ديما
11-21-2005, 12:03 AM
وسئل ـشيخ الاسلام ابن تيميه رحمة الله ـ عن [البغاة، والخوارج]: هل هي ألفاظ مترادفة بمعني واحد؟ أم بينهما فرق؟ وهل فرقت الشريعة بينهما في الأحكام الجارية عليهما، أم لا؟ وإذا ادعي مدع أن الأئمة اجتمعت علي ألا فرق بينهم، إلا في الاسم، وخالفه مخالف مستدلاً بأن أمير المؤمنين عليا ـ رضي الله عنه ـ فرق بين أهل الشام وأهل النهروان: فهل الحق مع المدعي؟ أو مع مخالفه؟
فأجاب:
الحمد لله، أما قول القائل: إن الأئمة اجتمعت علي أن لا فرق بينهما إلا في الاسم، فدعوي باطلة، ومدعيها مجازف، فإن نفي الفرق إنما هو قول طائفة من أهل العلم من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم؛ مثل كثير من المصنفين في [قتال أهل البغي]، فإنهم قد يجعلون قتال أبي بكر لمانعي الزكاة، وقتال علي الخوارجَ، وقتاله لأهل الجمل وصفين إلي غير ذلك من قتال المنتسبين إلي الإسلام من باب [قتال أهل البغي].
/ثم مع ذلك فهم متفقون علي أن مثل طلحة والزبير ونحوهما من الصحابة من أهل العدالة، لا يجوز أن يحكم عليهم بكفر ولا فسق، بل مجتهدون؛ إما مصيبون، وإما مخطئون، وذنوبهم مغفورة لهم. ويطلقون القول بأن البغاة ليسوا فساقًا.
فإذا جعل هؤلاء وأولئك سواء، لزم أن تكون الخوارج وسائر من يقاتلهم من أهل الاجتهاد الباقين علي العدالة [سواء]؛ ولهذا قال طائفة بفسق البغاة، ولكن أهل السنة متفقون علي عدالة الصحابة.
وأما جمهور أهل العلم فيفرقون بين [الخوارج المارقين] وبين [أهل الجمل وصفين] وغير أهل الجمل وصفين. ممن يعد من البغاة المتأولين. وهذا هو المعروف عن الصحابة، وعليه عامة أهل الحديث، والفقهاء، والمتكلمين وعليه نصوص أكثر الأئمة وأتباعهم؛ من أصحاب مالك، وأحمد، والشافعي، وغيرهم.
وذلك أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تمرق مارقة علي حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولي الطائفتين بالحق) وهذا الحديث يتضمن ذكر الطوائف الثلاثة، ويبين أن المارقين نوع ثالث ليسوا من/جنس أولئك؛فإن طائفة علي أولي بالحق من طائفة معاوية. وقال في حق الخوارج المارقين: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة) وفي لفظ: (لو يعلم الذين يقاتلونهم ما لهم علي لسان نبيهم لنكلوا عن العمل). وقد روي مسلم أحاديثهم في الصحيح من عشرة أوجه وروي هذا البخاري من غير وجه، ورواه أهل السنن والمسانيد؛ وهي مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم، متلقاة بالقبول، أجمع عليها علماء الأمة من الصحابة ومن اتبعهم، واتفق الصحابة علي قتال هؤلاء الخوارج.
وأما [أهل الجمل، وصفين] فكانت منهم طائفة قاتلت من هذا الجانب، وأكثر أكابر الصحابة لم يقاتلوا لا من هذا الجانب ولا من هذا الجانب، واستدل التاركون للقتال بالنصوص الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ترك القتال في الفتنة، وبينوا أن هذا قتال فتنة.
وكان علي ـ رضي الله عنه ـ مسرورًا لقتال الخوارج، ويروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بقتالهم، وأما قتال [صفين] فذكر أنه ليس معه فيه نص؛ وإنما هو رأي رآه، وكان أحيانًا يحمد من لم ير القتال.
/وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحسن: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، فقد مدح الحسن وأثني عليه بإصلاح الله به بين الطائفتين؛ أصحاب علي وأصحاب معاوية، وهذا يبين أن ترك القتال كان أحسن، وأنه لم يكن القتال واجبًا ولا مستحبًا.
و [قتال الخوارج] قد ثبت عنه أنه أمر به، وحض عليه، فكيف يسوي بين ما أمر به وحض عليه، وبين ما مدح تاركه وأثني عليه؟!. فمن سوي بين قتال الصحابة الذين اقتتلوا بالجمل وصفين، وبين قتال ذي الخويصرة التميمي وأمثاله من الخوارج المارقين، والحرورية المعتدين، كان قولهم من جنس أقوال أهل الجهل والظلم المبين. ولزم صاحب هذا القول أن يصير من جنس الرافضة والمعتزلة الذين يكفرون أو يفسقون المتقاتلين بالجمل وصفين، كما يقال مثل ذلك في الخوارج المارقين، فقد اختلف السلف والأئمة في كفرهم علي قولين مشهورين، مع اتفاقهم علي الثناء علي الصحابة المقتتلين بالجمل وصفين، والإمساك عما شجر بينهم. فكيف نسبة هذا بهذا؟!
وأيضًا فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال [الخوارج] قبل أن يقاتلوا، وأما [أهل البغي] فإن الله تعالي قال فيهم: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الحجرات: 9]، فلم يأمر بقتال الباغية ابتداء. فالاقتتال ابتداء ليس مأمورًا به، ولكن إذا اقتتلوا أمر بالإصلاح بينهم، ثم إن بغت الواحدة قوتلت؛ ولهذا قال من قال من الفقهاء: إن البغاة لا يبتدؤون بقتالهم حتي يقاتلوا. وأما الخوارج فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة)، وقال: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد).
وكذلك مانعو الزكاة؛ فإن الصديق والصحابة ابتدؤوا قتالهم، قال الصديق: والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. وهم يقاتلون إذا امتنعوا من أداء الواجبات وإن أقروا بالوجوب. ثم تنازع الفقهاء في كفر من منعها وقاتل الإمام عليها مع إقراره بالوجوب؟ علي قولين، هما روايتان عن أحمد، كالروايتين عنه في تكفير الخوارج. وأما أهل البغي المجرد فلا يكفرون باتفاق أئمة الدين؛ فإن القرآن قد نص علي إيمانهم وأخوتهم مع وجود الاقتتال والبغي. والله أعلم.
مجموع الفتاوى المجدل الخامس والثلاثون
فأجاب:
الحمد لله، أما قول القائل: إن الأئمة اجتمعت علي أن لا فرق بينهما إلا في الاسم، فدعوي باطلة، ومدعيها مجازف، فإن نفي الفرق إنما هو قول طائفة من أهل العلم من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم؛ مثل كثير من المصنفين في [قتال أهل البغي]، فإنهم قد يجعلون قتال أبي بكر لمانعي الزكاة، وقتال علي الخوارجَ، وقتاله لأهل الجمل وصفين إلي غير ذلك من قتال المنتسبين إلي الإسلام من باب [قتال أهل البغي].
/ثم مع ذلك فهم متفقون علي أن مثل طلحة والزبير ونحوهما من الصحابة من أهل العدالة، لا يجوز أن يحكم عليهم بكفر ولا فسق، بل مجتهدون؛ إما مصيبون، وإما مخطئون، وذنوبهم مغفورة لهم. ويطلقون القول بأن البغاة ليسوا فساقًا.
فإذا جعل هؤلاء وأولئك سواء، لزم أن تكون الخوارج وسائر من يقاتلهم من أهل الاجتهاد الباقين علي العدالة [سواء]؛ ولهذا قال طائفة بفسق البغاة، ولكن أهل السنة متفقون علي عدالة الصحابة.
وأما جمهور أهل العلم فيفرقون بين [الخوارج المارقين] وبين [أهل الجمل وصفين] وغير أهل الجمل وصفين. ممن يعد من البغاة المتأولين. وهذا هو المعروف عن الصحابة، وعليه عامة أهل الحديث، والفقهاء، والمتكلمين وعليه نصوص أكثر الأئمة وأتباعهم؛ من أصحاب مالك، وأحمد، والشافعي، وغيرهم.
وذلك أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تمرق مارقة علي حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولي الطائفتين بالحق) وهذا الحديث يتضمن ذكر الطوائف الثلاثة، ويبين أن المارقين نوع ثالث ليسوا من/جنس أولئك؛فإن طائفة علي أولي بالحق من طائفة معاوية. وقال في حق الخوارج المارقين: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة) وفي لفظ: (لو يعلم الذين يقاتلونهم ما لهم علي لسان نبيهم لنكلوا عن العمل). وقد روي مسلم أحاديثهم في الصحيح من عشرة أوجه وروي هذا البخاري من غير وجه، ورواه أهل السنن والمسانيد؛ وهي مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم، متلقاة بالقبول، أجمع عليها علماء الأمة من الصحابة ومن اتبعهم، واتفق الصحابة علي قتال هؤلاء الخوارج.
وأما [أهل الجمل، وصفين] فكانت منهم طائفة قاتلت من هذا الجانب، وأكثر أكابر الصحابة لم يقاتلوا لا من هذا الجانب ولا من هذا الجانب، واستدل التاركون للقتال بالنصوص الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ترك القتال في الفتنة، وبينوا أن هذا قتال فتنة.
وكان علي ـ رضي الله عنه ـ مسرورًا لقتال الخوارج، ويروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بقتالهم، وأما قتال [صفين] فذكر أنه ليس معه فيه نص؛ وإنما هو رأي رآه، وكان أحيانًا يحمد من لم ير القتال.
/وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحسن: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، فقد مدح الحسن وأثني عليه بإصلاح الله به بين الطائفتين؛ أصحاب علي وأصحاب معاوية، وهذا يبين أن ترك القتال كان أحسن، وأنه لم يكن القتال واجبًا ولا مستحبًا.
و [قتال الخوارج] قد ثبت عنه أنه أمر به، وحض عليه، فكيف يسوي بين ما أمر به وحض عليه، وبين ما مدح تاركه وأثني عليه؟!. فمن سوي بين قتال الصحابة الذين اقتتلوا بالجمل وصفين، وبين قتال ذي الخويصرة التميمي وأمثاله من الخوارج المارقين، والحرورية المعتدين، كان قولهم من جنس أقوال أهل الجهل والظلم المبين. ولزم صاحب هذا القول أن يصير من جنس الرافضة والمعتزلة الذين يكفرون أو يفسقون المتقاتلين بالجمل وصفين، كما يقال مثل ذلك في الخوارج المارقين، فقد اختلف السلف والأئمة في كفرهم علي قولين مشهورين، مع اتفاقهم علي الثناء علي الصحابة المقتتلين بالجمل وصفين، والإمساك عما شجر بينهم. فكيف نسبة هذا بهذا؟!
وأيضًا فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال [الخوارج] قبل أن يقاتلوا، وأما [أهل البغي] فإن الله تعالي قال فيهم: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الحجرات: 9]، فلم يأمر بقتال الباغية ابتداء. فالاقتتال ابتداء ليس مأمورًا به، ولكن إذا اقتتلوا أمر بالإصلاح بينهم، ثم إن بغت الواحدة قوتلت؛ ولهذا قال من قال من الفقهاء: إن البغاة لا يبتدؤون بقتالهم حتي يقاتلوا. وأما الخوارج فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة)، وقال: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد).
وكذلك مانعو الزكاة؛ فإن الصديق والصحابة ابتدؤوا قتالهم، قال الصديق: والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. وهم يقاتلون إذا امتنعوا من أداء الواجبات وإن أقروا بالوجوب. ثم تنازع الفقهاء في كفر من منعها وقاتل الإمام عليها مع إقراره بالوجوب؟ علي قولين، هما روايتان عن أحمد، كالروايتين عنه في تكفير الخوارج. وأما أهل البغي المجرد فلا يكفرون باتفاق أئمة الدين؛ فإن القرآن قد نص علي إيمانهم وأخوتهم مع وجود الاقتتال والبغي. والله أعلم.
مجموع الفتاوى المجدل الخامس والثلاثون