المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (( أهل الحديث هم الفقهاء والمفتون وليس العكس ! ))


كيف حالك ؟

علي رضا
11-21-2003, 07:03 PM
(( أهل الحديث هم الفقهاء والمفتون وليس العكس ! )) (1)


قبل أن أنقل لكم رسالة أحد الأفاضل الذين يشتغلون بهذا العلم الشريف ، لا بد لي من كلمة حول ما يثيره بعض الجهلة والمتعالمين وأهل الحسد من كلام يدور فحواه على أن المحدث أو أهل الحديث ليسوا بفقهاء ؛ فلا تجوز منهم الفتوى في أمور الفقه وغيرها !
وهذا - والله ! - إن دل على شيء ؛ فإنما يدل على جهل هذا الصنف من الناس أو ضلالهم أو الاثنين معاً !
ولا أدري : أحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندهم بهذه الدرجة من المهانة والازدراء ؛ حتى يجعلوا فتوى أهل الحديث قاصرة على الأحاديث دون الفقه وغيره من أمور الشريعة ؟
أبلغ بهم العمى على القلوب أن يستنكفوا عن الاعتراف بفضل أهل الحديث درجة تجعل قائلهم يقول : الفتوى للأكابر ؟!
أليس أحق الناس بالفتوى هم أهل الحديث الذين حفظوا سنة نبيهم عليه الصلاة والسلام ، وعرفوها كما يعرف الرجل ابنه !؟
وهل الأكابر إلا أهل الحديث ؟!
لقد طعن بعض هؤلاء في شيخنا الألباني بقولهم : محدث وليس بفقيه!
ووالله ! لو علموا شرف أصحاب الحديث حقاً ؛ لما نطقوا بهذا البهتان والكذب 0

ولنعد لسؤال الأخ الفاضل : محمد بن حسين الحارثي من مكة المكرمة الذي افتتحه بقوله :

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الشيخ علي رضا بن عبد الله رعاه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد 00
أبعث لكم ثلاثة أحاديث نسبت لنبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عن التجارة والتجار ؛ أرجو أن تبينوا لي درجتها من الصحة أو الضعف ؛ داعياً المولى القدير أن يجزل لكم الأجر والمثوبة لخدمة سنة نبينا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
1- ( التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين

والشهداء ) ؟
2- ( عليكم بالتجارة ؛ فإن فيها تسعة أعشار الرزق ) ؟
3- ( من ليس له مال موروث ؛ فلا ينجيه من ذلك إلا الكسب والتجارة ) ؟

والله يحفظكم ويرعاكم 00



فأجبت وبالله التوفيق ، ومنه وحده المدد سبحانه لا شريك له :

أما حديث : ( التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين والشهداء ) فهو حديث في إسناده انقطاع بين الحسن البصري رحمه الله وبين أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ؛ فإنه لم يسمع منه شيئاً كما قال علماء الحديث وحفاظه ، وعلى رأسهم الإمام : علي بن المديني رحمه الله تعالى 0 ( جامع التحصيل في أحكام المراسيل ) للحافظ العلائي ( ص195 برقم 135 ) ، و( تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل ) للحافظ أبي زرعة العراقي برقم ( 176 ) - مخطوط - بتحقيقي 0
فالحديث ضعيف ، وقد رواه : الترمذي برقم ( 1209 ) ، والدارمي برقم ( 2541 ) ، والدارقطني برقم ( 18 )
ج3 / ص7 ، والحاكم في ( المستدرك ) 2 / 6 ، والبغوي في ( شرح السنة ) برقم ( 2025 ) كلهم من طريق سفيان ، عن أبي حمزة ، عن الحسن ، عن أبي سعيد مرفوعاً به بزيادة ( النبيين )
التي لم يذكرها السائل في الحديث 0
وفيه علة أخرى لم يذكرها شيخنا الألباني رحمه الله تعالى في ( تخريج أحاديث الحلال والحرام ) برقم ( 167 ) ؛ ألا وهي الاختلاف في أبي حمزة هذا : أهو عبد الله بن جابر على قول الترمذي أم هو ميمون الأعور على قول الدارمي ؟
فإن كان الأول ؛ فهو حسن الحديث : وثقه ابن معين وابن حبان ، وقال البزار : لا بأس به ، ولخص الحافظ الأقوال فيه فلم يصب عندما قال رحمه الله تعالى : مقبول !
وإن كان الثاني : فإنه ضعيف جداً ؛ لأنه متروك عند ابن معين وغيره ، وضعفه بعض الأئمة فقط كما في ( التهذيب ) 4 / 200 - 201 0
ولا يمكن الجزم بأحدهما ؛ لأن كل واحد منهما يروي عن الحسن البصري ، ويروي عن كليهما : سفيان الثوري ، كما هو في ترجمتهما من ( تهذيب الكمال ) 0

وللحديث شاهد لا يفرح به : رواه ابن ماجة برقم ( 2139 ) ، والحاكم ( 2 / 6 ) من طريق كلثوم بن جوشن ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ : ( التاجر الصدوق الأمين المسلم ، مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة ) 0
وكلثوم قال عنه ابن حبان : ( يروي عن الثقات الملزقات ، وعن الأثبات الموضوعات ، لا يحل الاحتجاج به ) 0
وقال أبوداود : منكر الحديث 0
ووثقه البخاري ( ! ) فاكتفى الحافظ بتضعيفه في ( التقريب ) برقم ( 5691 ) ، والصحيح أنه شديد الضعف ؛ فجرحه مفسر ، ولعله لهذا قال الإمام أبو حاتم الرازي عن هذا الحديث بعينه : لا أصل له ، وكلثوم ضعيف الحديث ( العلل ) 1 / 386 - 3

علي رضا
11-21-2003, 07:04 PM
(( أهل الحديث هم الفقهاء والمفتون وليس العكس ! )) (2)


يذكر ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه النفيس ( صيد الخاطر)
ص298 في فصل ( علم السنن والغفلة عنه ) أن علم الحديث هو الشريعة ؛ لأنه مبين للقرآن ، وموضح للحلال والحرام ، وكاشف عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسير أصحابه 0
وقد مزجوه بالكذب ، وأدخلوا في المنقولات كل قبيح 0

نعم والله ! ما أصدقها من كلمة ؛ فهل الشريعة إلا أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المبينة للقرآن ، والكاشفة عن سيرته وسيرة أصحابه !
فتصور فقيهاً جاهلاً بالحديث : كيف ستكون فتواه التي يفتي بها عباد الله ؟ وهل يقال لمثل هؤلاء بأنهم أهل للفتوى ؟
نعم هناك من يشتغل بصورة الحديث عن فقهه ومعناه ، فهؤلاء لا يقال عنهم محدثون أو أهل الحديث ، فالسلف كانوا محدثين فقهاء ، ثم صار الفقهاء لا يعرفون الحديث ، وطائفة من الذي اشتغلوا بحفظ الحديث لا يعرفون الفقه ؛ لأنهم لا يعرفون كيفية تنزيل الحوادث والسؤالات على النصوص التي حفظوها !

خذ مثلاً عظيماً على من آتاه الله حفظاً عجيباً في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ بل ليس في الأمة أحفظ منه : إنه أبو هريرة رضي الله عنه الذي طعن فيه أسلاف هؤلاء الجهلة بأنه لم يكن فقيهاً !
والواقع يكذب كلام هؤلاء الجهلة ؛ فأبو هريرة فقيه ، بل بلغ درجة الاجتهاد المطلق ، فقد أفتى بحضرة الصحابة ، ولم يكن يفتي في زمانهم إلا المجتهد 0
وهذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله طعن فيه بعض الجهلة بأنه محدث ليس بفقيه !
فيقال لهؤلاء : هل الفقه إلا فهم نصوص الكتاب والسنة الصحيحة على وفق فهم الصحابة والسلف ؟ وهل الفقه الصحيح إلا اتباع الدليل الصحيح السالم عن المعارضة بغض النظر عن قائله ؟
ولا يضر الألباني وغيره من أهل الحديث أن تكون شيوخهم قليلة ؛
ذلك لأن أخذ العلم كما قرره الشاطبي في ( الموافقات ) 1 / 91 وما بعدها له طريقان : المشافهة ، والمطالعة 0
فالمشافهة لأهل العلم أنفع وأسلم ؛ والمطالعة مع فهم المقاصد والاصطلاحات ، وتحري كتب المتقدمين من أهل العلم طريق أخرى للتعلم 0
والخلاصة أن العبرة بموافقة الدليل الصحيح سواء كان الرجل قليل الشيوخ أم كثيرهم ؛ فليس كل من أخذ عن المشايخ مصيب في فتواه ، ولا كل من طالع الكتب دون تمحيص وفهم عالم 0
والمشافهة مطلوبة بل لا بد منها في مثل قراءة القرآن الكريم ، وضبط الحديث الشريف : أي ما كان قائماً على السماع والرواية 0

وقديماً قالوا :
ولست بناج من مقالة طاعن
ولو كنت في غار على جبل وعر
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالماً
ولو غاب عنهم بين خافيتي نسر

ونعود الآن للسؤال الثاني من أسئلة أخينا الحارثي من مكة المكرمة حول حديث : ( عليكم بالتجارة ؛ فإن فيها تسعة أعشار الرزق ) ؟

فأقول وبالله التوفيق ، ومنه المدد وحده سبحانه :

قد كفاني الحافظ العراقي الجواب عن هذا الحديث بقوله في
( تخريج إحياء علوم الدين ) للغزالي - بهامش الإحياء ( 2 / 64 برقم 2 ) - بعد أن ذكر أنه قد رواه إبراهيم الحربي في ( غريب الحديث ) من حديث نعيم بن عبد الرحمن بإسناد رجاله ثقات مرسلاً - : ( ونعيم هذا قال فيه ابن مندة : ذكر في الصحابة ولا يصح ، وقال أبو حاتم الرازي وابن حبان : إنه تابعي ؛ فالحديث مرسل ) انتهى 0


وقال الزبيدي في ( إتحاف السادة المتقين ) 5 / 416 : ( قلت : وكذلك رواه سعيد بن منصور في ( سننه ) من حديثه ، ومن حديث يحيى بن جابر الطائي مرسلاً بزيادة : ( والعشر في المواشي ) وفي رواية بدل المواشي : ( السائبات ) 000 ) 0

قال علي رضا : ورواه مسدد أيضاً في ( مسنده ) كما في ( إتحاف الخيرة المهرة ) للحافظ البوصيري 4 / 185 - 186 برقم
( 3657 ) الذي قال : ( هذا إسناد ضعيف ؛ لجهالة نعيم بن عبد الرحمن ) 0
ومنه تعلم ما في قول الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي : رواه مسدد مرسلاً بسند صحيح !! ( المطالب العالية ) للحافظ ابن حجر برقم
( 1368 ) 0
كيف وقد ضعفه البوصيري كما تقدم ، وهو في مخطوطة الإتحاف
( 3 / ورقة 11 ) ؟ وفيه انقطاع أيضاً !
أما رواية يحيى بن جابر ، فهي معضلة الإسناد ؛ لأن يحيى هذا من الطبقة السادسة ، وهي طبقة الذين لم يلقوا أحداً من الصحابة كما قال ابن حجر رحمه الله 0

والخلاصة هي : ضعف الحديث بلا ريب ، وقد ضعفه شيخنا الألباني رحمه الله في ( ضعيف الجامع ) برقم ( 2434 ) 0

علي رضا
11-21-2003, 07:05 PM
(( أهل الحديث هم الفقهاء والمفتون وليس العكس ! )) (3)

النقولات كثيرة عن السلف في شأن شرف أهل الحديث والآثار على غيرهم من علماء الشريعة ؛ وليس الغرض ذكرها هاهنا على وجه التفصيل ، لكن يمكن تهذيبها في نقاط تثبت حقيقة مهمة جداً يغفل عنها حتى بعض الذين يزعمون طلب العلم
الشرعي ! ألا وهي أن أهل الحديث يمتازون بفضائل لا توجد عند غيرهم من العلماء - فضلاً عن العامة ، وفضلاً عن الفرق الضالة ، بل والكافرة - : 1- هم الطائفة المنصورة 0 2- هم حفظة الدين ونقلته 0 3- هم المميزون بين صحيح الحديث والأثر من ضعيفه وسقيمه ؛ فضلاً عن موضوعه ومكذوبه 0 4- هم أعلم الناس بسيرة نبيهم وأحواله وأقواله 0 5- هم أخص الناس به صلوات ربي وسلامه عليه 0 6- هم أصح أصولاً من غيرهم ، وأقربهم صواباً عند حدوث الفتن والاختلاف 0 7- هم أثبت الناس عقيدة ومنهاجاً ، زماناً ومكاناً 0 8- هم الغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنن 0 9- هم أندر من الكبريت الأحمر ، ومن الغراب الأعصم : فهم في أهل الإسلام كأهل الإسلام في الملل ؛ فكما أن المسلمين في أهل الشرك كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر أو كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ( متفق عليه ) ؛ فكذلك أهل الحديث في المسلمين 0

ونعود الآن لآخر سؤال من أسئلة الأخ الحارثي من مكة المكرمة عن صحة حديث : ( من ليس له مال موروث ؛ فلا ينجيه من ذلك إلا الكسب والتجارة ) ؟

فأقول وبالله التوفيق ، ومنه المدد وحده ، وعليه قصد السبيل :
هذا الحديث لا أصل له في شيء من كتب الحديث التي أفردت الصحيح ، ولا تلك التي جمعت بين الصحيح وغيره ، بل لا أصل له حتى في الكتب التي انفردت ببيان الموضوع والمكذوب من الحديث !
وقد بحثت عنه في أعظم ما ألفه الحفاظ في الأحاديث ككتاب :
( الجامع الكبير ) للسيوطي ، كما في ترتيبه المسمى : ( كنز العمال ) للهندي ( الجزء الرابع من ص 4 إلى ص 201 من أول كتاب الكسب إلى آخر كتاب الربا ) فلم أعثر له على ذكر !
وبهذا نختم أجوبتنا على السائل الكريم سائلين الله تعالى أن يجعلنا من أهل الحديث ، وأن يحشرنا تحت لواء صاحب الحديث صلى الله عليه وآله وسلم 0

12d8c7a34f47c2e9d3==