المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يمتحن الأطفال في القبر


كيف حالك ؟

قاسم علي
06-18-2005, 05:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن الأطفال إذا ماتوا هل يتمحنون في القبر ‏(68)‏ ‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ إذا مات الطفل؛ فهل يمتحن في قبره ويسأله منكر ونكير ‏؟‏ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه لا يمتحن، وأن المحنة إنما تكون على من كلف في الدنيا؛ قاله طائفة، منهم القاضي أبو يعلى وابن عقيل‏.‏

والثاني‏:‏ أنهم يمتحنون‏.‏ ذكره أبو حكيم الهمداني وأبو الحسن بن عبدوس ونقله عن أصحاب الشافعي‏.‏ وعلى هذا التفصيل في تلقين الصغير والمجنون من قال‏:‏ إنه يمتحن في القبر؛ لقَّنه‏.‏ ومن قال‏:‏ لا يمتحن لا يلقنه‏.‏ وقد روى مالك وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على طفل فقال‏:‏ ‏(‏اللهم قه عذاب القبر وفتنة القبر‏)‏ ‏(69)‏، وهذا القول موافق لقول من قال‏:‏ إنهم يمتحنون في الآخرة وأنهم مكلفون يوم القيامة‏.‏ كما هو قول أكثر أهل العلم وأهل السنة من أهل الحديث والكلام، وهو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة واختاره وهو مقتضى نصوص الإمام أحمد‏.‏ والله أعلم‏.‏

وإذا دخل أطفال المؤمنين الجنة فأرواحهم وأرواح غيرهم من المؤمنين في الجنة، وإن كانت درجاتهم متفاضلة، والصغار يتفاضلون بتفاضل آبائهم وتفاضل أعمالهم إذا كانت لهم أعمال؛ فإن إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس هو كغيره، والأطفال الصغار يثابون على ما يفعلونه من الحسنات، وإن كان القلم مرفوعاً عنهم في السيئات كما ثبت في الصحيح‏:‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفعت إليه امرأة صبياً في محفة فقالت‏:‏ ألهذا حج ‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم ولك أجر‏)‏ ‏(70)‏ رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏‏.‏

وفي ‏"‏السنن‏"‏ أنه قال‏:‏ ‏(‏مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها العشر، وفرقوا بينهم في المضاجع‏)‏ ‏(71)‏، وكانوا يصوِّمون الصغار يوم عاشوراء وغيره‏.‏

فالصبي يثاب على صلاته وصومه وحجه وغير ذلك من أعماله ويفضَّل بذلك على من لم يعمل كعمله، وهذا غير ما يُفعل به إكراماً لوالديه‏.‏ كما أنه في النعم الدنيوية قد ينتفع بما يكسبه، وبما يعطيه أبواه ويتميز بذلك على من ليس كذلك‏.‏

وأرواح المؤمنين في الجنة كما جاءت بذلك الآثار، وهو كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏نسمة المؤمن تَعْلَق من الجنة‏)‏ ‏(72)‏؛ أي‏:‏ تأكل، ولم يُوقَّتْ في ذلك وقت قبل يوم القيامة‏.‏

والأرواح مخلوقة بلا شك، وهي لا تُعدم ولا تفنى لكن موتها مفارقة الأبدان، وعند النفخة الثانية تعاد الأرواح إلى الأبدان‏.‏ وأهل الجنة الذين يدخلونها على صورة أبيهم آدم - عليه السلام - طول أحدهم ستون ذراعاً؛ كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة ‏(73)‏.‏ وقد قال بعض الناس‏:‏ إن أطفال الكفار يكونون خدمَ أهل الجنة، ولا أصل لهذا القول‏.‏

وقد ثبت في الصحيح‏:‏ ‏(‏أن الجنة يبقى فيها فضل عن أهل الدنيا فينشئ الله لها خلقاً آخر فيسكنهم الجنة‏)‏ ‏(74)‏.‏ فإذا كان يُسكن من ينشئه من الجنة من غير ولد آدم في فضول الجنة؛ فكيف بمن دخلها من ولد آدم وأسكن في غير فضولها ‏؟‏ فليسوا أحق بأن يكونوا من أهل الجنة ممن يُنشأ بعد ذلك فيُسكن فضولها‏.‏

وأما الورد المذكور في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 71‏]‏؛ فقد فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح؛ رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ عن جابر‏:‏ ‏(‏بأنه المرور على الصراط‏)‏ ‏(75)‏‏.‏ والصراط‏:‏ الجسر فلا بد من المرور عليه لكل من يدخل الجنة، من كان صغيراً في الدنيا ومن لم يكن‏.‏ والوِلْدان الذين يطوفون على أهل الجنة خلْق من خلْق الجنة ليسوا من أبناء الدنيا، بل أبناء أهل الدنيا إذا دخلوا الجنة كمُل خلقهم كأهل الجنة على صورة آدم، أبناء ثلاث وثلاثين في طول ستين ذراعاً، وقد روي أن العرض سبعة أذرع ‏(76).‏ والله أعلم‏.‏

ثم قال الشيخ - رحمه الله - في جواب آخر ‏(77):‏ ومن قال إن الصغير يسأل في القبر استدل بما في ‏"‏الموطأ‏"‏ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على صغير لم يعمل خطيئة قط فقال‏:‏ ‏(‏اللهم قه عذاب القبر وفتنة القبر‏)‏ ‏(78)‏.‏ وهذا يدل على أنه يفتن، وأيضاً فهذا مبني على أن أطفال الكفار الذين لم يكلفوا في الدنيا يكلفون في الآخرة؛ كما وردت بذلك أحاديث متعددة‏.‏ وهو القول الذي حكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة فإن النصوص عن الأئمة كالإمام أحمد وغيره‏:‏ الوقْف في أطفال المشركين‏.‏ كما ثبت في ‏"‏الصحيحين‏"‏ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عنهم فقال‏:‏ ‏(‏الله أعلم بما كانوا عاملين‏)‏ ‏(79)، وثب في ‏"‏صحيح البخاري‏"‏ من حديث سمرة‏:‏ أن منهم من يدخل الجنة ‏(80).‏ وثبت في ‏"‏صحيح مسلم‏"‏‏:‏ (أن الغلام الذي قتله الخضر طُبع يوم طُبع كافراً) ‏(81).‏ فإن كان الأطفال وغيرهم فيهم شقي وسعيد‏.‏ إذا كان ذلك لامتحانهم في الدنيا لم يُمنع امتحانهم في القبور‏.‏ لكن هذا مبني على أنه لا يشهد لكل معين من أطفال المؤمنين بأنه في الجنة‏.‏ وإن شُهد لهم مطلقاً، ولو شُهد لهم مطلقاً فالطفل الذي ولد بين المسلمين قد يكون منافقاً بين مؤمنين، والله أعلم‏.‏
انتهى كلام الشيخ وهو يتلخص في أن الأطفال الذين ماتوا قبل البلوغ قد اختلف العلماء في شأنهم، والأصح فيهم أحد قولين‏:‏
القول الأول‏:‏ أنهم يمتحنون في القبر وفي يوم القيامة‏.‏ والقول الثاني‏:‏ التوقف في شأنهم، وعلى كلا القولين لا يشهد لمعين منهم بأنه من أهل الجنة، وإن كان يشهد لعموم أطفال المؤمنين بأنهم في الجنة‏.‏
منقول من كتاب الشيخ
أضواء من فتاوى ابن تيمية للشيخ صالح الفوزان

الأثري السلفي
06-19-2005, 05:20 PM
جزاك الله خيراً اخي قاسم علي وبارك الله فيكم .

قاسم علي
06-20-2005, 06:04 PM
جزاك الله خيرا أخي الفاضل الاثري السلفي

12d8c7a34f47c2e9d3==