علي رضا
11-16-2003, 06:19 PM
(( حديث : اذهبوا فأنتم الطلقاء ؟ ))
أخونا الشيخ الفاضل حسين آل الشيخ من القلائل الذين عرفت عنهم سعة العلم مع حسن الصوت في القراءة ، وهو من أصدقائي الذين تربطني بهم صلة قوية والحمد لله 0 وقد جمعتني به مجالس لا أحصيها كثرة ، لعل أولها كان بعد أن رددت على أحد الخرافيين الذين طعنوا في قراءة الشيخ ؛ فما كان مني بحمد الله إلا أن ألقمت ذاك الخرافي ( توفي نسأل الله أن يعفو عنه ) الردود المتتالية على مقالاته في الإشادة بالمساجد السبعة ، وغير ذلك من الأمور المبتدعة التي دعا إليها في حلقات متعددة بصحيفة ( المدينة ) , و( البلاد ) بحجة أن أهل المدينة لا يزالون محافظين عليها ! وليعلم جميع الذين يتكلمون في قراءة الشيخ أنهم لم يوفقوا في كثير من كلامهم عليه حفظه الله ؛ فإني بحكم معرفتي بالقراءات والتجويد - بحمد الله تعالى - ما رأيت منه إلا تحسناً في الأداء على مر الأيام ، هذا إلى جانب كونه محباً ومعظماً لشيخنا الألباني رحمه الله جداً ، مع التضلع في الفقه والأصول 0
لكن هذا وذاك لا يمنعني من أن أعلق بعض الفوائد على ما ذكره - رعاه الله - حول بعض الأحاديث التي استدل بها ، وذلك مما يثري المسألة علمياً ، مع كونها تسره ولا تضره 0 فمن ذلك ما أورده في الخطبة القيمة التي ألقاها بمسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن واقع المسلمين وما يجب عليهم نحو دينهم ؛ فقد ذكر الحديث المشهور في السيرة النبوية ، بل والمشهور على ألسنة الخلق كافة إلا نفراً من المحققين في علم الحديث الشريف ، وهو حديث ( يا أهل مكة أو يا معشر قريش : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيراً أخ كريم وابن أخ كريم 0 قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ) 0 وهذا الحديث أورده ابن إسحاق في ( السيرة ) - كما في ( سيرة ابن هشام ) 4 / 54 - 55 معضلاً فقال : ( فحدثني بعض أهل العلم 000 ) فذكره 0 وقد رواه الطبري في ( تاريخه ) 3 / 60 - 61 عن شيخه ابن حميد - وهو الرازي المتهم بالكذب - عن سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عمر بن موسى الوجيه - وهو ممن يضع الحديث متناً وسنداً كما في ( الميزان ) 3 / 224 - عن قتادة مرسلاً 0 فالحديث لا شك في ضعفه بل وضعه بهذا اللفظ ؛ إذا سلمنا بأن الساقط من رواية ابن إسحاق في ( السيرة ) هو : الوجيه الوضاع ؛ فإن في الطريق إليه : ابن حميد ، وهو متهم بالكذب !
لكني بحمد الله تعالى وقفت على لفظ أحسن حالاً من هذا في ( السنن الكبرى ) للبيهقي 9 / 118 ، وفي ( دلائل النبوة ) له 5 / 57 - 58 ، وعند ابن أبي الدنيا في ( كتاب العفو ) و ( كتاب ذم الغضب ) ، وكذا عند ابن الجوزي في ( الوفا ) - كما في ( إتحاف السادة المتقين ) للزبيدي 8 / 41 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ : ( ما تقولون وما تظنون ؟ قالوا : نقول : ابن أخ ، وابن عم ، حليم ، رحيم 0 فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أقول كما قال يوسف : ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) قال : فخرجوا كأنما نشروا من القبور ، فدخلوا في الإسلام ) 0 قال العراقي في ( تخريج الإحياء ) 3 / 179 : ( فيه ضعف ) 0
قلت : لكنه ضعف يسير ينجبر بشاهدين آخرين كما سيأتي : فأما إسناد البيهقي فجيد : رجاله كلهم ما بين الثقة والصدوق خلا القاسم بن سلام بن مسكين ؛ فإنه قد ضعفه الساجي والأزدي ، لكن قال أبو زرعة وأبو حاتم : صدوق 0 وقال ابن حبان : مستقيم الحديث 0 ( تهذيب التهذيب ) 3 / 412 ، فلعل العراقي إنما أراد بقوله السابق الإشارة إلى الخلاف في القاسم هذا 0 أما شيخ البيهقي : محمد بن الحسن بن المؤمل ؛ فإني لم أقف على جرح أو تعديل له فيما بين يدي من كتب الرجال 0
وله شاهد عند ابن زنجوية في ( الأموال ) برقم ( 456 ) ، وكذا عند أبي عبيد في ( الأموال ) برقم ( 143 ) من مرسل عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بإسناد ضعيف ، وشاهد آخر من رواية عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس كما قال الزبيدي في ( الإتحاف ) لكنه لم يسق سنده لننظر فيه 0 وعلى كل حال فالحديث باللفظ الأخير حسن بمجموع هذه الشواهد ، ولله الحمد 0 وبارك الله في الشيخ السلفي حسين آل الشيخ ، وأسأل الله له المزيد من التوفيق 0
كتبه الشيخ علي رضا
أخونا الشيخ الفاضل حسين آل الشيخ من القلائل الذين عرفت عنهم سعة العلم مع حسن الصوت في القراءة ، وهو من أصدقائي الذين تربطني بهم صلة قوية والحمد لله 0 وقد جمعتني به مجالس لا أحصيها كثرة ، لعل أولها كان بعد أن رددت على أحد الخرافيين الذين طعنوا في قراءة الشيخ ؛ فما كان مني بحمد الله إلا أن ألقمت ذاك الخرافي ( توفي نسأل الله أن يعفو عنه ) الردود المتتالية على مقالاته في الإشادة بالمساجد السبعة ، وغير ذلك من الأمور المبتدعة التي دعا إليها في حلقات متعددة بصحيفة ( المدينة ) , و( البلاد ) بحجة أن أهل المدينة لا يزالون محافظين عليها ! وليعلم جميع الذين يتكلمون في قراءة الشيخ أنهم لم يوفقوا في كثير من كلامهم عليه حفظه الله ؛ فإني بحكم معرفتي بالقراءات والتجويد - بحمد الله تعالى - ما رأيت منه إلا تحسناً في الأداء على مر الأيام ، هذا إلى جانب كونه محباً ومعظماً لشيخنا الألباني رحمه الله جداً ، مع التضلع في الفقه والأصول 0
لكن هذا وذاك لا يمنعني من أن أعلق بعض الفوائد على ما ذكره - رعاه الله - حول بعض الأحاديث التي استدل بها ، وذلك مما يثري المسألة علمياً ، مع كونها تسره ولا تضره 0 فمن ذلك ما أورده في الخطبة القيمة التي ألقاها بمسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن واقع المسلمين وما يجب عليهم نحو دينهم ؛ فقد ذكر الحديث المشهور في السيرة النبوية ، بل والمشهور على ألسنة الخلق كافة إلا نفراً من المحققين في علم الحديث الشريف ، وهو حديث ( يا أهل مكة أو يا معشر قريش : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيراً أخ كريم وابن أخ كريم 0 قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ) 0 وهذا الحديث أورده ابن إسحاق في ( السيرة ) - كما في ( سيرة ابن هشام ) 4 / 54 - 55 معضلاً فقال : ( فحدثني بعض أهل العلم 000 ) فذكره 0 وقد رواه الطبري في ( تاريخه ) 3 / 60 - 61 عن شيخه ابن حميد - وهو الرازي المتهم بالكذب - عن سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عمر بن موسى الوجيه - وهو ممن يضع الحديث متناً وسنداً كما في ( الميزان ) 3 / 224 - عن قتادة مرسلاً 0 فالحديث لا شك في ضعفه بل وضعه بهذا اللفظ ؛ إذا سلمنا بأن الساقط من رواية ابن إسحاق في ( السيرة ) هو : الوجيه الوضاع ؛ فإن في الطريق إليه : ابن حميد ، وهو متهم بالكذب !
لكني بحمد الله تعالى وقفت على لفظ أحسن حالاً من هذا في ( السنن الكبرى ) للبيهقي 9 / 118 ، وفي ( دلائل النبوة ) له 5 / 57 - 58 ، وعند ابن أبي الدنيا في ( كتاب العفو ) و ( كتاب ذم الغضب ) ، وكذا عند ابن الجوزي في ( الوفا ) - كما في ( إتحاف السادة المتقين ) للزبيدي 8 / 41 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ : ( ما تقولون وما تظنون ؟ قالوا : نقول : ابن أخ ، وابن عم ، حليم ، رحيم 0 فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أقول كما قال يوسف : ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) قال : فخرجوا كأنما نشروا من القبور ، فدخلوا في الإسلام ) 0 قال العراقي في ( تخريج الإحياء ) 3 / 179 : ( فيه ضعف ) 0
قلت : لكنه ضعف يسير ينجبر بشاهدين آخرين كما سيأتي : فأما إسناد البيهقي فجيد : رجاله كلهم ما بين الثقة والصدوق خلا القاسم بن سلام بن مسكين ؛ فإنه قد ضعفه الساجي والأزدي ، لكن قال أبو زرعة وأبو حاتم : صدوق 0 وقال ابن حبان : مستقيم الحديث 0 ( تهذيب التهذيب ) 3 / 412 ، فلعل العراقي إنما أراد بقوله السابق الإشارة إلى الخلاف في القاسم هذا 0 أما شيخ البيهقي : محمد بن الحسن بن المؤمل ؛ فإني لم أقف على جرح أو تعديل له فيما بين يدي من كتب الرجال 0
وله شاهد عند ابن زنجوية في ( الأموال ) برقم ( 456 ) ، وكذا عند أبي عبيد في ( الأموال ) برقم ( 143 ) من مرسل عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بإسناد ضعيف ، وشاهد آخر من رواية عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس كما قال الزبيدي في ( الإتحاف ) لكنه لم يسق سنده لننظر فيه 0 وعلى كل حال فالحديث باللفظ الأخير حسن بمجموع هذه الشواهد ، ولله الحمد 0 وبارك الله في الشيخ السلفي حسين آل الشيخ ، وأسأل الله له المزيد من التوفيق 0
كتبه الشيخ علي رضا