يعقوب
11-10-2003, 08:03 PM
أحال عليها الشيخ / عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -
وإليك نصها كما في فتاوى اللجنة الدائمــة 3/53-61 .
قال : اختلاط الرجال بالنساء له ثلاث حالات :
الأولى : اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال وهذا لا إشكال في جوازه .
الثانية : اختلاط النساء بالأجانب لغرض الفساد وهذا لا إشكال في تحريمه .
الثالثة : اختلاط النساء بالأجانب في دور العلم والحوانيت والمكاتب والمستشفيات والحفلات ونحو ذلك فهذا في الحقيقة قد يظن السائل في بادئ الأمر أنه لا يؤدي إلى افتتان كل واحد من النوعين بالآخر ولكشف حقيقة هذا القسم فإننا نجيب عنه من طريق مجمل ومفصل : أما المجمل فهو أن الله تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين، فإذا حصل الاختلاط نشأ عن ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيء؛ لأن النفس أمارة بالسوء والهوى يعمي ويصم والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر. وأما المفصل فالشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها ووسائل المقصود الموصلة إليه لها حكمه فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال وقد سد الشارع الأبواب المفضية إلى تعلق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر وينجلي ذلك بما نسوقه لك من الأدلة من الكتاب والسنة .
أما الأدلة من الكتاب فستة :
الدليل الأول : قال تعالى : ] وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [ [يوسف:23] وجه الدلالة أنه لما حصل اختلاط بين امرأة عزيز مصر وبين يوسف عليه السلام ظهر منها ما كان كامناً فطلبت منه أن يواقعها ولكن أدركه الله برحمته فعصمه منها وذلك في قوله تعالى : ] فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [ [يوسف:34] وكذلك إذا حصل اختلاط الرجال بالنساء اختار كل من النوعين من يهواه من النوع الآخر وبذل بعد ذلك الوسائل للحصول عليه .
الدليل الثاني : أمر الله الرجال بغض البصر وأمر النساء بذلك فقال تعالى : ] قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [ [النور: 30-31] .
وجه الدلالة من الآيتين أن أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر وأمره يقتضي الوجوب ثم بين تعالى أن هذا أزكى وأطهر ولم يعف الشارع إلا عن نظر الفجأة؛ فقد روى الحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه أن النبي e قال له : ( يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة ) قال الحاكم بعد إخراجه : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، وبمعناه عدة أحاديث .
وما أمر الله بغض البصر إلا لأن النظر إلى من يحرم النظر إليهن زنا، فروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي e أنه قال : ( العينان زناهما النظر والأذنان زناهما الإستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطو ) متفق عليه واللفظ لمسلم وإنما كان زنا لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة ومؤد إلى دخولها في قلب ناظرها فتعلق في قلبه فيسعى إلى إيقاع القاحشة بها، فإذا نهى الشارع عن النظر إليها لما يؤدي إليه من المفسدة وهو حاصل في الاختلاط فكذلك الاختلاط ينهي عنه لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه .
الدليل الثالث : الأدلة التي سبقت في أن المرأة عورة ويجب عليها التستر في جميع بدنها لأن كشف ذلك أو شيء منه يؤدي إلى الننظر إليها، والنظر إليها يؤدي إلى تعلق القلب بها، ثم تبدل الأسباب للحصول عليها وكذلك الإختلاط.
الدليل الرابع : قال تعالى : ] وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ [ [النور:31] .
وجه الدلالة أنه تعالى منع النساء من الضرب بالأرجل وإن كان جائزاً في نفسه لئلا يكون سبباً إلى سمع الرجال صوت الخلخال فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهن وكذلك الاختلاط يمنع لما يؤدي إليه من فساد .
الدليل الخامس : قوله تعالى : ] يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [ [غافر:19] فسرها ابن عباس وغيره هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم ومنهم المرأة الحسناء وتمر به فإذا غفلوا لحظها فإذا فطنوا غض بصره عنها فإذا غفلوا لحظ فإذا فطنوا غض وقد علم الله من قلبه أنه ود لو أطلع على فرجها وأنه لو قدر عليها لزنى بها .
وجه الدلالة أن الله تعالى وصف العين التي تسارق النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من النساء بأنها خائنة فكيف بالإختلاط إذن .
الدليل السادس : أنه أمرهن بالقرار في بيوتهن، قال تعالى: ] وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [[الأحزاب:33] .
وجه الدلالة أن الله تعالى أمر أزواج رسول الله e الطاهرات المطهرات الطيبات بلزوم بيوتهن وهذا الخطاب عام لغيرهن من نساء المسلمين لما نفرر في علم الأصول أن خطاب المواجهة يعم إلا ما دل الدليل على تخصيصه وليس هناك دليل يدل على الخصوص فإذا كن مأمورات بلزوم البيوت إلا إذا اقتضت الضرورة خروجهن فكيف يقال بجواز الاختلاط على نحو ما سبق، على أنه كثر في هذا الزمان طغيان النساء وخلعهن جلباب الحياء واستهتارهن بالتبرج والسفور عند الرجال الأجانب والتعري عندهم وقل الوازع ممن أنيط به الأمر من أزواجهن وغيرهم .
وأما الأدلة من السنة فإننا نكتفي بذكر عشرة أدلة :
(1)- روى الإمام أحمد في المسند بسنده عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنها أنها جاءت النبي e فقالت يارسول الله إني أحب الصلاة معك قال : ( قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي ) . قال : فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأظلمه فكانت والله تصلي فيه حتى ماتت .
وروى ابن خزيمة في صحيحه عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي e قال : ( إن أحب صلاة المرأة إلى الله في أشد مكان من بيتها ظلمة ) .
وبمعنى هذه الحديثين عدة أحاديث تدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسحد .
وجه الدلالة : أنه إذا شرع في حقها أن تصلي في بيتها وأنه أفضل من الصلاة في مسجد الرسول e ومعه فلأن يمنع الاختلاط من باب أولى .
(2) ما رواه مسلم والترمذي وغيرهما بأسانيدهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال : رسول الله e : ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ) قال الترمذي بعد إخراجه : حديث صحيح .
وجه الدلالة أن الرسول e شرع للنساء إذا أتين إلى المسجد فإنهن ينفصلن عن المصلين على حدة ثم وصف أول صفوفهن بالشر والمؤخر منهن بالخير وما ذلك إلا لبعد المتأخرات من الرجال عن مخالطتهم ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم وذم أول صفوفهن لحصول عكس ذلك ووصف آخر صفوف الرجال بالشر إذا كان معهم نساء في المسجد لفوات التقدم والقرب من الإمام وقربه من النساء اللائي يشغلن البال وربما أفسدن عليه العبادة وشوشن النية والخشوع فإذا كان الشارع توقع حصول ذلك في مواطن العبادة مع أنه لم يحصل اختلاط وإنما هو مقاربة ذلك فكيف إذا وقع الاختلاط .
(3) روى مسلم في صحيحه عن زينب زوجة عبدالله بن مسعود رضي الله عنها قال : قال لنا رسول الله e : ( إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً ) .
وروى أبو داود في سننه والإمام أحمد والشافعي في مسنديهما بأسانيدهم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله e قال : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات ) . وقال ابن دقيق العيد : ( فيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم وربما يكون سبباً في تحريك شهوة المرأة أيضاً .. قال : ويلحق بالطيب ما في معناه كحسن الملبس والحلي الذي يظهر أثره والهيئة الفاخرة، قال الحافظ ابن حجر : وكذلك الاختلاط بالرجال، وقال الخطابي في معالم السنن : التفل سوء الدافعة يقال امرأة تفلة إذا لم تتطيب ونساء تفلات ) .
(4)روى أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي e أنه قال : ( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ) رواه البخاري ومسلم .
وجه الدلالة : أنه وصفهن بإنهن فتنة على الرجال فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون، هذا لا يجوز .
(5)عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي e أنه قال : ( إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) . رواه مسلم .
وجه الدلالة : أن النبي e أمر باتقاء النساء وهو يقتضي الوجوب فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط، هذا لا يمكن، فإذاً لا يجوز الاختلاط .
(6) روى أبو داود في السنن والبخاري في الكنى بسنديهما عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه أن سمع النبي e يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال النبي e للنساء : ( استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بجافات الطريق ) فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به . هذا لفظ أبي داود، قال ابن الأثير في (( النهاية في غريب الحديث )) : ( يحققن الطريق أن يركبن حقها وهو وسطها ) .
وجه الدلالة : أن رسول الله e إذا منعهن من الاختلاط في الطريق لأنه يؤدي إلى الإفتتان فكيف يقال بجواز الإختلاط في غير ذلك .
(7) روى أبو داود الطيالسي في سننه وغيره عن نافع عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله e لما بنى المسجد جعل باباً للنساء وقال : ( لا يلج من هذا الباب من الرجال أحد ) . وروى البخاري في التأريخ الكبير له عن ابن عمر رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه عن النبي e قال : ( لا تدخلوا المسجد من باب النساء ) .
وجه الدلالة : أن رسول الله e منع اختلاط الرجال بالنساء في أبواب المساجد دخولاً وخروجاً ومنع أصل اشتراكهما في أبواب المسجد سداً لذريعة الاختلاط فإذا منع الاختلاط في هذه الحالة ففيما سوى ذلك من باب أولى .
(8) روى البخاري في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله e إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث النبي e في مكانه يسيراً ) . وفي رواية ثانية له : كان يسلم فتنصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله e . وفي رواية ثالثــة : كن إذا سلمن من المكتوبـــة فمن وثبت رسول الله e ومن صلى من الرجال ماشاء الله فإذا قام رسول الله e قام الرجال .
وجه الدلالة أنه منع الاختلاط بالفعل وهذا فيه تنبيه على منع الاختلاط في غير هذا الموضع .
(9)روى الطبراني في المعجم الكبير عن معقل بن يساء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له ) .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: رجاله ثقات .
(10) وروى الطبراني أيضاً من حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( لأن يزحم رجل خنزيراً متلطخاً بطينٍ وحمأةٍ خير من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له ) .
وجه الدلالة من الحديثين : أنه صلى الله عليه وسلم منع مماسة الرجل للمرأة بحائل وبدون حائل إذا لم يكن محرماً لها لما في ذلك من الأثر السيء وكذلك الاختلاط يمنع لذلك، فمن تأمل ما ذكرناه من الأدلة تبين له أن القول بأن الاختلاط لا يؤدي إلى فتنة إنما هو بحسب تصور بعض الأشخاص وإلا فهو في الحقيقة يؤدي إلى فتنة، ولهذا منعه الشارع حسماً لمادة الفساد، ولا يدخل في ذلك ما تدعو إليه الضرورة وتشتد الحاجة إليه ويكون في مواضع العبادة كما يقع في الحرم المكي والحرم المدني. نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين وأن يزيد المهتدي منهم هدىً وأن يوفق ولاتهم لفعل الخيرات وترك المنكرات والأخذ على أيدي السفهاء إنه سميع قريب مجيب .
وإليك نصها كما في فتاوى اللجنة الدائمــة 3/53-61 .
قال : اختلاط الرجال بالنساء له ثلاث حالات :
الأولى : اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال وهذا لا إشكال في جوازه .
الثانية : اختلاط النساء بالأجانب لغرض الفساد وهذا لا إشكال في تحريمه .
الثالثة : اختلاط النساء بالأجانب في دور العلم والحوانيت والمكاتب والمستشفيات والحفلات ونحو ذلك فهذا في الحقيقة قد يظن السائل في بادئ الأمر أنه لا يؤدي إلى افتتان كل واحد من النوعين بالآخر ولكشف حقيقة هذا القسم فإننا نجيب عنه من طريق مجمل ومفصل : أما المجمل فهو أن الله تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين، فإذا حصل الاختلاط نشأ عن ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيء؛ لأن النفس أمارة بالسوء والهوى يعمي ويصم والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر. وأما المفصل فالشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها ووسائل المقصود الموصلة إليه لها حكمه فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال وقد سد الشارع الأبواب المفضية إلى تعلق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر وينجلي ذلك بما نسوقه لك من الأدلة من الكتاب والسنة .
أما الأدلة من الكتاب فستة :
الدليل الأول : قال تعالى : ] وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [ [يوسف:23] وجه الدلالة أنه لما حصل اختلاط بين امرأة عزيز مصر وبين يوسف عليه السلام ظهر منها ما كان كامناً فطلبت منه أن يواقعها ولكن أدركه الله برحمته فعصمه منها وذلك في قوله تعالى : ] فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [ [يوسف:34] وكذلك إذا حصل اختلاط الرجال بالنساء اختار كل من النوعين من يهواه من النوع الآخر وبذل بعد ذلك الوسائل للحصول عليه .
الدليل الثاني : أمر الله الرجال بغض البصر وأمر النساء بذلك فقال تعالى : ] قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [ [النور: 30-31] .
وجه الدلالة من الآيتين أن أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر وأمره يقتضي الوجوب ثم بين تعالى أن هذا أزكى وأطهر ولم يعف الشارع إلا عن نظر الفجأة؛ فقد روى الحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه أن النبي e قال له : ( يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة ) قال الحاكم بعد إخراجه : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، وبمعناه عدة أحاديث .
وما أمر الله بغض البصر إلا لأن النظر إلى من يحرم النظر إليهن زنا، فروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي e أنه قال : ( العينان زناهما النظر والأذنان زناهما الإستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطو ) متفق عليه واللفظ لمسلم وإنما كان زنا لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة ومؤد إلى دخولها في قلب ناظرها فتعلق في قلبه فيسعى إلى إيقاع القاحشة بها، فإذا نهى الشارع عن النظر إليها لما يؤدي إليه من المفسدة وهو حاصل في الاختلاط فكذلك الاختلاط ينهي عنه لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه .
الدليل الثالث : الأدلة التي سبقت في أن المرأة عورة ويجب عليها التستر في جميع بدنها لأن كشف ذلك أو شيء منه يؤدي إلى الننظر إليها، والنظر إليها يؤدي إلى تعلق القلب بها، ثم تبدل الأسباب للحصول عليها وكذلك الإختلاط.
الدليل الرابع : قال تعالى : ] وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ [ [النور:31] .
وجه الدلالة أنه تعالى منع النساء من الضرب بالأرجل وإن كان جائزاً في نفسه لئلا يكون سبباً إلى سمع الرجال صوت الخلخال فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهن وكذلك الاختلاط يمنع لما يؤدي إليه من فساد .
الدليل الخامس : قوله تعالى : ] يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [ [غافر:19] فسرها ابن عباس وغيره هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم ومنهم المرأة الحسناء وتمر به فإذا غفلوا لحظها فإذا فطنوا غض بصره عنها فإذا غفلوا لحظ فإذا فطنوا غض وقد علم الله من قلبه أنه ود لو أطلع على فرجها وأنه لو قدر عليها لزنى بها .
وجه الدلالة أن الله تعالى وصف العين التي تسارق النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من النساء بأنها خائنة فكيف بالإختلاط إذن .
الدليل السادس : أنه أمرهن بالقرار في بيوتهن، قال تعالى: ] وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [[الأحزاب:33] .
وجه الدلالة أن الله تعالى أمر أزواج رسول الله e الطاهرات المطهرات الطيبات بلزوم بيوتهن وهذا الخطاب عام لغيرهن من نساء المسلمين لما نفرر في علم الأصول أن خطاب المواجهة يعم إلا ما دل الدليل على تخصيصه وليس هناك دليل يدل على الخصوص فإذا كن مأمورات بلزوم البيوت إلا إذا اقتضت الضرورة خروجهن فكيف يقال بجواز الاختلاط على نحو ما سبق، على أنه كثر في هذا الزمان طغيان النساء وخلعهن جلباب الحياء واستهتارهن بالتبرج والسفور عند الرجال الأجانب والتعري عندهم وقل الوازع ممن أنيط به الأمر من أزواجهن وغيرهم .
وأما الأدلة من السنة فإننا نكتفي بذكر عشرة أدلة :
(1)- روى الإمام أحمد في المسند بسنده عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنها أنها جاءت النبي e فقالت يارسول الله إني أحب الصلاة معك قال : ( قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي ) . قال : فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأظلمه فكانت والله تصلي فيه حتى ماتت .
وروى ابن خزيمة في صحيحه عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي e قال : ( إن أحب صلاة المرأة إلى الله في أشد مكان من بيتها ظلمة ) .
وبمعنى هذه الحديثين عدة أحاديث تدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسحد .
وجه الدلالة : أنه إذا شرع في حقها أن تصلي في بيتها وأنه أفضل من الصلاة في مسجد الرسول e ومعه فلأن يمنع الاختلاط من باب أولى .
(2) ما رواه مسلم والترمذي وغيرهما بأسانيدهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال : رسول الله e : ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ) قال الترمذي بعد إخراجه : حديث صحيح .
وجه الدلالة أن الرسول e شرع للنساء إذا أتين إلى المسجد فإنهن ينفصلن عن المصلين على حدة ثم وصف أول صفوفهن بالشر والمؤخر منهن بالخير وما ذلك إلا لبعد المتأخرات من الرجال عن مخالطتهم ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم وذم أول صفوفهن لحصول عكس ذلك ووصف آخر صفوف الرجال بالشر إذا كان معهم نساء في المسجد لفوات التقدم والقرب من الإمام وقربه من النساء اللائي يشغلن البال وربما أفسدن عليه العبادة وشوشن النية والخشوع فإذا كان الشارع توقع حصول ذلك في مواطن العبادة مع أنه لم يحصل اختلاط وإنما هو مقاربة ذلك فكيف إذا وقع الاختلاط .
(3) روى مسلم في صحيحه عن زينب زوجة عبدالله بن مسعود رضي الله عنها قال : قال لنا رسول الله e : ( إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً ) .
وروى أبو داود في سننه والإمام أحمد والشافعي في مسنديهما بأسانيدهم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله e قال : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات ) . وقال ابن دقيق العيد : ( فيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم وربما يكون سبباً في تحريك شهوة المرأة أيضاً .. قال : ويلحق بالطيب ما في معناه كحسن الملبس والحلي الذي يظهر أثره والهيئة الفاخرة، قال الحافظ ابن حجر : وكذلك الاختلاط بالرجال، وقال الخطابي في معالم السنن : التفل سوء الدافعة يقال امرأة تفلة إذا لم تتطيب ونساء تفلات ) .
(4)روى أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي e أنه قال : ( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ) رواه البخاري ومسلم .
وجه الدلالة : أنه وصفهن بإنهن فتنة على الرجال فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون، هذا لا يجوز .
(5)عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي e أنه قال : ( إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) . رواه مسلم .
وجه الدلالة : أن النبي e أمر باتقاء النساء وهو يقتضي الوجوب فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط، هذا لا يمكن، فإذاً لا يجوز الاختلاط .
(6) روى أبو داود في السنن والبخاري في الكنى بسنديهما عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه أن سمع النبي e يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال النبي e للنساء : ( استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بجافات الطريق ) فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به . هذا لفظ أبي داود، قال ابن الأثير في (( النهاية في غريب الحديث )) : ( يحققن الطريق أن يركبن حقها وهو وسطها ) .
وجه الدلالة : أن رسول الله e إذا منعهن من الاختلاط في الطريق لأنه يؤدي إلى الإفتتان فكيف يقال بجواز الإختلاط في غير ذلك .
(7) روى أبو داود الطيالسي في سننه وغيره عن نافع عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله e لما بنى المسجد جعل باباً للنساء وقال : ( لا يلج من هذا الباب من الرجال أحد ) . وروى البخاري في التأريخ الكبير له عن ابن عمر رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه عن النبي e قال : ( لا تدخلوا المسجد من باب النساء ) .
وجه الدلالة : أن رسول الله e منع اختلاط الرجال بالنساء في أبواب المساجد دخولاً وخروجاً ومنع أصل اشتراكهما في أبواب المسجد سداً لذريعة الاختلاط فإذا منع الاختلاط في هذه الحالة ففيما سوى ذلك من باب أولى .
(8) روى البخاري في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله e إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث النبي e في مكانه يسيراً ) . وفي رواية ثانية له : كان يسلم فتنصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله e . وفي رواية ثالثــة : كن إذا سلمن من المكتوبـــة فمن وثبت رسول الله e ومن صلى من الرجال ماشاء الله فإذا قام رسول الله e قام الرجال .
وجه الدلالة أنه منع الاختلاط بالفعل وهذا فيه تنبيه على منع الاختلاط في غير هذا الموضع .
(9)روى الطبراني في المعجم الكبير عن معقل بن يساء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له ) .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: رجاله ثقات .
(10) وروى الطبراني أيضاً من حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( لأن يزحم رجل خنزيراً متلطخاً بطينٍ وحمأةٍ خير من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له ) .
وجه الدلالة من الحديثين : أنه صلى الله عليه وسلم منع مماسة الرجل للمرأة بحائل وبدون حائل إذا لم يكن محرماً لها لما في ذلك من الأثر السيء وكذلك الاختلاط يمنع لذلك، فمن تأمل ما ذكرناه من الأدلة تبين له أن القول بأن الاختلاط لا يؤدي إلى فتنة إنما هو بحسب تصور بعض الأشخاص وإلا فهو في الحقيقة يؤدي إلى فتنة، ولهذا منعه الشارع حسماً لمادة الفساد، ولا يدخل في ذلك ما تدعو إليه الضرورة وتشتد الحاجة إليه ويكون في مواضع العبادة كما يقع في الحرم المكي والحرم المدني. نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين وأن يزيد المهتدي منهم هدىً وأن يوفق ولاتهم لفعل الخيرات وترك المنكرات والأخذ على أيدي السفهاء إنه سميع قريب مجيب .