المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فائدة مهمة من مكتبة الشيخ صالح ال الشيخ-أدخل بسرعة


كيف حالك ؟

أبو عبدالتواب
10-25-2005, 08:15 PM
أن فهم الحجة له نوعان:
النوع الأول: أن يفهم معناها؛ يعني أن يقيم الحجة من يفهم معنى الحجة، بأن يكون بلسان المخاطب، وأن يفهم المراد من الحجة، وهذا النوع متفق على أنه لابد منه، فإن الله جل جلاله ما بعث رسوله إلا بلسان قومه يبين لهم، كل رسول بعث بلسان قوم ذلك الرسول، يتكلم بلغتهم ويتكلم بلسانهم حتى يبين لهم الحجة، وحتى يفهموا معناها، وهذا متفق على أنه لا بد منه؛ لأنه إذا خوطب أحد بغير اللسان الذي يفهمه لم يكن ثَم إقامة للحجة، فإذن هذا النوع رجع إلى أنه في يعني إقامة الحجة، فإقامة الحجة لا يكون إلا بفهم معناها في هذا النوع.
النوع الثاني: فهم الحجة الفهم الذي يتبعه استجابة للحجة، فإن من فهم الحجة فهما مستقيما كاملا لابد أن ينقاد لها وهذا هو الذي لا يشترط في إقامة الحجة، فلم يكن لأولئك عذر بقولهم (مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ)، (مَا نَفْقَهُ) يعني ما نعلم ولا نفهم أن هذا الذي تقول أرجح من قولنا، ولا نفهم أن علمك الذي أوتيت به أرجح من علمنا، وهذا النوع هو الذي حرمه المشركون في أنهم لم يفهموا فهم استجابة، لم يفهموا الحجة من جهة كونها أرجح من حجتهم، ولكن الحجة فهموا معناها.
فإذن فهم الحجة معناها.
النوع الأول لابد منه.
وأما النوع الثاني وهو أن تفهم فهم من يستجيب، فإن هذا لا يشترط في إقامة الحجة، فإن الحجة تقوم ولو زعم الزاعمون أنهم لم يفهموا معناها إذا بينت لهم ألفاظها وكانت بلسانهم وبين لهم معناها من أهل العلم والفهم لبيان المعنى.
لهذا قال جل وعلا مخبرا عن قول المشركين (قُلُوبُنَا غُلْفٌ) وقال (مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ) ولم يمنعهم هذا الاحتجاج بأنهم ما فقهوا ولا فهموا بأن تكون الحجة قد أقيمت عليهم، وإذْ أعرضوا حلّ عليهم سخط الرب جل وعلا، وأيضا أخبر سبحانه أن قريش بل والعرب جُعلت على قلوبهم أكنة قال سبحانه (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) جعل الله جل وعلا على قلوب المشركين أكنة تحجب الفقه وتمنع الفهم، حواجز تمنع ذلك أن يفقهوا يعني أن يفهموا، هذا الفهم إنما فهم موقع الاحتجاج؛ فهم رجحان الحجة على ما عندهم من الحجج، وهذا كل طائفة من طوائف الشرك والجاهلية تحتج بهذا بأنه ما فهمت بأنهم ما يريدون أن ينسبوا إلى أنفسهم أنهم ردوا الحجة عنادا واستكبارا.
ولهذا قال أئمتنا إن إقامة الحجة شرط وأما فهم الحجة فلا يشترط. فليس كفر كل من كفر عن عناد وتكذيب؛ لأن أولئك لم يفهموا وجه الحجة الفهم الذي يجعلهم يقدمونها على حجتهم، ولكنهم فهموا تلك الكلمات وفهموا دلائلها وفهموا معناها.
قال الشيخ رحمه الله تعالى هاهنا (فأكذبهم الله جل وعلا في ذلك) يعني فيما احتجوا به من أنهم ما فقهوا يعني أكذبهم في أنهم فهموا المعنى، ولكنه جعلت على قلوبهم أكنة أن يفقهوه الفقه النافع، وهو سبحانه كثيرا في القرآن ينسب الفعل إلى من ينتفع به، فقول الشيخ رحمه الله (أكذبهم الله) يعني في أنهم ما فقهوا الفقه الذي هو بمعنى فهم المعنى وبين أنهم فهموا المعنى، ولكنه الله جل وعلا بين أنه جعل على قلوبهم أكنة وكثيرا في القرآن ما يأتي نسبة الفعل إلى من ينتفع به، قال سبحانه ?إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ?[فاطر:18]، فأخبر سبحانه في هذه الآية أن النبي ( إنما ينذر الذين يخشون ربهم بالغيب مع أنه عليه الصلاة والسلام نذير للعالمين، لكن أضيف إلى أولئك الإنذار لأنهم هم الذين انتفعوا به (إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ) لأنهم هم الذين اتفعوا بذلك.
فهنا في قول الشيخ فأكذبهم الله جل وعلا في ذلك، وبيّن سبحانه أن سبب عدم الفقه هو الطبع على القلوب، يعني عدم الفقه الذي هو في ترجيح الحجة، الفهم الذي يترتب عليه ترجيح حجة المرسلين على ما عندهم من الأوهام والحجج، وبيّن سبحانه أن ذلك الطبع بسبب كفرهم، عدلا منه جل وعلا وحكمة، وهذا في كل أهل جاهلية يأتون بمثل هذا.
وهذه المسألة موسومة في كتب العلماء بمسألة إقامة الحجة وفهم الحجة، وتبيّن لك أن الصواب تقسيم فهم الحجة إلى قسمين؛ لأن من أهل السنة في هذا القرن من اعترض على أئمتنا على عدم اشتراط فهم الحجة لأنه قال لابد من فهم الحجة، كيف تقام الحجة على من لم يفهمها؟ والعلماء بينوا لكن هؤلاء ما انتبهوا إلى أنّ فهم الحجة بالمعنى الأول الذي ذكرناه وهو فهم المعنى، وعهم مدلولات الكلام وفهم الاستدلال ووجه الاستدلال هذا لا بد منه، أما الفهم الذي هو معرفة رجحان هذه الحجة على غيرها وقطع الشبه جميع الشبه فهذا لا يشترط كما بينه الأئمة.
إذا تبين لك ذلك، فنقول إن هذه الخصلة من خصال الجاهلية نفذت في هذه الأمة في قديم زمانها وفي حديثه:
فأما في قديم زمانها يعني في أوائل الأمر، من جهة أن كثيرا ممن أعرضوا عن الكتاب والسنة وعن لزوم اتباع الكتاب والسنة، والأخذ بما كان عليه سلف هذه الأمة، وأن علومهم كانت أعلم وأسلم وأحكم، وأنهم كانوا اتقى لله جل وعلا من أن يخوضوا فيما غير ما أذن الله جل وعلا أن يخوضوا فيه، إذا بين لهم ذلك، محسنهم يقول ما أفقه هذا الكلام؛ يعني هذه حجة ليست بواضحة، هذا الكلام ليس بواضح الدلالة، فيرد هذا الأصل العظيم مع ما عليه من الدلائل الواضحات لأجل عدم فهمه، وعدم فهمه بموقع الحجة، وأن هذه الحجة أقوى حجته هذا ليس بعذر له، ليس بعذر له ولا يعذر في ذلك.
مثال هؤلاء أهل البدع في الاعتقادات، سواء كانت منها الاعتقادات الكفرية أم ما كان دون ذلك، هؤلاء اعتاضوا وتركوا كتاب الله والسنة وما كان عليه السلف إلى آراء أحدثوها واعتقادات وضعوها، حتى إنهم وضعوا أدلة عارضوا بها الأدلة القرآنية والأدلة النبوية، مثل الدليل الذي وضعه طائفة أو الذي وضعه جهم بن صفوان ومن بعده من المعتزلة؛ الدليل الذي يسمى بدليل الأعراض، والذي من أجله وبسببه أُوِّلت الصفات وحُرفت النصوص، ووقع البلاء العام في المسلمين بسبب ذلك الدليل المحدث المبتدع، الذي هو خطأ في نفسه، وجناية على الشرع، تحصيل هذا الدليل أنّه أراد أن يثبت وجود الله جل وعلا بإثبات حدوث الأجسام، وأن الأجسام لا يثبت حدوثها إلا بإثبات حلول الأعراض فيها، الأعراض هي المعاني التي تطرأ أو تزول، فلما أثبت الوحدانية يعني وجود الله جل وعلا بهذا الدليل، صار معه متعين أن ينفي كل ما يعارض ذلك الدليل، فنفى إثبات الصفات لأن الصفات عنده أعراض تطرأ وتزول، وإذا أثبت الصفات كالرحمة والمغفرة والنزول والاستواء والكلام وغير ذلك من الصفات، إذا أثبتها فإنه يعني في فهمه أنه يثبت أعراضا تطرأ وتزول، وهو ما أثبت حدوث الأجسام إلا بهذه الطريقة التي هي طريقة الأعراض، فكان مستمسكا بدليله، وبدليله هذا ظهرت الفرق المعتزلة والكلابية والماتريدية والأشعرية ومن نحى نحوهم، وهو دليل باطل من أصله، لما خوطب أهل الاعتزال من أهل السنة الذين أخذوا بهذا الدليل وعظموه، الذي هو يستدل على وجود الله بدليل حدوث الأعراض في الأجسام، لما اُحتج عليهم بأن هذا الدليل لم يأت في كتاب ولا في سنة وأنه منقوض من أصله، وأن أدلة القرآن هي المتعينة في إثبات حدوث المخلوقات، وأن الله جل وعلا هو موجدها وحدثها وخالقها وربها، قالوا إنّ نقض ذلك الدليل لا نفهمه، وقلوبنا لم تفهم ذلك، وعقولنا لم تدرك ذلك، ونحو هذا، مع أن هذا الدليل واضح في نفسه، لكن جعل في قلوبهم ما يصدهم عن اتباع الأدلة القرآنية فأحدثوا ذلك الحدث الأكبر في الملة، ألا وهو ذلك الدليل الباطل من أصله الذي بسببه حدثت الفرق المختلفة.
كذلك في العبادات طوائف المبتدعة من المتنسكة والمتصوفة ونحو ذلك، إذا اُحتج عليهم ببطلان بدعهم وبطلان طرائقهم في السلوك، وأنهم لا يجوز أن يسلك طريق إلا أن يكون موافقا للنص في العبادات وفي العقائد ونحو ذلك، بينوا أنهم لا يفهمون تلك الأدلة، وأن ما عليه ما بينه أشياخهم أن هذا أوضح لهم هؤلاء أقيمت عليهم الحجة وبينت لهم ولكنهم ما فقهوها فقه من يتبع السلف الصالح، فلا يعذر أولئك بالجهل، بل أكذبهم الله جل وعلا بما كذب به الأولين الذين اعتذروا بأنهم لم يفقهوا، هم يسمعون كلام الله ويسمعون سنة النبي (، وكلام أهل العلم في بيانها، وبينت لهم تلك الأمور، وصنفت في ذلك مصنفات ومع ذلك بقوا على طرائقهم المبتدعة، وطرقهم الصوفية المحدثة، يحتجون بأنهم ما يفهمون هذا الفهم يعني فهم كون حجة السلف أرجح من حججهم، طريقة السلف أرجح من طرائقهم، هؤلاء لا يعذرون لأنهم مكذبون بما كذب الله جل وعلا الأولين.
وهكذا كل من أقيمت عليه الحجة من كتاب الله جل وعلا ومن سنة رسوله ( من الحجج التي فَهْمُها لا يختلف فيها اثنان، أو من الحجج التي يمكن أن تفهم أكثر من منحى، لكن أهل العلم بينوا معناها وأوضحوا مرادها واستدلوا عليه بالدلائل، من بين له ذلك فقد أقيمت عليه الحجة، فمن خالف بعد ذلك وولو احتج بعدم الفقه والفهم فهو مكذَّب.
قال الشيخ رحمه الله إن الله جل وعلا أكذبهم (فأكذبهم الله) وبين أن سبب ذلك هو الطبع على قلوبهم، وأنّ الطبع بسبب الكفر وهذه السببية مطردة في كل من خالف الكتاب والسنة ونهج سلف هذه الأمة في العلوم والأعمال في الاعتقادات وفي السلوك وفي الفقه، كل من خالف هذا فإنه يعاقب على صنيعه بأنه لا يفهم الحجج، قال جل وعلا ?وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا?[الكهف:101]، مع أنهم سمعوا كلام الله، وسمعوا كلام رسوله (، يعني أهل الشرك لكنهم (لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا) ذلك هو السماع النافع، لا يقدرون عليه، الاستطاعة بمعنى القدرة لأنهم جعلت على قلوبهم الأكنة عقابا لهم على أعراضهم عن الاتباع، فكل من أعرض عن الاتباع يخشى عليه أن يعاقب بعدم فهم الحجج، وهذه هي أعظم العقوبات، أن يعاقب المرء بأن لا يفهم كلام الله جل وعلا ولا كلام رسوله (.
وإذا تأملت اليوم أكثر المخالفين فإنهم إذا بُينت لهم الأدلة والنهج الصحيح، يقولون إن هذا غير واضح، هذا لا يُلزم الناس به ونحو ذلك، وهذا من جنس ما كان عليه أهل الجاهلية؛ من أنهم لم يفقهوا، ولم يفهموا، ولم يتبين لهم أن حجة المرسلين أعظم من حجتهم، ولاشك أن من ورث الكتاب وورث السنة فإن حجته أعظم من حجة غيره، ولو كان عنده من العلم وعنده من العقل الشيء الكثير، كما قال شيخ الإسلام في المتكلمين: أوتوا ذكاء ولم يؤتوا ذكاء أو أتوا علوما ولم يؤتوا فهوما. يعني الفهم النافع فإنه حُرِم كثيرون الفهم النافع، فكل من جادل بالباطل، وقال أنه لم يفهم الحجج التي عليها سلف هذه الأمة فإن ذلك بسبب إعراضه، فليكن أول ما يكون من أمره في علاجه أن ينسلخ من كل طريقة ليس فيها اتباع السلف، ثم بعد ذلك سيرى من نفسه وُفِّق للفهم، ووفق للسماع النافع، ووفق للفقه فقه الأدلة، ولهذا ترى عند أئمة الإسلام الذين انشرحت صدروهم للعقيدة الصحيحة، وانشرحت صدورهم لاتباع النبي (، وجاهدوا في ذلك وبينوا، عندهم من فيهم النصوص ما ليس عند غيرهم، فمن اتبع النصوص نطق بالحكمة، مثل ما قال بعض الأئمة: من أمّر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة. وهذا ظاهر بين، فإن المؤمنين في كل زمان لم يزالوا يحتاجون إلى من ينطق بالحكمة، وليس أولئك إلا أئمة أهل العلم الذين تبعوا السلف الصالح وتفقهوا في الكتاب والسنة.
فاليوم كل من أقيمت عليه الحجة وبينت له فإنه لا يجوز أن يُعذر باحتجاجه بعدم الفهم يعني الفهم النافع، إلا في بعض المسائل المشتبهة التي اختلفت فيها أنظار أهل العلم وكان في النصوص ما يعذر معه أولئك، من أنهم يفهمون منها كذا، تفهم من طائفة شيء وتفهم منها الطائفة الأخرى شيئا آخر، فهذا لا بأس به يعني خلاف يعذر به صاحبه؛ لأنه ناتج في أصله عن اتباع أما إذا كان ناتج عن معارضة للنصوص بالأفهام التي لم يتبع فيها أصحابها كلام أهل العلم فأصحابه غير معذورين.راجع شريط شرح مسائل الجاهلية للشيخ صالح

12d8c7a34f47c2e9d3==