المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هدية لبعض الإخوة المحسوبين على السلفية/ الجزء الأول..


كيف حالك ؟

بوحمزة
11-09-2005, 04:52 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى وبعد.فهذا تخريج لأثر ابن عباس في قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون للعلامة المحدث الشيخ ناصر الألباني رحمه الله تعالى :

سبب نزول ( ومن لم يحكم بما أنزل الله ) الآية ، وأن الكفر العملي غير الاعتقادي :
2552- إن الله عز وجل أنزل : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) و ( أولئك هم الظالمون ) و ( أولئك هم الفاسقون ) قال ابن عباس : (أنزلها الله في الطائفتين من اليهود وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتله ( العزيزة ) من (الذليلة ) فديته خمسون وسقا ، وكل قتيل قتله ( الذليلة ) من ( العزيزة ) فديته مائة وسق ، فكانوا على ذلك ، حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فذلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويومئذ لم يظهروا ولم يوطئهما عليه وهو في الصلح ، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا ، فأرسلت ( العزيزة ) إلى ( الذليلة ) أن ابعثوا إلينا بمائة وسق ، فقالت ( الذليلة ) : وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد ، ونسبهما واحد ، وبلدهما واحد ، دية بعضهم نصف دية بعض ؟! إنا إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا ، وفرقا منكم ، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك ، فكادت الحرب تهيج بينهما ، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم . ثم ذكرت ( العزيزة ) فقالت : والله مامحمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطهم منكم ، ولقد صدقوا ، ماأعطونا هذا إلا ضيما منا ، وقهرا لهم فدسوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه ؛ إن أعطاكم ماتريدون حكمتموه ، وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه . فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا ، فأنزل الله عز وجل : ( ياأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا ) إلى قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل فأولئك هم الفاسقون ) ثم قال : فيهما والله نزلت ، وإياهما عنى الله عز وجل )
أخرجه أحمد (1/246) والطبراني في ( المعجم الكبير ) (3/95/1) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال : فذكره . وعزاه السيوطي في ( الدر المنثور ) (2/281) لأبي داود أيضا وابن جرير وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردوية عن ابن عباس ، وهو عند ابن جرير في ( التفسير ) ( 12037ج10/352) من هذا الوجه ، لكنه لم يذكر في إسناده ابن عباس . وعند أبي داود (3576) نزول الآيات الثلاث في اليهود خاصة في قريظة والنضير . فقط خلافا لما يوهمه قول ابن كثير في التفسير (6/160) بعد ما ساق رواية أحمد هذه المطولة : ( ورواه أبو داود من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه نحوه) !
وقد نقل عن صاحب ( الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم ) أنه حسن إسناده . ولم أر هذا في كتابه : ( التفسير ) فلعله في بعض كتبه الأخرى
وتحسين هذا الإسناد هو الذي تقتضيه قواعد هذا العلم الشريف ، فإن مداره على عبد الرحمن بن أبي الزناد ، وهو كما قال الحافظ ) : صدوق ، تغير حفظه لما قدم بغداد ، وكان فقيها ( .
فقول الهيثمي (7/16): ( رواه أحمد والطبراني بنحوه ، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد ، وهو ضعيف ، وقد وثق ، وبقية رجال أحمد ثقات ( .
قلت : فقوله فيه : ( ضعيف ، وقد وثق ) ليس بجيد ، لأنه يرجح قول من ضعفه على قول من وثقه ، والحق أنه وسط ، وأنه حسن الحديث ؛ إلا أن يخالف ، وهذا مما لايستفاد من قوله المذكور فيه . والله أعلم .
فائدة هامة:
إذا علمت أن الآيات الثلاث : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ، ( فأولئك هم الظالمون ) ، ( فأولئك هم الفاسقون ) نزلت في اليهود وقولهم في حكمه صلى الله عليه وسلم : ( إن أعطاكم ماتريدون حكمتموه ، وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه ) وقد أشار القرآن إلى قولهم هذا قبل هذه الآيات فقال : ( يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ) ، إذا عرفت هذا ، فلا يجوز حمل هذه الآيات على بعض الحكام المسلمين وقضاتهم الذين يحكمون بغير ما أنزل الله من القوانين الأرضية ،
أقول : لايجوز تكفيرهم بذلك ، وإخراجهم من الملة ، إذا كانوا مؤمنين بالله ورسوله ، وإن كانوا مجرمين بحكمهم بغير ماأنزل الله ، لا يجوز ذلك ،
لأنهم وإن كانوا كاليهود من جهة حكمهم المذكور ، فهم مخالفون لهم من جهة أخرى ، ألا وهي إيمانهم وتصديقهم بما أنزل الله ، بخلاف اليهود الكفار ، فإنهم كانوا جاحدين له كما يدل عليه قولهم المتقدم : ( … وإن لم يعطكم حذرتموه فلم تحكموه ) ، بالإضافة إلى أنهم ليسوا مسلمين أصلا ، وسر هذا أن الكفر قسمان : اعتقادي وعملي. فالاعتقادي مقره القلب . والعملي محله الجوارح. فمن كان عمله كفرا لمخالفته للشرع ، وكان مطابقا لما وقر في قلبه من الكفر به ، فهو الكفر الاعتقادي ، وهو الكفر الذي لا يغفره الله ، ويخلد صاحبه في النار أبدا . وأما إذا كان مخالفا لما وقر في قلبه ، فهو مؤمن بحكم ربه ، ولكنه يخالفه بعمله ، فكفره كفر عملي فقط وليس كفرا اعتقاديا ، فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ، وعلى هذا النوع من الكفر تحمل الأحاديث التي فيها إطلاق الكفر على من فعل شيئا من المعاصي من المسلمين ، ولا بأس من ذكر بعضها:
1- اثنتان في الناس هما بهم كفر ، الطعن في الأنساب ، والنياحة على الميت . رواه مسلم .
2- الجدال في القرآن كفر .
3- سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر . رواه مسلم .
4- كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق .
5- التحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر .
6- لا ترجعوا بعدي كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض . متفق عليه .
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي لا مجال الآن لا ستقصائها . فمن قام من المسلمين بشيء من هذه المعاصي ، فكفره كفر عملي ، أي إنه يعمل عمل الكفار ، إلا أن يستحلها ، ولا يرى كونها معصية فهو حينئذ كافر حلال الدم ، لأنه شارك الكفار في عقيدتهم أيضا ، والحكم بغير ماأنزل الله ، لا يخرج عن هذه القاعدة أبدا ، وقد جاء عن السلف مايدعمها ، وهو قولهم في تفسير الآية : ( كفر دون كفر(صح ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم ، ولا بد من ذكر ماتيسر لي عنهم لعل في ذلك إنارة للسبيل أمام من ضل اليوم في هذه المسألة الخطيرة ، ونحا نحو الخوارج الذين يكفرون المسلمين بارتكابهم المعاصي ، وإن كانوا يصلون ويصومون!
1- روى ابن جرير الطبري (10/355/12053) بإسناد صحيح عن ابن عباس : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : هي به كفر ، وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله .
2- وفي رواية عنه في هذه الآية : إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه ، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة ، كفر دون كفر .
أخرجه الحاكم (2/313) ، وقال : ( صحيح الإسناد ) ووافقه الذهبي ، وحقهما أن يقولا : على شرط الشيخين ، فإن إسناده كذلك .
ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في تفسيره (6/163) عن الحاكم أنه قال : ( صحيح على شرط الشيخين ) فالظاهر أن في نسخة ( المستدرك ) المطبوعة سقطا ، وعزاه ابن كثير لا بن أبي حاتم أيضا ببعض اختصار .
3- وفي أخرى عنه من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : من جحد ماأنزل الله فقد كفر ، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق . أخرجه ابن جرير (12063)
قلت : وابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس ، لكنه جيد في الشواهد .
4- ثم روى (12047-12051)عن عطاء بن أبي رباح قوله : ( وذكر الآيات الثلاث ) : كفر دون كفر ، وفسق دون فسق ، وظلم دون ظلم . وإسناده صحيح .
5- ثم روى (12052)عن سعيد المكي عن طاووس ( وذكر الآية ) ، قال : ليس بكفر ينقل عن الملة . وإسناده صحيح ، وسعيد هذا هو ابن زياد الشيباني المكي ، وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان وغيرهم ، وروى عنه جمع .
6- وروى (12025،12026) من طريقين عن عمران بن حدير قال : أتى أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس ( وفي الطريق الأخرى : نفر من الإباضية ) فقالوا : أرأيت قول الله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) أحق هو ؟ قال : نعم . قالوا : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) أحق هو ؟ قال : نعم . قالوا : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) أحق هو ؟ قال نعم . قال : فقالوا : ياأبا مجلز فيحكم هؤلاء بما أنزل الله ؟ قال : هو دينهم الذي يدينون به ، وبه يقولون وإليه يدعون ـ [ يعني الأمراء ] ـ فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم أصابوا ذنبا . فقالوا : لا والله ، ولكنك تفرق . قال : أنتم أولى بهذا مني ! لا أرى ، وإنكم أنتم ترون هذا ولا تَحَرّجون ، ولكنها أنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك . أو نحوا من هذا ، وإسناده صحيح .
وقد اختلف العلماء في تفسير الكفر في الآية الأولى على خمسة أقوال ساقها ابن جرير (10/346-357) بأسانيده إلى قائليها ، ثم ختم ذلك بقوله (10/358 :( (وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال : نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب ، لأن ماقبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت ، وهم المعنيون بها ، وهذه الآيات سياق الخبر عنهم ، فكونها خبرا عنهم أولى . فإن قال قائل : فإن الله تعالى ذكره قد عم بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله ، فكيف جعلته خاصا ؟ قيل إن الله تعالى عم بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين ، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم ـ على سبيل ماتركوه ـ كافرون . وكذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به هو بالله كافر ، كما قال ابن عباس ، لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في كتابه ؛ نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي(.
وجملة القول ؛ أن الآية نزلت في اليهود الجاحدين لما أنزل الله فمن شاركهم في الجحد ، فهو كافر كفرا اعتقاديا ، ومن لم يشاركهم في الجحد فكفره عملي لأنه عمل عملهم ، فهو بذلك مجرم آثم ، ولكن لا يخرج بذلك عن الملة كما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه . وقد شرح هذا وزاده بيانا الإمام الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام في ( كتاب الإيمان ) ( باب الخروج من الإيمان بالمعاصي ) ( ص 84-97 بتحقيقي )
، فليراجعه من شاء المزيد من التحقيق.
وبعد كتابة ماسبق ، رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول في تفسير آية الحكم المتقدمة في مجموع الفتاوى ) ( 3/268) : ( أي هو المستحل للحكم بغير ماأنزل الله(
ثم ذكر (7/254) أن الإمام أحمد سئل عن الكفر المذكور فيها ؟ فقال : كفر لا ينقل عن الإيمان ، مثل الإيمان بعضه دون بعض ، فكذلك الكفر ، حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه . وقال (7/312) : ( وإن كان من قول السلف أن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق ، فكذلك في قولهم أنه يكون فيه إيمان وكفر ؛ ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة ، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قالوا : كفر لا ينقل عن الملة . وقد اتبعهم على ذلك أحمد وغيره من أئمة السنة .اهـ
المرجع : السلسلة الصحيحة المجلد السادس القسم الأول ص109-116

وقد نقلت هذا النقل ليستفيد به بعض الإخوة .

السني1
11-09-2005, 05:21 PM
جزاك الله خيرا أخي أبا حمزه ورحم الله الشيخ الألباني

الجزائري
11-10-2005, 01:01 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

جزاك الله خيرا

أنا سلفي
11-10-2005, 01:09 AM
جزاك الله خير يا منير

عسلاوي مصطفى
11-10-2005, 09:03 PM
جزاك الله خيرا

وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف

القصاب الجزائري
11-12-2005, 07:35 PM
بارك الله فيك يا أخي أبا حمزة المدني على هذه الفوائد القيمة.
##################
#########################

##################

سمير الأثري
11-13-2005, 01:24 AM
جزاك الله خيرا

وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف


نحن ولله الحمد والمنة على العقيدة السلفية المحضة في الحكام وغير الحكام
لا الخوارج ولا المميعة و لا المرجئة

بوحمزة
11-14-2005, 04:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى وبعد.


رسالة الشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفي في الحكم بغير ما أنزل الله

يقول رحمه الله :
قال الله تعالى : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا {58} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }

أمر الله جل شانه جميع الناس ان يرد كل منهم ما لديه من أمانة إلى أهلها أيا كانت تلك الأمانة ، فعم سبحانه بأمره كل مكلف وكل أمانة ، سواء كان ما ورد في نزول الآية صحيحا أم غير صحيح ، فان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

ثم أوصى سبحانه من وكل إليه الحكم في خصومة أو الفصل بين الناس في أمر ما ان يحكم بينهم بالعدل سواء
كان : محكما ، أو ولي أمر عام ، أو خاص .
ولا عدل إلا ما جاء في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذلك الهدى ، والنور ، والصراط المستقيم .

ثم أثنى على ما أسداه إلى عباده من الموعظة ؛ إغراء لهم بالقيام بحقها ، والوقوف عند حدودها .

وختم الآية بالثناء على نفسه بما هو أهل ؛ من كمال السمع والبصر ، ترغيبا في امتثال أمره رجاء ثوابه ، وتحذيرا من مخالفة شرعه خوف عقابه .

ثم أمر الله المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم مطلقا ؛ لان الوحي كله حق ، وأمر بطاعة أولي الأمر فيما وضح أمره من المعروف ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق كما دلت عليه النصوص الثابتة الصريحة في ذلك .

فإذا اشتبه الأمر ووقع النزاع وجب الرجوع _ في بيان الحق والفصل فيما اختلف فيه _ إلى الكتاب والسنة لقوله تعالى : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }
وقوله : { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }
وامثال ذلك من نصوص الكتاب والسنة .
فان الرجوع إليهما عند الحيرة أو النزاع خير عاقبة وأحسن مآلا ، وهذا إنما يكون فيما فيه مجال للنظر والاجتهاد .

حالات الحكم بغير ما انزل الله :
فمن بذل جهده ونظر في أدلة الشرع ، واخذ بأسباب الوصول إلى الحق فهو مأجور اجرين ان أصاب حكم الله ، أو معذور مأجور أجرا واحدا ان أخطأه ، وله ان يعمل بذلك في نفسه ، وان يحكم به بين الناس ويعلمه الناس ، مع بيان وجهة نظره المستمدة من أدلة الشرع على كلتا الحالتين ؛ بناء على قاعدة ( التيسير ودفع الحرج ) وعملا بقوله : فاتقوا الله ما استطعتم " ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم " ولقوله : إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فاخطأ فله اجر واحد "

حالات الحاكمين بغير ما انزل الله :
الأولى : من لم يبذل جهده في ذلك ولم يسأل أهل العلم وعبد الله على غير بصيرة أو حكم بين الناس في خصومة فهو آثم ضال ، مستحق العذاب ان لم يتب ويتغمده الله برحمته ؛ قال الله تعالى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }

الثانية : وكذا من علم بالحق ورضي بحكم الله ؛ لكن غلبه هواه أحيانا فعمل في نفسه أو حكم بين الناس في بعض المسائل أو القضايا على خلاف ما علمه من الشرع لعصبية أو لرشوة مثلا فهو آثم ، لكنه غير كافر كفرا يخرج من الإسلام ، اذا كان معترفا انه أساء ، ولم ينتقص شرع الله ، ولم يسيء الظن به ، بل يحز في نفسه ما صدر منه ، ويرى ان الخير والصلاح في العمل بحكم الله تعالى .
روى الحاكم عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : قاضيان في النار وقاض في الجنة قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة وقاض عرف الحق فجار متعمدا أو قضى بغير علم فهما في النار "

الثالثة : من كان منتسبا للإسلام عالما بأحكامه ، ثم وضع للناس أحكاما ، وهيأ لهم نظما ، ليعملوا بها ويتحاكموا إليها ، وهو يعلم انها تخالف أحكام الإسلام ؛ فهو كافر خارج من ملة الإسلام .
وكذا الحكم فيمن أمر بتشكيل لجنة أو لجان لذلك ، ومن أمر الناس بالتحاكم إلى تلك القوانين والنظم أو حملهم على التحاكم إليها وهو يعلم انها مخالفة لشريعة الإسلام .
وكذا من يتولى الحكم بها ، وطبقها في القضايا ، ومن أطاعهم في التحاكم إليها باختياره مع علمه بمخالفتها للإسلام فجميع هؤلاء شركاء في الإعراض عن حكم الله .

لكن بعضهم يضع تشريعا يضاهي به تشريع الإسلام ويناقضه على علم منه وبينه ، وبعضهم يأمر بتطبيقه ، أو يحمل الأمة على العمل به ، أو ولي الحكم به بين الناس أو نفذ الحكم بمقتضاه ، وبعضهم يأمر بطاعة الولاة والرضا بما شرعوا لهم مما لم يأذن به الله ولم ينزل به سلطانا : فكلهم قد اتبع هواه بغير هدى من الله وصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه وكانوا شركاء في الزيغ والإلحاد والكفر ولا ينفعهم علمهم بشرع الله واعتقادهم ما فيه ، مع إعراضهم عنه وتجافيهم لأحكامه بتشريع من نعد أنفسهم وتطبيقه والتحاكم إليه كما لم ينفع إبليس علمه بالحق واعتقاده إياه مع إعراضه عنه وعدم الاستسلام والانقياد إليه وبهذا قد اتخذوا هواهم إلها فصدق فيهم :
قوله تعالى : { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } وقوله : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ
مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ }
وقوله : { إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }
إلى قوله سبحانه : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ ....} إلى قوله : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ }
وقوله سبحانه : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا {60} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ
صُدُودًا } إلى قوله : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا }

ان هؤلاء قد صدوا عن تحكيم شرع الله انتقاصا له ، وإساءة للظن بربهم الذي شرعه لهم ، وابتغاء الكمال فيما سولته لهم أنفسهم ، وأوحى به إليهم شياطينهم .
وكان لسان حالهم يقول : ( ان شريعة الكتاب والسنة نزلت لزمان غير زماننا ليعالج مشاكل قوم تختلف أحوالهم عن أحوالنا وقد يجدي في إصلاحهم ما لا يناسب أهل زماننا ، فلكل عصر شانه ، ولكل قوم حكم يتفق مع عروفهم ونوع حضارتهم وثقافتهم )

فكانوا كمن أمر رسول الله ان ينكر عليهم ويسكتهم بقوله : ا{ أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً } إلى قوله : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }

وكانوا ممن حقت عليهم كلمة العذاب وحكم الله عليهم با لا خلاق لهم في الآخرة بقوله : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }

لقد استهوى الشيطان هؤلاء المغرورين فزين لهم ان يسنوا قوانين من عند أنفسهم ليتحاكموا إليها ، ويفصلوا بها خصوماتهم ، وسول لهم ان يسنوا قواعد بمحض تفكيرهم القاصر وهواهم الجائر لينظموا بها اقتصادهم وسائر معاملاتهم محادة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وانتقاصا لتشريعها ؛ زعما منهم ان تشريع الله لا يصلح للتطبيق والعمل به في عهدهم ، ولا يكفل لهم مصالحهم ، ولا يعالج ما جد من مشاكلهم ؛ حيث اختلفت الظروف والأحوال عما كانت عليه أيام نزول الوحي في المعاملات وكثرت المشكلات ؛ فلا بد لتنظيم المعاملات والفصل في الخصومات من قواعد جديدة يضعها المفكرون من أهل العصر ، والواقفون على أحوال أهله المطلعون على المشاكل العارفون بأسبابها ، وطرق حلها ؛ لتكون مستمدة من ثقافتهم وحضارتهم .

فهؤلاء قد طغى عليهم الغرور المكروه فركبوا رؤوسهم ، ولم يقدروا عقولهم قدرها ، ولم ينزلوها منزلتها ، ولم يقدروا الله حق قدره ، ولم يعرفوا حقيقة شرعه ولا طريق تطبيق منهاجه وأحكامه ، ولم يعلموا ان الله قد أحاط بكل شيء علما ؛ فعلم ما كان وما سيكون من اختلاف الأحوال وكثرة المشاكل وانه انزل شريعة عامة شاملة وقواعد كلية محكمة ، قدرها بكامل علمه وبالغ حكمته ؛ فأحسن تقديرها ، وجعلها صالحة لكل زمان ومكان ؛ فمهما اختلفت الطبائع والحضارات وتباينت الظروف والأحوال ؛ فهي صالحة لتنظيم معاملات العباد وتبادل المنافع بينهم ، والفصل في خصوماتهم ، وحل مشاكلهم وصلاح جميع شؤونهم في عباداتهم ومعاملاتهم .

ان العقول التي منحها الله عباده ليعرفوا بها وليهتدوا بفهمها لتشريعه إلى ما فيه سعادتهم في العاجل والآجل قد اتخذوا منها خصما لدودا لله فانكروا حكمته وحسن تدبيره وتقديره ، وضاق صدرهم ذرعا بتشريعه ، وأساءوا الظن به فنتقصوه وردوه وقد يصابون بذلك وهم لا يدرون لأنهم بغرورهم بفكرهم عميت عليهم معالم الحق والعدل ، فكانوا ممن قال الله فيهم : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا {103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } وكانوا ممن : { الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ {28} جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ }

ان الله سبحانه كثيرا ما يذكر الناس في القران بأحوال المعتدين الهالكين ، ويحثهم على ان يسيروا في الأرض لينظروا ما كانوا فيه من قوة ورغد عيش وحضارة وبسطة في العلم نظر عظة واعتبار ، ليتنكبوا طريقهم اتقاء لسوء مصيرهم ولفت النظر في بعض السور إلى جريمة الغرور الفكري لشدة خطره وبين انه الفتنة الكبرى التي دفعوا بها في صدور الرسل وردوا بها دعوتهم ليعرفنا بقصور عقول البشر انها لا تصلح لمقاومة دعوة الرسل ، وليحذرنا من خطر الغرور الفكري الذي هلك به من قاوم المرسلين .

قال تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ {82} فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون {83} فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ {84} فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ }

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله تعالى / 265 طبع دار الفضيلة ، الطبعة الثانية

سمير الأثري
11-15-2005, 10:57 PM
جزاك الله خيرا يا بو حمزة
##############
#######################################
#########

12d8c7a34f47c2e9d3==