المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ‏"‏ الاستقامة وأثرها على الفرد والمجتمع ‏"للشيخ العلامة الإمام صالح الفوزان حفظه الله


كيف حالك ؟

قاسم علي
11-23-2005, 07:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستقامة ورد ذكرها في كتاب الله وفي سنة رسوله ‏(‏في عدة مواضع يأمر الله بها و يثني على أهلها ويعدهم بجزيل الأجر و الثواب قال الله سبحانه وتعالى لنبيه)‏‏:‏ ‏{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ ‏(‏هود / 112‏)‏‏.‏

و قال الله سبحانه وتعالى لنبيه آمرا له أن يقول ‏{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ}‏ ‏[‏فصلت\6‏]‏

وقال الله سبحانه و تعالى ‏{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ‏.‏ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ‏.‏ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ}‏ ‏[‏فصلت / 30 -32‏]‏‏.‏

وقال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ‏.‏ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأحقاف / 13 -14 ‏]‏

وقال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا‏}‏ ‏[‏الجن /16‏]‏

وقال النبي ‏(‏في حديث سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال ‏:‏سألت النبي ‏(‏فقلت‏:‏ يا رسول الله قل لي قولا في الإسلام لا أسأل عنه غيرك‏.‏ قال ‏(‏قل آمنت بالله ثم استقم‏)‏ ‏[‏رواة مسلم‏]‏‏.‏

وقال في حديث ثوبان‏:‏ ‏(‏استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن‏)‏‏.‏

وفي حديث أبى هريرة أن النبي قال‏:‏ ‏(‏سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة منكم بعمله قالوا‏:‏ ولا أنت يا رسول الله قال‏:‏ ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل‏)‏

فهذه الآيات والأحاديث تحث على الاستقامة ترغب فيها وتبين ثواب أهل الاستقامة مما يجعلنا نتطلع إلى معنى الاستقامة ما هي الاستقامة التي هذه مكانتها في كتاب الله وسنة رسول ‏(‏حتى نعمل بها ‏؟‏‏)‏

بين العلماء رحمهم الله أن الاستقامة هي الاعتدال وضدها الاعوجاج والميل هذا من حيث اللغة يقال خط ‏:‏مستقيم يعني خط لاعوج فيه ولا ميل قال الله تعالى ‏{‏وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ‏}‏‏[‏الأنعام \153‏]‏

‏{‏اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ‏}‏‏[‏الفاتحة \6‏]‏ الصراط المستقيم هو الطريق المعتدل الذي ليس فيه اعوجاج ولا ميل بخلاف الطرق الضالة فإن فيها اعوجاج وفيها ميل وفيها مخاطر أما الصراط المستقيم صراط الله سبحانه وتعالى فهو طريق معتدل لا اعوجاج فيه ولا ميل ولا خطر على من سلكه

فالاستقامة معناها الاعتدال على طاعة الله سبحانه وتعالى؛ الاعتدال على شريعة الله، الاعتدال على كلمة التوحيد هذه هي الاستقامة شرعا كما تدل على ذلك عبارات السلف كلها تجتمع على أن الاستقامة شرعا هي لزوم طاعة الله سبحانه وتعالى من غير ميل ومن غير التفات إلى غيرها

فهي تعني لزوم ما شرعه الله سبحانه وتعالى في التوحيد وإخلاص العبادة لله وفي الآداب والأخلاق والتعامل مع الناس، وفي كل ما يفعله الإنسان في هذه الحياة يكون مستقيا على المنهج الصحيح الذي رسمه الله سبحانه وتعالى وبينه رسوله ‏(‏لأن هذا المنهج هو منهج الذين أنعم الله عليهم كما قال تعالى‏:‏ ‏{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ‏.‏ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ}‏ فالذين أنعم الله عليهم هم أهل الاستقامة من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا‏.‏

فالاستقامة تعني التوسط بين الإفراط والتفريط، بين التساهل وعدم المبالاة وبين الغلو والتشدد‏.‏ هذا هو طريق الاستقامة لأن دين الله بين الغالي والجافي‏.‏ الغالي هو الذي يزيد ويتشدد، والجافي هو المتساهل الذي لا يهتم بدينه بل هو مفرط، وكذلك الغالي والمتشدد الذي يزيد في العبادة ويزيد في التمسك يظن أنه يطيع الله ورسوله، وهو بالعكس لأن من خرج عن الجادة ومال عنها سواء بتساهل أو بتشدد خرج عن شرع الله سبحانه وتعالى‏.‏ فالاستقامة هي الاعتدال من غير جفاء وتساهل ومن غير زيادة وتشدد وإفراط في العبادة، هذا هو طريق الاستقامة‏.‏

فالعصاة والفساق هؤلاء متساهلون ومفرطون كل بحسبة، منهم المقل ومنهم المستكثر من التفريط بحسب ما يرتكبون من الذنوب والسيئات والمخالفات هم بهذا مفرطون في طاعة الله ومقصرون في عبادة الله وهم متفاوتون في تفريطهم وتساهلهم فمنهم من خرج بعيدا عن الاستقامة، ومنهم من خرج قليلا إلا أنهم كلهم يعتبرون جافين ومفرطين‏.‏ وعلى الطرف الثاني المتشددون‏.‏ الغالون في دين الله عز وجل الذين لا يقنعهم السير على طاعة الله وما شرعة الله بل يريدون أن يزيدوا عما شرعه ويقولون هذا من الدين وهو والله ليس من الدين ولهذا حذر الله تعالى منه في كتابة‏.‏ قال تعالى ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ‏}‏ ‏[‏المائدة / 177‏]‏‏.‏ فأهل الكتاب غلوا في حق المسيح عليه الصلاة والسلام حتى اعتبروه ابنا لله أو اعتبروه هو الله أو ثالث ثلاثة ورفعوه من درجة العبودية والبشرية إلى درجة الربوبية‏.‏ هذا غلو وزيادة، فمن غلا في حق شخص حتى رفعه عن منزلته فهذا أعظم الغلو، ومن غلا في العبادة ولم يقتصر على ما شرعه الله وزاد فهذا من الغلو الذي لا يقبله الله فلو أن إنسانا قال‏:‏ صلاة الفجر ركعتان أنا أريد أن أصلي أربع ركعات زيادة في الخير، فقوله هذا غلو وزيادة والله لا يقبل الزيادة، وهذه الصلاة باطلة‏.‏ لا يقبل الله منك إلا ما شرعه بأن تصلي الفجر ركعتين وكذا لو قال‏:‏ الصلوات الخمس لا تكفي أنا أريد أن أجعلها ست صلوات سبع صلوات زيادة خير قلنا له‏:‏ لا هذا كفر بالله عز وجل لأن هذا زيادة في الدين وهي مثل النقص من الدين أو أشد لا يقبلها الله سبحانه وتعالى، ومن ثم قال النبي في الخوارج وهم طائفة شددت في الدين على عهد الصحابة وغلت في الدين وعظمت من شأن الكبائر حتى حكمت على مرتكب الكبيرة بأنه كافر‏.‏ وقال النبي فيهم‏:‏ ‏(‏تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وعبادتكم إلى عبادتهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم)‏، فهم يمرقون من الدين بسبب الغلو والزيادة‏.‏ حتى أن الصحابة يحقرون عبادتهم إلى عبادتهم‏.‏ لكن الاجتهاد الذي يكون ليس على طريق صحيح لا ينفع بل يضر صاحبه‏.‏ ولهذا وصفهم بأنهم يمرقون من الدين بسبب غلوهم وتشددهم والعياذ بالله، وحتى أنهم كانوا يعرفون بصفرة الوجوه من قيام الليل، وكثرة التلاوة لكن لما زادوا على الدين ما ليس منه خرجوا من الدين، وسموا بالخوارج أيضًا لأنهم خرجوا على أمير المؤمنين على بن أبي طالب وخرجوا أيضًا عن رسم العبادة التي شرعها الله سبحانه وتعالى فكذلك كل من تأسى بهم فهو منهم ممن جاء بعدهم إلى أن تقوم الساعة لأن الخوارج يتكرر وجودهم في التاريخ وهذا مذهب يكون علية طوائف من الناس لا تزال، وهو مذهب باطل بسبب الغلو والتشدد الذي ما أنزل الله به من سلطان، وحتى الاجتهاد في النوافل على غير الطريق الذي كان عليه الرسول يعتبر غلوا‏.‏ فقد جاء ثلاثة نفر إلى بيوت النبي يسألون عن عبادته وقيامه في الليل فلما أخبرهم أزواج النبي ورضي الله عنهن لما أخبرنهم بصلاة النبي في الليل وصيامه كأنهم تقالوا هذا‏.‏ لكنهم أجابوا عن فعل الرسول بأنه قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قالوا‏:‏ فنحن لسنا مثله‏.‏ فهو بزعمهم لم يكثر من الصلاة لأنه مغفور له ونحن لسنا مثله فنحن بحاجة إلى أن نجتهد أكثر، فلما جاء النبي وذكر له ذلك تغير وأنكر عليهم وقال‏:‏ ‏(‏أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله واتقاكم لله، وإني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء وآكل اللحم، ومن رغب عن سنتي فليس مني)‏‏.‏ يعني من لم تقنعه سنتي فأنا برئ منه، فقوله‏:‏ ‏(‏ليس مني‏)‏ أي برئ منه‏.‏ دل على هذا أن الخبر كله في الاستقامة على سنة الرسول ‏(‏والالتزام بشرع الله عز وجل، كذلك النبي ‏(‏في حجة الوداع لما أفاض من مزدلفة إلى منى أمر أحد الصحابة أن يلتقط له حصى الجمار فجاءه بحصى مثل حصى الخذف أي الذي يقذف به على رؤوس الأصابع أكبر من الحمص بقليل فجعل النبي ‏‏ينفضه (ويقول أمثال هؤلاء‏:‏ فارموا وإياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) يعني ‏:‏ لا يجئ واحد يقول هذه الحصى صغار ويأخذ حصى كبارًا هذا غلو لا يجوز فالحصى التي رمى بها النبي هي المشروعة وفيها الكفاية فلا يجئ واحد بحصى كبار ويقول‏:‏ هذه زيادة خير نقول له ‏:‏قف عند حدك هذه سنة الرسول أبي القاسم ‏(‏من رغب عن سنتي فليس منى‏)‏، ولا يجوز العكس فيأتي واحد ويقول ‏:‏أنا آخذ حصى صغارًا أقل مما جاء في الحديث نقول له ‏:‏لا، هذا تساهل لا يجوز فلا بد من السير على خطة الرسول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك‏)‏‏.‏ فالاستقامة هي العمل بسنة الرسول ‏(‏لا يأتي واحد يقول‏:‏ سنة الرسول فيها تشدد ويدعو إلى التساهل ويقول‏:‏ الدين يسر نعم الدين يسر، ولكن اليسر هو ما شرعة الله ورسوله وليس اليسر أن نترك الأوامر والنواهي ونقول الالتزام بالدين تشديد هذا ليس تشديدا هذا هو الدين ‏(‏ذلك الدين القيم‏)‏ أو يأتي واحد يقول‏:‏ هذا قليل أنا أزيد زيادة خير‏,‏ نقول له‏:‏ قف عند حدك هذه سنة الرسول لا زيادة ولا نقص الناقص جاف والزائد غال ‏,‏والاعتدال هو لزوم سنة الرسول وفيها السهولة والحمد لله ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏هلك المتنطعون قالها ثلاثًا‏)‏ من هم المتنطعون هم المتشددون الذين يرون أن السير على ما شرعه الرسول لا يكفي ولابد من الاجتهاد والإكثار من العبادة أكثر مما شرعة الرسول إن هذا هو التنطع الذي يهلك صاحبة وبه هلك المتنطعون من قبل وقالها ثلاثا علية الصلاة والسلام من أجل التحذير من التشدد في الدين والغلو في الدين فالاستقامة إذن عرفنا أنها السير على الطريق المعتدل وهو ما شرعة الله تعالى وشرعة رسوله التزام ذلك من غير إفراط ولا تفريط وقد ذكر الله في هذه الآيات التي سمعتم وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي سمعتم الحث على الاستقامة والأمر بها وذكر جزاء أهل الاستقامة قال سبحانه ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا‏}‏ ‏[‏الأحقاف \ 13‏]‏ قالوا ربنا الله نطقوا بالشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله‏,‏ ثم استقاموا على هذا فعملوا بمقتضى الشهادتين‏,‏ أخلصوا العبادة لله عز وجل ولم يشركوا بالله شيئًا ولم يقصروا في عبادة الله ولم يتكاسلوا عن طاعة الله أدوا الفرائض وأيضًا اجتهدوا في النوافل في العبادات على ما رسم الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك حققوا شهادة أن محمدًا رسول الله فاتبعوا فيما شرع وتجنبوا البدع والخرافات والمحدثات ولزموا سنة الرسول عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة‏)‏‏.‏

وقال علية الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)‏ فإنهم لما قالوا ربنا الله فهذا معناه الإعلان بالشهادة لله بالوحدانية وأنهم لا يعبدون إلا الله سبحانه وتعالى وكذلك إعلان لمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فلما أعلنوا ذلك ونطقوا به بألسنتهم فشهدوا أن لا إله الله وأن محمد رسول الله واتبعوا ذلك بالعمل لأنه لا يكفي مجرد النطق بأن يقولوا ربنا الله فقط من دون عمل بل لابد أن يتبعوا ذلك بالعمل أما القول بلا عمل فلا ينفع والذي يقول ‏:‏لا إله إلا الله محمد رسول الله ولكنه لا يتبع ذلك بالعمل فلا يعبد الله عز وجل، أو يعبد غيره أو يقول‏:‏ أشهد أن محمد رسول الله ولكن لا يطيعه وإنما يطيع هواة، ويطيع آبائه وأجداده، ويطيع المخرفين والمشعوذين والدجالين ويطيع ما وجد علية الناس ولو كان مخالفا لهدي الرسول فهذا لم يستقم 0 فقول‏:‏ ‏(‏ربنا الله‏)‏ يحتاج إلى تحقيق ويحتاج إلى عمل وإلى صدق ويحتاج إلى إخلاص فمن قال‏:‏ ربنا الله فلا بد أن يستقيم على طاعة الله بالقول والعمل والإخلاص والصدق واليقين‏,‏ والذين فعلوا ذلك ما هو جزاؤهم‏:‏ ‏{‏تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ‏}‏ ‏[‏الأحقاف/13‏]‏‏.‏ ملائكة الرحمة تتنزل عليهم عند الموت تبشرهم لأن الإنسان يخاف عند الموت وخصوصًا الكافر والمنافق إذا عاين الموت فإنه الملائكة تتنزل عليهم في هذه اللحظة‏,‏ في لحظة الموت فتطمئنهم ونقول لهم لا تخافوا مما أنتم قادمون عليه لأنكم قادمون على رب رحيم وعلى جنات النعيم ولا تحزنوا على ما تركتم من الأولاد والزوجات الذين تخافون عليم الضياع‏.‏ ولا تخافوا عليهم‏,‏ ولا تحزنوا على فراق الدنيا فراق الأولاد والأهل فنحن نخلقكم فيهم‏,‏ وتبشرهم بالجنة عند سكرات الموت عند ذلك يحبون لقاء الله‏.‏ فالمؤمن إذا بشر بلقاء الله أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه‏,‏ والكافر والمنافق إذا بشر بالنار كره لقاء الله فكروه الله لقاءه‏.‏

‏{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ كانوا مع المؤمنين يعينوهم على طاعة الله ويحفظونهم بأمر الله لأن المؤمن موكل به ملائكة، وكل إنسان موكل به ملائكة ولكن المؤمن يكون معه ملائكة يحفظونه ويسددونه ويأمرونه بالخير وينهونه عن الشر‏.‏

‏{‏وَفِي الآخِرَةِ}‏ نحن معكم في الآخرة لا تخافوا من أهوال الآخرة نحن معكم ونسير معكم ونحن معكم في الجنة كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ‏.‏ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ‏}‏ ‏[‏الرعد /23 -24‏]‏‏.‏

هذه عاقبة أهل الاستقامة عند الموت وفي الآخرة‏.‏

‏{وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}‏ ‏[‏فصلت/41‏]‏‏.‏ أي ما تطلبون‏.‏ كل ما طلبتم في الجنة فهو موجود‏,‏ موفر وهذا بخلاف الدنيا لأن الإنسان قد يطلب أشياء ولا يحصل عليها‏,‏ قد يتمنى أشياء ولكن لا يحصل عليها‏,‏ والجنة دار السرور ‏{نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ}‏‏.‏ النول الضيافة‏,‏ والله أعد الجنة ضيافة لأهل الاستقامة وهذا النزل ‏{مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ}‏ ما ظنكم بضيافة الغفور الرحيم‏.‏ ماذا تكون لا يعلمها إلا الله‏.‏

فالحاصل أن الاستقامة مقامها في الدين عظيم ومن غير تشدد ومن غير تساهل وتفريط وجفاء وعدم مبالاة وإذا حاول الإنسان الاستقامة وحرص عليها وقصدها وحصل منه خلل فإنه يستغفر الله عز وجل ويكثر من الاستغفار لأن الإنسان ليس معصوما‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}‏ ‏[‏النجم/32‏]‏‏.‏

فالذي يرى أنه قد أتى بالواجب وأنه وفى الحق الذي عليه لربه فهذا تزكية للنفس‏.‏

فالإنسان يعتبر نفسه مقصرًا دائمًا في حق الله سبحانه وتعالى فيستغفر الله ولهذا يقول سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم مع اجتهاده في العبادة التي لا يماثله أحد من الخلق فيها عليه الصلاة والسلام ومع هذا يعتذر إلى ربه ويقول‏:‏ ‏(‏لا أحصي ثناء عليك‏)‏‏,‏ لأنك مهما عبدت الله واجتهدت فإن نعم الله وفضله عليك أكثر ولكن الله جل وعلا عفو غفور‏.‏

فلو صليت الليل والنهار وصمت الدهر كله وأنفقت الأموال الكثيرة وعملت ما عملت فإنك لن تستكمل الدين كله‏,‏ الدين أكثر وأكثر‏.‏ ولكن الله سبحانه وتعالى إذا علمت ما تستطيع عفا الله عنك مالا تستطيع‏.‏ ‏{‏رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة/ 286‏}‏‏.‏

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وأسأله أن يرزقني وإياكم الاستقامة على دينه والسلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‏.‏
كتاب {محاضرات في العقيدة والدعوة }
الشيخ العلامة الإمام صالح الفوزان حفظه الله

إبراهيم يوسف
11-23-2005, 10:17 PM
جزاك الله خيرا

قاسم علي
12-02-2005, 03:03 PM
وياك...............

12d8c7a34f47c2e9d3==