المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأسماء والصفات(الإيمان بالله عز وجل )الشيخ العلامة الفوزان


كيف حالك ؟

قاسم علي
03-03-2005, 05:06 PM
توحيد الأسماء والصفات(الإيمان بالله عز وجل )الشيخ العلامة الفوزان
توحيد الأسماء والصفات

تقدم أن بينا أن التوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
وقد تكلمنا عن النوعين الأولين منه، وهما: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية؛ لأن كل نوع من هذه الأنواع جحده طائفة من البشر.
فتوحيد الربوبية:

جحده المعطلة الذين أنكروا وجود الله؛ كالدهرية والملاحدة ومنهم الشيوعية في عصرنا الحاضر، وإن كان جحودهم له إنما هو في الظاهر مكابرة منهم، وإلا؛ فهم يقرون به في الباطن وفي قرارة أنفسهم؛ إذ لا يعقل وجود مخلوق بدون خالق.
ِ
والقسم الثاني - وهو توحيد الألوهية - جحده أكثر الخلق، وهو الذي بعث الله رسله وأنزل كتبه بالدعوة إليه، وقد جحده المشركون قديما وحديثا، وجحودهم له يتمثل بعبادة الأشجار والأحجار والأصنام والقبور والأضرحة وعبادة المشايخ الصوفية باعتقاد النفع والخير فيهم من دون الله عز وجل ممن ينتسبون إلى الإسلام زورا وبهتانا.
والقسم الثالث - وهو توحيد الأسماء والصفات - يعني: إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من صفات الكمال، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله من صفات النقص؛ على حد قول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }.
وهذا القسم قد جحده الجهمية وتلاميذهم من المعتزلة والأشاعرة، وهو في الحقيقة داخل في توحيد الربوبية، لكن لما كثر منكروه وروجوا الشبه حوله؛ أفرد بالبحث، وجعل قسما مستقلا، وألفت فيه المؤلفات الكثيرة.
فألف الإمام أحمد رده المشهور على الجهمية، وألف ابنه عبد الله كتاب "السنة"، وألف عبد العزيز الكناني كتاب "الحيدة"في الرد على بشر المريسي، وألف أبو عبد الله المروزي كتاب "السنة"، وألف عثمان بن سعيد كتاب "الرد على بشر المريسي"، وألف إمام الأئمة محمد بن خزيمة كتاب "التوحيد"، وألف غير هؤلاء كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم هؤلاء ومن جاء بعدهم وسار على نهجهم، فلله الحمد والمنة على بيان الحق ودحض الباطل.
وأول من عرف عنه إنكار الصفات بعض مشركي العرب الذين أنزل الله فيهم قوله: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ }.
وسبب نزول هذه الآية أن قريشا لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن؛ أنكروا ذلك، فأنزل الله فيهم: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ }.
وذكر ابن جرير أن ذلك كان في صلح الحديبية، حين كتب الكاتب "بسم الله الرحمن الرحيم"؛ قالت قريش: أما الرحمن؛ فلا نعرفه.
روى ابن جرير أيضا عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ساجدا يقول: "يا رحمن! يا رحيم!"، فقال المشركون: هذا يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو مثنى. فأنزل: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
وقال تعالى في سورة الفرقان: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ}.
فهؤلاء هم سلف الجهمية والأشاعرة في إنكار أسماء الله وصفاته، وبئس السلف لبئس الخلف، {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}.
أما الرسل وأتباعهم - خصوصا خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والذين اتبعوهم بإحسان-؛ فهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وينفون عنه ما نفاه عن نفسه، وينكرون على من يخالف هذا المنهج.
فقد روى عبد الرزاق، عن معمر، عن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس: أنه رأى رجلا انتفض لما سمع حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات استنكارا لذلك! فقال: "ما فرق هؤلاء؟ يجدون رقة عند محكمه ويهلكون عند متشابهه".
يشير رضي الله عنه إلى أناس يحضرون مجلسه من عامة الناس؛ بأنهم إذا سمعوا شيئا من نصوص الصفات - وهي من المحكم -؛ حصل معهم فرق (أي: خوف) وانتفضوا كالمنكرين لها؛ فهم كالذين قال الله فيهم: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}؛ فيدعون المحكم ويتبعون المتشابه، ويؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.
ونصوص الصفات من المحكم لا من المتشابه، يقرؤها المسلمون ويتدارسونها ويفهمون معناها ولا ينكرون منها شيئا.
قال وكيع: "أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث (يعني: أحاديث الصفات) ولا ينكرونها". انتهى. وإنما ينكرها المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة الذين ساروا على منهج مشركي قريش الذين يكفرون بالرحمن ويلحدون في أسماء الله.
وقد قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ فأثبت لنفسه الأسماء الحسنى، وأمر أن يدعى بها، وكيف يدعى بما لا يسمى به ولا يفهم معناه على زعم هؤلاء؟! وتوعد هؤلاء الذين يلحدون في أسمائه فينفونها عنه أو يؤولونها عن معانيها الصحيحة بأنه سيجزيهم على عملهم بالعقاب والعذاب.
كما وصفهم بالكفر في قوله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ }؛ فلهذا كفر الجهمية كثير من أهل السنة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان واللالكائي الإمام حكاه عنهم بل قد حكاه قبله الطبراني

وجوب احترام أسماء الله سبحانه وتعالى


قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وقال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
يخبر تعالى أن أسماءه حسنى؛ أي: حسان، قد بلغت الغاية في الحسن، فلا أحسن منها؛ لما تدل عليه من صفات الكمال ونعوت الجلال؛ فهي أحسن الأسماء وأكملها.
وأسماؤه سبحانه توقيفية؛ فلا يجوز لنا أن نسميه إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: {فادعوه بها} أي: اسألوه وتوسلوا إليه بها؛ كما تقول: اللهم! اغفر لي وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم.
وأسماؤه سبحانه كثيرة لا تحصر ولا تحد بعدد، منها ما استأثر الله بعلمه فلا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل؛ كما في الحديث الصحيح: "أسألك بكل اسم هو لك؛ سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك".
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "فجعل أسماءه ثلاثة أقسام: قسم سمى به نفسه فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم ولم ينزل به كتابه، وقسم أنزل به كتابه وتعرف به إلى عباده، وقسم استأثر به في علم غيبه فلم يطلع عليه أحدا من خلقه".
وقوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}؛ أي: أعرضوا عنهم واتركوهم؛ فإن الله سيتولى جزاءهم، ولهذا قال: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }، ومعنى {يلحدون في أسمائه}؛ أي: يميلون بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها.
والإلحاد بأسماء الله أنواع :


أحدها. أن يسمى بها الأصنام؛ كتسميتهم اللات من الإله، والعزى من العزيز، وتسميتهم الصنم إلها.
الثاني. تسميته بما لا يليق بجلاله؛ كتسمية النصارى له أبا، وتسمية الفلاسفة له موجبا بذاته أو علة فاعلة بالطبع.
الثالث. وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص؛ كقول أخبث اليهود: إنه فقير، وانه استراح يوم السبت، وقولهم: يد الله مغلولة.
والرابع. تعطيل أسماء الله الحسنى عن معانيها وجحد حقائقها؛ كقول الجهمية وأتباعهم: إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني، فيطلقون عليه اسم السميع البصير، ويقولون: لا سمع له ولا بصر مثلا، وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلا وشرعا، وهو يقابل إلحاد المشركين؛ فإن المشركين أعطوا من أسمائه وصفاته لآلهتهم، وهؤلاء سلبوا كماله وعطلوا أسماءه وصفاته.
والواجب إثبات أسمائه وصفاته واعتقاد ما تدل عليه من صفات كماله ونعوت جلاله؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، على حد قوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
والواجب احترام أسمائه من أن يسمى بها غيره، وذلك من تحقيق التوحيد.
فعن أبي شريح: أنه كان يكنى أبا الحكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو الحكم، وإليه الحكم فقال إن قومي كانوا إذا اختلفوا في شيء؛ أتوني، فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين فقال ما أحسن هذا! فما لك من الولد؟ قلت شريح ومسلم وعبد الله قال فمن أكبرهم؟ قلت شريح قال فأنت أبو شريح ). رواه أبو داود وغيره.
فغير النبي صلى الله عليه وسلم كنيته من أجل احترام أسماء الله؛ لأن الله هو الحكم على الإطلاق، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}، وهو الحكم في الدنيا والآخرة، يحكم في الدنيا بين خلقه بوحيه الذي أنزله على أنبيائه، ويحكم بينهم يوم القيامة بعلمه فيما اختلفوا فيه، وينصف المظلوم من الظالم.
وفي هذا الحديث دليل على المنع من التسمي بأسماء الله تعالى المختصة به، والمنع مما يوهم عدم الاحترام لها؛ كالتكني بأبي الحكم ونحوه.

ومن احترام أسماء الله أن لا يقول الإنسان لمملوكه: عبدي وأمتي؛ لما في لك من إيهام المشاركة في الربوبية.


وفي "الصحيح"عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقل أحدكم أطعم ربك! وضيء ربك! وليقل سيدي ومولاي، ولا يقل أحدكم عبدي وأمتي، وليقل فتاي وفتاتي وغلامي ).
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الألفاظ (ربك) (عبدي) (أمتي)؛ لأنها توهم التشريك مع الله، وسدا للذريعة، وحسما لمادة الشرك، وأرشد المالك أن يقول: فتاي وفتاتي، والعبد أن يقول: سيدي ومولاي.

ومن احترام أسماء الله سبحانه أن لا يرد من سأل بالله.


عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استعاذ بالله؛ فأعيذوه، ومن سأل بالله؛ فأعطوه ).
لأن منع من سأل بالله يدل على عدم إجلال الله، وفي إعطائه دليل على تعظيم الله والتقرب إليه سبحانه.
ومن احترام أسماء الله تعالى أنه لا يسأل بوجه الله تعالى إلا الجنة؛ إجلالا له وإكراما له وتعظيما له.
عن جابر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ). رواه أبو داود.
فلا يسأل بوجه الله تعالى ما هو حقير من حوائج الدنيا، وإنما يسأل به ما هو غاية المطالب، وهو الجنة، أو ما هو وسيلة إلى الجنة مما يقرب إليها من قول أو عمل.



ومن احترام أسماء الله أن لا يكثر الحلف بها.


قال الله تعالى: {واحفظوا أيمانكم }؛ قال ابن عباس: يريد: لا تحلفوا. لأن كثرة الحلف تدل على الاستخفاف بالله وعدم التعظيم له، وذلك مما ينافي كمال التوحيد الواجب.
وعن سلمان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه). رواه الطبراني بسند صحيح.
ومعنى "جعل الله بضاعته"؛ أي: جعل الحلف بالله بضاعته؛ ففيه شدة الوعيد على كثرة الحلف؛ لأن ذلك يدل على الاستخفاف بحق الله تعالى وعدم احترام أسمائه.



ومن إجلال الله وتعظيمه أنه لا يستشفع به على خلقه؛ لما في ذلك من تنقصه سبحانه؛ لأن المستشفع به يكون أقل درجة من المشفوع عنده.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: إنما يشفع عند من هو أعلى منه، تعالى الله عن ذلك.
وقد جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشكى إليه القحط وهلاك الأموال، وطلب منه أن يستسقي لهم، وقال: فإنا نستشفع بالله عليك وبك على الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله! سبحان الله! فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال ويحك! أتدري ما الله؟! إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه). رواه أبو داود.
فشأن الله عظيم وهو الذي يشفع عنده بإذنه سبحانه.



منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته

منهج الجهمية وتلاميذهم في أسماء الله وصفاته

الرد على المنحرفين عن منهج السلف في أسماء الله وصفاته من المشبهة والمعطلة

قاسم علي
03-26-2005, 07:10 PM
سمعنا من بعض العلماء أن أهل السنة والجماعة يتأولون بعض الآيات التي في الصفات فهل هذا صحيح أن مذهبهم التأويل أم أنهم يضطرون إلى ذلك أفيدونا أفادكم الله؟
الصواب الذي أقره أهل العلم من أهل السنة والجماعة أنه لا تأويل في آيات الصفات ولا في أحاديثها، وإنما المؤولون هم الجهمية والمعتزلة، والأشاعرة في بعض الصفات، وأما أهل السنة والجماعة المعروفون بعقيدتهم النقية فإنهم لا يؤولون، وإنما يمرون آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت بغير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، لا الاستواء، ولا القدم، ولا اليد، ولا الأصابع، ولا الضحك، ولا الرضا، ولا الغضب، كلها يمرونها كما جاءت مع الإيمان بأنها حق، وأنها صفات لربنا سبحانه وتعالى يجب إثباتها له سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.

وبعض الناس يؤول الضحك بأنه الرضا، ويؤول المحبة بأنها إرادة الثواب، والرحمة كذلك، وهذا كله لا يرضاه أهل السنة والجماعة، بل الواجب إمرارها كما جاءت، وأنها حق، فهو سبحانه يحب محبة حقيقية تليق به لا يشابهها محبة المخلوقين، ويرضى، ويغضب، ويكره، وهي صفات حقيقية قد اتصف بها ربنا على الوجه اللائق به لا يشابه فيها خلقه، كما قال عز وجل:(( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) [الشورى: 11] . وهكذا، يضحك ربنا كما جاء في النصوص ضحكا يليق بجلاله، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، وهكذا استواؤه على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته لا يشابه الخلق في شيء من صفاته سبحانه وتعالى.

والمقصود أن التأويل لا يجوز عند أهل السنة بل الواجب إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت، لكن مع الإيمان بأنها حق، وأنها صفات لله لائقة به، أما التفويض فلا يجوز، والمفوضة قال أحمد فيهم: إنهم شر من الجهمية، والتفويض أن يقول القائل: الله أعلم بمعناها فقط وهذا لا يجوز؛ لأن معانيها معلومة عند العلماء. قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم والكيف مجهول، وهكذا جاء عن الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعن غيره من أهل العلم، فمعاني الصفات معلومة، يعلمها أهل السنة والجماعة؛ كالرضا والغضب والمحبة والاستواء والضحك وغيرها وأنها معاني غير المعاني الأخرى، فالضحك غير الرضا، والرضا غير الغضب، والغضب غير المحبة، والسمع غير البصر، كلها معلومة لله سبحانه لكنها لا تشابه صفات المخلوقين، يقول ربنا سبحانه وتعالى: (( فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ )) [النحل: 74] . ويقول سبحانه: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) [الشورى: 11] .

ويقول عز وجل: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ هذا هو الحق الذي عليه أهل السنة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، ومن تأول ذلك فقد خالف أهل السنة في صفة أو في أكثر.


فتاوى نور على الدرب

الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

قاسم علي
03-26-2005, 07:44 PM
هل معرفة أسماء الله وصفاته جزء من العقيدة ؟ وهل يجب علينا وجوبًا أن ننبه الناس على ما في بعض التفاسير من التأويل والتحريف والتعطيل ؟
نعم؛ أسماء الله وصفاته والإيمان بذلك نوع من أنواع التوحيد، لأن التوحيد ثلاثة أنواع:
توحيد الربوبية،
وتوحيد الألوهية،
وتوحيد الأسماء والصفات:
توحيد الربوبية: المراد به إفراد الله تعالى بأفعاله؛ كالخلق والرزق والإحياء والإماتة وتدبير الخلق.

وتوحيد الألوهية: إفراد الله تعالى بأفعال العباد التي يتقربون بها إليه، إذا كانت على وفق ما جاءت به الشريعة؛ تخلص لله، ولا يكون فيها شرك. هذا توحيد الألوهية.

وتوحيد الأسماء والصفات: أن نثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، نثبت لله ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، أو ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

أما قضية ذكر ما في بعض التفاسير من بعض التأويلات؛ فهذا يبيَّن لطلبة العلم، أما أن يبيَّن لعموم الناس الذين لا يستفيدون من هذا؛ فهذا لا ينبغي؛ لأن هذا يكون من التشويش ومن إشغال الناس بما لا يعرفون، وفي الأثر: "حَدِّثوا النّاسَ بِمَا يَعرِفونَ، أتريدونَ أن يُكَذَّبَ الله ورسولُهُ ؟" [ذكره البخاري في "صحيحه" (1/41] عن علي رضي الله عنه.].
فالعوام لهم طريقة، وطلبة العلم لهم طريقة:
العوامُّ يبلغون مجملات العقيدة ومجملات الأوامر والنواهي والوعد والوعيد والموعظة، ويعلمون أصول الدين وأركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان، يُدَرَّسُون هذه الأصول، ويُحَفَّظُون إياها؛ كما كان في هذه البلاد إلى عهد قريب، كانوا يُحَفَّظُون في المساجد الدين؛ يُحَفَّظُون أركان الإسلام، وأركان الإيمان، ومعنى الشهادتين؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله، يُحَفَّظُون أركان الصلاة وشروط الصلاة وواجباتها، ويُحَفَّظُون ما يحتاجون إليه من أمور دينهم.

أما طلبة العلم؛ فعند الشرح لهم والتوضيح يُبَيَّن لهم التأويل، لكن من غير أن يتعرض للمؤلف، ويقال: المؤلف مبتدع وضال. بل يقال: هذا التفسير خطأ، والصواب كذا، فيه تأويل الآية الفلانية، فيه تأويل الصفة الفلانية؛ من غير أن يتعرض للعلماء، فيبَدَّعون، ويتناول أشخاصهم، هذا لا يستفيد الناس منه، بل هذا يسبب نفرة طلبة العلم من العلماء، ويسبب سوء الظن بالعلماء، والغرض هو بيان الصواب في هذا الخطأ فقط، وليس تناول الأشخاص بالتبديع أو بالتجهيل أو بالتضليل؛ فهذا لا يفيد شيئًا، بل يفيد أمورًا عكسية، ويفيد سوء الظن بالعلماء، ويفيد بلبلة الأفكار، والخوض في أعراض العلماء الميتين والأحياء، هذا لا يأتي بخير.
يُبَيَّنُ الحق لمن يتحمل هذا الشيء من طلبة العلم الذين يفهمون هذا الشيء، أما العوامُّ، فلا يتحملون هذا الشيء، ولا وصلوا إليه، وإنما يُبيَّن لهم ما هم بحاجة إليه من أمور دينهم وأمور عبادتهم وأمور صلاتهم وأمور زكاتهم وأمور صيامهم، وأهم شيء توضيح العقيدة لهم بمعنى مختصر؛ يستفيدون منه، ولا يكون فيه تطويل يثقلهم ويملهم، بل يكون بطريقة مختصرة.

الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

قاسم علي
03-26-2005, 07:45 PM
السؤال : هل ثبت في الشرع المطهر تحديد أسماء الله الحسنى؟ وهل يمكن ذكرها؟ وما هو اسم الله الأعظم؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد:
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]، وقال تعالى: {لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8].
وأسماء الله الحسنى لا يعلم عددها إلا الله سبحانه وتعالى، وليس في القرآن والسنة حصر لها، ويمكن حصر ما ورد في الكتاب والسنة منها.
وقد جمع كثيرًا منها بعض العلماء في رسائل، ونظمها بعضهم؛ كابن القيم في (النونية)، والشيخ حسن بن علي آل الشيخ في منظومته (القول الأسنى في نظم الأسماء الحسنى)، وهي مطبوعة ومتداولة.
وأما اسم الله الأعظم؛ فقد ورد أنه في هاتين الآيتين: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[البقرة: 255]، وقوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 2]، وورد أنه أيضًا في آية ثالثة هي قوله تعالى في سورة طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ}[طه: 111]، وذكر ذلك ابن كثير في "تفسيره".

الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

قاسم علي
03-26-2005, 07:46 PM
سئل فضيلة الشيخ: عن المعية في قوله: ( وهو معكم أينما كنتم ) ؟ هل هي معية ذاتية أو معية علم وإحاطة؟
فأجاب بقوله: نحن نعلم أن الله فوق كل شيء، وأنه استوى على العرش فإذا سمعنا قوله سبحانه: (وهو معكم أينما كنتم) فلا يمكن أن يفهم أحد أنه معنا على الأرض، لا يتصور ذلك عاقل فضلاً عن مؤمن ولكنه معنا سبحانه وهو فوق العرش فوق سماواته.
ولا يستغرب هذا فإن المخلوقات وهي لا تنسب للخالق تكون في السماء ونقول : إنها معنا. فيقول : شيخ الإسلام: تقول العرب :ما زلنا نسير والقمر معنا. ومع ذلك فالقمر مكانه في السماء. فالله مع خلقه، ولكنه في السماء، ومن زعم بأنه مع خلقه في الأرض كما تقول الجهمية فأرى أنه كافر يجب أن يتوب إلى الله، ويقدر ربه حق قدره، ويعظمه حق تعظيمه، وأن يعلم أنه سبحانه وسع كرسيه السماوات والأرض فكيف تكون الأرض محلاً له.

وقد جاء في الحديث: " ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض" . والحلقة الصغيرة. مع أن العرش مخلوق والكرسي مخلوق، فما بالك بالخالق سبحانه. فكيف يقال : إن الأرض تسع الله سبحانه أو أنه في الأرض، ومن مخلوقاته سبحانه ما وسع السماوات والأرض، ولا يقول : عن رب العزة مثل هذه المقولات إلا من لا يقدر الله حق قدره، ولم يعظمه حق تعظيمه. بل الرب عز وجل فوق كل شيء مستو على عرشه وهو سبحانه بكل شيء عليم.

الشيخ محمد بن صالح العثيمين

قاسم علي
03-26-2005, 07:47 PM
سئل فضيلة الشيخ : عن قول بعض الناس إذا سئل " أين الله " ؟ قال: " الله في كل مكان". أو " موجود". فهل هذه الإجابة صحيحة على إطلاقها؟
فأجاب بقوله : هذه إجابة باطلة لا على إطلاقها ولا تقييدها فإذا سئل أين الله؟ فليقل: "في السماء"، كما أجابت بذلك المرأة التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم " أين الله؟" قالت: في السماء .
وأما من قال: "موجود" فقط. فهذا حيدة عن الجواب ومراوغة منه.
وأما من قال: "إن الله في كل مكان". وأراد بذاته فهذا كفر لأنه تكذيب لما دلت عليه النصوص، بل الأدلة السمعية، والعقلية، والفطرية من أن الله تعالى عليٌّ على كل شيء وأنه فوق السماوات مستو على عرشه.

الشيخ محمد بن صالح العثيمين

قاسم علي
03-26-2005, 07:47 PM
سئل فضيلة الشيخ: عن عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته؟ وعن الفرق بين الاسم والصفة؟ وهل يلزم من ثبوت الاسم ثبوت الصفة؟ ومن ثبوت الصفة ثبوت الاسم؟
فأجاب بقوله: عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته هي إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات من غير تحريف، ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
والفرق بين الاسم والصفة : أن الاسم : ما سمي الله به، والصفة : ما وصف الله به. وبينهما فرق ظاهر.
فالاسم يعتبر علماً على الله عز وجل متضمناً للصفة.
ويلزم من إثبات الاسم إثبات الصفة. مثاله: ( إن الله غفور رحيم)(غفور) اسم يلزم منه المغفرة و (رحيم) يلزم منه إثبات الرحمة. ولا يلزم من إثبات الصفة إثبات الاسم، مثل الكلام لا يلزم أن نثبت لله اسم المتكلم، بناء على ذلك تكون الصفات أوسع، لأن كل اسم متضمن لصفة وليست كل صفة متضمنة لاسم.

الشيخ محمد بن صالح العثيمين

قاسم علي
03-26-2005, 07:50 PM
عما يتعلمه طلبة المدارس في بعض البلاد الإسلامية من أن مذهب أهل السنة هو " الإيمان بأسماء الله تعالى، وصفاته، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل". وهل تقسيم أهل السنة إلى قسمين: مدرسة ابن تيمية وتلاميذه، ومدرسة الأشاعرة والماتريدية تقسيم صحيح؟ وما موقف المسلم من العلماء المؤولين؟
لا شك أن ما يتعلمه الطلبة في المدارس من أن مذهب أهل السنة هو: ( الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ). هو المطابق للواقع بالنسبة لمذهب أهل السنة، كما تشهد بذلك كتبهم المطولة والمختصرة، وهو الحق الموافق لما جاء في الكتاب والسنة، وأقوال السلف، وهو مقتضى النظر الصحيح، والعقل الصريح، ولسنا بصدد سرد أفراد الأدلة في ذلك، لعدم طلبه في السؤال، وإنما نجيب على ما طلب وهو تقسيم أهل السنة إلى طائفتين في مدرستين:
إحداهما: مدرسة ابن تيمية وتلاميذه، المانعين لصرف النصوص عن ظواهرها.
الثانية: مدرسة الأشاعرة والماتريدية، الموجبين لصرفها عن ظواهرها في أسماء الله وصفاته.
فنقول: من المعلوم أن بين هاتين المدرستين اختلافاً بيناً في المنهاج فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، فالمدرسة الأولى يقرر معلموها وجوب إبقاء النصوص على ظواهرها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، مع نفي ما يجب نفيه عن الله تعالى، من التمثيل أو التكييف، والمدرسة الثانية يقرر معلموها وجوب صرف النصوص عن ظواهرها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته.
وهذان المنهاجان متغايران تماماً، ويظهر تغايرهما بالمثال التالي:
قال الله تعالى:( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) .
وقال فيما حكاه عن معاتبة إبليس حين أبى أن يسجد لآدم بأمر الله: ( يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي).(فقد اختلف معلمو المدرستين في المراد باليدين اللتين أثبتهما الله تعالى لنفسه.
فقال أهل المدرسة الأولى: يجب إبقاء معناهما على ظاهره، وإثبات يدين حقيقيتين لله تعالى، على وجه يليق به.
وقال أهل المدرسة الثانية: يجب صرف معناهما عن ظاهره، ويحرم إثبات يدين حقيقيتين لله تعالى، ثم اختلفوا في المراد بهما هل هو القوة، أو النعمة.
وبهذا المثال يتبين أن منهاجي أهل المدرستين مختلفان متغايران، ولا يمكن بعد هذا التغاير أن يجتمعا في وصف واحد، هو "أهل السنة".
إذاً فلابد أن يختص وصف أهل السنة بأحدهما دون الآخر، فلنحكم بينهما بالعدل، ولنعرضهما على ميزان القسط وهو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة، والتابعين لهم بإحسان من سلف الأمة وأئمتها. وليس في هذا الميزان ما يدل بأي وجه من وجوه الدلالة، المطابقة، أو التضمن، أو الالتزام صريحاً أو إشارة على ما ذهب إليه أهل المدرسة الثانية، بل في هذا الميزان ما يدل دلالة صريحة، أو ظاهرة، أو إشارية على ما ذهب إليه أهل المدرسة الأولى، وعلى هذا فيتعين أن يكون وصف أهل السنة خاصاً بهم لا يشاركهم فيه أهل المدرسة الثانية، لأن الحكم بمشاركتهم إياهم جور، وجمع بين الضدين، والجور ممتنع شرعاً، والجمع بين الضدين ممتنع عقلاً.
وأما قول أهل المدرسة الثانية (المؤولين ) : لا مانع من تأويل أسماء الله وصفاته إذا لم يتعارض هذا مع نص شرعي.
فنقول: مجرد صرف اللفظ عن ظاهره بلا دليل شرعي مخالف للدليل، وقول على الله تعالى بلا علم وقد حرم الله تعالى ذلك في قوله: ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) . وقوله:( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ) . وهؤلاء المؤولون لأسماء الله تعالى وصفاته ليس لهم علم مأثور فيما أولوها إليه، ولا نظر معقول، سوى شبه يحتجون بها يناقض بعضها بعضاً، ويلزم عليها من النقص في ذات الله تعالى وصفاته، ووحيه أكثر مما زعموه من النقص في إثباتها على ظاهرها، وليس هذا موضع البسط في ذلك.
وإنما المقصود بيان أن وصف (أهل السنة) لا يمكن أن يعطى لطائفتين يتغاير منهاجهما غاية التغاير، وإنما يستحقه من كان قوله موافقاً للسنة فقط، ولا ريب أن أهل المدرسة الأولى (غير المؤولين) أحق بالوصف المذكور من أهل المدرسة الثانية (المؤولين)، لمن نظر في منهاجيهما بعلم وإنصاف فلا يصح تقسيم أهل السنة إلى الطائفتين بل هم طائفة واحدة.
وأما احتجاجهم بقول ابن الجوزي في هذا الباب فنقول : أقوال أهل العلم يحتج لها ولا يحتج بها، فليس قول واحد من أهل العلم بحجة على الآخرين.
وأما قولهم : إن الإمام أحمد أول في حديث: " قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن" . وحديث: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض". وقوله تعالى: ( وهو معكم أينما كنتم) .
فنقول: لا يصح عن الإمام أحمد رحمه الله أنه تأول الحديثين المذكورين قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوي ص 398 ج 5 من مجموع ابن القاسم: " وأما ما حكاه أبو حامد الغزالي من أن أحمد لم يتأول إلا في ثلاثة أشياء "الحجر الأسود يمين الله في الأرض" و"قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن". و"إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن"، فهذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحد عنه بإسناد، ولا يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه". ا.هـ.
وأما قوله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم). فإن الإمام أحمد لم يتأولها وإنما فسرها ببعض لوازمها، وهو العلم رداً على الجهمية، الذين فسروها بخلاف المراد بها، حيث زعموا أنها تقتضي كون الله تعالى في كل مكان بذاته تعالى الله عن قولهم فبين رحمه الله تعالى أن المعية هنا بمعنى الإحاطة بالخلق التي من جملتها العلم بهم. وذلك أن المعية لا تقتضي الحلول والاختلاط بل هي في كل موضع بحسبه، ولهذا يقال:سقاني لبناً معه ماء. ويقال: صليت مع الجماعة. ويقال : فلان معه زوجته.
ففي المثال الأول: اقتضت المزج والاختلاط، وفي الثاني اقتضت المشاركة في المكان والعمل بدون اختلاط، وفي الثالث اقتضت المصاحبة وإن لم يكن اشتراك في مكان أو عمل، وإذا تبين أن معنى المعية يختلف بحسب ما تضاف إليه، فإن معية الله تعالى لخلقه تختلف عن معية المخلوقين لمثلهم، ولا يمكن أن تقتضي المزج والاختلاط أو المشاركة في المكان، لأن ذلك ممتنع على الله عز وجل لثبوت مباينته لخلقه وعلوه عليهم. وعلى هذا يكون معنا وهو على العرش فوق السماوات، لأنه محيط بنا علماً، وقدرة، وسلطاناً، وسمعاً، وبصراً، وتدبيراً، وغير ذلك مما تقتضيه ربوبيته، فإذا فسرها مفسر بالعلم لم يخرج بها عن مقتضاها، ولم يكن متأولاً إلا عند من يفهم من المعية المشاركة في المكان أو المزج والاختلاط على كل حال. وقد سبق أن هذا ليس بمتعين في كل حال. هذا بالنسبة لما نقل عن الإمام أحمد في تأويل هذه النصوص الثلاثة .
أما بالنظر لها من حيث هي فقد تقدم قريباً أنه لا تأويل في الآية الكريمة إذا فسرها مفسر بالعلم، لأنه تفسير لها ببعض مقتضياتها لا تقل لها عن المعنى الذي تقتضيه.
وأما حديث: " إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء " . فقد رواه مسلم في صحيحه في كتاب القدر في الباب الثالث منه رقم 17 ص 2045، وليس فيه تأويل عند أهل السنة والجماعة حيث يؤمنون بما دل عليه من إثبات الأصابع لله تعالى على الوجه اللائق به، ولا يلزم من كون قلوبنا بين أصبعين منها أن تماس القلب، فإن السحاب مسخر بين السماء والأرض ولا يمس السماء ولا الأرض، فكذلك قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن ولا يستلزم ذلك المماسة.
وأما حديث: " الحجر الأسود يمين الله في الأرض". فقد قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي ص 397 ج 6 من مجموع ابن قاسم: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يثبت، والمشهور إنما هو عن ابن عباس. قال: " الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه ". وفي ص 44 ج 3 من المجموع المذكور: "صريح في أن الحجر الأسود ليس هو صفة الله ولا نفس يمينه، لأنه قال :" يمين الله في الأرض" فقيده في الأرض ولم يطلق فيقل : يمين الله ، وحكم اللفظ المقيد يخالف المطلق. وقال: " فمن قبله وصافحه فكأنما صافح الله وقبل يمينه"، ومعلوم أن المشبه غير المشبه به" . ا.هـ.
قلت: وعلى هذا فلا يكون الحديث من صفات الله تعالى التي أولت إلى معنى يخالف الظاهر فلا تأويل فيه أصلاً.
وأما قولهم : إن هناك مدرستين: إحداهما مدرسة ابن تيمية فيقال: نسبة هذه المدرسة إلى ابن تيمية توهم أنه لم يسبق إليها، وهذا خطأ فإن ما ذهب إليه ابن تيمية هو ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الأمة، فليس هو الذي أحدث هذه المدرسة كما يوهمه قول القائل الذي يريد أن يقلل من شأنها، والله المستعان.
وأما موقفنا من العلماء المؤؤلين فنقول: من عرف منهم بحسن النية وكان لهم قدم صدق في الدين، واتباع السنة فهو معذور بتأويله السائغ، ولكن عذره في ذلك لا يمنع من تخطئة طريقته المخالفة لما كان عليه السلف الصالح من إجراء النصوص على ظاهرها، واعتقاد ما دل عليه ذلك الظاهر من غير تكييف، ولا تمثيل، فإنه يجب التفريق بين حكم القول وقائله، والفعل وفاعله، فالقول الخطأ إذا كان صادراً عن اجتهاد وحسن قصد لا يذم عليه قائله، بل يكون له أجر على اجتهاده ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". متفق عليه، وأما وصفه بالضلال فإن أريد بالضلال الضلال المطلق الذي يذم به الموصوف، ويمقت عليه، فهذا لا يتوجه في مثل هذا المجتهد الذي علم منه حسن النية، وكان له قدم صدق في الدين واتباع السنة، وإن أريد بالضلال مخالفة قوله للصواب من غير إشعار بذم القائل فلا بأس بذلك، لأن مثل هذا ليس ضلالاً مطلقاً، لأنه من حيث الوسيلة صواب، حيث بذل جهده في الوصول إلى الحق، لكنه باعتبار النتيجة ضلال حيث كان خلاف الحق .
وبهذا التفصيل يزول الإشكال والتهويل، والله المستعان.

الشيخ محمد بن صالح العثيمين

قاسم علي
03-26-2005, 07:51 PM
هناك طائفة من المنتسبين للدعوة الإسلامية يرون عدم التحدث عن توحيد الأسماء والصفات بحجة أنه يسبب فرقة بين المسلمين ويشغلهم عن واجبهم وهو الجهاد الإسلامي ، ما مدى صحة تلك النظرة؟
هذه النظرة خاطئة ، فقد أوضح الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أسماءه وصفاته ونوه بذلك ليعلمها المؤمنون ويسموه بها ويصفوه بها ويثنوا عليه بها سبحانه وتعالى . قد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبه وفي أحاديثه مع أصحابه بذكره لأسماء الله وصفاته وثنائه على الله بها وحثه على ذلك عليه الصلاة والسلام .

فالواجب على أهل العلم والإيمان أن ينشروا أسماءه وصفاته وأن يذكروها في خطبهم ومؤلفاتهم ووعظهم وتذكيرهم؛ لأن الله سبحانه بها يعرف وبها يعبد ، فلا تجوز الغفلة عنها ولا الإعراض عن ذكرها بحجة أن بعض العامة قد يلتبس عليه الأمر أو لأن بعض أهل البدع قد يشوش على العامة في ذلك بل يجب كشف هذه الشبهة وإبطالها وبيان أن الواجب إثبات أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بالله جل وعلا من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل حتى يعلم الجاهل الحكم في ذلك وحتى يقف المبتدع عند حده وتقام عليه الحجة .

وقد بين أهل السنة والجماعة في كتبهم أن الواجب على المسلمين ولا سيما أهل العلم إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت ، وعدم تأويلها وعدم تكييف صفات الله عز وجل بل يجب أن تمر كما جاءت مع الإيمان بأنها حق وأنها صفات لله وأسماء له سبحانه وأن معانيها حق موصوف بها ربنا عز وجل على الوجه اللائق به كالرحمن والرحيم والعزيز والحكيم والقدير والسميع والبصير إلى غير ذلك . فيجب أن تمر كما جاءت مع الإيمان بها واعتقاد أنه سبحانه لا مثيل له ولا شبيه له ولا كفو له سبحانه وتعالى ولكن لا نكيفها؛ لأنه لا يعلم كيفية صفاته إلا هو ، فكما أنه سبحانه له ذات لا تشبه الذوات ولا يجوز تكييفها فكذلك له صفات لا تشبه الصفات ولا يجوز تكييفها . فالقول في الصفات كالقول في الذات يحتذى حذوه ويقاس عليه ، هكذا قال أهل السنة جميعا من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم رضي الله عنهم جميعا ، قال سبحانه : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) وقال سبحانه : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) وقال عز وجل : ( فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) وقال سبحانه : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) الآية ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .

الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

قاسم علي
06-08-2006, 06:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الحبر الحجة الثقة، الإِمام الأعظم، شيخ الإِسلام والمسلمين، محيي السنة في العالمين، الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله له الثواب .
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى عبد الله بن سحيم حفظه الله تعالى، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فقد وصل كتابك تطلب شيئاً من معنى كتاب المويس، الذي أرسل لأهل الوشم، وأنا أجيبك عن الكتاب جملة، فإن كان الصواب فيه، فنبهني وأرجع إلى الحق، وإن كان الأمر كما ذكرت لك، من غير مجازفة، بل أنا مقتصر؛ فالواجب على المؤمن: أن يدور مع الحق حيث دار، وذلك أن كتابه مشتمل على الكلام، في ثلاثة أنواع من العلوم؛ الأول: علم الأسماء والصفات؛ الذي يسمى: علم أصول الدين؛ ويسمى أيضاً: العقائد؛ والثاني: الكلام على التوحيد، والشرك؛ والثالث: الاقتداء بأهل العلم، واتباع الأدلة، وترك ذلك .
أما الأول: فإنه أنكر على أهل الوشم، إنكارهم على من قال: ليس بجوهر، ولا جسم، ولا عرض؛ وهـذا الإِنكار، جمع فيه بين اثنتين، إحداهما: أنه لم يفهم كلام ابـن عيدان، وصـاحبه؛ الثانية: أنه لم يفهم صـورة المسـألـة، وذلك: أن مذهب الإِمام أحمد، وغيره من السلف، أنهم لا يتكلمون في هذا النوع، إلا بما تكلم الله به ورسوله، فما أثبته الله لنفسه، أو أثبته رسوله، أثبتوه؛ مثل الفوقية، والاستواء، والكلام والمجيء، وغير ذلك؛ وما نفاه الله عن نفسه، ونفاه عنـه رسولـه، نفـوه؛ مثل: المثل، والند، والسمي، وغير ذلك .
وأما: ما لا يوجد عن الله، ورسوله، إثباته، ولا نفيه؛ مثل: الجوهر، والجسم، والعرض؛ والجهة، وغير ذلك، لا يثبتونه، فمن نفاه، مثل صاحب الخطبة، التي أنكرها ابن عيدان، وصاحبه، فهو عند أحمد، والسلف مبتدع؛ ومن أثبته، مثل: هشام بن الحكم، وغيره، فهو عندهم مبتدع؛ والواجب عندهم: السكوت عن هذا النوع، اقتداء بالنبي  وأصحابه، هذا معنى كلام الإِمام أحمد، الذي في رسالة: المويس، أنه قال: لا أرى الكلام إلا ما ورد عن النبي ، فمن العجب: استدلاله بكلام الإِمام أحمد على ضده؛ ومثله في ذلـك، كمثل حنفي، يقول: المـاء الكثيـر، ولـو بلغ قلتين، ينجس بمجرد الملاقاة، من غير تغير؛ فإذا سئل عن الدليل، قال قوله : ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) فيستدل
بدليل خصمه، فهل يقول هذا، من يفهم ما يقول ؟ وأنا أذكر لك كلام الحنابلة، في هذه المسألة .
قال الشيخ: تقي الدين _ بعد كلام له، على من قال: إنه ليس بجوهر، ولا عرض، ككلام صاحب الخطبة _ قال، رحمـه الله: فهذه الألفـاظ، لا يطلق إثبـاتها، ولا نفيهـا؛ كلفظ: الجوهر، والجسم، والتحيز، والجهة، ونحو ذلك، من الألفاظ، ولهذا: لما سئل ابن سريج، عن التـوحيد، فذكر توحيد المسلمين، قال: وأما توحيد أهل الباطل، فهو الخوض في الجواهر، والأعراض؛ وإنما بعث النبي  بإنكار ذلك؛ وكلام السلف، والأئمـة، في ذم الكـلام، وأهله: مبسوط في غير هذا الموضع .
والمقصود: أن الأئمة، كأحمد، وغيره، لما ذكر لهم أهل البدع، الألفاظ المجملة، كلفظ: الجسم، والجوهر، والحيز، لم يوافقـوهم، لا على إطلاق الاثبـات، ولا على إطلاق النفي؛ انتهى كلام الشيخ تقي الدين .
إذا تدبرت هذا، عرفت: أن إنكـار ابن عيدان، وصاحـبه، على الخطيب: الكلام في هذا، هو عين الصواب، وقد اتبعا في ذلك إمامهما أحمد بن حنبل، وغيره، في إنكارهم ذلك على المبتدعة، ففهم صاحبكم أنهما يريدان إثبات ضد ذلك، وأن الله جسم، وكذا، وكذا، تعالى الله عن ذلك؛ وظن أيضاً: أن عقيدة أهـل السنة، هي نفي أنـه لا جسم، ولا
جوهر، ولا كذا، ولا كذا، وقد تبين لكم الصواب، أن عقيدة أهل السنة، هي السكوت؛ من أثبت بدعوه، ومن نفى بدعـوه؛ فالذي يقـول: ليس بجسم، ولا، ولا، هم: الجهمية، والمعتزلـة؛ والذين يثبتون ذلك، هـو: هشام، وأصحابه؛ والسلف بريئون من الجميع؛ من أثبت بدعـوه، ومن نفى بدعـوه، فالمويس، لم يفهم كلام الأحياء، ولا كلام الأموات، وجعل النفي الذي، هو مذهب الجهمية، والمعتزلة ، مذهب السلف؛ وظن أن من أنكـر النفي، أنـه يـريـد الإِثبـات، كهشام وأتباعه؛ ولكن أعجب من ذلك: استدلاله على ما فهم، بكلام أحمد المتقدم؛ ومن كلام أبي الوفاء ابن عقيل قال: أنـا أقطع أن أبـا بكر، وعمر، ماتـا، ما عـرفا الجـوهر، والعرض؛ فإن رأيت: أن طريقة أبي علي الجبـائي، وأبي هـاشم، خير لـك من طريقـة أبي بكر، وعمر، فبئس مـا رأيت، انتهى .
وصاحبكم يدعي: أن الرجل لا يكون من أهل السنة، حتى يتبع أبا علي، وأبا هاشم، بنفي الجوهر، والعرض؛ فإن أنكر الكلام فيهما، مثل أبي بكر، وعمر، فهو عنده على مذهب: هشام، الرافضي؛ فظهر بما قررناه: أن الخطيب، الذي يتكلم بنفي العرض، والجـوهـر، أخـذه من مـذهب الجهمية، والمعتزلة، وأن ابن عيدان، وصاحبه أنكرا ذلك، مثل ما أنكره: أحمد، والعلماء، كلهم، على أهل البدع.
وقوله، في الكتاب: ومذهب أهل السنة: إثبات من غير تعطيل، ولا تجسيم، ولا كيف، ولا أين، إلى آخره؛ وهذا من أبين الأدلة، على أنه لم يفهم عقيدة الحنابلة، ولم يميز بينها وبين عقيدة المبتدعة؛ وذلك أن إنكار الأين، من عقائد أهل الباطل، وأهل السنة يثبتونه، اتباعاً لرسول الله ، كما في الصحيح، أنه قال للجارية: ((أين الله ؟)) فزعم هـذا الرجل أن إثباتها، مذهب المبتدعة؛ وأن إنكارها مذهب أهل السنة، كما قيل، وعكسه، بعكسه؛ وأما الجسم، فتقـدم الكلام: أن أهل الحق لا يثبتونه، ولا ينفونه؛ فغلط عليهم في إثباته، وأما التعطيل، والكيف، فصدق في ذلك، فجمع لكـم أربعة ألفاظ، نصفها حق من عقيدة الحق، ونصفها باطل من عقيدة الباطل، وساقها مساقاً واحداً، وزعم: أنه مذهب أهل السنة؛ فجهل وتناقض .
وقوله، أيضـاً: ويثبتون مـا أثبته الـرسـول ، من السمـع، والبصر، والحيـاة، والقـدرة، والإِرادة، والعلم، والكـلام، إلى آخـره؛ وهـذا، أيضـاً: من أعجب جهله وذلك: أن هذا مذهب طائفة، من المبتدعة، يثبتون الصفات السبع، وينفون ما عداها، ولو كان في كتاب الله، ويؤلونه؛ وأما أهل السنة، فكل ما جاء عن الله، ورسـوله: أثبتوه؛ وذلك صفات كثيرة، لكن أظنه نقل هذا، من كلام المبتدعة وهو لا يميز بين كلام أهل الحق، من كلام أهل الباطل.
إذا تقرر هذا: فقد ثبت خطؤه من وجوه؛ الأول: أنه
لم يفهم الرسالة، التي بعثت إليه؛ الثاني: أنه بهت أهلها، بإثبات الجسم، وغيره؛ الثالث: أنه نسبهم إلى الرافضـة؛ ومعلوم: أن الرافضة من أبعد الناس، عن هذا المذهب، وأهله؛ الـرابـع: أنه نسب من أنكر هـذه الألفاظ، إلى الرفض، والتجسيم؛ وقد تبين: أن الإِمام أحمد، وجميع السلف: ينكرونه؛ فلازم كلامه: أن مذهب الإمام أحمد، وجميع السلف: مجسمة، على مذهب الرفض، الخامس: أنه نسب كلامهما، إلى الفرية الجسمية؛ فجعل عقيدة إمامه، وأهل السنة فـرية جسمية؛ السادس: أنـه زعم أن البدع، اشتعلت في عصر الإمام أحمد، ثم ماتت حتى أحياها أهل: الوشم؛ فمفهوم كلامه، بل صريحه: أن عصر الإِمام أحمد، وأمثاله، عصر البدع، والضلال؛ وعصر ابن إسماعيل: عصر السنة، والحق؛ السابع: أنه نسبهما إلى التعطيل؛ والتعطيل إنما هو جحد الصفات؛ الثامن: بهتهما أنهما نسبا من قبلهما من العلمـاء إلى التعطيل، لكونهمـا أنكرا على خطيب من المبتدعة، وهذا من البهتان الظاهر؛ التاسع: أنه نسبهما إلى وراثة هشام الرافضي؛ العاشر: أن المسلم أخو المسلم، فإذا أخطأ أخوه، نصحه سراً، وبين له الصواب، فإذا عاند أمكنه المجـاهرة بالعداوة؛ وهـذا لما راسـلاه، صنف عليهما ما علمت، وأرسله إلى البلدان، إعرفوني، إعرفوني، فإني قد جئت من الشام .
وأما: التناقص، وكون كلامـه: يكذب بعضـه بعضاً،
فمن وجوه؛ منها أنه نسبهما تارة إلى التجسيم، وتارة إلى التعطيل، ومعلوم: أن التعطيل، ضد التجسيم، وأهل هذا، أعداء لأهل هذا، والحق وسط بينهما؛ ومنها: أنه نسبهمـا إلى الجهمية، وإلى المجسمة؛ والجهمية والمجسمة: بينهما من التناقض، والتباعـد، كما بين السـواد والبياض، وأهـل السنة وسط بينهما؛ ومنهـا: أنـه يقـول مذهـب أهـل الحق، إثبـات الصفـات، ثم يقـول: ولا أين، ولا، ولا، وهـذا تناقض؛ ومنها: أنه يقول، ما أثبته الله ورسـوله أثبت، ثم يخص ذلك بالصفات السبع، فهذا عين التناقض .
فعقيدته: التي نسب لأهل السنة، جمعهـا من نحو أربـع فرق، من المبتدعة، يناقض بعضهم بعضاً، ويسب بعضهم بعضاً؛ ولو فهمت حقيقة هذه العقيدة، لجعلتها ضحكة؛ ومنها: أنه يـذكر عن أحمد، أن الكلام في هـذه الأشياء مذموم، إلا ما نقل عن رسول الله  وأصحابه وتابعيهم، ثم ينقل لكم إثبات كلام المبتدعة، ونفيهم، ويتكلم بهذه العقيدة المعكوسة، ويزعم: أنها عقيدة أهل الحق؛ هـذا ما تيسر كتابته عجلاً، على السراج في الليل .
والمأمول فيك: أنك تنظر فيها بعين البصيرة، وتتأمل هذا الأمر، واعرض هذا عليه، واطلب منه الجواب عن كل كلمة من هذا، فإن أجابك بشيء فاكتبه، وإن عرفته باطلاً، وإلا فراجعني فيه أبينه لك، ولا تستحقر هذا الأمر؛ فإن
حرصت عليه جداً، عرفك عقيدة الإِمام أحمد، وأهل السنة، وعقيدة المبتدعة، وصارت هذه الواقعة ، أنفع لك من القراءة في علم العقائد، شهرين أو ثلاثة، بسبب: أن الخطأ، والاختلاف، مما يوضح الحق، ويبين الخطأ فيه .

12d8c7a34f47c2e9d3==