الفاروق
11-20-2005, 12:31 PM
تنظيم ينحرف عن الجهاد وينحدر نحو الهاوية
القاعدة في السعودية مولود مشوه للأفكار التكفيرية والجماعات الإرهابية
الرياض: الوطن
تأسس تنظيم القاعدة في نهاية السبعينات وأول الثمانينات الميلادية، ولم يكن التنظيم معروفاً بهذا الاسم كما هو الحال الآن، وإنما كان يعرف بأسماء أخرى غير هذا الاسم، وكان يعرف بمخيماته ومراكزه المتعددة كـ"مأسدة الأنصار"، و"مركز الصديق"، و"مركز الفاروق"، وغيرها من الأسماء المعروفة آنذاك، وإنما جاء اسم القاعدة من ذلك السجل الذي وضعه عبدالله عزام وأسامة بن لادن لأسباب سياسية واجتماعية لرصد حركة الشباب القادمين إليهم يحوي معلومات عنهم ومعلومات وصولهم وتحركاتهم ومغادرتهم، وسمي بـ"القاعدة" أي قاعدة بيانات الشباب القادم إلى أفغانستان، وأصبح بعد ذلك اصطلاحاً بين هؤلاء الشباب حتى نقله الإعلام الأمريكي بعد ذلك إلى أنحاء العالم، وأصبح الاسم الرسمي لهذا التنظيم، بل إن التنظيم نفسه اعتمد هذا الاسم في بياناته ونشراته الإعلامية المختلفة، وقد مر تنظيم القاعدة بمراحل مختلفة وتغيرات كبيرة في بنيته الفكرية ورؤاه الشرعية وإستراتيجيته العملية بناء على اختلاف المراحل التي مر بها ونستطيع أن نجمل المراحل التي مر بها التنظيم في ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة الجهاد، وتبدأ من بداية وصول الشباب إلى أفغانستان ومنهم أسامة بن لادن نفسه وتأسيس ما كان يسمى بمأسدة الأنصار، إلى حين الانسحاب الروسي من أفغانستان سنة 1989م، وحتى سقوط كابل سنة 1992م.
المرحلة الثانية: مرحلة التيه والضياع، وتبدأ من سقوط كابل وانتهاء مهمة الشباب العربي في أفغانستان بعد اندلاع الحرب الأهلية بين الفصائل الأفغانية وانسحاب ابن لادن من الساحة الأفغانية، وكان خطؤه القاتل هو عدم عودته إلى وضعه الطبيعي قبل خروجه لأفغانستان، فدخل في التيه والاضطراب بين العودة إلى حياته العادية في السعودية، وبين البقاء في أفغانستان برغم فتنة القتال بين المسلمين، وبين البحث عن مكان آخر كالسودان وغيرها، واقترب في هذه المرحلة وخاصة ما بعد 1994م من جماعة الظواهري وأفكاره المتطرفة حتى انتهت بإعلان الاندماج مع جماعة الجهاد المصرية وتكوين ما سمي بالجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين 1998م.
المرحلة الثالثة: مرحلة الإرهاب والفساد، وتبدأ منذ إعلان التحالف مع جماعة الجهاد المصرية واعتناق ابن لادن للمذهب الظواهري بأصليه المنحرفين الأول الغلو في تكفير الأنظمة والحكام والعلماء والجماعات والمجتمعات الإسلامية، والثاني ممارسة التفجيرات والاغتيالات والخطف وقتل الأبرياء وغيرها من الجرائم باسم الجهاد في سبيل الله دون تحديد لها بهدف معين أو مكان معين أو زمن معين حتى أصبح العالم كله مسرحاً لجرائمهم وعملياتهم بما في ذلك أرض الحرمين مكة المكرمة والمدينة النبوية.
ففي المرحلة الأولى لم يكن هناك أي تحفظات تذكر في نظر كثير من العلماء والباحثين على شرعية قتال الشيوعيين ومساعدة الأفغان في تحرير أراضيهم وإنما كانت هناك بعض التحفظات على بعض الأخطاء والانحرافات على بعض المجموعات التي كانت تنشط في الساحة آنذاك ممن تتبنى الفكر التكفيري وتخطط لتصدير الثورات والفتن وتطعن في العلماء وتحرض الشباب على الخروج على ولاة أمرهم وعلمائهم وكان غالب هؤلاء من أتباع الجماعات التكفيرية الغالية الذين توافدوا على أفغانستان هروبا من أنظمة بلدانهم بعد أن أصبحوا مطلوبين لها لانخراطهم في تنظيمات مسلحة وأنشطة محظورة ومن التحفظات أيضا الغلو في الجهاد الأفغاني والمبالغة في وصف المجاهدين وكراماتهم والمجازفة في تطبيق أحاديث المهدي على قادتهم ورموزهم وعقد المبايعات بينهم وإغفال الجانب السياسي لدى الفصائل المقاتلة والجهات الداعمة له ماديا ومعنويا الذي سرعان ما انكشف عواره في أول لحظة بعد سقوط كابل وتحول الصراع من كونه مع الشيوعيين فأصبح بين الفصائل الجهادية نفسها.
لقد كان السكوت عن نقد تلك الأخطاء والمجاملة في غض الطرف عنها أساسا في انخداع كثير من الشباب بها وتبنيهم لها حتى أصبحت نواة لتكوين المرحلة الثانية من تنظيم القاعدة ويعيد التأريخ نفسه في تكرار هذا الخطأ مرة أخرى في السكوت عن الأخطاء التي ترتكبها بعض المجموعات المقاتلة في العراق كجماعة الزرقاوي وأتباعه ظنا منهم أن في ذلك إعانة للأعداء وتثبيطا للمسلمين ونسوا أن المخالفات في الجهاد هي من أكبر أسباب الخذلان والهزيمة كما قال تعالى: "قل هو من عند أنفسكم"، وقد نزل القرآن الكريم بإنكار بعض تصرفات المسلمين في بعض غزواتهم ولم يعد ذلك تثبيطاً وخذلانا، كما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه بعض تصرفاتهم في الجهاد وتبرأ منها ولم يعد مناصرة ولا إعانة للكافرين.
والمرحلة الثانية من مراحل تنظيم القاعدة ومؤسسه هي مرحلة التيه والضياع وذلك حينما انتهت مهمتهم في أفغانستان ولم يعودوا إلى وضعهم الطبيعي كما كانوا قبل الحرب وفضلوا التحول إلى فكر الجماعات التكفيرية الغالية كجماعات التكفير المصرية التي استطاعت اختراق تنظيم القاعدة وتوظيفه في تحقيق أهدافها واستغلال قدراته وإمكاناته المادية والبشرية والاستفادة من سمعته وانتشاره في تجنيد الشباب حتى تمكنت من دمجه في تنظيمها وهي المرحلة الثالثة التي أصبح التنظيم فيها عصا في يد جماعات التكفير تضرب به في كل مكان.
كثير من الناس لم يدرك هذا التحول الخطير في مسيرة القاعدة ومؤسسها ولم يدرك انزلاق القاعدة في منعطف جماعات التكفير وانحراف بوصلة اتجاهها من قتال الكفار إلى تكفير المسلمين وقتالهم، هذا التحول الخطير هو ما ينبغي تسليط الضوء عليه وإبراز مظاهره ومعالمه وبيانه حتى لا ينخدع كثير من الشباب بالمرحلة الأولى للتنظيم فيلتبس عليهم الجهاد بالإرهاب والفساد.
في المرحلتين الأخيرتين اللتين اقتربت فيهما القاعدة من منهج جماعات التكفير ومن ثم الاندماج فيها ولدت فكرة إيجاد الخلايا الإرهابية في كثير من دول العالم وذلك للقيام بما يسمونه بحرب العصابات وتنفيذ أعمال التفجير والخطف والقتل ضد الأنظمة وضد المجتمعات المسلمة وغير المسلمة دون أهداف واضحة وغايات بينة فوجدت خلايا في مصر والجزائر والسعودية وبلاد الشام والعراق والمغرب والقرن الإفريقي واليمن بل وفي أمريكا وأوروبا وبعض الدول الآسيوية، ومع قلة أعداد أعضاء هذه الخلايا إلا أنها استطاعت القيام بكثير من الأعمال الإرهابية المتفرقة كتفجيرات نيروبي ودار السلام وبالي واليمن والرياض والدار البيضاء وأمريكا ومدريد ولندن وغيرها تحت مسميات مختلفة، وبالأمس القريب تفجيرات عمان الثلاثة التي تعد باكورة تصدير القاعدة في العراق للعالم الإسلامي.
وتعتبر الخلايا الموجودة داخل السعودية جزءا من هذه الخلايا الإرهابية وإن اختلفت مسمياتها وتعددت شعاراتها فغالب من تورطوا فيها هم من نتاج المرحلتين الثانية والثالثة لتنظيم القاعدة وغالب القوائم المطلوبة والمعلنة من الجهات الأمنية وخاصة قائمة الـ19 الأولى حيث شارك كثير منهم في عدد من الأحداث التي حصلت في دول أخرى غير المملكة كأحداث الجزائر والصومال والمغرب واليمن وغيرها كما شارك في أحداث السعودية بعض الشباب من اليمن والمغرب وبعض الأفارقة وغيرهم وإن كان غالبهم من السعوديين.
كانت أول عمليات القاعدة في السعودية تفجيرات العليا سنة 1996م فقوبلت بردة فعل قوية واستنكار من جميع شرائح المجتمع السعودي وعلى رأسهم العلماء من أمثال الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين، وأعضاء هيئة كبار العلماء بالسعودية وغيرهم من العلماء والدعاة والمثقفين، وصدرت بيانات كثيرة تشجب هذه الأحداث وتستنكر وقوعها، كمنت بعدها القاعدة حتى وقعت أحداث الـ11 من سبتمبر فاستأنفت نشاطها داخل المملكة بشكل أقوى من السابق مستغلة التعاطف الداخلي مع المسألتين الأفغانية والعراقية فقامت بالتخطيط لعدد من العمليات الإجرامية داخل المملكة وأرسلت كثيرا من عناصرها داخل المملكة لتجنيد الشباب وتشكيل الخلايا الإرهابية في كثير من المدن والمحافظات واستطاعوا تنفيذ عدد من التفجيرات وعمليات الخطف والقتل والإرهاب في عدد من المواقع كما حصل في تفجيرات المجمعات السكنية في الرياض وتفجير المحيا وأحداث الخبر وينبع وغيرها وسرعان ما تلاشى التنظيم داخل السعودية وأخذ بالتآكل نظرا للنجاحات الأمنية الكبيرة التي حققتها الجهات الأمنية بالمملكة حيث نجحت في رصد تلك الخلايا وتتبعها ومحاصرتها وإحباط كثير من عملياتها قبل تنفيذها وإفشال عدد من مخططاتها وتجفيف منابع تمويلها ونظرا لما بذله كثير من العلماء والدعاة والمؤسسات العلمية والدعوية والثقافية في تعرية فكر هذه الجماعات الإرهابية ورد شبهاتها وفضح مخططاتها.
وركزت خلايا القاعدة في السعودية لتحقيق شرعيتها وانتشارها وتجنيد كثير من الشباب في خدمة أهدافها على محورين رئيسين المحور الإعلامي وذلك عن طريق النشرات الكثيرة والإصدارات المتنوعة المرئية والمسموعة والمقروءة كصوت الجهاد ونشرة البتار وغيرها وكذلك عن طريق مواقع الإنترنت والمنتديات على الشبكة العنكبوتية وقد استطاعوا تجنيد عشرات من الشباب عن هذا الطريق وإن ضعف نفوذهم بعد ذلك بسبب الملاحقات الأمنية لمواقعهم والتضييق عليهم وبسبب ما كانوا يجدونه من ردود على أطروحاتهم وتفنيد لشبهاتهم وكشف لمخططاتهم من عدد من الكتاب والمتابعين للشبكة العنكبوتية وأخص بالذكر حملة السكينة التي دخلت معهم في حوارات كثيرة وتحاورت مع ما يزيد على ألف منتم ومتعاطف مع أفكارهم واستطاعت إقناع الكثير منهم بالتراجع والاعتدال.
المحور الشرعي حيث استطاعوا التغرير ببعض طلبة العلم والوعاظ وتمكنوا من تجنيدهم في إصدار الفتاوى الشاذة بالتكفير والتدمير وإصدار البيانات والتزكيات لعملياتهم ومرجعياتهم مستغلين غفلة هؤلاء المشايخ وضعف وعيهم الفكري والسياسي وعدم نضجهم المنهجي وبساطة بعض جوانب التدين لديهم وقلة فقههم الشرعي في مسائل الولاء والبراء والجهاد والاحتساب حتى أخذوا على حين غرة ولم يصحوا إلا على أصوات تفجير السيارات ونسف المباني وصرخات الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال فعلموا حينها أنهم استغلوا وجندوا فأعلنوا تراجعهم وتبرؤوا من منهجهم وفتاواهم السابقة كما فعل المشايخ علي الخضير وناصر الفهد والخالدي وغيرهم
http://www.alwatan.com.sa/daily/2005-11-19/culture/culture09.htm
القاعدة في السعودية مولود مشوه للأفكار التكفيرية والجماعات الإرهابية
الرياض: الوطن
تأسس تنظيم القاعدة في نهاية السبعينات وأول الثمانينات الميلادية، ولم يكن التنظيم معروفاً بهذا الاسم كما هو الحال الآن، وإنما كان يعرف بأسماء أخرى غير هذا الاسم، وكان يعرف بمخيماته ومراكزه المتعددة كـ"مأسدة الأنصار"، و"مركز الصديق"، و"مركز الفاروق"، وغيرها من الأسماء المعروفة آنذاك، وإنما جاء اسم القاعدة من ذلك السجل الذي وضعه عبدالله عزام وأسامة بن لادن لأسباب سياسية واجتماعية لرصد حركة الشباب القادمين إليهم يحوي معلومات عنهم ومعلومات وصولهم وتحركاتهم ومغادرتهم، وسمي بـ"القاعدة" أي قاعدة بيانات الشباب القادم إلى أفغانستان، وأصبح بعد ذلك اصطلاحاً بين هؤلاء الشباب حتى نقله الإعلام الأمريكي بعد ذلك إلى أنحاء العالم، وأصبح الاسم الرسمي لهذا التنظيم، بل إن التنظيم نفسه اعتمد هذا الاسم في بياناته ونشراته الإعلامية المختلفة، وقد مر تنظيم القاعدة بمراحل مختلفة وتغيرات كبيرة في بنيته الفكرية ورؤاه الشرعية وإستراتيجيته العملية بناء على اختلاف المراحل التي مر بها ونستطيع أن نجمل المراحل التي مر بها التنظيم في ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة الجهاد، وتبدأ من بداية وصول الشباب إلى أفغانستان ومنهم أسامة بن لادن نفسه وتأسيس ما كان يسمى بمأسدة الأنصار، إلى حين الانسحاب الروسي من أفغانستان سنة 1989م، وحتى سقوط كابل سنة 1992م.
المرحلة الثانية: مرحلة التيه والضياع، وتبدأ من سقوط كابل وانتهاء مهمة الشباب العربي في أفغانستان بعد اندلاع الحرب الأهلية بين الفصائل الأفغانية وانسحاب ابن لادن من الساحة الأفغانية، وكان خطؤه القاتل هو عدم عودته إلى وضعه الطبيعي قبل خروجه لأفغانستان، فدخل في التيه والاضطراب بين العودة إلى حياته العادية في السعودية، وبين البقاء في أفغانستان برغم فتنة القتال بين المسلمين، وبين البحث عن مكان آخر كالسودان وغيرها، واقترب في هذه المرحلة وخاصة ما بعد 1994م من جماعة الظواهري وأفكاره المتطرفة حتى انتهت بإعلان الاندماج مع جماعة الجهاد المصرية وتكوين ما سمي بالجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين 1998م.
المرحلة الثالثة: مرحلة الإرهاب والفساد، وتبدأ منذ إعلان التحالف مع جماعة الجهاد المصرية واعتناق ابن لادن للمذهب الظواهري بأصليه المنحرفين الأول الغلو في تكفير الأنظمة والحكام والعلماء والجماعات والمجتمعات الإسلامية، والثاني ممارسة التفجيرات والاغتيالات والخطف وقتل الأبرياء وغيرها من الجرائم باسم الجهاد في سبيل الله دون تحديد لها بهدف معين أو مكان معين أو زمن معين حتى أصبح العالم كله مسرحاً لجرائمهم وعملياتهم بما في ذلك أرض الحرمين مكة المكرمة والمدينة النبوية.
ففي المرحلة الأولى لم يكن هناك أي تحفظات تذكر في نظر كثير من العلماء والباحثين على شرعية قتال الشيوعيين ومساعدة الأفغان في تحرير أراضيهم وإنما كانت هناك بعض التحفظات على بعض الأخطاء والانحرافات على بعض المجموعات التي كانت تنشط في الساحة آنذاك ممن تتبنى الفكر التكفيري وتخطط لتصدير الثورات والفتن وتطعن في العلماء وتحرض الشباب على الخروج على ولاة أمرهم وعلمائهم وكان غالب هؤلاء من أتباع الجماعات التكفيرية الغالية الذين توافدوا على أفغانستان هروبا من أنظمة بلدانهم بعد أن أصبحوا مطلوبين لها لانخراطهم في تنظيمات مسلحة وأنشطة محظورة ومن التحفظات أيضا الغلو في الجهاد الأفغاني والمبالغة في وصف المجاهدين وكراماتهم والمجازفة في تطبيق أحاديث المهدي على قادتهم ورموزهم وعقد المبايعات بينهم وإغفال الجانب السياسي لدى الفصائل المقاتلة والجهات الداعمة له ماديا ومعنويا الذي سرعان ما انكشف عواره في أول لحظة بعد سقوط كابل وتحول الصراع من كونه مع الشيوعيين فأصبح بين الفصائل الجهادية نفسها.
لقد كان السكوت عن نقد تلك الأخطاء والمجاملة في غض الطرف عنها أساسا في انخداع كثير من الشباب بها وتبنيهم لها حتى أصبحت نواة لتكوين المرحلة الثانية من تنظيم القاعدة ويعيد التأريخ نفسه في تكرار هذا الخطأ مرة أخرى في السكوت عن الأخطاء التي ترتكبها بعض المجموعات المقاتلة في العراق كجماعة الزرقاوي وأتباعه ظنا منهم أن في ذلك إعانة للأعداء وتثبيطا للمسلمين ونسوا أن المخالفات في الجهاد هي من أكبر أسباب الخذلان والهزيمة كما قال تعالى: "قل هو من عند أنفسكم"، وقد نزل القرآن الكريم بإنكار بعض تصرفات المسلمين في بعض غزواتهم ولم يعد ذلك تثبيطاً وخذلانا، كما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه بعض تصرفاتهم في الجهاد وتبرأ منها ولم يعد مناصرة ولا إعانة للكافرين.
والمرحلة الثانية من مراحل تنظيم القاعدة ومؤسسه هي مرحلة التيه والضياع وذلك حينما انتهت مهمتهم في أفغانستان ولم يعودوا إلى وضعهم الطبيعي كما كانوا قبل الحرب وفضلوا التحول إلى فكر الجماعات التكفيرية الغالية كجماعات التكفير المصرية التي استطاعت اختراق تنظيم القاعدة وتوظيفه في تحقيق أهدافها واستغلال قدراته وإمكاناته المادية والبشرية والاستفادة من سمعته وانتشاره في تجنيد الشباب حتى تمكنت من دمجه في تنظيمها وهي المرحلة الثالثة التي أصبح التنظيم فيها عصا في يد جماعات التكفير تضرب به في كل مكان.
كثير من الناس لم يدرك هذا التحول الخطير في مسيرة القاعدة ومؤسسها ولم يدرك انزلاق القاعدة في منعطف جماعات التكفير وانحراف بوصلة اتجاهها من قتال الكفار إلى تكفير المسلمين وقتالهم، هذا التحول الخطير هو ما ينبغي تسليط الضوء عليه وإبراز مظاهره ومعالمه وبيانه حتى لا ينخدع كثير من الشباب بالمرحلة الأولى للتنظيم فيلتبس عليهم الجهاد بالإرهاب والفساد.
في المرحلتين الأخيرتين اللتين اقتربت فيهما القاعدة من منهج جماعات التكفير ومن ثم الاندماج فيها ولدت فكرة إيجاد الخلايا الإرهابية في كثير من دول العالم وذلك للقيام بما يسمونه بحرب العصابات وتنفيذ أعمال التفجير والخطف والقتل ضد الأنظمة وضد المجتمعات المسلمة وغير المسلمة دون أهداف واضحة وغايات بينة فوجدت خلايا في مصر والجزائر والسعودية وبلاد الشام والعراق والمغرب والقرن الإفريقي واليمن بل وفي أمريكا وأوروبا وبعض الدول الآسيوية، ومع قلة أعداد أعضاء هذه الخلايا إلا أنها استطاعت القيام بكثير من الأعمال الإرهابية المتفرقة كتفجيرات نيروبي ودار السلام وبالي واليمن والرياض والدار البيضاء وأمريكا ومدريد ولندن وغيرها تحت مسميات مختلفة، وبالأمس القريب تفجيرات عمان الثلاثة التي تعد باكورة تصدير القاعدة في العراق للعالم الإسلامي.
وتعتبر الخلايا الموجودة داخل السعودية جزءا من هذه الخلايا الإرهابية وإن اختلفت مسمياتها وتعددت شعاراتها فغالب من تورطوا فيها هم من نتاج المرحلتين الثانية والثالثة لتنظيم القاعدة وغالب القوائم المطلوبة والمعلنة من الجهات الأمنية وخاصة قائمة الـ19 الأولى حيث شارك كثير منهم في عدد من الأحداث التي حصلت في دول أخرى غير المملكة كأحداث الجزائر والصومال والمغرب واليمن وغيرها كما شارك في أحداث السعودية بعض الشباب من اليمن والمغرب وبعض الأفارقة وغيرهم وإن كان غالبهم من السعوديين.
كانت أول عمليات القاعدة في السعودية تفجيرات العليا سنة 1996م فقوبلت بردة فعل قوية واستنكار من جميع شرائح المجتمع السعودي وعلى رأسهم العلماء من أمثال الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين، وأعضاء هيئة كبار العلماء بالسعودية وغيرهم من العلماء والدعاة والمثقفين، وصدرت بيانات كثيرة تشجب هذه الأحداث وتستنكر وقوعها، كمنت بعدها القاعدة حتى وقعت أحداث الـ11 من سبتمبر فاستأنفت نشاطها داخل المملكة بشكل أقوى من السابق مستغلة التعاطف الداخلي مع المسألتين الأفغانية والعراقية فقامت بالتخطيط لعدد من العمليات الإجرامية داخل المملكة وأرسلت كثيرا من عناصرها داخل المملكة لتجنيد الشباب وتشكيل الخلايا الإرهابية في كثير من المدن والمحافظات واستطاعوا تنفيذ عدد من التفجيرات وعمليات الخطف والقتل والإرهاب في عدد من المواقع كما حصل في تفجيرات المجمعات السكنية في الرياض وتفجير المحيا وأحداث الخبر وينبع وغيرها وسرعان ما تلاشى التنظيم داخل السعودية وأخذ بالتآكل نظرا للنجاحات الأمنية الكبيرة التي حققتها الجهات الأمنية بالمملكة حيث نجحت في رصد تلك الخلايا وتتبعها ومحاصرتها وإحباط كثير من عملياتها قبل تنفيذها وإفشال عدد من مخططاتها وتجفيف منابع تمويلها ونظرا لما بذله كثير من العلماء والدعاة والمؤسسات العلمية والدعوية والثقافية في تعرية فكر هذه الجماعات الإرهابية ورد شبهاتها وفضح مخططاتها.
وركزت خلايا القاعدة في السعودية لتحقيق شرعيتها وانتشارها وتجنيد كثير من الشباب في خدمة أهدافها على محورين رئيسين المحور الإعلامي وذلك عن طريق النشرات الكثيرة والإصدارات المتنوعة المرئية والمسموعة والمقروءة كصوت الجهاد ونشرة البتار وغيرها وكذلك عن طريق مواقع الإنترنت والمنتديات على الشبكة العنكبوتية وقد استطاعوا تجنيد عشرات من الشباب عن هذا الطريق وإن ضعف نفوذهم بعد ذلك بسبب الملاحقات الأمنية لمواقعهم والتضييق عليهم وبسبب ما كانوا يجدونه من ردود على أطروحاتهم وتفنيد لشبهاتهم وكشف لمخططاتهم من عدد من الكتاب والمتابعين للشبكة العنكبوتية وأخص بالذكر حملة السكينة التي دخلت معهم في حوارات كثيرة وتحاورت مع ما يزيد على ألف منتم ومتعاطف مع أفكارهم واستطاعت إقناع الكثير منهم بالتراجع والاعتدال.
المحور الشرعي حيث استطاعوا التغرير ببعض طلبة العلم والوعاظ وتمكنوا من تجنيدهم في إصدار الفتاوى الشاذة بالتكفير والتدمير وإصدار البيانات والتزكيات لعملياتهم ومرجعياتهم مستغلين غفلة هؤلاء المشايخ وضعف وعيهم الفكري والسياسي وعدم نضجهم المنهجي وبساطة بعض جوانب التدين لديهم وقلة فقههم الشرعي في مسائل الولاء والبراء والجهاد والاحتساب حتى أخذوا على حين غرة ولم يصحوا إلا على أصوات تفجير السيارات ونسف المباني وصرخات الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال فعلموا حينها أنهم استغلوا وجندوا فأعلنوا تراجعهم وتبرؤوا من منهجهم وفتاواهم السابقة كما فعل المشايخ علي الخضير وناصر الفهد والخالدي وغيرهم
http://www.alwatan.com.sa/daily/2005-11-19/culture/culture09.htm