المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مبحث عظيم جليل في لطف الله ـ سبحانه وتعالى ـ بعبده


كيف حالك ؟

ابومعاذ السلفي
11-15-2003, 01:07 PM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه



مبحث عظيم جليل في لطف الله ـ سبحانه وتعالى ـ بعبده

للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي
من كتابه القيم : المواهب الربانية( ص :147-157)



سؤال : ما معنى لطف الله بعبده ؟


الجواب : ولطفه لعبده الذي نتعلق به آمال العباد , ويسألونه من ربهم وهو أحد معنيي مقتضى اسمه اللطيف , فإن اللطيف بمعنى الخبير العليم قد تقرر معناه ولكن المطلوب هنا المعنى الثاني الذي يضطر إليه العباد , ولنذكر بعض أمثلته وأنواعه ليتضح .

فاعلم ان اللطف الذي يطلبه العباد من الله بلسان المقال ولسان الحال هو من الرحمة بل هو رحمة خاصة فالرحمة التي تصل العبد من حيث لا يشعر بها او لا يشعر بأسبابها هي اللطف فإذا قال العبد : يا لطيف ألطف بي او لي أسألك لطفك فمعناه : تولني ولاية خاصة بها تصلح أحوالي الظاهرة والباطنة وبها تندفع عني جميع المكروهات من الأمور الداخلية والخارجية فالأمور الداخلية لطف بالعبد والأمور الخارجية لطف للعبد , فإذا يسر الله عبده وسهل طريق الخير و أعانه عليه فقد لطف به واذا قيض الله له اسبابا خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد فيها صلاحه فقد لطف له ، ولهذا لما تنقلت بيو سف عليه الصلا ة والسلا م تلك الأحوال و تطورت به الأطوار من رؤياه وحسد اخوته له وسعيهم في إبعاده جداً واختصاصهم بأبيهم ثم محنته بالنسوة ثم بالسجن ثم بالخروج منه بسبب رؤيا الملك العظيمة وانفراده بتعبيرها وتبوؤه من الأرض حيث يشاء وحصول ما حصل على أبيه من الابتلاء والامتحان ثم حصل بعد ذلك الاجتماع السار وإزالة ألا كدار وصلاح حالة الجميع والاجتباء العظيم ليوسف عرف عليه الصلاة والسلام ان هذه الأشياء وغيرها لطف الله لهم به فاعترف بهذه النعمة فقال : ( ان ربي لطيف لما يشاء انه هو العليم الحكيم )) [ سورة يوسف: آيه 100 ] أي لطفه تعالى خاص لمن يشاء من عباده ممن يعلمه تعالى محلاً لذلك واهلا ً له فلا يضعه آلا في محله .
والله اعلم حيث يضع فضله فإذا رأيت الله تعالى قد يسر العبد لليسرى وسهّل له طريق الخير وذلل له صعابه وفتح له أبوابه ونهج له طرقه ومهد له أسبابه وجنبه العسرى فقط لطف به .

ومن لطفه بعباده المؤمنين انه ينولاهم بلطفه فيخرجهم من الظلمات الي النور من ظلمات الجهل والكفر والبدع والمعاصي الي نور العلم والايمان والطاعة .

ومن لطفه انه يرحمهم من طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء التي هذا طبعها وديدنها فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى ويصرف عنهم السوء والفحشاء فتوجد أسباب الفتنه و جوا ذب المعاصي وشهوات الغي فيرسل الله عليها برهان لطفه ونور أيمانهم الذي منّ به عليهم مطمئنين لذلك منشرحة لتركها صدورهم .

ومن لطفه بعباده انه يقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتهم فقد يريدون شيئاً وغيره اصلح فيقدر لهم الاصلح وان كرهوه لطفاً بهم وبراً وإحسانا (( الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز )) [سورة الشورى آية 19] . (( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء انه بعباده خبير بصير )) [سورة الشورى أية 27] .

ومن لطفه بهم انه يقدر عليهم أنواع المصائب وضروب المحن والابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمة بهم ولطفاً وسوقاً الي كمالهم وكمال نعيمهم (( وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون )) [سورة البقرة آية 216] ومن لطيف لطفه بعبده إذ أهّله للمراتب العالية والمنازل السامية التي لا تدرك بالأسباب العظام التي لا يدركها إلا أرباب الهمم العالية والعزائم السامية
ان يقدر له في ابتداء آمره بعض الأسباب المحتملة المناسبة للأسباب التي أهل لها ليتدرج من الأدنى الي الأعلى ولتتمرن نفسه ويصير له ملكة من جنس ذلك الأمر وهذا كما قدر لموسى ومحمد وغيرهما من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في ابتداء أمرهم رعاية الغنم ليتدرجوا من رعاية الحيوان البهيم واصلاحه ألي رعاية بني آدم ودعوتهم واصلاحهم وكذلك يذيق عبده حلاوة بعض الطاعات فينجذب ويرغب ويصير له ملكة قوية بعد ذلك على الطاعات اجل منها و أعلى ولم تكن تحصل بتلك الإرادة السابقة حتى وصل الي هذه الإرادة والرغبة التامة .

ومن لطفه بعبده أن يقدر له ان يتربى في ولاية آهل الصلاة والعلم والإيمان وبين أهل الخير ليكتسب من أدبهم وتأديبهم ولينشأ على صلاحهم وإصلاحهم كما امتن الله على مريم في قوله تعالى : (( فتقبلها ربها بقبول حسن أتنبتها حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب )) [سورة أل عمران آية 37] إلى آخر قصتها .
ومن ذلك إذا نشا بين أبوين صالحين وأقارب أتقياء أو في بلد صلاح أو وفقه الله لمقارنة أهل الخير وصحبتهم أو لتربية العلماء الربانيين فان هذا من اعظم لطفه بعبده فان صلاح العبد موقوف على أسباب كثيرة منها بل من أكثرها وأعظمها نفعا هذه الحالة .
ومن ذلك إذا نشا العبد في بلد أهله على مذهب أهل ألسنه والجماعة فان هذا لطف له , وكذلك ا ذا قدر الله ان يكون مشائخه الذين يستفيد منهم الأحياء منهم والأموات اهل سنة وتقى فان هذا من اللطف الرباني .

ولا يخفى لطف الباري في وجود شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله في أثناء قرون هذه آلامة وتبيين الله به وبتلامذته من الخير الكثير والعلم الغزير وجهاد اهل البدع والتعطيل والكفر ثم انتشار كتبه في هذه الاوقات فلا شك أن هذا من لطف الله لمن انتفع بها وانه يتوقف خير كثير على وجودها فلله الحمد والمنة والفضل .

ومن لطف الله بعبده ان يجعل رزقه حلالاً في راحة وقناعة يحصل به المقصود ولا يشغله عما خلق له من العبادة والعلم به يعينه على ذلك ويفرغه ويريح خاطره وأعضاءه ولهذا من لطف الله تعالى لعبده انه ربما طمحت نفسه لسبب من الأسباب الدنيوية التي يظن فيها إدراك بغيته فيعلم الله تعالى أنها تضره وتصده عما ينفعه فيحول بينه وبينها فيظل العبد كارها ولم يدر ان ربه قد لطف به حيث أبقى له الأمر النافع وصرف عنه الأمر الضار ولهذا كان الرضى بالقضاء في مثل هذه الأشياء من أعلى المنازل .

ومن لطف الله لعبده إذا قدر له طاعة جليلة لا تنال ألا بأعوان ان يقدر له أعوانا عليها ومساعدين على حملها قال موسى عليه السلام:((واجعل لي وزيرا من أهلي*هارون آخى * اشدد به أزرى * اشركه في أمري * كي نسبحك كثيرا )) [سورة طه آيه 29 ].
وكذلك امتن على عيسى بقوله ( (وإذا أوحيت إلى الحواريين أن ءامنوا بي وبرسولي قالوا ءامنا واشهد بأننا مسلمون ) [سورة المائدة آيه 111 ].
وامتن على سيد الخلق في قوله (( هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين )) [سورة الأنفال آية 62 ]. وهذا لطف لعبده خارج عن قدرته .

ومن هذا لطف الله بالهادين إذا قيض الله من يهتدي بهداهم ويقبل إرشادهم فتتضاعف بذلك الخيرات والأجور آلتي لا يدركها العبد بمجرد فعله بل هي مشروطة بأمر خارجي .

ومن لطف الله بعبده ان يعطى عبده من الأولاد والأموال والأزواج ما به تقر عينه في الدنيا ويحصل له به السرور ثم يبتليه ببعض ذلك ويأخذه ويعوضه عليه الآجر وأذا صبر واحتسب ، فنعمة الله عليه باخذه على هذا الوجه اعظم من نعمته عليه في وجوده وقضاء مجرد وطره الدنيوي منه وهذا أيضا خير واجر خارج عن أحوال العبد بنفسه بل هو لطف من الله له قيض له أسبابا اعاضه عليها الثواب الجزيل والأجر الجميل .

ومن لطف الله بعبده ان يبتليه ببعض المصائب، فيوفقه للقيام بوظيفة الصبر فيها فينيله درجات عاليه لا يدركها بعمله وقد يشدد عليه الابتلاء بذلك كما فعل بأيوب عليه السلام ويوجد في قلبه حلاوة روح الرجاء وتأميل الرحمة وكشف الضر فيخف آلمه وتنشط نفسه ، ولهذا من لطف الله بالمؤمنين أن جعل في قلوبهم احتساب الأجر فخفت مصائبهم وهان ما يلقون من المشاق في حصول مرضاته .

ومن لطف الله بعبده المؤمن الضعيف ان يعافيه من أسباب الابتلاء التي تضعف ايمانه وتنقض إيقانه .
كما ان من لطفه بالمؤمن القوى تهيئة أسباب الابتلاء والامتحان ويعينه عليها ويحملها عنه ويزداد بذلك ايمانه ويعظم اجره فسبحان اللطيف في ابتلائه وعافيه وعطائه ومنعه .

ومن لطف الله لعبده ان يسعى لكمال نفسه مع أقرب طريق ويصله الي ذلك مع وجود غيرها من الطرق التي تبعد عليه فييسر عليه التعلم من كتاب او معلم يكون حصول المقصود به اقرب واسهل وكذلك ييسره لعباده يفعلها بحالة اليسر والسهولة وعدم التعويق عن غيرها مما ينفعه فهذا من اللطف .


ومن لطف الله بعبده قدّر الواردات الكثيرة والأشغال المتنوعة والتدبيرات والتعلقات الداخلية والخارجية التي لو قسمت على أمة من الناس لعجزت قواهم عليها ان يمنّ عليه بخلق واسع وصدر متسع وقلب منشرح بحيث يعطى كل فرد من أفرادها نظرا ثاقبا وتدبيرا تاما وهو غير مكترث ولا منزعج لكثرتها وتفاوتها بل قد أعانه الله تعالى عليها ولطف به فيها ولطف له في تسهيل أسبابها وطرقها .
وإذا أردت ان تعرف هذا الأمر فالنظر الي حالة المصطفى صلى الله عليه وسلم ا لذى بعثه الله بصلاح الدارين وحصول السعادتين وبعثه مكملا لأمة عظيمة هي خير الأمم ومع هذا مكنه الله ببعض عمره الشريف في نحو ثلث عمره ان يقوم بأمر الله كله على كثرته وتنوعه وان يقوم لامته جميع دينهم ويعلمهم جميع أصوله وفروعه ويخرج الله به أمة كبيرة من الظلمات الي النور ويحصل به من المصالح والمنافع والخير والسعادة للخاص والعام مالا تقوم به أمة من الخلق .


ومن لطف الله تعالى بعبده ان يجعل ما يبتليه به من المعاصي سبباً لرحمته فيفتح له عند وقوع ذلك باب التوبة والتضرع والابتهال الي ربه وازدراء نفسه واحتقارها وزوال العجب والكبر من قلبه ما هو خير له من كثير من الطاعات .

ومن لطفه بعبده ـ الحبيب عنده ـ اذا مالت نفسه مع شهوات النفس الضارة واسترسلت في ذلك ان ينقصها عليه ويكدرها فلا يكاد يتناول منها شيئاً الا مقروناً بالمكدرات محشواً بالغصص لئلا يميل معها كل الميل كما ان من لطفه به ان يلذّذ له التقربات ويحلى له الطاعات ليميل اليها كل الميل .

ومن لطيف لطف الله بعبده ان يأجره على أعمال لم يعملها بل عزم عليها فيعزم على قربة من القرب ثم تنحل عزيمته لسبب من الأسباب فلا يفعلها فيحصل له اجرها ، فانظر كيف لطف الله به فأوقعها في قلبه وأدارها فى ضميره وقد علم تعالى أنه لا يفعلها سوقاً لبرّه لعبده وإحسانه بكل طريق .

وألطف من ذلك أن يقُيّض لعبده طاعة أخرى غير التى عزم عليها هى أنفع له منها فيدع العبد الطاعة التي ترضى ربه طاعة أخرى هي أرضى لله منها فتحصل له المفعولة بالفعل والمعزوم عليها بالنية، وإذا كان من يهاجر إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت قبل حصول مقصوده قد وقع أجره على الله مع أن قطع الموت بغير اختياره، فكيف بمن قطعت عليه نيته الفاضلة طاعة قد عزم على فعلها . وربما أدار الله في ضمير عبده عدَّة طاعات كل طاعة لو انفردت لفعلها العبد لكمال رغبته ولا يمكن فعل شيء منها إلاَّ بتفويت الأخرى فيوفقه للموازنة بينها وإيثار أفضلها فعلاَ ، مع رجاء حصولها جميعها عزماَ ونيةَ .

وألطف من هذا أن يقّدر تعالى لعبده ويبتليه بوجود أسباب المعصية ويوفر له دواعيها وهو تعالى يعلم أنه لا يفعلها ليكون تركه لتلك المعصية التي توفرت أسباب فعلها من اكبر الطاعات كما لطف بيوسف عليه السلام فى مراودة المرأة .
وأحدٌ السبعة الذين يظلهم الله في ظلّه يوم لاظل إلا ظله ، رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين .

ومن لطف الله بعبده أن يقَدَّر خيراَ وإحساناَ من عبده ويجريه على يد عبده الآخر ويجعله طريقاَ إلى وصوله للمستحق فيثيب الله الأول والآخر .

ومن لطف الله بعبده أن يجري بشيء من ماله شيئاَ من النفع وخيرا لغيره فيثيبه من حيث لا يحتسب ، فمن غرس غرساَ أو زرع زرعاَ فأصابت منه روح من الأرواح المحترمة شيئاَ آجر الله صاحبه وهو لا يدرى خصوصاَ إذا كانت عنده نية حسنة وعقد مع ربه عقداَ في أنه مهما ترتب على ماله شيء من النفع فأسألك يارب أن تأجرني وتجعله قربة لي عندك.
وكذلك لو كان له بهائم انتفعَ بدرها وركوبها والحمل عليها ، أو مساكن انتفعَ بسكناها ولو شيئاَ َ قليلاَ أو ماعون ونحوه انتفعَ به او عين شرب منها وغير ذلك ككتاب انتفع في تعلم شيء منه أو مصحف قرىء فيه والله ذو الفضل العظيم .

ومن لطف الله بعبده أن يفتح له بابا من أبواب الخير لم يكن له على بال وليس ذلك لقلة رغبت فيه وانما هو غفلة منه وذهول عن ذلك الطريق فلم يشعر إلأّ وقد وجد في قلبه الداعي إليه والملفت إليه ففرح بذلك وعرف إنها من ألطاف سيده وطرقه التي قّيض وصولها إليه فصرف لها ضميره ووجه إليها فكره وادرك منها ما شاء الله وفتح .

محب السنة
11-15-2003, 07:26 PM
جزاك الله خيرا

12d8c7a34f47c2e9d3==