المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة عاجلة لخطباء الجوامع & وأخرى لعامة المسلمين


كيف حالك ؟

اللين
02-08-2005, 10:53 PM
منقول من الساحات


بسم الله الرحمن الرحيم

تَقَصُّد ختم العام بعملٍ صالح
و
تقصد بعض الخطباء سرد أحداث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم في نهاية العام أوبداية العام الجديد وادعاء طي الصحف للعام المنصرم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
أما بعد:
فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحذر من المحدثات في الدين ويكثر من ذلك في خطبه، فكان يقول: (فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وأحسنَ الهدي هديُ محمد e، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار). أخرجه: احمد، ومسلم وغيرهما.
ولقد انتشر بين المسلمين في الأزمنة المتأخرة في مثل هذه الأيام من نهاية العام الهجري؛ ظاهرة محاسبة النفس، وتجديد التوبة، وتقصد ختم العام بعمل صالح وما أشبه ذلك، وكأن لنهاية العام مَزِيَّة خاصة من بين سائر أيام السنة.
وكذلك تخصيص بعض الخطباء آخر جمعة من العام، أو أول جمعة من العام الهجري الجديد بذكر الهجرة النبوية وأحداثها، وسرد أحداث هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وتذكير الناس بمحاسبة أنفسهم وأن السَّنة الماضية انطوت صحيفتها بما فيها من أعمال، وحثهم على العمل الصالح فيما يأتي من السنة الهجرية الجديدة، وكأنهم يبينون للناس أن لهذا الوقت أفضلية في مضاعفة الحسنات.
أقول أنّا لهم؛ أن الصحف تطوى في نهابة كل عام هجري؟
ثم إننا ما عرفنا هذا العمل حدث في القرون المفضلة، وهم أحرص الناس على الخير وعلى إرشاد الناس وتعليمهم، وتسابقهم لأعمال البر.
فلو تُرك هذا الأمر لكل أحدٍ أن يأتي ويخترع من عند نفسه طريقة لتذكير الناس، وذكر أحداث الهجرة النبوية في وقت مخصوص على وجه مخصوص؛ فهذا يعني انتشار المحدثات التي تزيد يوماً بعد يوم إذا لم يُنبِّه عنها أهل العلم.
ولقد أثارني كثرة الرسائل في جهاز النقال (الجوال) بين كثير من المسلمين ذكوراً وإناثاً يُذَكِّرون بعضهم بمحاسبة النفس في هذه الأيام، والإكثار من الأعمال الصالحة في ختام العام الهجري، فشمرت عن ساعدي مستعيناً بالله تعالى، وكتبت هذه السطور، عسى الله أن ينفع بها،فأقول وبالله التوفيق وعليه التكلان:
أولاً:أما محاسبة المرء نفسه في مثل هذه الأيام خصوصاً، أعني في نهاية العام الهجري فقط ثم يترك العنان لنفسه يعمل ما شاء، وتقصد بعضهم بختم العام بعمل صالح!
فهذا أمر غير صحيح، إذ أن المسلم مطالب بمحاسبة نفسه كل لحظة، وكل حين، وعليه أن يكون تواباً (كثير التوبة والإنابة)، قال تعالى في مدح إبراهيم عليه السلام:  إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ .[هود: 75]. والمنيب: المقبل إلى طاعة الله.
وقال تعالى في وصف داود عليه السلام:  اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ . [ص: 17]، والأواب: الرجاع إلى مرضاة الله، وهو الذي يُذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب.
ولقد كان النبي  أكثر الخلق استغفاراً وتوبة، فقد صح في الحديث عن  أنه قال: ( يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله وأستغفره في كل يوم مائة مرة ). أخرجه أحمد.
ويقول : ( والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة ). أخرجه البخاري.
فلو ترك العبد الاستغفار والتوبة ومحاسبة النفس إلى آخر العام؛ فهذا دليل على غفلة قلبه ومواته، لاسيما أن العباد يُخطئون بالليل والنهار.
ففي الحديث القدسي من حديث أبى ذر  عن النبي  فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: [يا عبادي إنكم تُخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم]. رواه مسلم.
والمسلم يجب عليه أن يستشعر مراقبة الله تعالى في كل حين وليس في نهاية العام فحسب، فأعمال العبد ترفع إلى الله تعالى كل يوم وليلة، فهل من العقل أن يرجئ العبد التوبة والإنابة إلى آخر العام الهجري (بزعمهم)؟!
ففي "صحيح مسلم" عن أبي موسى  قال: قام فينا رسول الله  بخمس كلمات، فقال: ( إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل ).
وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : ( إن لله ملائكة يتعاقبون، ملائكة الليل وملائكة النهار، فيجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج إليه الذين كانوا فيكم فيسألهم وهو أعلم، فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم يصلون وأتيناهم يصلون). أخرجه أحمد (2/257) وأصله عند مسلم.
إن إرجاء تذكير الناس بمحاسبة النفس إلى نهاية العام؛ لهو ترك لمراقبة المولى عز وجل؛ الذي لا ينبغي لأحد أن يترك مراقبته سبحانه وتعالى لحظة واحدة ولا أقل من ذلك.
عن أبي هريرة  أن رسول الله  قال: ( تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ). أخرجه مسلم (2565)، والترمذي (747) واللفظ له.
فإذا كانت أعمال العبد تُعرض على الله عز وجل كل يوم إثنين وخميس؛ فهل ينبغي أن تُؤجل التوبة والاستغفار والإنابة، والتزود من الأعمال الصالحة إلى آخر العام؟!
ولا سيما أن الله تعالى يتوب على المسيئين بالليل والمسيئين بالنهار!
فعن أبي موسى  عن النبي  قال: ( إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ). أخرجه مسلم (2758).
وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : ( لله اشد فرحاً بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها ). أخرجه مسلم (2675).
فجملة هذه الأحاديث وأمثالها؛ تبين وجوب التوبة والإنابة والرجوع إلى الحق بمجرد الوقوع في الذنب، لا التأخير والتسويف إلى آخر العام الهجري، فيتقصدون فعل الأعمال الصالحة في نهاية العام الهجري، كما يفعل البعض من المسلمين هداهم الله؛ الذين قد يتهاونون في الصلاة طوال العام، ويسرفون على أنفسهم في المعاصي؛ فإذا دخل رمضان وجدتهم حمامة المسجد.
والتزام بعض الخطباء بالتذكير بالتوبة ومحاسبة النفس في نهاية العام الهجري؛ مما يجعل الناس يتهاونون في أمر التوبة والإسراع بها؛ مع ما في كثير الناس من غفلة وكسل وخمول وتهاون عن التوبة في هذه الأزمنة، ثم إن هذا الفعل مع مرَّ السنون والأزمان يتخذ عبادة، وعيداً يعتاد الناس عليه، فليحذر الدعاة أن يكونوا سبباً في إظهار المحدثات أو إحياء البدع.
ثم إن تقصد آخر العام بعمل صلح فيه إحداث في الدين ما لم يشرعه الله ورسوله ، بأن جعل لنهاية العام خاصية وأفضلية ؛ تُشبه (مثلاً) شهر رمضان، الذي جاءت الأحاديث المتواترة الصحيحة بفضله ومضاعفة الحسنات فيه، وكفضل ليلة القدر، وعشر ذي الحجة ويوم عرفة وعاشوراء، التي جاءت الأخبار بفضل الأعمال فيها ومضاعفة الحسنات كرماً من المولى القدير وفضلاً.
وقد قال : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ). متفق عليه.
والسكوت على هذا يفضي ـ مع مرور الوقت ـ إلى جعل هذا الفعل والعمل؛ معتقداً يُعتقد فيه أنه من السنة.
ومعلوم في الدين؛ أن جميع العبادات توقيفية، فالدين ما شرعه الله وبلغه رسوله ، فلا يجوز لأحدٍ أن يستحسن بفعله شيئاً في الدين.
وجاء عن الشافعي ـ رحمه الله ـ قوله: " من استحسن ـ في الدين ـ فقد شرع، ـ أو قال ـ: فكأنما يشرع في الدين".
ومعناه: أن ينصب من جهة نفسه شرعاً غير شرع المصطفى، يريد؛ أن من أثبت حكماً بأنه مستحسن من غير دليل عن الشارع؛ فهو الشارع لذلك الحكم، حيث لم يأخذه من الشارع.
ثانياً: سرد بعض خطباء الجوامع لأحداث هجرة النبي  نهاية العام الهجري وبداية العام الجديد.
نقول وبالله التوفيق:
عندما تُذكر أحداث هجرته  في هذه الأيام، وتُنسى أو يُغفل عنها بقي أيام السنة؛ فهل هذا العمل يليق بمسلم؛ أن يهجر سيرة المصطفى ، والتأسي بهديه عليه الصلاة والسلام طوال العام؟!
ومعلوم أن سيرته وشمائله عبادة، فله يجوز لمسلم أن يغفل عن سيرة الهادي البشير؟!
ثم، هل كانت هجرته  في نهاية شهر ذي الحجة وبداية المحرم؟!
الجواب معروف لمن قرأ السيرة، أن هجرته  كانت في شهر ربيع الأول، فذِّكْر أحداث قصة الهجرة في نهاية شهر ذو الحجة وبداية شهر المحرم؛ تغيير وتحريف للتاريخ وإعطاء معلومة خاطئة للمسلمين، ومع مرور الأزمان، وجهل الناس وزهدهم في الاطلاع في كتب السيرة، يجعل الأمر ـ غداً البعيد ـ مسلّماً به على هذا الوجه؛ إذا لم يكن هناك من ينبه على ذلك.
ثم تكرار هذا العمل كل عام يجعله غداً من الدين، ويتعبد الناس بإحيائه، ومع السكوت عليه يتطور الأمر حتى يصبح ذكره واجب يُتقرب به إلى الله تعالى، وقد جاءت الشريعة الغرّاء لحماية جانب التوحيد؛ من الشرك والبدع.
وكما حصل لأصحاب إحياء الموالد (إحياءً لمولد النبي )، زعموا أنهم يذكرون سيرة النبي  حتى تطور الأمر بهم للرقص والهزّ، والإشراك بالله في صائدهم ، والغلو في شخص النبي  بالمدح، و إعطاؤه صفة من صفات الله تعالى، وحتى أصبح الإنكار عليهم جريمة في الدين على المُنْكِر، وهذا لا يخفى.
وكمال لا يخفى على أهل العلم وطلابه أن:
"أصل الشرك في بني آدم كان من الشرك بالبشر الصالحين المعظمين فإنهم لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم.
فهذا أول شرك كان في بني آدم و كان في قوم نوح فانه أول رسول بعث إلى أهل الأرض يدعوهم إلى التوحيد و ينهاهم عن الشرك كما قال تعالى و قالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً و لا سواعاً و لا يغوث و يعوق و نسرا و قد أضلوا كثيرا و هذه أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح فلما ماتوا جعلوا الأصنام على صورهم ثم ذهبت هذه الأصنام لما اغرق الله أهل الأرض ثم صارت إلى العرب كما ذكر ذلك ابن عباس و غيره إن لم تكن أعيانها، و إلا فهي نظائرها". "مجموع الفتاوى" لابن تيمية(14/363) لابن تيمية.
ثم أختم رسالتي هذه بأقوال أهل العلم المعتبرين في زماننا هذا، وهم بقية السلف بلا جدال ولا نزاع ـ مختصراً ـ، وإني أحمد الله على توفيقه، حيث وصلتني هذه الفتوى أثناء ما أنا أكتب هذا البحث عصر يوم الإثنين الموافق 27/12/1425هـ من أحد طلاب العلم وهو رئيس مركز دعوة بحي من أحياء مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية ـ حرسها الله ـ، وهذا نص ما وصلني منه عبر رسالة بالهاتف الجوال:
"[تَقَصّد ختم العام بعمل الصالحات غير مشروع]،قاله الشيخان: المفتي والفوزان".
ثم اتصلت بأخي هذا للتثبت، حيث أني فرحت بهذه الفتوى، والتي جاءت كالماء البارد في اليوم القائض للعطشان؛ فأكد لي الخبر، وقال: "وأخبرني احد طلاب العلم، أن الشيخ اللحيدان ـ وإذا أُطلق عُنيَ به رئيس القضاء الأعلى ـ قال: [ بدعة]". ـ يعني تقصد ختم العام بعمل صالح ـ.انتهى.
كتبت هذه الرسالة من باب قوله تعالى:  وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ . [الذاريات: 55].
وقول سبحانه وتعالى:  إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ . [قـ: 37].والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين،،،

كيته
جمال بن فريحان الحارثي
28/12/1425هـ

اللين
02-10-2005, 11:53 AM
للرفع والفائدة
فهذا وقته

12d8c7a34f47c2e9d3==