المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرد على من قسم البدع إلى حسن وقبيح


كيف حالك ؟

قاسم علي
09-23-2005, 07:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الرد على من قسم البدع إلى حسن وقبيح

قال الشيخ ‏(10) - رحمه الله - ‏:‏ من الناس من يقول‏:‏ البدع تنقسم قسمين لقول عمر‏:‏ نعمت البدعة ‏(11)‏، وبأشياء أحدثت بعده - صلى الله عليه وسلم - وليست مكروهة للأدلة من الإجماع والقياس، وربما ضم إلى ذلك من لم يحكم أصول العلم ما عليه كثير من الناس من العادة، بمنزلة من ‏{‏إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 104‏]‏، وما أكثر من يحتج به من المنتسبين إلى علم أو عبادة، بحجج ليست من أصول العلم، وقد يبدي ذوو العلم له مستنداً من الأدلة الشرعية، والله يعلم أن قوله لها وعمله بها ليس مستنداً إلى ذلك، وإنما يذكرها دفعاً لمن يناظره‏.‏ والمجادلة المحمودة إنما هي إبداء المدارك التي هي مستند الأقوال والأعمال، وأما إظهار غير ذلك فنوع من النفاق في العلم والعمل‏.‏ وهذه قاعدة دلت عليها السنة والإجماع مع الكتاب، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 21‏]‏، فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله أو أوجبه بقوله أو فعله من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله‏.‏ وقد يغفر له لأجل تأويل إذا كان مجتهداً الاجتهاد الذي يعفى معه عن المخطئ، لكن لا يجوز اتباعه في ذلك كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 31‏]‏، فمن أطاع أحداً في دين لم يأذن به الله من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من هذا الذم نصيب كما يلحق الآمر الناهي‏.‏ ثم قد يكون كل منهما معفواً عنه فيختلف الذم لفوات شرطه أو وجود مانعه وإن كان المقتضي له قائماً، ويلحق الذم من تبين له الحق فتركه أو قصر في طلبه فلم يتبين له أو أعرض عن طلبه لهوى أو كسل ونحو ذلك‏.‏

وأيضاً فإن الله عاب على المشركين شيئين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنهما أشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً‏.‏ الثاني‏:‏ تحريمهم ما لم يحرمه الله كما بينه - صلى الله عليه وسلم - في حديث عياض (12)‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 148‏]‏، فجمعوا بين الشرك والتحريم‏.‏ والشرك يدخل فيه كل عبادة لم يأذن الله بها؛ فإن المشركين يزعمون أن عبادتهم إما واجبة وإما مستحبة، ثم منهم من عبد غير الله ليتقرب به إلى الله، ومنهم من ابتدع ديناً عبد به الله كما أحدثت النصارى من العبادات، وأصل الضلال في أهل الأرض إنما نشأ من هذين‏:‏ إما اتخاذ دين لم يشرعه الله أو تحريم ما لم يحرمه‏.‏

ولهذا كان الأصل الذي بنى عليه أحمد وغيره مذاهبهم أن الأعمال عبادات وعادات؛ فالأصل في العبادات لا يشرع منها إلا ما شرعه الله‏.‏ والأصل في العادات لا يحظر منها إلا ما حظره الله، وهذه المواسم المحدثة إنما نهي عنها لما أحدث فيها من الدين الذي يتقرب به‏.‏

وقصد الشيخ - رحمه الله - من هذه المواسم مواسم الموالد والأعياد البدعية التي أحدثها الخرافيون وأصحاب المطامع الدنيوية فراجت عند العامة والسذج يحسبونها من دين الإسلام وهي من دين الشيطان‏.‏

وسئل شيخ الإسلام ‏(13)‏ - رحمه الله - عن رجل قال‏:‏ إذا كان المسلمون مقلدين، والنصارى مقلدين واليهود مقلدين؛ فكيف وجه الرد على النصارى واليهود وإبطال مذهبهم والحالة هذه ‏؟‏ وما الدليل القاطع على تحقيق حق المسلمين وإبطال الكافرين ‏؟‏

فأجاب عن ذلك - رحمه الله - بقوله‏:‏ الحمد لله‏.‏ هذا القائل كاذب ضال في هذا القول، وذلك أن التقليد المذموم هو قبول قول الغير بغير حجة، كالذين ذكر الله عنهم أنهم‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 170‏]‏، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 170‏]‏، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ‏}‏ ‏[‏الصافات‏]‏، ونظائر هذا في القرآن كثير؛ فمن اتبع دين آبائه وأسلافه لأجل العادة التي تعودها، وترك اتباع الحق الذي يجب اتباعه فهذا هو المقلد المذموم، وهذه حال اليهود والنصارى بل أهل البدع والأهواء في هذه الأمة الذين اتبعوا شيوخهم ورؤساءهم في غير الحق، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 27 - 29‏]‏؛ فمن أطاع مخلوقاً في معصية الله كان له نصيب من هذا الذم والعقاب، والمطيع للمخلوق في معصية الله ورسوله إما أن يتبع الظن وإما يتبع ما يهواه وكثير يتبعهما‏.‏ وهذه حال كل من عصى الله ورسوله من المشركين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن أهل البدع والفجور من هذه الأمة؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏ 23‏]‏، والسلطان هو الكتاب المنزل من عند الله، وهو الهدى الذي جاءهم من عند الله، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏الروم‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 56‏]‏، وقال لبني آدم‏:‏ ‏{‏فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 38‏]‏، ‏{‏وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً‏ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى‏}‏ ‏[‏طه‏]‏‏.‏

وبيان ذلك أن الشخص إما أن يَبِن له أن ما بعث الله به رسوله حق ويعدل عن ذلك إلى اتباع هواه، أو يحسب ما هو عليه من ترك ذلك هو الحق، فهذا متبع للظن والأول متبع لهواه، أو فيه اجتماع الأمرين، قال تعالى في صفة الأولين‏:‏ ‏{‏فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 33‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ ‏[‏النمل‏]‏، وقال تعالى في صفة الأخسرين‏:‏ ‏{‏قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً‏}‏ ‏[‏الكهف‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 8‏]‏، فالأول‏:‏ حال المغضوب عليهم الذين يعرفون الحق ولا يتبعونه كما هو موجود في اليهود‏.‏ والثاني‏:‏ حال الذين يعملون بغير علم قال تعالى‏:‏‏{‏وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 119‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 50‏]‏‏.‏ وكل من يخالف الرسل هو مقلد متبع لمن لا يجوز له اتباعه، وكذلك من اتبع الرسول بغير بصيرة ولا تبيُّن وهو الذي يسلِّم بظاهره من غير أن يدخل الإيمان إلى قلبه كالذي يقال له في القبر‏:‏ من ربك ‏؟‏ وما دينك ‏؟‏ ومن نبيك ‏؟‏ فيقول‏:‏ هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته؛ هو مقلد، فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق؛ أي‏:‏ لمات ‏(14).‏
أضواء من فتاوى ابن تيمية الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه

12d8c7a34f47c2e9d3==