المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما هي الآثار السيئة التي تترتب على الافتراق في الدين؟


كيف حالك ؟

قاسم علي
09-18-2005, 02:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

ما هي الآثار السيئة التي تترتب على الافتراق في الدين‏؟‏

ج2‏:‏ يترتب على افتراق المسلمين فيما بينهم ضعفهم وضعف شوكتهم وطمع العدو فيهم؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ أن اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 45‏,‏ 46‏]‏

فبين سبحانه وتعالى ما يقابل به العدو‏,‏ والعدو دائما يتربص بالمسلمين ويلتمس الثغرات للانقضاض عليهم من كل وجه والمسلمون بهذه الوصايا الإلهية‏:‏ الصبر وذكر الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 28‏]‏ ‏,‏ ويرهب العدو وطاعة الله ورسوله وامتثال ما أمر الله به الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم التنازع والافتراق في الصفوف ‏,‏ بل أمر أن يكون رأيهم واحدا وقيادتهم واحدة؛ لأن ذلك أجمع لكلمتهم وأظهر لقوتهم ‏,‏ ثم قال تعالى ‏{‏وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 46‏]‏ رتب الفشل على وجود التنازع فدل على أن اجتماع الكلمة فيه نجاح للمسلمين وأن افتراق الكلمة فيه فشل ‏{‏وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 46‏]‏ والريح هي القوة ‏,‏ وذلك بضعف المسلمين أمام عدوهم الذي يتربص بهم الدوائر فإذا سنحت له فرصة انقض عليهم وخير مثال لذلك ما حصل على المسلمين في وقعة أحد لما كانوا متمشين على خطة النبي صلى الله عليه وسلم لهم نصرهم الله عز وجل فلما حصل من بعضهم إخلال بالتزام هذه الخطة انقض العدو عليهم؛ عقوبة من الله سبحانه وتعالى ‏,‏ وتربية من الله لهم ولغيرهم من أجيال الأمة وهذا سببه النزاع وسببه الإخلال بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وهم خير القرون فما بالك بغيرهم‏.‏

ومن آثار التفرق بين المسلمين السيئة أنهم يضلون عن الصراط المستقيم ‏,‏ وهذا ما تتضمنه الآية.

وهي قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 153‏]‏

فالتفريق يسبب الضلال عن صراط الله عز وجل وإذا ضل المسلم عن صراط الله وقع في الهلاك ‏,‏ إما أن يكون في صراط المغضوب عليهم أو الضالين ‏,‏ وفي الحديث في وصف دعاة الضلال في آخر الزمان‏:‏ ‏(دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)‏ ‏(6) هذا بسبب التفريق والله جل وعلا أيضا نهانا عن التفرق؛ لأنه تشبه بالمشركين‏:‏ ‏{‏وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 31‏,‏ 32‏]‏

وقال تعالى ‏{‏وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 105‏]‏

فمن مفاسد التفرق أيضا أن فيه تشبها بالمشركين والكافرين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من تشبه بقوم فهو منهم‏)‏ ‏(7)

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏ليس منا من تشبه بغيرنا‏)‏ ‏(8)

وهذا أعظم زاجر عن التفرق؛ لأن الله يريد المسلمين أن يكونوا جماعة واحدة ويريد منهم أن يتميزوا عن المشركين وعن الكافرين ومن جملة ذلك بل أخطر من ذلك التفرق في الدين فإن من سمات المشركين والكافرين الافتراق في دين الله عز وجل فالله عز وجل حذر المسلمين من هذا المزلق الخطير وأمرهم بالاجتماع والسير على صراط الله عز وجل‏.‏

ومن أعظم مفاسد التفريق‏:‏ حصول العذاب في الدنيا وفي الآخرة فإن الله سبحانه وتعالى هدد المتفرقين بالعذاب ‏,‏ فقال ‏{‏وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 105‏]‏ هذا وعيد شديد من الله عز وجل أن المتفرقين في دينهم سيصيبهم عذاب عظيم‏.‏

ثم قال تعالى ‏{‏يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 106‏]‏‏.‏

قال بعض السلف‏:‏ يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ‏,‏ وتسود وجوه أهل الفرقة والاختلاف ‏(9)

والنبي صلى الله عليه وسلم حينما حذر من الاختلاف توعد المتفرقين بالنار وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ‏,‏ وسنفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا‏:‏ من هي يا رسول الله‏؟‏ من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي‏)‏ ‏(10)

فلا ينجو من النار إلا من تمسك بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأما من خالف ذلك فإنه متوعد بالنار إما لكفره إن كانت فرقته تقتضي الكفر ‏,‏ وإما لضلاله إن كانت فرقته دون ذلك فهو متوعد بالنار ومفاسد التفرق كثيرة وخطيرة ‏,‏ نسأل الله أن يجنبنا وإياكم والمسلمين أخطارها وأضرارها ‏,‏ وأن يرزقنا وإياكم التمسك بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والسير على منهج السلف الصالح والاجتماع مع المسلمين وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق وأن يهديهم صراطه المستقيم ‏!‏

من مفاسد التفرق كذلك حصول التفرقة بين المسلمين بسبب اشتغال بعضهم ببعض في التجريح بالألقاب السيئة وكل يريد أن ينتصر لنفسه من الآخر فينشغل المسلمون بأنفسهم وهذا يكون على حساب تعلم العلم النافع فإن كثيرا من طلبة العلم فيما يبلغنا أن همهم وشغلهم الشاغل هو الكلام في الناس وفي أعراض الناس في مجالسهم وفي تجمعاتهم يخطئون هذا ويصوبون هذا ‏,‏ ويزكون هذا ويخطئون هذا ويضللون هذا ويكفرون هذا فليس لهم شغل إلا الكلام في الناس ‏,‏وربما يكون في خيرة الناس من ولاة الأمور ومن العلماء أو من بعضهم في بعض‏.‏

فإذا كان الله سبحانه وتعالى نهى عن السخرية بالمؤمنين واللمز والتنابز بالألقاب وهي أمور دون ما ذكرنا من التضليل والتفسيق والتبديع قال الله سبحانه وتعالى ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ‏}‏ يعني‏:‏ لا يلمز بعضكم بعضا ‏{‏وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمان‏}‏ وهذا يدل على أن هذا ليس من الإيمان ‏{‏وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 11‏]‏ ‏,‏ سماهم ظالمين فهذا من أعظم مفاسد التنازع بين المسلمين‏.‏
كتاب محاضرات في العقيدة والدعوة للعلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله

12d8c7a34f47c2e9d3==