المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطورة زلة العالم


كيف حالك ؟

الجزائري
05-03-2005, 11:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


(المقدمــة السابعة) :
أنه يجب الاعتقاد بأن العصمة للأنبياء المؤيدين بالوحي ، وأما العلماء فمهما بلغوا في العلم والتقوى والإمامة فتقع منهم الزلات والأخطاء بل ربما وقع بعض الأكابر منهم في بعض البدع من حيث يرونها سنة وقربة إلى الله : ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى:35/69) :"فأما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا بمعصومين ".
ـ وقال (الفتاوى:19/191) :" وكثيرٌ من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ، ولم يعلموا أنه بدعة ، إمَّا لأحاديث ضعيفة ظنُّوهــا صحيحة ، وإمَّـا لآيات فهموا منها ما لم يُرَد منها ، وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم ".
* ولذا فمن أخطر ما يؤثر على دين الناس وعقائدهم زلاتُ العلماء ؛ لأنَّ العالم في محل القدوة والثقة عندهم ، فإذا زلَّ تبعه فئامٌ من الناسُ في زلته دون بصيرة. ومن ثم يظهر الاختلاف والشقاق بسبب هذه الزلات ، وربما كان ذلك بين من كانوا على طريق واحد ؛ لأنه من المعلوم أنَّ زلات العلماء تصير فتنة لطائفتين : طائفة تتعصب للعالم فتعظمه وتصوبه من باب الدفاع عنه حتى ربما جعلت نسبة الخطأ له قدحاً في الشريعة ، وطائفة ظالمة لا تكتفي ببيان زلته بل تذمه وتتخذ هذه الزلة للحط من قدره وربما صاحب ذلك انتصار للنفس بالباطل :
ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (منهاج السنة: 4/543-544) :"ومما يتعلق بهذا الباب أن يعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة : أهل البيت وغيرهم ، قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقروناً بالظن ، ونــوع مـن الهـوى الخـفي ، فيحصل بسبب ذلك مالا ينبغي اتباعه فيه ، وإن كان من أولياء الله المتقين. ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين: طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه ، وطائفة تذمّه فتجعل ذلك قادحاً في ولايته وتقواه ، بل في برّه وكونه من أهل الجنة ، بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان ، وكلا هذين الطرفين فاسد. والخوارج والروافض وغيرهم من ذوي الأهواء دخل عليهم الداخل من هذا. ومن سلك طريق الاعتدال عظَّم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه ، وأعطى الحق حقَه ، فيعظّم الحق ويرحم الخلق ، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات : فيُحمد ويُذم ، ويُثاب ويعاقب ، ويُحب من وجه ويبغض من وجه ، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ، خلافاً للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم".
* ولذا فالواجب تجاه زلات علماء أهل السنة والجماعة ثلاثة أمور :
(الأمر الأول) : وجوب توطين النفس على لزوم الحق والحرص على طلبه دون ميل أو تعصب لغير الحق الذي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف هذه الأمة ، لأن الحق ملازم للنبي صلى الله عليه وسلم دون سائر البشر مهما بلغوا في العلم والتقوى ، وغالب ما وقع في هذه الأمة من طوائف المسلمين بترك الحق إنما هو بسبب تعظيم المتبوعين وتغليب جانب مقامهم على جانب مقام الشرع وإن جعله التابع في مقام النصرة للحق من حيث لا يشعر :
ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيميـة رحمـه الله(اقتضـاء الصـراط المستقيـم:1/86) بعـد ذكـر تـرك اليهـود اتباع الحق الذي جاء من غير طائفتهم:"وهذا يبتلى به كثيرٌ من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم ، أو الدين من المتفقهة أو المتصوفة أو غيرهم ، أو إلى رئيس معظم عندهـم في الدين ــ غير النبي صلى الله عليه وسلم ـــ فإنهم لا يقبلون من الدين رأياً ورواية إلاّ ما جاءت به طائفتهم ، ثم إنهم لا يعلمون ما توجبه طائفتهم ، مع أن دين الإســلام يوجب اتبــاع الحـقِ مطلقاً : رواية ورأياً ، ومن غير تعيين شخص أو طائفة غير الرسول صلى الله عليه وسلم".
ـ ويقول ابن القيم رحمه الله(إعلام الموقعين:3/294) :"ولا بد من أمرين أحدهما أعظم من الآخر ، وهو النصيحة لله ولرسوله وكتابه ودينه ، وتنزيهه عن الأقوال الباطلة المناقضة لما بعث الله به رسوله من الهدى والبينات ، التي هي خلاف الحكمة والمصلحة والرحمة والعدل ، وبيان نفيها عن الدين وإخراجها منه ، وإن أدخلها فيه مَنْ أدخلها بنوع تأويل. الثاني : معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم وحقوقهــم ومراتبهــم ، وأن فضلهــم وعلمهــم ونصحهــم لله ورسولــه لا يوجـب قبـول كــل مـا قالوه".
* فإذا فهمت هذا أيها الأخ المحب للسنة فاعلم أنه يجب على السني المتبع للحق المتجرد له عن أوضار الهوى أن يحرص على طلب الحق في مكمنه ؛ في الكتاب والسنة أشد من حرصه على طلب ما ينفعه في أمور الدنيا في أحسن مظانها ؛ لأن الإنسان لا يُضلُ عن الهدى بمجــرد تركـه الحق بعدتبينه له فقط ، بل يكون كذلك بالتهاون في طلبه ، وشاهد هذا في القرآن :
ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(اقتضاء الصراط المستقيم:2/85) :"ويلحـــق الـــذم من تبيّن له الحق فتركه ، أو من قصّر في طلبه حتّى لم يتبين له ، أو أعرض عن طلب معرفته لهوى أو لكسل ، أو نحو ذلك".
ـ ويقول رحمه الله(الفتاوى:3/314) :"ولكن ينبغي أنْ يُعرفَ أنّ عامَّة من ضلّ في هذا الباب ، أو عجز فيه عن معرفة الحق ؛ فإنما هو لتفريطه في اتّباع ما جاء به الرّسول ، وترك النظر والاستدلال الموصل إلى معرفته ، فلما أعرضوا عن كتاب الله ضّلوا ، كما قال تعالى )فإما يأتينكم مني هدىً فمن اتّبع هُداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى( [طه 123-124] ، قال ابن عباس : تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه : أن لا يضلّ في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة. ثم قرأ هذه الآية".
* وخُذْ أيها الموفق نصيحة نفيسة للعلامة صديق حسن خان رحمه الله إذا أردت التوفيق للهدى واعرضها على نفسك حين يقول(قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر:175) :"وإنمــا يعرف الحقَّ من جمع خمسة أوصاف أعظمهـا : الإخلاص ، والفهم ، والإنصاف ، رابعها ــ وهو أقلّها وجوداً وأكثرها فقدناً ــ الحـــرص على معـــرفة الحق ، وشدة الدعوة إلى ذلك".
(الأمر الثاني) : اجتناب هذه الزلات الصادرة من أهل العلم أشد الاجتناب والحرص على تحذير الناس منها لشدة خطورتها على الناس حيث صدرت ممن هو موضع الثقة والمحبة ، وإعلام الناس أن العبرة بالدليل وأن الحق قديم :
ـ قال إبن القيم رحمه الله في (إعلام الموقعين:2/173،175) مبيناً خطورة زلة العالم :"المصنفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد وإبطاله وبيان زلة العالم ليبينوا بذلـك فسـاد التقليـد ، وأن العالم قـد يــزل ولا بد ، إذ ليس بمعصوم ، فلا يجوز قبول كل ما يقوله ، وينزل قوله منزلة قول المعصوم ؛ فهذا الذي ذمه كلُّ عالم على وجه الأرض ، وحرموه ، وذموا أهله ، وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم ، فإنهم يقلدون العالم فيما زل فيه وفيما لم يزل فيه ، وليس لهم تمييز بين ذلك ، فيـأخـذون الديـن بالخطـأ ولا بد ، فَيحِلُّون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله ويشرعون ما لم يشرع ، ولا بد لهم من ذلك إذ كانت العصمة منتفية عمن قلدوه ، فالخطأ واقع منه ولا بد. وقد ذكر البيهقي وغيره من حديث كثير هذا عن أبيه عن جده مرفوعاً: "اتقوا زلة العالم ، وانتظروا فيئته" ، وذكـــر من حديث مسعود بن سعد عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابـن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشدُّ ما أتخوفُ على أمتي ثلاث : زلة عالم ، وجدال منافق بالقرآن ، ودنيا تقطع أعناقكم". ومن المعلوم أن المَخُوفَ في زلة العالم تقليده فيها ، إذ لولا التقليد لم يخف من زلة العالم على غيره. فإذا عرف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين ، فإنـه اتبـاعٌ للخطأ على عمد ، ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه ، وكلاهما مفـرط فيمـا أمـر بـه ... قـال أبو عمر: وتشبّه زلةُ العالم بانكسار السفينة ، لأنها إذا غرقت غرق معها خلقٌ كثير.قال أبو عمر : وإذا صح وثبت أن العالم يزل ويخطئ ، لم يجز لأحد أن يفتي ويدين بقول لا يعرف وجهه".
ـ وقال أيضاً في (إعلام الموقعين:3/295) عمن له قدمٌ صالح وآثارٌ حسنةٌ ، تكون منه الهفوة والزلة:"فلا يجوز أن يُتَّبع فيها".
ـ ويقول العلامة الشاطبي رحمه الله (الاعتصام:2/344) :"فعلى كل تقدير لا يتبع أحد من العلماء إلا من حيث هو متوجهٌ نحو الشريعة قائم بحجتها ، حاكم بأحكامها جملة وتفصيلاً ، وأنه من وجد متوجهاً غير تلك الوجهة في جزئية من الجزئيات أو فرع من الفروع ، لم يكن حاكماً ، ولا استقام أن يكون مقتدىً به فيما حاد فيه عن صوب الشريعة البتة".
ـ وقال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله في معرض رده على من جعل رد أخطاء العلماء من التضليل لهم(مجموع فتاوى ومقالات:3/72):"ليس من أهل العلم السلفيين من يكفر هؤلاء الذين ذكرتهم ، وإنما يوضحون أخطاءهم في تأويل الكثير من الصفات ويوضحون أن ذلك خلاف مذهب سلف الأمة وليس ذلك تكفيراً لهم ولا تمزيقاً لشمل الأمة ولا تفريقـاً لصفهــم ، وإنمـا في ذلـك النصـح لله ولعباده وبيان الحق والرد على من خالفه بالأدلة النقلية والعقلية والقيام بما أوجب الله سبحانه على العلماء من بيان الحـق وعـدم كتمـانـه والقيـام بالدعـوة إلى الله والإرشـاد إلى سبيلــه ، ولو سكت أهل الحق عن بيانه لاستمر المخطئون على أخطائهم وقلدهم غيرهم في ذلك وباء الساكتون بإثم الكتمان الذي توعدهم الله عليه في قوله سبحانه )إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون*إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم([البقرة:159،160] ، وقد أخذ الله على علماء أهل الكتاب الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه وذمهم على نبذه وراء ظهورهم وحذرنا من اتّباعهم ، فإذا سكت أهل السنة عن بيان أخطاء من خالف الكتاب والسنة شابهوا بذلك أهل الكتاب المغضوب عليهم والضالين".
ـ وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في (القواعد المثلى:86):"ونحن لا ننكر أن لبعض العلماء المنتسبين إلى الأشعري قدم صدق في الإسلام ، والذب عنه والعناية بكتاب الله تعالى وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رواية ودراية ، والحرص على نفع المسلمين وهدايتهم ، ولكن هذا لا يستلزم عصمتهم من الخطأ فيما أخطئوا فيـه ، ولا قبول قولهم في كل ما قالوه ، ولا يمنع من بيان خطئهم ورده لما في ذلك من بيان الحق وهداية الخلق. ولا ننكر أيضاً أن لبعضهم قصداً حسناً فيما ذهب إليه وخفي عليه الحق فيـه ، ولكـن لا يكفي لقبول القول حسن قصد قائله ، بل لا بد من أن يكون موافقاً لشريعة الله عز وجل ، فإن كان مخالفاً لها وجب رده على قائله كائناً من كان لقول النبي صلى الله عليه وسلم :"من عمل عملاً ليس عليـه أمرنا فهـو رد". ثـم إذا كان قائله معروفاً بالنصيحة والصدق في طلب الحق ؛ اعتذر عنه في هذه المخالفة ، وإلا عومل بما يستحقه بسوء قصده ومخالفته".
ـ وقال العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في(النقد منهج شرعي:14) :"وقد يكون المعتزلي أحياناً يصيب إذا انتقد واحداً من أهل السنة ، وغالباً يكون الصواب مع أهل السنة لكن حركة دائبة من ذاك الوقت إلى غدٍ إلى يوم القيامة كل يؤخذ من قوله ويرد وليس كل يؤخذ قوله أو كل يرد قوله ؟ لا ، الشافعي وأحمد ومالك يؤخذ من أقوالهم ويرد ، وكذلك الثوري والأوزاعي يؤخذ من أقوالهم ويرد لأنهم ليسوا بمعصومين ، يقول ابن تيمية : العصمة للأنبياء أما الصديقون والشهداء والصالحون والأئمة كلهم لا بد أن يخطئوا".
(الأمر الثالث) : أن صاحب الزلة إذا كان من أهل السنة والجماعة وله قدم صدق وعلم في الإسلام وسابق فضل ولم يشتهر عنه تعمد المخالفة فلابد من حفظ سابقته ودمح زلته ، ولو لم نسلك هذا الطريق لم يسلم لنا كثير من أفاضل الأمة :
ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى:35/69) :"فأما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا بمعصومين ، وهذا في الذنوب المحققة. وأما ما اجتهدوا فيه : فتارة يصيبون ، وتارة يخطئـون ، فإذا اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران ، وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجرٌ على الاجتهاد ، وخطؤهم مغفورٌ لهم ، وأهل الضلال يجعلـون الخطأ والإثـم متـلازمين : فتارة يغلون فيهم ؛ ويقولون :
إنهم معصومون. وتارة يجفون عنهم ؛ ويقولون : إنهم باغون بالخطأ ، وأهل العلم والإيمان لا يعصمون ولا يؤثمون. ومن هذا الباب تولد كثير من فرق أهل البدع والضلال".
ـ وقال ابن القيم رحمه الله (إعلام الموقعين:3/295) في سياق كلامه عمن أخطأ من الأئمة:"وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم فيها ما جاء به الرســول ، فقـالوا بمبلغ علمهم والحق في خلافها ، لا يوجب اطراح أقوالهم جملة ، وتنقصهم ، والوقيعة فيهم ؛ فهذان طرفان جائران عن القصد ، وقَصْد السبيل بينهما ، فلا نؤثم ولا نعصم... ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالح وآثارٌ حسنةٌ ، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده ، فلا يجوز أن يُتَّبع فيها ، ولا يجوز أن تهدر مكانته ومنزلته من قلوب المسلمين".
ـ وقال الحافظ الذهبي رحمه الله (السير: 5/271) : " ثم إنَّ الكبير من أئمـة العلــم إذا كثـرَ صوابه ، وعُلمَ تحريه للحقِ ، واتسع علمُه ، وظهر ذكاؤه ، وعُرف صلاحه وورعه واتّباعه ، يُغفَرُ له زَلَلُهُ ، ولا نُضَلَّله ونطرحه وننسى محاسنه ، نعـــم : ولا نقتــدي بـه في بدعتـه وخطئــه ، ونـرجــو التَّوبــة مـن ذلك ".
ـ وقـال أيضاً في (السـير: 14/40) : "ولـو أنـا كلَّمـا أخطـأ إمـام في اجتهـاده في آحـاد المسائــل خطـأ مغفوراً له ، قمنا عليه ، وبدَّعناه وهجرناه ، لما سَلِـمَ معنـا لا ابـنُ نصـر ولا ابـن منـده ، ولا مـن هو أكبر منهما ، والله هو هادي الخَلْقِ إلى الحقِّ ، وهو أرحم الرَّاحمين ، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة ) .
ـ وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في (شريط محاورة هاتفية مع أهل الجزائر:تسجيلات ابن رجب بالمدينة) ، عمـن بدَّع بعض أهل العلم من أهل السنة لمخالفته في مسألة واحدة :"لو فرضنا قال قائل بمسألة واحدة من مذهب الإرجـاء ، هـل يصـح أن نسميـــه مـرجــئ ؟ الجـــواب : لا ... ، كما أنه لو أن أحداً من فقهاء الحنابلة أخذ بقــول الشافعيـة بمسألة مـن المسائل ؛ لا نقول إنه شافعي. كذلك لو أن أحـداً أخـذ بمسألـة واحـدة من مسائـل الأشاعـرة لا نقول : إنه أشعــري. إذا أردنــا أن نقول ، نقول : هو قال بهذا القول وهو قول الأشاعرة ، فلا نلحقه هو بالأشاعرة ، وهذه مسألة ينبغي التفطن لها ، لأن بعض الناس أيضاً أخطأ في ابن حجر والنووي وأشباههما حين تأولوا في الصفات ، فقالوا : هؤلاء أشاعرة وأطلقوا ، لم يقولوا : قالوا بقول الأشاعرة في هذا الباب. الأشاعرة لهم مذهب مستقل في باب الصفات وفي باب الإيمان وفي باب الأفعال ؛ أفعال العباد وفي القضاء والقدر. فلينتبه الشباب لهــذه المسـألة". وتقدم قريباً قوله رحمه الله في (القواعد المثلى:86):" إذا كان قائله معروفاً بالنصيحة والصدق في طلب الحق ؛ اعتذر عنه في هذه المخالفة ، وإلا عومل بما يستحقه بسوء قصده ومخالفته".
ـ وقال العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في(النقدمنهج شرعي: 16) :"هذا المنهج منهج حق ، لكن الأئمة والعلماء الذين كتبوا ــ ومنهجهم صحيح ــ قد يكون لهم أخطاء ، فابن تيمية لو كان عنده خطأ والله لا نقبله ، ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وابن بـاز وغـيرهـم إذا عندهــم أخطـاء نعرضـها علـى كتاب الله وسنة الرسول على المنهج السلفي ، ونقول هذا خطأ وجزاك الله خيراً ، لا ذم لا طعن لا تجريح لا تشهير لكن بيان للناس أن هذا الكلام يتنافى مع الأصل الفلاني ومع النص الفلاني بغاية الأدب وبغاية الاحترام".
3/ لكن ينبغي التفطن لما جاء في بعض النقول السابقة من أن القول بدمح زلة العالم إنما هو خاص بعلماء أهل السنة الذين لهم قدم صدق في الإسلام ممن وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله(الفتاوى:11/43):"ومن له في الأمة لسان صدق عام ، بحيث يثنى عليه ويحمد في جماهير أجناس الأمة فهؤلاء هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى ، وغلطهم قليل بالنسبة إلى صوابهم ، وعامته من موارد الاجتهاد التى يعذرون فيها ، وهم الذين يتبعون العلم والعدل ، فهم بعداء عن الجهل والظلم وعن اتباع الظن وما تهوى الأنفس". وأما أهل البدع الذين ليس لهم قدم صدق في الإسلام فلا يثنى عليهم ، نعم ولا يظلمون كذلك ، ولذا قال الحافظ ابن رجب رحمه الله لما قرر نحو هذا(الفرق بين النصيحة والتعيير :33) : "وهذا كله في حق العلماء المقتدى بهم في الدين ، فأما أهل البدع والضلالة ومن تشبه منهم بالعلماء وليس منهم ، فيجـوز بيان جهلهم وإظهار عيوبهم تحذيراً من الاقتداء بهم ، وليس كلامنا الآن في هذا القبيل ، والله أعلم ".
3/ثم إني أختم هذه المقدمات التي أسأل الله أن يجعلها نصرة للحق ونصيحة للخلق بكلمة نفيسة لأحد حفاظ الإسلام علّق عليها أحد علماء السنة المعاصرون حتى تكون طريقة نزن بها صدق إخلاصنا لربنا عز وجل ثم متابعتنا لنبينا صلى الله عليه وسلم : ــ
ـ يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله(الفرق بين النصيحة والتعيير:33):"(فصل) : ومن عرف منه أنه أراد بردّه على العلماء النصيحة لله ورسوله فإنه يجب أن يعامَل بالإكرام والاحترام والتعظيم كسائر أئمة المسلمين الذين سبق ذكرهم وأمثالهم ومن تبعهم بإحسان. ومن عرف أنه أراد بردّه عليهم التنقيص والذم وإظهار العيب فإنه يستحق أن يقابل بالعقوبة ليرتدع هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة".
ـ علق على كلام الحافظ الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله قائلاً في (النقد منهج شرعي:22):"وهذا الأخير هو الذي يفعله الآن خصوم أهل السنة والجماعة خاصة أهل التحزبات المضادة فعلاً لمنهج السلف والمنتصرة لأهل البدع والأهواء. أما العلماء وأهل الهدى فإنهم – والله - يفرحون بإظهار الحق إذا انتقد أحدهم في خطأ أخطأه ، وبُيّن للناس أن هذا الإمام أخطأ يفرح. ولهذا رأينا تلاميذ هؤلاء الأئمة لا يترددون في بيان خطأ أئمتهم ولا يتحرجون من مخالفتهـم في أقوالهـم الـتي حصـل فيهـا الخطـأ ، وهم يعتقـدون تمـام الاعتقـاد أن أئمتهـم يحبـون هـذا ، ولا يرضون أبداً [ أنْ ] يتعبد الناس بأخطائهم ، ولا يرضون أبداً أن تنسب أخطاؤهم إلى الله تبارك وتعالى ، لا يــرضـون بها أبداً ؛ لأننا عرفنا صدقهم وإخلاصهم ونصحهم لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم – رضوان الله عليهم – أما أهل الأهواء : فسواء كانوا في حياتهم أو بعد مماتهـم هـم لا يرضـون أن يقال : فلان أخطأ مهما ضل وأمعن في الضلال ، لا يتحمل النقد لهذا ؛ تراهم يعاندون رغم أن أهل السنة وأهل الحق دائماً يبينون لهم أنهم قد أخطأوا وضلوا في قضية كذا وقضية كذا ، ويقيمون لهم الأدلة فيصرون على باطلهم ويجمعون الناس ويحشدونهم"أ.هـ.



نقلا من كتاب " أقوال ذوي العرفان في أن أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان د.عصام السناني"

12d8c7a34f47c2e9d3==