المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موقف ابن باديس رحمه اللّه من مسألة والدي المصطفى عليه الصّلاة والسّلام وردّه لحديث


كيف حالك ؟

أبو يونس
06-28-2005, 09:54 PM
من الأخطاء الّـتي لا تساهل فيها مع "ابن باديس" رحمه اللّه أو غيره، موقف المسلم من والديّ النّبيّ الكريم صلّى اللّه عليه وسلمّ، أهما في النّار أم أنّهما من أهل الفترة المعفو عنهم ؟ والحقّ أنّ السنّة النّبوية جاءت قاطعة في الأمر، وبيّن صاحبها عليه الصّلاة والسلاّم أنّ أبويه في النّار في أحاديث صحيحة، واضحة المعنى لا لبس فيها ولا غموض.. وهذا الّذي عرفه الصّحابة وتعلّموه من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلمّ، إلى أن نبتت نابتة ادّعت ادّعاء مبتدعا، وهو أنّ والديّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلمّ في الجنّة، على أساس أنّهما من أهل الفترة الّذين لم يحظوا بوجود نبيّ يبلّغ لهم رسالة اللّه ويعلّمهم الكتاب والحكمة، واستدلّوا على ذلك بآيات عامّة من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى :  وما كنّا مُعذّبين حتّى نبعث رسولا (1)، وهذا الاستدلال مردود جملة و تفصيلا إذ أنّ والديّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلمّ وردت فيهما نصوص صحيحة في السّنة دلّت على أنّهما من أهل النّار، وليس من حقّنا أن نضرب بهذه النّصوص عرض الحائط طالما أنّها نصوص صحيحة صحّت متنا وسندا، ولا يـجوز الإعراض عن السّنة النّبوية والاكتفاء بالقرآن الكريم وحده..وللأسف هذا ما فعله الشيّخ "ابن باديس" في هذه المسألة.. وإلى القارئ الكريم أسوق كلامه ليتبيـّن للجميع كيف وقع "ابن باديس" في أخطاء جسيمة برئت منها ذّمة علماء السّلفية الحقيقيّين..فقد قال في معرض تفسيره لقوله تعالى : وما كنّا مُعذّبين حتّى نبعث رسولا ما يلي : » لمّا كان العرب لم يأتهم نذير قبل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلمّ بنّص هذه الآية وغيرها فهم في فترتهم ناجون لقوله تعالى :  وما كنّا مُعذّبين حتّى نبعث رسولا، و وأن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير وغيرهما، وكلّها آيات قواطع في نجاة أهل الفترة ولا يستثنى من ذلك إلاّ من جاء فيهم نصّ ثابت خاصّ "كعمر بن لُحيّ"(2)، أوّل من سيّب السّوائب وبدّل في شريعة إبراهيم وغيّر وحلّل للعرب وحرّم، فأبَوَا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ناجيان بعموم هذه الأدلّة ولا يعارض تلك القواطع حديث مسلم عن أنس (رضي اللّه عنه) : (أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه وعلى آله وسلمّ : يا رسول اللّه أين أبي ؟ قال في النّار، فلمّا قفا الرّجـل دعاه فقال : إنّ أبي وأباك في النّار)، لأنّه خبر آحاد فلا يعارض القواطع وهو قابل للتّأويل بحمل الأب على العمّ مجازا يحسنه المشاكلة اللّفظية ومناسبته لجبر خاطر الرّجل وذلك من رحمته صلّى اللّه عليه وسلمّ وكريم أخلاقه..«(1).
وهذا الكلام فيه مزالق ومؤاخذات كثيرة منها :

1. الاستدلال بالقرآن الكريم في هذه المسألة، والإعراض عمّا جاءت به السّنة الشّريفة من أحاديث وردت في الموضوع نفسه.
2. ردّ الاستدلال بحديث الآحاد في العقيدة بحجّة أنّه يعارض القرآن الكريم.
3. تحميل الحديث الوارد في صحيح (مسلم)، والّذي ورد فيه سؤال ذلك الرّجل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن حال أبيه أهوَ في النّار ـ تأويلا أبعد كلام "ابن باديس" عن جادّة الصّواب.
والرّد على هذه النّقاط يكون كما يأتي :

1) فيما يتعلّق بالاستدلال بالقرآن الكريم والإعراض عمّا جاءت به السّنة الشّريفة، فيكفي التّذكير بهذه الأحاديث :
عن "أبي رافع" رضيّ اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :
»لا ألفيّن أحدكم متّكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، ممّا أمرتُ به أو نهيتُ عنه فيقول : لا أدري ما وجدنا في كتاب اللّه اتّبعناه وإلاّ فلا«(2).
وعن "المقدام بن معدي كرب" رضيّ اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :
»ألا إ نّي أوتيتُ القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن، فما وجدتمّ فيه من حرام فحرّموه، وإنّ ما حرّم رسول اللّه كما حرّم اللّه، ألا لا يحلّ لكم الحمار الأهلي، ولا كلّ ذي ناب من السّباع، ولا لُقَطة معاهد إلاّ أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يُـقرّوه فإن لم يُـقرّوه فله أن يُعقّبهم بمثل قِراه«.(1)
وعن أبي هريرة رضيّ اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :
»تركتُ فيكم شيئين لن تضلّوا بعدهما (ما تمسّكتم بهما) كتاب اللّه وسنّتي، ولن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض« (2)..قال الشّيخ العلاّمة محدّث العصر "الألباني" رحمه اللّه : )وفي هذه النّصوص من الآيات والأحاديث أمور هامّة جدّا يمكن إجمالها فيما يلي :

1. أنّه لا فرق بين قضاء اللّه وقضاء رسوله(3)، وأنّ كلاّ منهما ليس للمؤمن الخيرة في أن يخالفهما، وأنّ عصيان الرّسول كعصيان اللّه تعالى وأنّه ضلال مبين.
2. أنّه لا يجوز التّقدّم بين يدي الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، كما لا يجوز التّقدّم بين يدي اللّه تعالى، وهو كناية عن عدم جواز مخالفة سنّته صلّى اللّه عليه وسلّم، قال الإمام "ابن القيّم" في "إعلام الموقعين" (1/58) : (أي لا تقولوا حتّى يقول ولا تأمروا حتّى يأمر، ولا تفتوا حتّى يفتي، ولا تقطعوا أمرا حتّى يكون هو الّذي يحكم فيه ويمضي)..
3. أنّ المطيع للرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم مطيع للّه تعالى..
4. أنّ التّولي عن طاعة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما هو من شأن الكافرين.
5. وجوب الرّد والرّجوع عند التّنازع والاختلاف في شيء من أمور الدّين إلى اللّه وإلى الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، قال "ابن القيّم" (1/54) :

»فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل (يعني قوله : "وأطيعوا الرّسول")، إعلاما بأنّ طاعته تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا، سواء كان ما أمر به في الكتاب، أو لم يكن فيه، فإنّه "أوتي الكتاب ومثله معه" ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالا، بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرّسول...". ومن المتّفق عليه عند العلماء أنّ الرّد إلى اللّه إنّما هو الرّد إلى كتابه، والرّد إلى الرّسول، هو الرّد إليه في حياته وإلى سنّته بعد وفاته، وأنّ ذلك من شروط الإيمان..

6. أنّ الرّضى بالتّـنازع، بتـرك الرّجوع إلـى السّنة للخـلاص من هذا التّنازع سبب هام في نظر الشّرع لإخفاق المسلمين في جميع جهودهم، ولذهاب قوّتهم وشوكتهم.
7. التّـحذيـر مـن مخالفة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم لمـا لهـا مـن العاقبة السّيئة في الدّنيا والآخرة.
8. استحـقاق المخالفـيـن لأمـره صلّى اللّه عليه وسلّم الفـتـنـة في الدّنيـا، والعـذاب الأليم في الآخرة.
9. وجـوب الاسـتـجابـة لدعـوة الـرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وأمـره، وأنّها سبـب الحـيـاة الطيّبة، والسّعادة في الدنيا والآخرة.
.1. أنّ طاعة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سبـب لـدخول الجنّة والفوز العظيم، وأنّ معصيّته وتجاوز حدوده سبب لدخول النّار والعذاب المهين.
11. أنّ مـن صفات المنافقـين الّذين يتـظاهرون بالإسلام ويـبطنون الكفر أنّهم إذا دعوا إلى أن يتحاكموا إلى الرّسول وإلى سنّته، لا يستجيبون لذلك، بل يصدّون عنه صدودا.
12. وأنّ المؤمنيـن عـلى خـلاف المنـافقيــن، فإنّهم إذا دعوا إلى التّحاكم إلى الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم بادروا إلى الاستجابة لذلك، وقالـوا بلـسـان حالهــم وقـالـهم: "سمــعــنا وأطعـنـا"، وأنّهم بذلك يصيرون مفلحين، ويكونون من الفائزين بجنّات النّعيم.
13. كلّ ما أمرنـا بـه الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم يـجب علينا اتّباعه فيه، كما يجب علينا أن ننتهي عن كلّ ما نهانا عنه.
14. أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم أسوتـنا وقدوتـنا في كـلّ أمـور ديننا إذا كـنّا مـمـن يرجو اللّه واليوم الآخر.
15. وأنّ كلّ ما نـطق به رسـول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مـمّا لـه صـلـة بالـدّين والأمـور الغـيبـيّة الّتي لا تُـعـرف بالعقل ولا بالتّجربة فهو وحي من اللّه إليه..لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
16. وأنّ سنّته صلّى اللّه عليه وسلّم هيّ بيان لما أنزل إليه من القرآن.
17. وأنّ الـقـرآن لا يغـنـي عـن السّنة، بـل هي مـثـله فـي وجـوب الطّاعـة والاتـبـاع، وأنّ المستـغـني بـه عنـها مـخالف للـرّسول علـيـه الصّلاة والسّلام غـيـر مطيع له، فهو بذلك مخالف لما سبق من الآيات.
18. أنّ ما حـرّم رسـول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مثـل مـا حرّم اللّه، وكذلك كلّ شيء جاء بـه رسـول اللّه صلّى اللّه علـيه وسـلّم ممّا ليس في القرآن، فـهـو مـثل ما لـو جـاء في القرآن لعموم قوله : (ألا إنّي أوتيت القرآن ومثله معه).
19. أنّ العـصمة مـن الانحـراف والضّلال إنّما هو التّمسّك بالكتاب والسّنة، وأنّ ذلك حكم مستمر إلى يوم القيامة، فلا يجـوز التّـفريـق بـين كتـاب اللّه وسـنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم تسليما كثيرا...«.(1)

هذه الأقوال الرّائعة تبيّن مكانة السّنة في العقائد والأحكام، وأنا أعلم يقينا أنّ مثل هذا الأمر لا يخفى على أمثال الشّيخ "ابن باديس" رحمـه اللّه، ولكنّـه حقيقـة في هذه المرّة ردّ السّنـة، و لم يقبل الاستدلال بها باسم النّقطة الثّانية الّتي أسلفتُ ذكرها، وهي حجّة ردّ حديث الآحاد في العقائد وعدم الاعتداد به لأنّه يفيد الظّن ولا يفيد اليقين، وهذه مغالطة تَفُوحُ منها رائحة المعتزلة والأشاعرة ومن كان على شاكلتهم، وتبنّى معتقدهم على الأقل في هذه النّقطة، وإنّ هذا الأمر ليس بالأمر السّهل أو يدخل ضمن اختلاف التّنوّع ولكنّه حقّا يعدّ من اختلاف التّضاد، إذ أنّ أئّمتنا الكبار من القدماء والمعاصرين اتّفقوا على الأخذ بالحديث إذا صحّ » دون تفريق بين ما كان منه خبر آحاد أو تواتر، ما دام أنّه صحّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهذا هو الحقّ الّذي لا ريب فيه، والتّفريق بينهما إنّما هو بدعة وفلسفة دخيلة في الإسلام مخالف لما كان عليه السّلف الصّالح والأئمّة المجتهدون«.(1)
فكيف يردّ "ابن باديس" نصوصا صحيحة ورد فيها ذكر خبر والدي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بأنّهما من أهل النّار بزعمه أنّ ذلك يخالف قوله تعالى (وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا) ؟ ثمّ يقطع أنّ هذا الخبر حديث آحاد لا يجوز به تخصيص ما ورد في القرآن الكريم، إنّ هذا ولا شك فيه التّأثّر كلّ التّأثّر بمنهج الأشاعرة في الاعتقاد على الأقلّ في هذه المسألة، قال الشّيخ العلاّمة "الألباني" رحمه اللّه مشيرا إلى أصول الخلف الّتي تركت السّنة بسببها ما نصّه :
» فما هي تلك الأصول و القواعد الّتي أقامها الخلف حتّى صرفتهم عن السّنة دراسة واتّباعا ؟ وجوابا عن ذلك أقول : يمكن حصرها في الأمور الآتية :

الأوّل : قول بعض علماء الكلام : إنّ حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة..وصرّح بعض الدّعاة الإسلاميين اليوم بأنّه لا يجوز أخذ العقيدة منه، بل يحرم..
الثّـاني : بعض القواعد الّتي تبنّتها بعض المذاهب المتّبعة في"أصولها" يحضرني منها ما يلي :

أ ـ تقديم القياس على خبر الآحاد(الإعلام1: 327، 300، شرح المنار ص 623).
ب ـ ردّ خبر الآحاد إذا خالف الأصول (الإعلام1: 329، شرح المنار ص 649).
جـ ـ ردّ الحديث المتضمّن حكمـا زائـدا على نـص القرآن بدعـوى أنّ ذلك نـسخ له
والسّنة لا تنسخ القرآن !(شرح المنار ص 647، الأحكام 2 : 66).
د ـ تقديـم العـام على الخاصّ عنـد التّعارض، أوعـدم جواز تخصيص عموم القرآن
بخبر الواحد!(شرح المنار ص 289 ـ 294، إرشاد الفحول ص 138ـ 139 ـ
143 ـ 144).
هـ ـ تقديم عمل أهل المدينة على الحديث الصّحيح.

الثّالث : التقليد واتّخاذه مذهبا ودينا..«.(1) فتأمل معي أيها القارئ مدى تبنّي الشّيخ "ابن باديس" لأصول المتكلّمين في هذه المسألة، حيث رفض جواز تخصيص عموم القرآن، بخبر الواحد، كما رفض الاستدلال به في أمر عقدي إذ هو متعلّق بأمر غيبي لا يعلمه إلاّ اللّه تعالى، وهو حال والدي النّبيّ الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم في الآخرة أهما من أهل النّار أم من أهل الجنّة، والنّبيّ نفسه صلّى اللّه عليه وسلّم ما كان ليعلم ذلك، لولا إخبار اللّه تعالى له لأنّه عليه الصّلاة والسّلام (وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى).(2)
فما دام الحديث صحّ عنه صلّى اللّه علـيه وسـلّم وجـب الأخذ بـه سواء كان من المـتواتر أو الآحاد.
أمّا عن تأويل حديث الرّجل الّذي سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن حال أبيه في الآخرة، وقال له الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم » إنّ أبي وأباك في النّار«، وحمل لفظ الأب على العمّ، ثّم شرح ذلك بأنّه لجبر خاطر الرّجل (كما أسلفت ذكره في مؤاخـذتي الثالثة على "ابن باديس" رحمه اللّه)، فإنّ هذا التّأويل الفاسد مردود لاعتبارات كثيرة منها:

1. أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخبر الرّجل أنّ أباه في النّار وأب السّائل أيضا في النّار، وليس في كلامه ما يشير من قريب أو من بعيد إلى أنّه يقصد أبا طالب عمّه، لأنّ الرّجل جاء سائلا عن أبيه الّذي مات قبل بعثة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، كما دلّت عليه نصوص أخرى مشابهة لهذا الحديث، وأبو طالب أدرك النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ولم يؤمن به رغم مؤازرته العظيمة له، فلكي يبيّن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم للرّجل حالا أخرى تشبه حالة أبيه ذكر والده عبد اللّه، وهذا ليبيّن عدل اللّه عزّ وجلّ وأنّه سبحانه وتعالى يدخل النّاس الّذين آمنوا به وبرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم الجنّة برحمته، ويدخل الكافرين النّار ولو كانوا من أقارب النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولو كان الدّاخل للنّار أباه أو أمّه.. ولا شكّ أنّ الرّجل انجبر خاطره ثقة في عدل اللّه تعالى وثِقة في تبليغ الرّسول الصّادق المصدوق لحال أبيه بأنّه في النّار رغم شدّة ذلك عليه صلّى اللّه عليه وسلّم، والرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم لا يجامل أحدا في دين اللّه ولو كان أقرب النّاس إليه، وإنّما لا يخبر بأمر إلاّ بما أوحى اللّه له وخاصّة مثل هذه المغيبات الّتي لا يعلمها إلاّ خالق السّموات والأرض..
2. نفرض جدلا أنّ الأمر خاصّ بأبي طالب فماذا يفعل "ابن باديس" وغيره بإخبار النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن حال أمّه؟ كيف سيشرَحُه آنذاك وأيّ تأويل سيجد له؟
3. أنّـنا لسنا أرحم من النّبيّ الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم بوالديه، وأنّه عليه الصّلاة والسّلام تمنّى لو أنّ والديه كانا في الجّنة، ولكنّه حاشاه أن يعترض على حكم اللّه العدل سبحانه وتعالى والّذي قضى بإدخال والديه إلى النّار لأنّ اللّه تعالى هو العليم الخبير.
4. أنّ والديّ المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم كافران بلا شكّ، وليسا من أهل الفترة وإنّما كانا كبقية مشركي العرب، ولو كانا مسلمين لّما دخلا الـنّار خالدين فيها أبدا، لأنّه كان بإمكانهما أن يكونا مثل الّذين كانوا على التّوحيد قبل بعثة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثل ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل، وقسّ بن ساعدة وغيرهم من الّذين كانوا مؤمنين قبل البعثة.. فكان بوسع والدي المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم أن يسعهما ما وسع هؤلاء الثّلاثة الّذين نجوا من عقيدة الشّرك والوثنيّة والخرافة.
5. أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لم يُـقبل منه حتى الاستغفـار لأمّه بدليل الحديث الّذي صحّ عن أبي هريرة رضيّ اللّه عنه قال : » زار النّبيّ قبر أمّه، فبكى وأبكى مّن حوله، فقال : استأذنتُ ربّي في أن أستغفر لها، فلم يُؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنّها تذكّر الموت« (1)، والحديث الثّاني في شأن والدة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم هو : عن بُرَيْدة رضيّ اللّه عنه قال : "كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم [في سفر، و في رواية : في غزوة الفتح]، فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب، فصلّى ركعتين، ثمّ أقبل علـيـنا بـوجهـه وعـيـناه تـذرفان، فـقام إلـيه عمر بن الخّطاب ففداه بالأب والأمّ، يقول يا رسول اللّه مالَكَ ؟ قال : إنّي سألتُ ربّي عزّوجلّ في الاستغفار لأُمّي، فلم يأذنْ لي، فدمعت عيناي رحمة لها من النّار، [واستأذنت ربّي في زيارتها فأذن لي]، وإنّي كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولْتَزِدْكم زيارتُها خيرا"(1)، فإذا لم يقبل منه الاستغفار لأمّه فكيف تكون أمّه من أهل الفترة والحديث يخبرنا بخلاف ذلك..وكذلك الحال بالنّسبة لحال والده صلّى اللّه عليه وسلّم في أحاديث أخرى.. وبهذا يُعلم أنّه من الحقّ الّذي ينبغي نشره أنّ المسلم مطالب بالإيمان بأنّ أبويّ النّبيّ صلّى اللّه عـلـيـه وسلّم في النّارمثلما أخبرنا ابنهما صلّى اللّه عليه وسلّم عنهما رغم أنّه أبرّ النّاس بهما وأكثر النّاس حبّا لهما بدليل أنّه بكى عليه الصّلاة والسّلام لمّا لم يأذن اللّه له في الاستغفار لأمّه، ولذلك أمّتنا ليست بحاجة إلى نسج الأساطير والأحاديث المكذوبة عنه صلّى اللّه عليه وسلّم من أنّ اللّه تعالى سيحي والديّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وسيأمرهما بالشّهادتين وسينطقان بهما فيدخلهما اللّه الجنّة تكريما لنـبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فهذه الخرافات والأحاديث الواهية وأمثالها تنافي الحقّ الّذي نطق به الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم في مسألة حال والديه في الآخرة وكان على الشّيخ "ابن باديس" أن يبتعد عن تلك التأويلات العجيبة وأن يجتنب الأصول الخلفيّة في ردّ حديث الآحاد ومنع جواز أن يكون مخصّصا لعموم الآيات القرآنية لأنّ هذه الأفكار ومثيلاتها من ترهات الخلف، وكان عليه أن يلزم منهج السّلف فينجو بذلك مـن الانحراف في موضوع فصّل فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لصحابته ففهموه منه حقّ الفهم وعلموا أنّ اللّه تعالى يعذّب من يشاء بعدله ويرحم من يشاء بفضلـه لأنّه تعالى لا يُسأل عمّا يفعل ومن حسن سلامة المعتقد أن نلزم قاعدة التّسليم والاستسلام حتّى ننال رضوان اللّه تعالى فهذه المسألة أخطأ فيها "ابن باديس" رحمه اللّه وليس هناك عذر له في هذا المقام لأنّه علِم الحديث وردّه بحجّة أنّه آحاد وردَ متـنه بتأويله تأويلا فاسدا ما ورد عند علمائنا المحققين.
[line] منقول من الرد الوافي ص24 الي 33
(1) سورة الإسراء ـ [الآية 15].
(2) هكذا وردت في الكتاب و الصّواب "عمرو بن لحيّ".
(1) مجالس التّذكير [من كلام الحكيم الخبير ـ ص 373].
(2) رواه أحمد وأبو داود والتّرمذي وصحّحه وابن ماجه والطّحاوي وغيرهم بسند صحيح.
(1) رواه أبو داود والتّرمذي والحاكم وصحّحه وأحمد بسند صحيح.
(2) أخرجه مالك مرسلا والحاكم مسندا وصحّحه..
(3) كان الشّيخ "الألباني" رحمه اللّه قد ساق قبل الأحاديث الواردة جملة من الآيات، المبيّنة لقدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومكانته ومكانة سنّته، فلتراجع في كتابه (الحديث حجّة بنفسه في العقائد والأحكام
(1) (الحديث حجّة بنفسه في العقائد والأحكام) [لشيخنا العلاّمة الفاضل "ناصر الدّين الألباني" رحمه اللّه] ـ [ص 32 ـ 33 ـ 34

12d8c7a34f47c2e9d3==