المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حاجة العبد إلى عبادة الله


كيف حالك ؟

قاسم علي
05-10-2005, 08:23 PM
حاجة العبد إلى عبادة الله

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في بيان حاجة العبد عبادة الله والاستعانة به ‏(1):‏ لا بد للنفس من شيء تطمئن إليه وتنتهي محبتها وهو إلهها، ولا بد لها من شيء تثق به وتعتمد عليه في نيل مطلوبها وهو مستعانها سواء كان ذلك هو الله أو غيره، وإذا كان غير الله فقد يكون عاماً وهو الكفر كمن عبد الله مطلقاً وسأل غير الله مطلقاً‏.‏ مثل عُبّاد الشمس والقمر وغير ذلك الذين يطلبون منهم الحاجات ويفزعون إليهم في النوائب، وقد يكون ذلك خاصاً بالمسلمين مثل من غلب عليه حب المال أو حب شخص أو حب الرئاسة حتى صار عبدَ ذلك؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏ تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي وإن منع سخط؛ تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش ‏)‏ (2)، وكذلك من غلب عليه الثقة بجاهه وماله؛ بحيث يكون عنده مخدومه من الرؤساء ونحوهم، أو خادمه من الأعوان والأجناد ونحوهم أو أصدقائه أو أمواله هي التي تجلب المنفعة الفلانية، وتدفع المضرة الفلانية؛ فهو معتمد عليها ومستعين بها، والمستعان هو مدعو ومسؤول‏.‏

ويقصد الشيخ - رحمه الله - بهذا الكلام الذين يعتمدون على الأسباب ويغترون بحولهم وقوتهم وينسون الخالق الذي هو مسبب الأسباب، وهذا كثير في الناس اليوم تجدهم يغترون بإمكانياتهم وتقنياتهم، ويعجبون بها إلى حد أن يقولوا‏:‏ قضينا على الأمراض، قضينا على الجوع، قضينا على الفقر، إلى غير ذلك من العبارات القبيحة، فلا يعترفون بنعمة الله عليهم ويقرون بفقرهم وحاجتهم إليه، وقد يسندون المصائب والكوارث التي تصيبهم إلى ظواهر كونية وأمور طبيعية فلا يلجؤون إلى الله ويتضرعون إليه، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 43‏]‏، وما أكثر هذا النوع في أهل هذا الزمان إلا من رحم الله‏.‏

ثم بيّن الشيخ - رحمه الله - العلاقة بين العبادة والاستعانة فقال‏:‏ وما أكثر ما تستلزم العبادة الاستعانة فمن اعتمد عليه القلب في رزقه ونصره ونفعه وضره؛ خضع له وذل وانقاد وأحبه من هذه الجهة، وإن لم يحبه لذاته، لكن قد يغلب عليه الحال حتى يحبه لذاته، وينسى مقصوده منه كما يصيب كثيراً ممن يحب المال، أو يحب من يحصل له به العز والسلطان‏.‏ وأما من أحبه القلب وأراده وقصده فقد لا يستعينه ويعتمد عليه إلا إذا استشعر قدرته على تحصيل مطلوبه، كاستشعار المحب قدرة المحبوب على وصله، فإذا استشعر قدرته على تحصيل مطلوبه استعانه وإلا فلا‏.‏

فالأقسام ثلاثة‏:‏ فقد يكون محبوباً غير مستعان، وقد يكون مستعاناً غير محبوب، وقد يجتمع فيه الأمران، فإذا عُلم أن العبد لا بد له في كل وقت وحال من منتهى يطلبه هو إلهه، ومنتهى يطلب منه وهو مُستعانه، وذلك هو صمده الذي يصمد إليه في استعانته وعبادته؛ تبين أن قوله‏:‏ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 5‏]‏، كلام جامع محيط أولاً وآخراً لا يخرج عنه شيء، فصارت الأقسام أربعة‏:‏ إما أن يعبد غير الله ويستعينه - وإن كان مسلماً - فالشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل ‏(3).‏

ويقصد الشيخ - رحمه الله - العبادة والاستعانة اللتين لا تصلان إلى حد الشرك الأكبر؛ كالرياء فإنه شرك أصغر وهو شرك خفي‏.‏

وإما أن يعبده ويستعين غيره، مثل كثير من أهل الدين يقصدون طاعة الله ورسوله وعبادته وحده لا شريك له وتخضع قلوبهم لمن يستشعرون نصرهم ورزقهم وهدايتهم من جهة الملوك والأغنياء والمشائخ‏.‏ وإما أن يستعينه ويعبد غيره مثل كثير من ذوي الأحوال وذوي القدرة وذوي السلطان الباطن والظاهر وأهل الكشف والتأثير الذي يستعينونه ويعتمدون عليه ويسألونه، ويلجؤون إليه، لكن مقصودهم غير ما أمر الله به ورسوله، وغير اتباع دينه وشريعته التي بعث الله بها رسوله‏.‏

والقسم الرابع‏:‏ الذين لا يعبدون إلا إياه ولا يستعينون إلا به‏.‏

ثم بيّن ‏(4) - رحمه الله - وجوب اختصاص الخالق بالعبادة والتوكل عليه فلا يُعمل إلا له ولا يرجى إلا هو، فهو سبحانه الذي ابتدأك بخلقك والإنعام عليك بنفس قدرته عليك ومشيئته ورحمته من غير سبب منك أصلاً، وما فعل بك لا يقدر عليه غيره، ثم إذا احتجت إليه في جلب رزق أو دفع ضرر فهو الذي يأتي بالرزق لا يأتي به غيره، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ‏}‏ ‏[‏الملك‏]‏، وهو سبحانه ينعم عليك ويحسن إليك بنفسه، فإن ذلك موجب ما يَسمَّى به ووصف به نفسه؛ إذ هو الرحمن الرحيم، الودود المجيد، وهو قادر بنفسه، وقدرته من لوازم ذاته وكذلك رحمته وعلمه وحكمته لا يحتاج إلى خلقه بوجه من الوجوه‏.‏ بل هو الغني عن العالمين ‏{‏وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 40‏]‏‏.‏

‏{‏وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏]‏، لا يفعل شيئاً لحاجة إلى غيره وهو سبحانه بالغُ أمره، فكل ما يطلب فهو يبلغه ويناله ويصل إليه وحده لا يعينه أحد ولا يعوقه أحد لا يحتاج في شيء من أموره إلى معين وما له من المخلوقين ظهير، وليس له ولي من الذل‏.‏
من كتاب أضواء من فتاوى ابن تيمية للعلامة الفوزان

قاسم علي
01-18-2007, 05:24 PM
الرررررررفع

12d8c7a34f47c2e9d3==