يعقوب
11-15-2003, 04:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين أمر بالاجتماع والائتلاف ونهى عن التفرق والاختلاف ، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له شرع لعباده ما يصلحهم في دينهم ودنياهم ، وأشهد ان محمداً عبده ورسوله لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله سبحانه وتعالى، قال الله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون * ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم * يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * وأما الذي ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون}.
في هذه الآيات يأمر الله عباده بتقواه ويأمرهم بالتمسك بالاسلام الى الممات ويأمرهم بالاعتصام بحبل الله وهو الاسلام او هو القرآن او هو الرسول صلى الله عليه وسلم وينهى عن التفرق.
ويذكّر بنعمته على المؤمنين اذ جمع بينهم وألف بين قلوبهم وأزال ما في قلوبهم من العداوة من بعضهم لبعض وجعلهم أمة واحدة واخوة في الدين يذكّرهم بهذه النعم ويحثهم على شكرها ويأمرهم سبحانه وتعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويقول لمن فعل ذلك (وأولئك هم المفلحون) وينهى عما كانت عليه الأمم الأخرى من التفرق والاختلاف من بعدما جاءتهم البينات وجاءهم العمل فهم لم يختلفوا عن جهل وانما اختلفوا عن هوى والعياذ بالله ويتوعدهم بالعذاب العظيم .
ويخبر انه في يوم القيامة تبيض وجوه وتسود وجوه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: تبيض وجوه أهل السمع والطاعة وتسود وجوه اهل الفرقة والشناعة.
وقال الله سبحانه وتعالى {يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} يأمر سبحانه وتعالى المؤمنين بأن يطيعوا الله فيما أمر به فيفعلوه ويطيعوه وفيما نهاهم عنه فيجتنبوه وكذلك يأمرهم بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن الرسول لا يأمر إلا بما أمر الله به ولا ينهى إلا عما نهى الله عنه لأنه مبلّغ عن الله وأمين على وحيه .
ثم يأمر بطاعة ولاة الأمور وولاة أمور المسلمين لما في ذلك من المصالح العظيمة ودفع المضار، ثم يأمر عند النزاع ان يردوا الحكم فيما تنازعوا فيه واختلفوا فيه الى كتاب الله سبحانه وتعالى والى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وان ذلك خير لهم عاجلاً وآجلاً ومآلاً (ذلك خير وأحسن تأويلا) أي مآلا وعاقبة هذا منهج اهل الحق انهم يطيعون الله ويطيعون الرسول ويطيعون أولي الأمر من المسلمين ويتحاكمون الى كتاب الله والى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
أما منهج اهل الضلال فهم على خلاف ذلك يعصون الله ويعصون الرسول صلى الله عليه وسلم ويشقون عصا الطاعة ويتحاكمون الى القوانين والطواغيت هذا منهج اهل الضلال .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ان الله يرضى لكم ثلاثاً: (أن تعبدوه ولاتشركوا به شيئاً، وان تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وان تناصحوا من ولاّه الله أمركم).وهذا منهج أهل السنة والجماعة انهم يعبدون الله ولا يشركون به شيئا، وانهم يعتصمون بحب الله ولا يتفرقون في دينهم واهوائهم وإنما يكون هواهم تبعاً لما جاء به الكتاب والسنة وان يناصحوا من ولاّه الله أمرهم بأن يؤدوا الحقوق التي عليهم من طاعة والقيام بما يوكل اليهم من الاعمال والوظائف وهذا من مناصحة ولي الأمر وان يبلغوه ما يرون من الخلل والنقص حتى يصلحه
هذا منهج اهل السنة والجماعة وقال العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون. فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع أوصنا. قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الامور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. فأمر صلى الله عليه وسلم بتقوى الله بفعل اوامره وترك نواهيه وامر بالسمع والطاعة لولي أمر المسلمين، فإذا اجتمعت تقوى الله والسمع والطاعة حصل للمسلمين الخير الكثير (وإن تأمّر عليكم عبد).
لا تحتقروا ولي الأمر مهما كان وان كان في مظهره او في نسبه ما لا يعجبكم فإن طاعته واجبة لا تنظر لشخصيته وانما انظر لمنصبه الذي اقامه الله فيه ولما في ذلك من مصلحة المسلمين واستتباب الأمن
فإن ولي الامر جعله الله سبحانه وتعالى حماية للمسلمين من التفرق والاختلاف ومن التناحر والتباغض بين الناس ومن تسلط الظلمة على الضعفاء وجعله مقيماً لحدود الله وجعله مقيماً للجهاد في سبيل الله وجعله حامياً لثغور المسلمين يجتمعون عليه ويأتمرون بأمره وينقادون لطاعته إلا في معصية الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ومعنى ذلك ان تجتنب المعصية وان تطيعه فيما عداها مما ليس هو من معصية الله سبحانه وتعالى
ولهذا يقول السلف: لا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمام ولا إمام إلا بسمع وطاعة.
فالإمام له أهمية عظيمة ولهذا لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم بادروا بمبايعة الخليفة من بعده قبل ان يجهزوا الرسول صلى الله عليه وسلم ويدفنوه، ما جهزوا الرسول وغسلوه وكفنوه ودفنوه إلا بعد ان بايعوا الخليفة من بعده من اجل ان تتم مصالح المسلمين ولا يحصل نزاع ولا فرقة ولا اختلاف.
واوصى صلى الله عليه وسلم عند الفتن بالرجوع الى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والاعتصام بها. ومن الاعتصام بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة ولاة امور المسلمين عند الاختلاف .
ولهذا لما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه بما يحدث من الفتن قال: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ان تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: أرأيت إن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ان تعتزل تلك الفرق كلها ولو ان تعض على اصل شجرة حتى يأتيك الموت وانت على ذلك.
ففي هذه الآيات والاحاديث الحث على اجتماع الكلمة والنهي عن التفرق والاختلاف والتنازع واذا حصل نزاع فإنه يرد الى كتاب الله والى سنة رسول الله والذي يتولى ذلك هم اهل العلم فيرد الامر اليهم وهم يحكمون بكتاب الله وسنة رسول الله وينهون النزاع والاختلاف ثم يرضى كل من الطرفين بحكم الله ورسوله .
وليس من شرط ولي الامر ان يكون معصوماً لا يقع منه خطأ ولا تقع منه معصية ليس هذا بشرط فهو بشر يخطئ ويصيب وتقع منه بعض المعاصي ومع هذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نسمع ونطيع إلا اذا رأينا كفراً بواحاً عندنا فيه من الله سلطان.
فإذا بلغ الى الكفر البواح الكفر الاكبر فإنه حينئذ لا بيعة له ولكن من الذي يحكم بكفره؟
لا يحكم بكفره إلا الراسخون في العلم الذين يصدرون عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصدرون عن الأهواء
اما ما وقع من ولي الامر من الخطأ او من المعصية التي هي دون الكفر فإن هذا لا يسوغ الخروج عليه ولا يسوغ شق عصا الطاعة بل تجب طاعته وان كان عاصياً وان كان مرتكباً لكبيرة دون الشرك فإن ضرر معصيته عليه وضرر مخالفته والخروج عليه يكون على المسلمين،
والصبر عليه وان كان عنده معصية أخف من المضار التي تترتب على الخروج عليه من سفك الدماء وضياع الامر وتسلط الكفار وحصول الخوف على المسلمين فيصبر عليه وان كان عاصياً معصية لا تصل الى حد الكفر.
وكذلك يجب عليك ان تطيعه ولو كان ظالماً لو اخذ مالك وسلب ظهرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم اسمع واطع وان اخذ مالك وضرب ظهرك لأن هذه المسألة مسألة الظلم وضرب الظهر وأخذ المال مضرة جزئية ولكن الخروج عليه مضرة عامة تعم المسلمين وتفسد الامر ويحصل بسببها من المضار العظيمة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ومن المعلوم ان من قواعد الدين ارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاهما.
وكذلك ألا تطيع الامر إلا فيما ترضى او تحب، بل تطيع فيما تحب وفيما تكره، تطيعه في عسرك ويسرك وأثرة عليك، في منشطك ومكرهك، تطيعه ان اعطاك وتطيعه اذا لم يعطك من المال شيئاً.
قال الله تعالى {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن اعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} فرضاهم عن ولي الامر انما هو لطمع نفوسهم فإذا اعطوا شيئاً رضوا واذا لم يعطوا شيئاً سخطوا عليه وتكلموا فيه ونابذوه هذه طريقة اهل النفاق والعياذ بالله.
وقال صلى الله عليه وسلم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة تعس عبد القطيفة إن اعطي رضي وإن لم يعط لم يرض.
فهذه علامة أهل النفاق انهم لا يطيعون ولاة الامور إلا اذا كان لهم طمع واما اذا لم يكن لهم طمع دنيوي فإنهم يعصون ولاة الامور .
اما المؤمن فإنه يطيع ولي الامر سواء أعطاه او لم يعطه، سواء ارضاه او لم يرضه طاعة لله وطاعة للرسول وجمعا للكلمة وارتكاباً لأخف الضررين لدفع اعلاهما.
فهذا امر يجب على المسلمين ان يتنبهوا له وقال صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة الدين النصيحة، الدين النصيحة - ثلاث مرات - قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله وكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
النصيحة لأئمة المسلمين بأن تنصح لهم في جميع الامور، تنصح لهم في الطاعة فلا تعصهم فإن معصيتهم خيانة وليست نصيحة، تنصح لهم بالقيام بالامانات والوظائف والاعمال التي يوكلونها اليك فتؤديها على الوجه المطلوب هذا من النصيحة لولاة الامور الدعاء لهم بالصلاح والدعاء لهم بالصلاح والاستقامة لأن صلاحهم صلاح للمسلمين، صلاحهم يحصل نفعه لهم وللمسلمين فعليك ان تدعو لهم بالصلاح.
قال بعض السلف: اذا رأيت الرجل يدعو لولاة الأمور فأعلم انه صاحب سنة، واذا رأيت الرجل يدعو على ولاة الامور فاعلم انه صاحب بدعة.
فمن النصيحة لهم ان تدعو لهم، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: لو أعلم ان لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان. لأن السلطان اذا صلح أصلح الله به المسلمين وأصلح الله به الامور فيدعى له بالصلاح .
اما الذين يدعون على الولاة فهؤلاء اصحاب بدعة وهؤلاء يريدون الشر بالمسلمين ولا يريدون اجتماع المسلمين ولا يريدون صلاح المسلمين وان كانوا يزعمون ان هذا من إنكار المنكر هذا هو المنكر نفسه.
الدعاء على ولاة الامور هو المنكر نفسه وان كانوا يزعمون انه من إنكار المنكر.
فهذا واجب عظيم يجب على المسلمين ان يعرفوا هذه الاصول وان يتمشوا عليها ولا يغتروا بكثرة القيل والقال والثرثرة من بعض الجهال او المغرضين الذين ليس لهم هم إلا الوقيعة في اعراض المسلمين عموماً وفي اعراض ولاة الامور خصوصاً فإن هؤلاء مفسدون في الارض هؤلاء نمامون مغتابون يجب الحذر منهم، هؤلاء يبغضون الراعي الى الرعية ويبغضون الرعية الى الراعي ويسعون في الارض فسادا والله لا يحب المفسدين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين على فضله وإحسانه وأشكره على توفيقه وامتنانه وأشهد لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد ان محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله واصحابه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
أيها الناس اتقو الله تعالى واعلموا ان الله ما أمرنا بطاعة ولاة أمورنا ولا أمرنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا لمصالح عظيمة، وما نهانا عن معصية ولاة أمورنا إلا لما في ذلك من المضار العظيمة .
انتم تقرؤون في التاريخ وتسمعون الوقائع الآن وترونها الذين خرجوا على ولاة امورهم وشقوا عصا الطاعة وازالوا ولاتهم ماذا حصل عليهم من النكبات؟
ماذا حصل عليهم من سفك الدماء؟
ماذا حصل عليهم من اختلال الامن؟
ماذا حصل في بلادهم من النهب والسلب؟
ماذا حصل عليهم من تدخل الكفار في بلادهم وتسلطهم عليهم؟
ولو انهم استقاموا مع ولاة امورهم ونصحوا لهم وكانوا امة واحدة لهابهم العدو ولانتظمت امورهم.
تقرؤون ما حصل من الفتنة العظمى لما قام أناس من الاوباش والسفلة بقيادة يهودي يقال له ابن سبأ لما قاموا على الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وقتلوه ماذا حصل بالمسلمين من النكبات التي يعانون منها الى الآن؟
ازال ولاة امورهم فماذا حل بهم؟ لا يزالون الى الآن يعانون من الويلات ومن الحروب الاهلية بينهم الداخلية ومن الحروب من اعدائهم ومن اختلال الأمن ومن نهب الاموال ومن هدم البيوت وغير ذلك من العقوبات.
فلا يستقيم أمر المسلمين إلا بجماعة ولا تستقيم لهم جماعة إلا بسمع وطاعة لولي أمرهم.
فليتق الله اولئك الذين يحرشون ويتكلمون في ولاة الامور في مجالسهم وفي منابرهم وفي الاشرطة يحرشون ويسبون ولاة الامور ويكفرونهم هؤلاء من المفسدين في الارض الذين يجب الاخذ على ايديهم قبل ان يستفحل الامر ويستعصي العلاج .
فإن هذا ليس هو شأن المسلمين شأن المسلمين انهم يتناصحون بينهم النصيحة اللائقة بلا تشهير ولا تعيير وبلا غيبة وبلا إشاعة للفاحشة فطريق المسلمين النصيحة اللائقة المفيدة .
وأما الكلام في آحاد الناس في المجالس هذه غيبة محرمة فكيف اذا كان هذا الكلام في ولاة الامور اذا كان هذا الكلام في العلماء الذين هم قدوة الامة ؟
ألا يسبب هذا تشتت الامة وتباغضها ؟
ألا يسبب هذا الامر انفلات الامر في النهاية ؟
ألا يسبب شراً كثيراً ؟
فعلى هؤلاء ان يتقوا الله في أنفسهم وفي مجتمعهم، عليهم ان يتوبوا الى الله. قال صلى الله عليه وسلم (فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ثم اعلموا عباد الله ان خير الحديث كتاب الله....
الحمد لله رب العالمين أمر بالاجتماع والائتلاف ونهى عن التفرق والاختلاف ، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له شرع لعباده ما يصلحهم في دينهم ودنياهم ، وأشهد ان محمداً عبده ورسوله لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله سبحانه وتعالى، قال الله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون * ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم * يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * وأما الذي ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون}.
في هذه الآيات يأمر الله عباده بتقواه ويأمرهم بالتمسك بالاسلام الى الممات ويأمرهم بالاعتصام بحبل الله وهو الاسلام او هو القرآن او هو الرسول صلى الله عليه وسلم وينهى عن التفرق.
ويذكّر بنعمته على المؤمنين اذ جمع بينهم وألف بين قلوبهم وأزال ما في قلوبهم من العداوة من بعضهم لبعض وجعلهم أمة واحدة واخوة في الدين يذكّرهم بهذه النعم ويحثهم على شكرها ويأمرهم سبحانه وتعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويقول لمن فعل ذلك (وأولئك هم المفلحون) وينهى عما كانت عليه الأمم الأخرى من التفرق والاختلاف من بعدما جاءتهم البينات وجاءهم العمل فهم لم يختلفوا عن جهل وانما اختلفوا عن هوى والعياذ بالله ويتوعدهم بالعذاب العظيم .
ويخبر انه في يوم القيامة تبيض وجوه وتسود وجوه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: تبيض وجوه أهل السمع والطاعة وتسود وجوه اهل الفرقة والشناعة.
وقال الله سبحانه وتعالى {يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} يأمر سبحانه وتعالى المؤمنين بأن يطيعوا الله فيما أمر به فيفعلوه ويطيعوه وفيما نهاهم عنه فيجتنبوه وكذلك يأمرهم بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن الرسول لا يأمر إلا بما أمر الله به ولا ينهى إلا عما نهى الله عنه لأنه مبلّغ عن الله وأمين على وحيه .
ثم يأمر بطاعة ولاة الأمور وولاة أمور المسلمين لما في ذلك من المصالح العظيمة ودفع المضار، ثم يأمر عند النزاع ان يردوا الحكم فيما تنازعوا فيه واختلفوا فيه الى كتاب الله سبحانه وتعالى والى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وان ذلك خير لهم عاجلاً وآجلاً ومآلاً (ذلك خير وأحسن تأويلا) أي مآلا وعاقبة هذا منهج اهل الحق انهم يطيعون الله ويطيعون الرسول ويطيعون أولي الأمر من المسلمين ويتحاكمون الى كتاب الله والى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
أما منهج اهل الضلال فهم على خلاف ذلك يعصون الله ويعصون الرسول صلى الله عليه وسلم ويشقون عصا الطاعة ويتحاكمون الى القوانين والطواغيت هذا منهج اهل الضلال .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ان الله يرضى لكم ثلاثاً: (أن تعبدوه ولاتشركوا به شيئاً، وان تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وان تناصحوا من ولاّه الله أمركم).وهذا منهج أهل السنة والجماعة انهم يعبدون الله ولا يشركون به شيئا، وانهم يعتصمون بحب الله ولا يتفرقون في دينهم واهوائهم وإنما يكون هواهم تبعاً لما جاء به الكتاب والسنة وان يناصحوا من ولاّه الله أمرهم بأن يؤدوا الحقوق التي عليهم من طاعة والقيام بما يوكل اليهم من الاعمال والوظائف وهذا من مناصحة ولي الأمر وان يبلغوه ما يرون من الخلل والنقص حتى يصلحه
هذا منهج اهل السنة والجماعة وقال العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون. فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع أوصنا. قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الامور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. فأمر صلى الله عليه وسلم بتقوى الله بفعل اوامره وترك نواهيه وامر بالسمع والطاعة لولي أمر المسلمين، فإذا اجتمعت تقوى الله والسمع والطاعة حصل للمسلمين الخير الكثير (وإن تأمّر عليكم عبد).
لا تحتقروا ولي الأمر مهما كان وان كان في مظهره او في نسبه ما لا يعجبكم فإن طاعته واجبة لا تنظر لشخصيته وانما انظر لمنصبه الذي اقامه الله فيه ولما في ذلك من مصلحة المسلمين واستتباب الأمن
فإن ولي الامر جعله الله سبحانه وتعالى حماية للمسلمين من التفرق والاختلاف ومن التناحر والتباغض بين الناس ومن تسلط الظلمة على الضعفاء وجعله مقيماً لحدود الله وجعله مقيماً للجهاد في سبيل الله وجعله حامياً لثغور المسلمين يجتمعون عليه ويأتمرون بأمره وينقادون لطاعته إلا في معصية الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ومعنى ذلك ان تجتنب المعصية وان تطيعه فيما عداها مما ليس هو من معصية الله سبحانه وتعالى
ولهذا يقول السلف: لا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمام ولا إمام إلا بسمع وطاعة.
فالإمام له أهمية عظيمة ولهذا لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم بادروا بمبايعة الخليفة من بعده قبل ان يجهزوا الرسول صلى الله عليه وسلم ويدفنوه، ما جهزوا الرسول وغسلوه وكفنوه ودفنوه إلا بعد ان بايعوا الخليفة من بعده من اجل ان تتم مصالح المسلمين ولا يحصل نزاع ولا فرقة ولا اختلاف.
واوصى صلى الله عليه وسلم عند الفتن بالرجوع الى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والاعتصام بها. ومن الاعتصام بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة ولاة امور المسلمين عند الاختلاف .
ولهذا لما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه بما يحدث من الفتن قال: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ان تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: أرأيت إن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ان تعتزل تلك الفرق كلها ولو ان تعض على اصل شجرة حتى يأتيك الموت وانت على ذلك.
ففي هذه الآيات والاحاديث الحث على اجتماع الكلمة والنهي عن التفرق والاختلاف والتنازع واذا حصل نزاع فإنه يرد الى كتاب الله والى سنة رسول الله والذي يتولى ذلك هم اهل العلم فيرد الامر اليهم وهم يحكمون بكتاب الله وسنة رسول الله وينهون النزاع والاختلاف ثم يرضى كل من الطرفين بحكم الله ورسوله .
وليس من شرط ولي الامر ان يكون معصوماً لا يقع منه خطأ ولا تقع منه معصية ليس هذا بشرط فهو بشر يخطئ ويصيب وتقع منه بعض المعاصي ومع هذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نسمع ونطيع إلا اذا رأينا كفراً بواحاً عندنا فيه من الله سلطان.
فإذا بلغ الى الكفر البواح الكفر الاكبر فإنه حينئذ لا بيعة له ولكن من الذي يحكم بكفره؟
لا يحكم بكفره إلا الراسخون في العلم الذين يصدرون عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصدرون عن الأهواء
اما ما وقع من ولي الامر من الخطأ او من المعصية التي هي دون الكفر فإن هذا لا يسوغ الخروج عليه ولا يسوغ شق عصا الطاعة بل تجب طاعته وان كان عاصياً وان كان مرتكباً لكبيرة دون الشرك فإن ضرر معصيته عليه وضرر مخالفته والخروج عليه يكون على المسلمين،
والصبر عليه وان كان عنده معصية أخف من المضار التي تترتب على الخروج عليه من سفك الدماء وضياع الامر وتسلط الكفار وحصول الخوف على المسلمين فيصبر عليه وان كان عاصياً معصية لا تصل الى حد الكفر.
وكذلك يجب عليك ان تطيعه ولو كان ظالماً لو اخذ مالك وسلب ظهرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم اسمع واطع وان اخذ مالك وضرب ظهرك لأن هذه المسألة مسألة الظلم وضرب الظهر وأخذ المال مضرة جزئية ولكن الخروج عليه مضرة عامة تعم المسلمين وتفسد الامر ويحصل بسببها من المضار العظيمة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ومن المعلوم ان من قواعد الدين ارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاهما.
وكذلك ألا تطيع الامر إلا فيما ترضى او تحب، بل تطيع فيما تحب وفيما تكره، تطيعه في عسرك ويسرك وأثرة عليك، في منشطك ومكرهك، تطيعه ان اعطاك وتطيعه اذا لم يعطك من المال شيئاً.
قال الله تعالى {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن اعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} فرضاهم عن ولي الامر انما هو لطمع نفوسهم فإذا اعطوا شيئاً رضوا واذا لم يعطوا شيئاً سخطوا عليه وتكلموا فيه ونابذوه هذه طريقة اهل النفاق والعياذ بالله.
وقال صلى الله عليه وسلم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة تعس عبد القطيفة إن اعطي رضي وإن لم يعط لم يرض.
فهذه علامة أهل النفاق انهم لا يطيعون ولاة الامور إلا اذا كان لهم طمع واما اذا لم يكن لهم طمع دنيوي فإنهم يعصون ولاة الامور .
اما المؤمن فإنه يطيع ولي الامر سواء أعطاه او لم يعطه، سواء ارضاه او لم يرضه طاعة لله وطاعة للرسول وجمعا للكلمة وارتكاباً لأخف الضررين لدفع اعلاهما.
فهذا امر يجب على المسلمين ان يتنبهوا له وقال صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة الدين النصيحة، الدين النصيحة - ثلاث مرات - قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله وكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
النصيحة لأئمة المسلمين بأن تنصح لهم في جميع الامور، تنصح لهم في الطاعة فلا تعصهم فإن معصيتهم خيانة وليست نصيحة، تنصح لهم بالقيام بالامانات والوظائف والاعمال التي يوكلونها اليك فتؤديها على الوجه المطلوب هذا من النصيحة لولاة الامور الدعاء لهم بالصلاح والدعاء لهم بالصلاح والاستقامة لأن صلاحهم صلاح للمسلمين، صلاحهم يحصل نفعه لهم وللمسلمين فعليك ان تدعو لهم بالصلاح.
قال بعض السلف: اذا رأيت الرجل يدعو لولاة الأمور فأعلم انه صاحب سنة، واذا رأيت الرجل يدعو على ولاة الامور فاعلم انه صاحب بدعة.
فمن النصيحة لهم ان تدعو لهم، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: لو أعلم ان لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان. لأن السلطان اذا صلح أصلح الله به المسلمين وأصلح الله به الامور فيدعى له بالصلاح .
اما الذين يدعون على الولاة فهؤلاء اصحاب بدعة وهؤلاء يريدون الشر بالمسلمين ولا يريدون اجتماع المسلمين ولا يريدون صلاح المسلمين وان كانوا يزعمون ان هذا من إنكار المنكر هذا هو المنكر نفسه.
الدعاء على ولاة الامور هو المنكر نفسه وان كانوا يزعمون انه من إنكار المنكر.
فهذا واجب عظيم يجب على المسلمين ان يعرفوا هذه الاصول وان يتمشوا عليها ولا يغتروا بكثرة القيل والقال والثرثرة من بعض الجهال او المغرضين الذين ليس لهم هم إلا الوقيعة في اعراض المسلمين عموماً وفي اعراض ولاة الامور خصوصاً فإن هؤلاء مفسدون في الارض هؤلاء نمامون مغتابون يجب الحذر منهم، هؤلاء يبغضون الراعي الى الرعية ويبغضون الرعية الى الراعي ويسعون في الارض فسادا والله لا يحب المفسدين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين على فضله وإحسانه وأشكره على توفيقه وامتنانه وأشهد لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد ان محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله واصحابه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
أيها الناس اتقو الله تعالى واعلموا ان الله ما أمرنا بطاعة ولاة أمورنا ولا أمرنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا لمصالح عظيمة، وما نهانا عن معصية ولاة أمورنا إلا لما في ذلك من المضار العظيمة .
انتم تقرؤون في التاريخ وتسمعون الوقائع الآن وترونها الذين خرجوا على ولاة امورهم وشقوا عصا الطاعة وازالوا ولاتهم ماذا حصل عليهم من النكبات؟
ماذا حصل عليهم من سفك الدماء؟
ماذا حصل عليهم من اختلال الامن؟
ماذا حصل في بلادهم من النهب والسلب؟
ماذا حصل عليهم من تدخل الكفار في بلادهم وتسلطهم عليهم؟
ولو انهم استقاموا مع ولاة امورهم ونصحوا لهم وكانوا امة واحدة لهابهم العدو ولانتظمت امورهم.
تقرؤون ما حصل من الفتنة العظمى لما قام أناس من الاوباش والسفلة بقيادة يهودي يقال له ابن سبأ لما قاموا على الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وقتلوه ماذا حصل بالمسلمين من النكبات التي يعانون منها الى الآن؟
ازال ولاة امورهم فماذا حل بهم؟ لا يزالون الى الآن يعانون من الويلات ومن الحروب الاهلية بينهم الداخلية ومن الحروب من اعدائهم ومن اختلال الأمن ومن نهب الاموال ومن هدم البيوت وغير ذلك من العقوبات.
فلا يستقيم أمر المسلمين إلا بجماعة ولا تستقيم لهم جماعة إلا بسمع وطاعة لولي أمرهم.
فليتق الله اولئك الذين يحرشون ويتكلمون في ولاة الامور في مجالسهم وفي منابرهم وفي الاشرطة يحرشون ويسبون ولاة الامور ويكفرونهم هؤلاء من المفسدين في الارض الذين يجب الاخذ على ايديهم قبل ان يستفحل الامر ويستعصي العلاج .
فإن هذا ليس هو شأن المسلمين شأن المسلمين انهم يتناصحون بينهم النصيحة اللائقة بلا تشهير ولا تعيير وبلا غيبة وبلا إشاعة للفاحشة فطريق المسلمين النصيحة اللائقة المفيدة .
وأما الكلام في آحاد الناس في المجالس هذه غيبة محرمة فكيف اذا كان هذا الكلام في ولاة الامور اذا كان هذا الكلام في العلماء الذين هم قدوة الامة ؟
ألا يسبب هذا تشتت الامة وتباغضها ؟
ألا يسبب هذا الامر انفلات الامر في النهاية ؟
ألا يسبب شراً كثيراً ؟
فعلى هؤلاء ان يتقوا الله في أنفسهم وفي مجتمعهم، عليهم ان يتوبوا الى الله. قال صلى الله عليه وسلم (فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ثم اعلموا عباد الله ان خير الحديث كتاب الله....