه فهذا نزاعٌ لفظي من المعترضة ، كان مخطئً خطأً بيناً وهذه بدعة الإرجاء الذي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف ] ، فأيها الأخوة سمعنا ما قاله أهل السنة في الإيمان وعقيدة أهل السنة في الإيمان وعقيدة المرجئة وما تجتمعوا عليه المرجئة ، وأن المرجئة مهما تنوعت دعواهم وأساليبهم لا يخفون على علماء أهل السنة وعلى من يفقهون دينهم وعلى أهل الإيمان ، لأن الإيمان أعظم شيءٍ عند أهله ، وأثمن شيءٌ في الوجود في الحقيقة هو الدين كله ، إذا ذهب الإيمان فلا أعمال إذا ذهب الإيمان ما بقي الإسلام في الحقيقة ، فلابد وأن نكون على خيطة لأنه دين ولا نتبع إلى كل من يدعون إلى مذهبه أو إلى عقيدته ، ولا يسوغ لنا أن نتبع الرجال بلا بصيرة وبلا علم ، إذا كان الرجال علماء متبعون فإنهم أدلاء على الطريق وعلماؤنا هم أدلاؤنا ولسنا على طريقٍ عند العدل نُقدم علماء ، نتعوذ في الفاتحة من سلوك اليهود ومن سلوك النصارى ، إما أن يُقدس العلماء ويُقلد أي عالم ولم يُنظر فيما يقول ولا يتبين هل هو على حق أو ليس كذلك أو إذا تبين أنه ليس على الحق يُتبع ويُقلد ويكون هذا من مثابة سلوك النصارى ، ولا يُطع العلماء ويُقدح فيهم ولا يُقام لهم قدر وهذه طريقة اليهود الذين كانوا يقتلون الأنبياء فضلاً عن العلماء عن أتباع الأنبياء ، لا يُقلد دينُناً رجلاً ما ندري هل أصاب أو أخطئ في قضايا خطيرة ونحن لسنا والحمد لله على مائدة الأيتام وعلى مائدة اللئام وإنما عندنا علماء وعندنا أئمة لدينا مرجعية والحمد لله ، كم من الناس يريد أن يتبع و الناس أنياط الناس قدمه ، وينسب هذا إلى الدين ويرى أنه بالدين يوقى قدمه وأنه يُتبع وأنه تكون حوله جماهير هذا ليس عندنا في الإسلام ، نحن في الإسلام لنا علماء نرجع إليهم ونستفتيهم ونسألهم ، وإذا تبين لنا أن فتوى العالم قد خالفت الدليل من الكتاب والسنة تركناه وأخذنا بالحجة والبرهان وحفظنا للعالم حقه ، رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من أُفتي بغير علم فإنما إثمه على الذي أفتاه ) ولكن ( فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) لا نكون نجفوا علماؤنا وأن يكون كالعيش في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمولُ ، إما وراء هؤلاء السياسيين الجهلة ، وإما وراء من مثلاً أخطأ أو زلة ، زلةُ العالِم زلة العالَم ، فلست بعهوف زلته في قضيةٍ خطيرة هي أصل ديننا وأساس إسلامنا ، فأيها الأخوة هذا ما يسر الله جل وعلا أن يُسمعكم إياه ،و أسأل الله جل وعلا أن ينفعنا جميعاً بما نقوله .

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد .

أبوحذيفة المدني
12-12-2006, 03:54 PM
جزاكم الله خيرا

أبو عبدالرحمن الأثري السلفي
12-12-2006, 05:01 PM
جزى الله شيخنا الفاضل العلامة أبا عبدالرحمن فالح بن نافع بن فلاح المخلفي الحربي خير الجزاء و بارك الله في علمه و عمله و دعوته و عمره

أبو عبدالرحمن الأثري السلفي
12-17-2006, 11:02 AM
يرفع ضرورة

أبو عبدالرحمن الأثري السلفي
12-20-2006, 12:43 PM
جزى الله شيخنا الفاضل العلامة أبا عبدالرحمن فالح بن نافع بن فلاح المخلفي الحربي خير الجزاء و بارك الله في علمه و عمله و دعوته و عمره
.............................................

أبو عبدالرحمن الأثري السلفي
12-23-2006, 11:16 AM
يرفع فإنه مهم

12d8c7a34f47c2e9d3==